منذ بداية العام الجاري، أوقفت شركة تويتر من خلال مكتبها في دبي حسابات لنشطاء سياسيين معارضين في منطقة الشرق الأوسط. لم تعلق الشركة بأي تفاصيل حول أسباب أو كيفية استهداف تلك الحسابات رغم نشاط مستخدميها، سواء من مقرها الرئيسي بوادي السليكون أو مقرها المختص بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمدينة دبي.
عن طريق البحث، تمكّنت من توثيق بعض الأساليب المستخدمة في وقف حسابات المستخدمين والتي لم تعلن عنها شركة تويتر حتى الآن أو تضيفها إلى سياساتها المنشورة على موقعها، واتضح لي أن إغلاق الحسابات حدث بدافع "السلوكيات الباعثة على الكراهية" وهو ما سيكشف هذا التحقيق تفاصيله.
البداية
في أواخر شهر سبتمبر/ أيلول 2019، علق تويتر عددًا كبيرًا من حسابات ناطقة بالعربية بدون إبداء أي أسباب لأصحاب مستخدميها. كانت معظم هذه الشكاوى في الأيام التي تلت دعوة للتظاهر ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي وأطلقها الممثل والمقاول محمد علي عن طريق تسجيلات مصورة بثها عبر صفحته على فيسبوك، أفصح فيها عن تفاصيل بعض مشروعات البناء التي شارك فيها مع الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة.
في تلك الأسابيع تصدر هاشتاج #نازلين_الساعة_تلاتة كواحد من أعلى الوسومات المستخدمة.
من ضمن المستخدمين الذين تعطلت حساباتهم على سبيل المثال رسام الجرافيتي المصري جنزير، والذي صمم البوستر الشهير الذي تبنته بعض الحسابات الداعية للتظاهر بما فيهم صفحة المقاول محمد على نفسه، إلى جانب حساب الصحفي عمرو خليفة، الذي يمتلك حسابًا موثقًا في تويتر.
وبتتبع بعض التويتات وجدت أن الحسابات التي علقتها الشركة خلال نهاية سبتمبر، وبداية أكتوبر/ تشرين الأول وصلت لأكثر من 150 حسابًا.
وردًا على تلك الخطوة المفاجئة من تويتر، تواصلت بعض المنظمات مع شركة تويتر من أجل الضغط عليها سواء من خلال مقرها الرئيسي أو فرع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واعتذرت الشركة من خلال تويتة أفادت بأنها علّقت بالفعل مجموعة من حسابات المستخدمين في مصر بالخطأ.
لم تكن تلك الإجابة دقيقة حيث طال تعليق الخدمة بعض من حسابات مصريين يعيشون بالولايات المتحدة وبعض البلدان العربية والأوروبية. ولم تقدم شركة تويتر أي رد أو تفسير آخر على تلك النقطة.
ما كان لافتًا ليس فقط التوقيت الذي شهد تعليق تلك الحسابات حيث أتت في ذروة الدعوة إلى التظاهر أواخر شهر سبتمبر، ولكن أيضًا كانت جميع الحسابات المرصودة كـ "معارِضة" للحكومة المصرية، لذلك، فهذه ستكون السابقة الأولى من نوعها التي تشهد تعليقًا جماعي لحسابات على أساس سياسي، وهو الأمر الذي يشبه تدخلًا تكتيكيًا ميدانيًا للحد من تحرك "قوى معارِضة" ضد نظام.
هذا الأمر ليس مستبعدًا في مستقبل الشركة خصوصًا بعدما أفصح موقع ميدل إيست آي عن أن أحد المسؤولين في تويتر عن المهام التحريرية في الشرق الأوسط، جوردون مكميلان، كان يعمل في الجيش البريطاني كأخصائي في الحروب المعلوماتية.
تويتر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
بالبحث أكثر اكتشفت أن تعليق الحسابات لم يكن دائمًا بدون أسباب، والبعض منهم أيضًا لم يكن في نفس الآونة، أي نهاية سبتمبر.
