اليوم الخميس، أتم المدون شادي أبو زيد 500 يومًا من الحبس الاحتياطي، المتهم فيها بـ"الانضمام لجماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة عن الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد"، وذلك على ذمة القضية 621 لسنة 2018، على الرغم من إخلاء سبيل عدد من المتهمين في القضية نفسها، منهم الناشط السياسي شريف الروبي والمدون محمد أكسجين والمحامي أحمد صبري أبو علم.
بينما يتم أبو زيد 500 يومًا من الحبس؛ قررت نيابة أمن الدولة أمس الأربعاء، تجديد حبس المتهمين في القضية 930 لسنة 2019، المعروفة إعلاميًا بـ"مخطط اﻷمل"، 15 يومًا على ذمة التحقيقات معهم، عقب يوم واحد فقط من قرار مشابه أصدرته بحق الناشط السياسي المهندس كمال خليل، بالحبس للمدة نفسها على ذمة التحقيقات في قضية أخرى هي 488 لسنة 2019.
ووجهت النيابة لخليل، الذي ألقي القبض عليه من منزله يوم الاثنين الماضي، اتهامات بـ"الانضمام لجماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة"، ومن المقرر أن تستكمل التحقيقات معه يوم السبت المقبل، وفقًا لما ذكره محاميه.
القضايا الثلاث، سواء المتعلقة بالمدون الشاب أو السياسيين والنشطاء، ليست إلاّ نماذج لقضايا صارت بمثابة "ثقب أسود" يبتلع العديد من المتهمين، وتتواصل جلسات التحقيق فيها لشهور وربما لأعوام، يظل خلالها المتهم قيد الحبس الاحتياطي، والذي قد ينتهي في بعض الحالات بإخلاء السبيل، وفقًا لما رصدته المنصّة كما وثّقه محامون وجهات حقوقية، في هذا التقرير.
القضية 488: الصفافير
بدأت القضية 488 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، في شهر مارس/ أذار 2019، تزامنًا مع الدعوات التي أطلقها الإعلامي معتز مطر تحت شعار "اطمن أنت مش لوحدك" الذي دعا من خلالها المواطنين إلى "إحداث ضوضاء جماعية بشكل احتجاجي في وقت محدد" وهو ما لم يجدث استجابة واسعة يمكن رصدها. دعوة مطر جاءت بالتزامن مع دعوات منفصلة للتظاهر عقب حادث قطار محطة مصر، والذي أسفر عن مقتل 22 شخصًا.
على ذمة هذه القضية، المعروفة إعلاميًا بـ"الصفارات" أو "الصفافير"، ألقي القبض على ما لا يقل عن 94 متهمًا، من محافظات متنوعة، على رأسها القاهرة والجيزة والإسكندرية وبني سويف، قبل الإفراج فيما بعد عن عدد منهم بتدابير احترازية، واستمرار التجديد لآخرين، وفقًا لما وثّقته الجبهة المصرية لحقوق الإنسان.
وكانت التهمة التي وجهتها السلطات في هذه القضية تتنوع بين "مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها، وكذلك إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي".
القضية 930: مخطط الأمل
القضية 488 ليست الوحيدة من نوعها، فهناك قضايا أخرى بدأت واستمرت بالنمط نفسه، القبض على عدد من المواطنين، وضمهم لقضية واحدة بعينها، ثم إضافة المزيد من المتهمين فيما بعد وعرضهم على نيابة أمن الدولة، كما حدث في القضية 930 لسنة 2019، والمعروفة إعلاميًا بـ"مخطط الأمل"، والتي بدأت أواخر يونيو/ حزيران الماضي، بإلقاء القبض على عدّة أشخاص بصورة متزامنة ومن أماكن متفرّقة.
لم تمض ساعات على انتشار أنباء الحملة الأمنية تلك، إلاّ وظهر المقبوض عليهم في نيابة أمن الدولة العليا على ذمة "مخطط الأمل"، كمتهمين بـ"مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها، وبث أخبار كاذبة"، فيما وجه لبعضهم تهمة "ارتكاب جريمة من جرائم تمويل الإرهاب".
وتضم هذه القضية، 930، متهمين من تيارات سياسية وفكرية مختلفة، بينهم المنتمين للتيار المدني مثل زياد العليمي، وحسام مؤنس، وهشام فؤاد، وأحمد تمام، وحسن بربري، وهم من اختلفت مجالات عملهم بين العمل السياسي والمحاماة والصحافة ومجال الاستثمار والأعمال، قبل أن ينضم إليهم متهمون آخرون فيما بعد.
القضية 1739: إساءة استخدام فيسبوك وتويتر
قبل قضيتي 2019 هاتين، شهد عام 2018 قضايا أخرى بالنمط نفسه، أبرزها هو 1739، التي بدأت أواخر يناير من ذلك العام، بالقبض على عدد من المواطنين، على خلفية مشاركتهم في وقفة عقب احتفالية نظمها حزب تيار الكرامة وحزب التحالف الشعبي لإحياء الذكرى السابعة لثورة 25 يناير، وانضم إليهم فيما بعد متهمون آخرون من بينهم ملك الكاشف، التي أخلي سبيلها على ذمة القضية بعد نحو 4 أشهر من الحبس، وكذلك الصيدلي أحمد محيي الذي رفع لافتة "ارحل يا سيسي" وحده في ميدان التحرير.
