في ساعة مبكرة من يوم 6 مارس/ آذار عام 2019 قبضت الشرطة على ملك الكاشف وضمتها لمتهمين آخرين في قضية بدأ التحقيق فيها عام 2018، اتهمتها بـ"استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بهدف تكدير السلم العام" بعد أيام من دعوة أطلقتها الفتاة على فيسبوك طالبت فيها المواطنين بالتظاهر في ميدان التحرير احتجاجًا على الإهمال الذي تسبب في حادث محطة سكة حديد مصر اﻷخير، وراح ضحيته 22 شخصًا؛ واحتجزت الكاشف حتى منتصف يوليو/ تموز الماضي.
قبل أعوام، كانت الفتاة نفسها حبيسة زنزانة أخرى. لم تكن الزنزانة من جدران وقضبان بل جسد ذكر. لم تختصمها جهات رسمية بل أسرة ومجتمع. ولم يكن صراعها لشهور بل سنوات انتهت بوصولها لهويتها الصحيحة؛ لتصبح ملك الكاشف العابرة جنسيًا والناشطة بمجال حقوق المرأة.
بين المحطة التي تعرّفت فيها إلى هويتها والآخرى التي واجهت فيها تجربة السجن، مرت ملك بمحطات عديدة وخاضت تجارب حولتها من طفلة حبيسة جسد غريب عنها إلى فتاة واعية بحقوقها كاملة، مستعدّة لخوض أي معركة في سبيل نيل هذه الحقوق، حسبما حكت للمنصّة أثناء الحوار عما واجهته من مصاعب سواء في السجن أو رحلة العبور وما بعدها.
ثمن العبور
"ملك الكاشف، 19 عامًا، بدرس 3 ثانوي وامتحنتها في السجن، وسقطت في مادتين ﻷن الكتب دخلت لي قبل الامتحانات بـ3 أيام بس. ناشطة نسوية، رسامة، وكاتبة، ومدوّنة".
تلك كانت العبارات التي اختارتها ملك بعناية للتعريف بفتاة ودّعت الزنزانة منذ أسابيع، وتستعد حاليًا لوداع مراهقتها الحافلة بتجارب بدأت مبكرًا للغاية برحلة اكتشاف هويتها.
"كنت 9 سنين لما حسيت إن فيه حاجة مش مظبوطة"، تحكي ملك عن وقت كانوا يدعونها باسم مذكّر، "أتأكدت إني ملك مش حد تاني وأنا عندي 14 سنة. وﻷن السن ده كله تشككات؛ فمش سهل إنك تقبلي فكرة إن حياتك هتتغير 180 درجة".
رغم التشكك، تمتعت الفتاة بجرأة كافية للبوح "ببساطة جدًا قولت لماما أنا مش ولد أنا بنت زي سلمى ويارا أصحابي؛ وطبعًا مش محتاجة أقول إن الرد كان عنيف جدًا، قالت لي هتتحول من ولد خ*ل لبنت شر**طة.
كان الرد عنيفًا كذلك من الدوائر المحيطة بملك، خاصة حين تحول البوح من كلام إلى أفعال "وسط الجيران واﻷهل تصرفاتي هي اللي قالت، كنت بنزل بمكياج ولابسة خلاخيل وبطوّل شعري، وبرفض إن حد يكلمني بصيغة المذكر، وكان أصحابي البنات أكتر من الولاد. فمن سن 13 سنة ولحد دلوقتي مازلت بتعنف، ﻷني ماطاوعتش المجتمع".
لم يتقبلها اﻷهل كفتاة، لم تقنعهم حتى تأكيدات طبية بصحة مشاعرها تجاه هويتها "في آخر مصحة، الدكتور رفض استقبالي لما عرف إنهم عايزين يدخلوني ﻷني ترانس. حقيقي كان موقف محترم منه؛ فقالوا نروح لدكتور غيره".
ورغم ذلك، لم يستمع الأهل إلاّ لقناعاتهم الشخصية؛ فتركوا الطب إلى ما سواه "اتعاملوا بمنطق إني ممكن أكون ملبوسة بالجن، وكان فيه زيارات لشيوخ وحبس في البيت. آلياتهم كانت سيئة جدًا الحقيقة".
تلك الآليات السيئة أجهدت الفتاة وعرضتها لاستسلام مؤقت في مرحلة ما من الرحلة "جه وقت أنا قصيت شعري لنفسي (زيرو)، وحاولت أنكر وقولت يمكن الغلط مني. كان عندي 13 سنة، دي سنين الآيس كاب".
صندوق أحمر في بيت اﻷهل، يحتفظ بشهود على سنوات من معارك ملك، كان من بينها ذلك الكاب الذي ارتدته بعد مراجعتها لنفسها "الحقيقي كان هو اللي أنا حاساه وواضح وضوح الشمس في تصرفاتي؛ فكان صعب شوية إني أشوف نفسي بالشكل ده (بدون شعر)؛ فلبست الآيس كاب 3 سنين".