أثناء محاولات توثيق صحة الادعاءات بتعليق حسابات، ظهر لي نمط آخر لا يقل خطورة عن التدخل للحد من التغريدات المعارضة، وفي النمط الآخر ظلت العديد من الحسابات معلقة رغم فتح تويتر باب الالتماس على قرار التعليق.
جمعت أكثر من ثلاثين رسالة أرسلتها شركة تويتر إلى المستخدمين بتعليق أو تقييد حساباتهم، على مدى شهور، كان مضمونها "اختراق قواعد تويتر"، تحت مسمى "التصرفات التي تدعو للكراهية"، وهي بحسب تويتر "لا يجوز لك الترويج للعنف ضد الأشخاص الآخرين أو مهاجمتهم مباشرة أو تهديهم على أساس العِرق أو السلالة، أو البلد الأصلي، أو التوجّه الجنسي، أو النوع، أو الهوية الجنسية، أو الانتماء الديني، أو السن، أو الإعاقة، أو المرض الخطير".
بتحليل التويتات التي تسببت في تعليق حسابات مستخدميها فوجئت بأن غالبيتها لا تخالف قواعد تويتر، ولكن كان هناك عامل مشترك باحتوائها على شتائم باللغة العربية وكانت في إطار الرد على تغريدات أخرى.
هنا يُطّبِق تويتر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "عقوبات خطاب الكراهية" على أي من الشتائم الدارجة في العامية المصرية، حتى وإن كان محتوى التغريدة لا يخالف قواعد الشركة الداخلية. وهو شيء لا يحدث إذا كُتبت التويتة بنفس محتواها باللغة الانجليزية، حتى وإن تضمّنت شتائم إنجليزية دارجة.
يعتبر هذا تمييزًا ضد مستخدمي اللغة العربية، ليس فقط تمييزًا عنصريًا، ولكن يتماشى تمامًا مع أبوية الأنظمة العربية التي تدقق في اللغة التي يستخدمها معارضوهم أكثر مما يدققون في الانتهاكات التي يمارسونها في حق مواطنيهم، خاصة مع الاعتقاد الطبقي أن اللغة تنقسم إلى لغة شارع ولغة تتسم بالرقي.
استهداف كلمات "عرض وتعريض"
من خلال تحليلي للرسائل التي جمعتها اتضح لي أن شركة تويتر تقوم بتعليق أو تحديد الحسابات عندما يكون الرد علي التغريدات به ألفاظ بذيئة تلقائيًا في أوقات كثيرة.
لم أتمكن من رصد دقيق لبداية هذا الاستهداف ولكنه مُلاحظ منذ أبريل/ نيسان 2019 من خلال تصفح بعض الرسائل التي تم إيقافها.
لاحظت أيضًا أن أبرز الكلمات التي يستهدفها نظام تويتر التلقائي هي "عرص" و "تعريص" و "معرص". و"عرص" كلمة أصلها أقرب لكلمة "قواد" ولكن تحولت إلى وصف سياسي مهين لمن ينافق سياسيًا. وبالإضافة إلى الكلمات الدارجة، يمكن أن يتم تعليق حسابك إذا استخدمت كلمة "عاهرة" أكثر من مرة في الرد على تغريدة.
كلمة "بلاش تعريص" أوقفت الحساب لمدة 12 ساعة.
ليس من الصدفة استهداف هذه الكلمة فهي كلمة توجه لشخصيات عامة كثيرة توالي الحكومات ويوجّه لهم المعارضون هذا الوصف. وواضح أنه يتم تدريب القائمين على برمجيات تويتر الشرق الأوسط وذلك معناه أن العاملين في تويتر الشرق الأوسط متواطئين مع الأنظمة أو أنهم محافظين بطبيعتهم أو مسيسين.
وفي جميع الحالات يعتبر تدريب أنظمة تويتر على هذه الكلمات تمييز ضد المستخدمين العرب وخرق لسياسة شركة تويتر في قوانينها الداخلية المعلنة.
إغلاق الحساب نتيجة سب نادٍ أو فيلم سينمائي
التويت السابق كان ينتقد فيلم Once Upon a Time in Hollywood، بجانب استهداف كلمة "عرص"، كما لم يكن صدفة حيث أن كثيرًا من الرسائل احتوت على كلمة "عرض" وتم إيقافها.
