يواصل صحفيو موقع وصحيفة التحرير اعتصامهم داخل مقرّها، لليوم السادس على التوالي، احتجاجًا على قرار مجلس إدارتها تخفيض رواتبهم إلى الحد التأميني بقيمة 900 جنيه.
ورفع صحفيو التحرير منذ بدء اعتصامهم عدّة مطالب كان من بينها استبعاد اثنين من قيادات الجريدة، وكذلك عودة زملائهم المفصولين إلى العمل بالإضافة لتوقيع عقود مع غير المعينين منهم، وهي المطالب التي أيدتها نقابة الصحفيين التي أعلن رئيس لجنة الحريات بها أن كل الخيارات مطروحة في سبيل حل هذه الأزمة.
تقليص أجور
قال الصحفي صديق العيسوى، أحد المعتصمين، أن الازمة ليست وليدة اليوم، بل بدأت قبل أكثر من شهرين، حين أعلنت إدارة الجريدة العاملين إغلاق المؤسسة بسبب حجب الموقع الإلكتروني وتأثير ذلك على العمل والإيرادات، وأنها ستمنح الصحفيين مهلة للبحث عن أماكن عمل أخرى، وهو ما وصفه العيسوي بـ"غير الحقيقي".
وأضاف العيسوي للمنصّة، أنه منذ ذلك الوقت "كان موقف إدارة التحرير في صف مجلس الإدارة وتجاهلت الصحفيين؛ لنفاجأ في أوائل الشهر الجاري بإعلان جديد من الإدارة بتقليص الرواتب إلى 900 جنيه فقط، الحد التأميني، وهو ما اعترض عليه الصحفيون، وحين لجأوا للمستشار القانوني للجريدة المحامي سمير الباجوري؛ قال لهم اللي عايزين تعملوه اعملوه".
وتابع الصحفي الذي كان بين مرشحي الانتخابات النقابية الأخيرة "أعلمنا الإدارة بقرار اعتصامنا، لكن دون ردّ من جانبها؛ فبدأنا الاعتصام وأبلغنا الجهات المعنية ومن بينها النقابة التي أعلنت تضامنها معنا، بالإضافة لتحرير محضر إثبات حالة، اتهمنا فيه كلاً من مالك الجريدة أكمل قرطام والعضو المنتدب إنجي الحداد والناشر أسامة خليل ورئيس التحرير محمد فوزي بالتعسف ضد الصحفيين وإصدر قرار تخفيض أجورهم، بجانب محاولات تسريح العمالة".
في المقابل، نفى مصدر مسؤول في الإدارة التحريرية للموقع والصحيفة ما تردد عن تقليص الأجر، قائلاً "ما قرره مجلس الإدارة هو التعامل بالأجر بالثابت المكتوب في العقد المعين به الصحفيين بالنسخة الورقية الأسبوعية، مع صرف مكافأة متغيرة حسب إنتاجهم في الموقع الألكتروني، وفوّضت الإدارة رئيس التحرير في تحديد هذه المكافأة"، ما يعني أن بعض الصحفيين المجتهدين "قد يتقاضون رواتب أعلى مما كانوا يحصلون عليها من الأساس".
وأضاف المصدر، الذي طلب من المنصّة عدم ذكر اسمه، أن القرار "اضطرت إليه الإدارة بسبب حجب الموقع منذ 4 شهور"، واعتبر أن البعض "يؤجج الأزمة، مع العلم أن ما سيتم هو تطبيق نظام كشف الإنتاج؛ فمن يغضب هو الشخص الذي لا يعمل".
وتابع المصدر "ورغم الحجب التزمت الإدارة بسداد كافة مستحقات الصحفيين على أمل عودة الموقع الذي كان يغطي حوالي 64% من الرواتب على اﻷقل بفضل الإعلانات، لكن في النهاية ومع استمرار حجبه وضع المسؤولين أمام خيارين، إما تسريح الصحفيين أو العمل بالأجر الأساسي بجانب المكافآت"، معقبًا "مفيش حد بيشتغل هياخد 900 أو 1200 جنيه، دي أزمة عملها الناس اللي مابتشتغلش".