وأجرت النيابة تحقيقات مع 6 نشطاء، أغلبهم أعضاء في حزب الكرامة، ووجهت لهم تُهم "التجمهر، ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، وإساءة استعمال وسائل التواصل الاجتماعي".
ووفقًا لما رصدته المنصّة في اﻷرشيف الحقوقي المتعلق بقضايا الشأن العام التي ما تزال قيد التحقيق، كان عامي 2018 و2019، الأبرز في ظهور نمط القضايا طويلة الأمد ذات الاتهامات المتشابهة، والتي تبدأ بضم عدد من الأشخاص وتبقى مفتوحة للتحقيق وينضم إليها متهمون جدد في مراحل لاحقة، كما حدث الآن مع الناشط اليساري كمال خليل.
وشهد العام الماضي قضايا أخرى تضم متهمين عديدين، مثل القضية 621 لسنة 2018 أمن دولة، المحبوس على ذمتها متهمين حتى الآن، بينهم الناشط السياسي شريف الروبي، والقضية 1305 لسنة 2018 أمن دولة، والمتهم فيها السفير معصوم مرزوق والخبير الاقتصادي رائد سلامة والأكاديمي يحيى القزاز، وثلاثتهم تقرر إخلاء سبيلهم على ذمة القضية، ومعهم الناشطة نيرمين حسين.
القضية 441 لسنة 2018: حوار جنينة
تضم هذه القضية العديد من المتهمين، من بينهم الصحفيين مصطفى الأعصر وحسن البنا، والمدون وائل عباس، والأخير أخلي سبيله على ذمتها بتدابير احترازية.
اقرأ أيضًا: وائل عباس.. البطل الضد
في هذه القضية كانت الاتهامات "نشر أخبار كاذبة من شأنها التأثير على الأمن القومي للبلاد، والانضمام لجماعة أسست خلافا لأحكام القانون والدستور".
وتضم القضية أيضًا، صحفي آخر هو معتز ودنان، الذي أجرى حوارا مع هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات قال فيه إن الفريق سامي عنان "يمتلك وثائق تخص مسؤولين بالدولة".
قضية تناسب أي مواطن
يقول المحامي مختار منير، وهو واحد ممن ترافعوا في مثل هذه القضايا، إن "أغلبها مرتبط بالسوشيال ميديا، وليس بواقعة محددة تُصنف جريمة؛ وبالتالي تتشابه اتهاماتها وتكون من قبيل الترويج ﻷفكار جماعة إرهابية، ونشر شائعات".
وأوضح منير، الذي تعامل مع مثل هذه الاتهامات المتعلقة بالنشر مؤخرًا في قضايا كان منها 621 لسنة 2018، أنها "اتهامات يمكن توجيهها ﻷي مواطن، خاصة وأنها في أغلب القضايا تكون فضفاضة ومبنية على تحريات اﻷمن الوطني فقط دون مواجهة بأدلة وأحراز، كي يتمكن من الدفاع عن نفسه وحقه في استخدام السوشيال ميديا"، وضرب مثالاً على ذلك بما واجهه أحد موكليه، المدون إسلام الرفاعي، من تكرار لهذا الاتهام.
وظهرت الاتهامات المتعلقة بـ"استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بغرض ارتكاب جرائم أو نشر أكاذيب" في الآونة الأخيرة، بعد صدور قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، بحسب المحامي.
وقال منير للمنصة "تم اتهام الرفاعي في القضية 977 لسنة 2017 بأمور من بينها نشر أخبار كاذبة، وعلى الرغم من صدور قرار بإخلاء السبيل بعد عام، فوجئنا بضمه لقضية أخرى هي 441 لسنة 2018 بالتهمة نفسها على الرغم من أنه كان في السجن، وللمرة الثانية بعد صدور قرار بإخلاء سبيله، فوجئنا بضمه بالتهمة نفسها للقضية 1331 لسنة لسنة 2019، رغم كونه ما زال في السجن ولا سبيل له إلى النشر".
والقضية 1331 من القضايا التي ما يزال ملفها مفتوحا وينضم له متهمين جدد كان أخرهم عمر مجدي شندي، ابن رئيس تحرير صحيفة "المشهد"، الذي ألقي القبض عليه 12 سبتمبر/ أيلول الجاري.
اقرأ أيضًا: ضم ابن رئيس تحرير "المشهد" لقضية أمن دولة
وحذّر منير من تبعات هذا النموذج من القضايا على سير العدالة، قائلاً "الملفات صارت فوق طاقة وقدرة الجهات المختلفة على العمل، ما يترتب عليه تأخر قرارات الإحالة للمحكمة، وبالتالي استمرار صدور قرارات بتمديد الحبس الاحتياطي لفترات طويلة قد يحصل بعدها المتهم على إخلاء السبيل".
واختتم المحامي بقوله إن الحل بسيط ويتمثل في تفعيل النصوص القانونية الحالية وعلى رأسها المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية التي تنظم الحبس الاحتياطي، وكذلك بتدخل تشريعي بنصوص أخرى تعني بتحديد مدد الحبس الاحتياطي، بجانب قرارات من النائب العام للنيابات المختلفة كتوجيه بسرعة التحلص مما في حوزتهم من قضايا بعضها يعود ﻷعوام مضت".