الضرر لم يقتصر على تجنبها النظر في المرآة دون الكاب "أتأذيت على كل المستويات. الأمان والخصوصية. الحاجات اللي خسرتها كانت أكتر بكتير من اللي كسبتها، اتضربت في الشارع واتخطفت واتهنت".
خسارات كبيرة طالت حتى مستقبل الفتاة "قعدت سنتين مابروحش الامتحانات علشان خايفة. أنا مش عارفة إيه اللي ممكن أعمله لما أدخل اللجنة؟ أنا لسه مقيدة في البطاقة كذكر؛ وبالتالي هيدخلوني لجنة ولاد؛ فمش عارفة إيه رد الفعل اللي ممكن يتاخد ضدي في اللجنة أو برّه المدرسة. ده عطل مستقبلي الدراسي سنتين".
ارتباك العائدة
"مش عارفة اتعامل مع الناس زي اﻷول، حاسة إني بقيت شخص تاني".. تقول الفتاة عما خلّفه السجن من آثار، صدم البعض في ردة فعل ملك بعد عودتها من خلف القضبان "الناس كانت فاكراني هخرج من الانفرادي مُقبلة على الحياة. بس محصلش. بقيت بتوتر جدًا من وجود أشخاص. حتى القريبين، بقوا عارفين إني مش قادرة أتكلم أو أعمل حاجة. فيه أوقات ببقى عايزة أبص للسقف وبس".
الانفرادي، كابوس السجناء وذويهم، كان في حالة ملك الوضع الذي ربما أمتن البعض لوجوده بدلاً من اختلاطها برجال قد يؤذيها أحدهم، لكنه بالنسبة للفتاة، ظل جحيمًا أيضًا "هما عزلوني عن الرجالة بحقيقية إني ست، لكن كمان عزلوني عن الستات! فده ممكن أعتبره إيه؟ الأمان بالنسبة لي كان إني أتحط مع جنسي".
خلال 135 يومًا كانت ملك في عُزلة تامة، إلا في لحظات مسروقة منحتها بعض الصحبة "زنزانة انفرادي وعربية ترحيلات انفرادي، حرفيًا كنت معزولة عن العالم، باستثناء وقت العرض على النيابة، ﻷنهم كانوا بيدخلوني حجز الستات".
تستعيد الفتاة صورًا من تلك اللحظات حيث بدى الانسجام واضحًا بينها وبين سجينات تفهّمن وضعها حتى وهي بينهم بالملابس الرسمية للسجناء الرجال "كان المشهد بيبقى سريالي قوي، قاعدين ضهرنا للحيطة وماسكين سيجارة وبنغني".
كانت السجينات متفهمات ربما أكثر من السلطة التي باغتتها أثناء توقيع الكشف الطبي العادي عليها بإجراء فحص شرجي لها، وصفته الفتاة بأنه "انتهاكًا" حاول المحامون التحقيق في وقائعه لكن الردّ عليهم كان "هزليًا"، حسبما تتذكر اﻵن "النيابة قالت للمحامي هو حضرتك دخلت الجيش؟".
ليس الفحص الشرجي فقط ما مثّل "تنكيلاً" بملك، إذ حُرمت أيضًا من حقها في التريّض الذي لم يُسمح لها به إلاّ قبل إخلاء سبيلها بخمسة أيام فقط، واقتصر على جلوسها أمام زنزانتها وحيدة تحت الحراسة، كما حُرِمَت من العلاج لمدة 20 يومًا حين سُمح لها بزيارات لم تتعدى 10 دقائق فقط، واقتصرت على اﻷهل الذين دبّت الخلافات بينها وبينهم مبكرًا، دون أي زائرين ممن وصفتهم بأنهم "يتفهمون حالتها".
لهذا، تحاول الفتاة الآن استيعاب خروجها من سجن فقدت الأمل في مبارحته "كنت في الفترة الأخيرة بجهّز نفسي لوقت طويل قوي في السجن".
أمام ارتباك المشاعر كانت مضادات الاكتئاب ما استقبل ملك خارج الأسوار "في الشهر اللي بعد خروجي ماعملتش أي حاجة غير إني باخد أدوية نفسية. مهدئات وأربع أنواع مضادات اكتئاب".
لم يأت اﻷمر من فراغ، فربما تلك اﻷقراص هي طوق نجاة الفتاة من آثار السجن "بعالج دراعي وضهري وعيني، عندي أنيميا حادة واتصابت بالتهاب في القرنية ﻷن ظروف احتجازي مكانتش مناسبة".. تصمت قليلاً قبل الخروج بالوصف الحاسم "أنا دلوقتي خارجة من السجن بعافر علشان بس أرجع أعيش".