كان لجريدة التحرير أزمة مُشابهة سابقة عام 2015، حين وجهت نقابة الصحفيين إنذارًا لمالكها من "المماطلة أو التحايل في رد حقوق عاملين بها قررت الجريدة إجراء تسوية معهم"، وطالبتها بـ"الالتزام بالعقود الموقعة مع مراسلي المحافظات، ووقف أي محاولات للضغط عليهم من أجل تغيير العقود الموقعة معهم".
لا تنازلات
يرفع صحفيو التحرير مطالب تتمثل في "إلغاء قرار تخفيض الأجور، وإعادة المفصولين على مدار العامين الماضيين لممارسة عملهم والمقدر عددهم بحوالي 15 صحفيًا، وتوقيع عقود مع غير المعينين البالغ عددهم 12 صحفيًا، وتطبيق الحد اﻷدنى للأجور على جميع العاملين، وتطبيق الزيادات السنوية والترقيات، واستبعاد كلاً من الناشر ورئيس التحرير سواء من المفاوضات الجارية حاليًا أو من العمل منعًا لأي تنكيل محتمل منهما في المستقبل".
وبالأمس، نقل المعتصمون مطالبهم للإدارة مُجددًا، بإبلاغها لعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان جورج إسحاق، الذي زار مقر الجريدة أمس كوسيط بينهم وبين مالكها أكمل قرطام.
مهلة نقابية
قال الصحفي عمرو بدر، رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين، أن النقابة منحت مسؤولي إدارة التحرير في الجريدة مهلة 3 أيام تنتهي غدًا الثلاثاء من أجل حل الأزمة، وإلاّ ستتدخل بصورة رسمية، مؤكدًا تضامن مجلس النقابة مع المعتصمين، والذي تمثّل في تواصلهم معهم وزيارتهم لمقر الاعتصام وإعلان دعمهم لمطالبهم "القانونية المشروعة".
وأكد بدر، للمنصّة، أن النقابة "تضغط حاليًا بالفعل لتحقيق هذه المطالب"، مضيفًا أن النقيب أبلغ الناشر ورئيس التحرير بصورة واضحة أنهما مَن سيخضعان للمحاسبة باعتبارهما نقابيين وفي الوقت نفسه مسؤولين عن الصحفية والعاملين بها، ومن ثم وجب عليهما حل المشكلات العالقة، لاسيما الخاصة بالمفصولين واﻷجور لما ينطوي عليه من "ظلم".
في المقابل، نفى المصدر المسؤول بمجلس تحرير الصحيفة الحديث عن وجود أي مهلة لهم، وأن ما تم كان اتصال هاتفي بين رئيس التحرير والنقيب، وأن الأخير أبلغه بتواصله مع أعضاء في مجلس الإدارة لحل الأزمة، مضيفًا "لكن لا علاقة لمجلس التحرير باﻷمر، فهو أول من سيطبق عليه القرارات مثل الصحفيين تمامًا".
وشدد رئيس لجنة الحريات على أنه بانتهاء المهلة ستتخذ النقابة إجراءتها من قبيل إجراء تحقيق مع المسؤولين، والذي لو انتهى بالإدانة ففي هذه الحالة سيحال المخطئين للتأديب بما يترتب عليه من إجراءات بدءً باللوم وانتهاء بالشطب من جدول النقابة.
وشدد بدر على امتلاك النقابة لأدوات ووسائل ضغط قانونية في سبيل حل الأزمة، ربما تصل حد التقاضي وما قد يترتب عليه من تعويضات للمتضررين.
واختتم رئيس "حريات الصحفيين" باعتبار ما يحدث في التحرير جزءًا من السياق العام السائد منذ أعوام ونتيجة متوقعة له، قائلاً "هذه المهنة تموت دون الحرية. وما يحدث الآن أشبه بالهرم، قمة رأسه هي غياب الحريات وانكسار الصحافة؛ ما نتج عنه خساراتها على مستوى الانقرائية وهو ما ترتب عليه تقليص لفرص العمل وتسريح الصحفيين بسبب خسارات السوق والتوزيع وانصراف القارئ عنها".