تجارب عملية
تواصلت مع شركة تويتر للرد على ما توصلت له من استنتاجات ولكن لم يجيبوا رغم إدراكهم لهذه النتائج، في تغريدتهم التي اعترفوا فيها إن بعض الحسابات المصرية أغلقت.
يتضح أن نظام تويتر له حسابات معقدة، تفسرها نمط التعليقات يشير إلى أن النظام البرمجي الداخلي يأخذ في الحسبان كم عدد الكلمات البذيئة المستخدمة في التغريدة، وتتزايد احتماليات التعليق أو التحديد أعلى إذا كثرت الألفاظ في الرد على التغريدات لمستخدمين آخرين.
وهذا شيء متغيّر على حسب ما يتم إدخاله من قبل فريق تويتر في الشرق الأوسط، ويبدو أن هناك ترتيب للكلمات، فهناك ألفاظ أقوى وأكثر رفضًا من غيرها.
قررت اختبار هذا عن طريق حسابي الشخصي، اخترت حساب @TwitterMENA كي أتأكد أني لا أخالف قواعد تويتر الداخلية، ثم كتبت "طب يا ريت تبطلوا تعريص، وبطلوا تقفلوا حسابات عشان بيقولوا كلمة عرص وتعريص..".
وبالفعل تم تحديد امتيازات الحساب لمدة 12 ساعة وتم إجباري على مسح التغريدة المخالفة. وقوبل التماسي بالرفض. وكي أتأكد من فرضيتي، أنشأت حسابًا آخر باسم "تيري بيرد" واختبرت هذه المرة بعض العبارات الأخرى بجانب إعادة التجربة:
"هو أنتوا ليه ماسكين في موضوع العاهرة.. الموضوع ده وسخ، العاهرة مضطرة أحيانا.. والشرف مش بس الجنس".
ونرى هنا أن تويتر يغلق الباب على استخدام بعض الألفاظ العادية لمناقشة قضايا مجتمعية مهمة.
كتبت هذه العبارة التي علقت حسابي الجديد إلى الأبد. وهنا حاولت كتابة جملة عادية بدون حتى تلميحات "هو أنت دايمًا معرض للخطر يا أستاذ نبيل، مهم جدًا عرض الحقيقة.. من غير تعريض حد للخطر.. يا كدة يا عرض الحكاية من وجهة نظرك".
خلاصة
يتم استهداف المغردين العرب بطريقة منهجية، تعليق الحسابات الجماعية للمعارضين ليست هينة، ومن الممكن تكرارها في أوقات أخرى.
أما الاستهداف عن طريق تطبيق قواعد تويتر بشكل به تمييز مفرط يعتبر خطة ممنهجة لتكميم أصوات المغردين العرب تصب في مصلحة السلطات والأنظمة.
توصلت لأكثر من عشرين حساب تم إغلاقها نهائيًا بدعوى "اختراق قوانين تويتر" بدون أي فرصة للالتماس أو الشرح لمالكي الحسابات وهذا معناه أن الحسابات المستهدفة من الممكن أن تكون بالمئات أو الآلاف. ورغم مشاركة هذه المعلومات مع تويتر، لم يتم مراجعة التماسات الحسابات التي لم تخرق سياسات تويتر.
لا يكفي أن يعيد تويتر هذه الحسابات بل من المطلوب مراجعة النظام القائم على تعليق الحسابات والسياسات الأبوية المفعلة. لا بد أيضًا من مراجعة حسابات جميع من تم طردهم ومن تم إنذارها بغير حق من على هذه المنصة بسبب سوء إدارة مكتب تويتر الشرق الاوسط وشمال أفريقيا.
دائما ما تصرح شركة تويتر عن عزمها على تطبيق قواعدها بحكمة وبدون انحياز. ولكن هنا نرى تحيّزًا واضحًا ضد كل من يستخدم بعض الألفاظ للتعبير عن رأيه.
معركة الحرية ليست فقط مع الأنظمة القمعية ولكن مع الشركات التي تجعل القمع والتكميم ممكن.