أجنحة السجينة
أمام وحدة الانفرادي، احتالت ملك على الوقت "كنت بغني"، تبتسم الفتاة قبل أن تُكمل "ورسمت على حيطة السجن. أنا أصلاً رسّامة، كنت برسم فراشات، ورسمت شخصيات زي طه حسين وشادية ودافنشي وريحانة جباري. ورسمت ست قاعدة بتلعب يوجا وحواليها المجموعة الشمسية".
رسمت، وقد ساءت علاقتها باللون الأبيض الذي ارتدته كمحجوزة احتياطيًا "كنت بكسر….!"، تصمت ملك ثم تقول "اللون الأبيض بقى بيمثل لي كارثة كبيرة في حياتي"؛ لهذا استعانت عليه الفتاة بالألوان والخطوط "رسمت جناحات على الحيطة لو أديت ضهري ليها؛ هيبانوا إنهم خارجين مني".
حلّقت بأجنحة خلقتها بأبسط إمكانيات "كان معايا رباط ضاغط بمسح بيه، وبرسم بقلم رصاص. كان ممنوع عني الورق، وقالوا لي ممنوع تكتبي حاجة هنا؛ فكنت باخد اسكتشات واكتب في ضهرها".
التجسيد، صار بالنسبة لملك ذي أهمية، خاصة بعد أن حرمها السجن من تدويناتها "اتاخدت مني مذكراتي وأنا خارجة من السجن. كنت بكتب رواية اسمها (في حجز النيابة)، حكي ذاتي ومذكرات عابرة لامرأة عابرة، وقصتها بداية من قرار عبورها انتهاء باتهامها في قضية سياسية ماكنتش بُعد فيها".
معارك التغيير
"كونك أول عابرة جنسيًا في مصر تورطت في قضية سياسية وتتعرض على نيابة أمن الدولة ده شيء مش سهل"، تقول ملك.
وتفسّر صعوبته بقولها "أصل المجتمع طول الوقت بيعاملك بمنطق إحنا سمحنالك تتحولي؛ فخلاص دي حياتك. مش قادرين يشوفوا إننا كعابرين ممكن نكون كيان كامل، ممكن أكون ناشطة أو نسوية وليا آرائي السياسية وأفكاري ومعتقداتي الدينية المختلفة".
تتمسك ملك بكافة حقوقها "أنا خدت حقي في جسمي وده شيء طبيعي وحقي المشروع، فمش لازم بعد كده أمشي تحت مظلة المجتمع علشان أضمن أماني الشخصي".
الحديث عن حقوقها المشروعة لم تنطق به ملك لأنها صارت حرّة، ففي السجن أيضًا كانت الفتاة تكلم المحيطين عن قضيتها "كنت بشرح للسجانين يعني إيه عابرة جنسيًا وإيه المثلية، وإيه التحرش وإن ضحيته هي الست مش السبب فيه".
كان لأحاديث السجينة أثرًا حتى في نفس أحد سجانيها ذلك "المتشدد دينيًا" الذي اعترف لها بعد نقاشات بأن للمرأة حق في جسدها بالفعل حسبما تتذكر وتحكي بابتسامة انتصار.
كانت ملك واضحة في مواقفها داخل السجن "كنت فخورة بنفسي لما كان بيتحقق معايا ورفضت استخدام كلمة متحولة ﻷنه عنصري، وفعلا اتكتب في التحقيق عابرة جنسيًا، وراحت إشارة للسجن بده. حقيقي كان بالنسبة لي انتصار".
انتصار آخر لملك كان في الاعتراف الضمني بهويتها كأنثى، على الرغم من المكتوب في الأوراق الرسمية "تاني انتصار لما دخلت نيابة أمن الدولة واتحطيت في حجز الستات. دي بالنسبة لي بتمثل لي انتصارات صغيرة، خطوة لقدام".
وضعوها في حجز السيدات، وكان التعامل معها بالصيغة التي ترتضيها "السجان ورئيس المباحث كانوا بيقولوا لي ملك. ﻷني لما كنت بتنادى باسم البطاقة؛ وماكنتش بردّ. كنت عايزة أقولهم إن مش نظرتكم للأشخاص هي اللي بتحدد هما مين، كلمة الأشخاص هي اللي بتحدد".
وضوح الموقف كان يحدث على الرغم مما تعرضت له من مضايقات وأحيانًا تهديدات "في آخر فترة كنت فعلاً بحضر نفسي لسنين السجن، لما وكيل النيابة قال لي هطالب بأكبر عقوبة ليكي".
ورغم هذا رفضت ملك أي محاولات للوصاية على قناعاتها التي جلبت عليها أسئلة غريبة في التحقيقات "كان ليا وقفة احتجاجية في 2017 ضد التحرش، وليا حلقات في التليفزيون. كل ده اتسألت عنه. واتسألت عن علاقتي بمشروع ليلى".. تعلّق الفتاة بابتسامة اندهاش "هو أنا المفروض يكون ليا علاقة بباند بسمعها لمجرد اختلاف الميول الجنسية لمغنيها الرئيسي؟".
دهشة الحرية
"أشبه بالسحر" هكذا ترى ملك خروجها بعد تهديدها بسجن طويل "ماكنتش حاسة إن سجني غير واقعي قد ما حسيت إن خروجي هو اللي غير واقعي".
دهشة إخلاء السبيل عند ملك لم تمتزج بأي شعور آخر، ولو كان السعادة "للأسف ماحستش بأي حاجة، ولا حتى الفرح. مش كل حاجة بتيجي في الوقت اللي إحنا مستنيينها فيه؛ وبالتالي لما تبطلي تستني الحاجة…".
تصمت الفتاة، وتستعيد لحظات أمل في الحرية كان يقتلها سريعًا قرار النيابة "كل مرة كان عندي أمل أخرج؛ كنت برجع متحطمة أكتر من اﻷول. بعد كده، بقى من طرق الدفاع النفسي إني ماحطش أمل. وفي المرّة اﻷخيرة لما اتقال لي أنتي بنسبة 95% خارجة النهارده، قولت يبقى بنسبة 60% مش خارجة. مش تشاؤم قد ما أنا بحمي نفسي لو ده ماحصلش".
عرفان وخذلان
بتوقع الأسوأ، احتمت السجينة من أي أمل زائف. وفي السجن استعانت بمحامين حقوقيين، وصفت مجهوداتهم بـ"الخُرافية" لما قدموه معها على كافة المستويات "دول اللي كانوا متابعيني من أول القضية لآخرها. أنا ماكنتش حقيقي بعرف إيه اللي بيحصل في العالم الخارجي. وكنت متوقعة إني اتنسيت؛ فوجودهم دعمني نفسيًا".
تعترف السجينة السابقة بصنائع داعمين لم تنتظر أن يكون اﻷهل منهم "بيني وبينهم سنين رفض؛ فمش متوقعة منهم حاجة".
هل هناك أسوأ من خذلان يأتيك ممن يجب أن يكونوا داعميك؟ نعم هناك اﻷسوأ، على اﻷقل بالنسبة لملك "الأسوأ هو إن شخص أو جهة ممكن تكون طول الوقت بتشتم فيا وفي نضالي لقضيتي، وفجأة علشان القضية وصلت للنور تعمل نفسها من الداعمين. ده أبشع كتير من إني اتوقع دعم حد ويخذلني".
كلام ملك لم يكن افتراضيًا، إذ حدث بالفعل أن تقدم مركز حقوقي للدفاع عنها، لكن موقفها كان حاسمًا "لما جه محامي من الجهة دي، رفضت إنه يحضر معايا وقولت نصًا إن لو براءتي على إيده مش عايزاها. ﻷن مهم قوي إن اللي يدافع عني يكون مؤمن بقضيتي وقناعاتي، مش حقوقي إلاّ رُبع".
رغبات وعقبات
عقبات الدراسة أثرت على المحصلة النهائية، وغيرت ما كان لملك من خطط "كنت عايزة أدرس في كلية سياسة واقتصاد، وأحضّر ماجستير في قضايا الجندر والمرأة. لكن مجموعي 56%. خلاص دمروا لي حياتي".
قررت ملك اللجوء لبديل حتى لا تتعطل عن هدفها وخدمة قضيتها "هدرس حقوق أو فنون جميلة. بس حقوق بالنسبة لي أقرب ﻷنها هتخدم القضية بكوني أول محامية حقوقية عابرة جنسيًا بتدافع عن اللي زيها وبيتقبض عليهم في قضايا سياسية. ﻷني زي ما فتحت الباب للفكر، فتحته للعابرين إنهم يمروا بالتجربة دي".
هموم السجن على ثقلها، لم تشغل ملك عن نضال اختارت خوضه لانتزاع حقوق قد تبدو بسيطة، لكن بالنسبة لها في غاية الأهمية، كاسم مؤنث ووصفها بالعابرة في السجن "ما هو دفاعي عن قضيتي كان إيه غير بثمن، وأنا دفعت التمن وأنا بره السجن، فمش هتنازل وأنا جوه. دي خناقة كان المفروض أخوضها، ﻷنه ماينفعش تيجي وتخيريني كدولة أدمرك نفسيًا ولا جسديًا. ده مش اختيار مطروح".
حاولت ملك تحسين وضعها في السجن، والآن تخطط الناشطة لإطلاق حملات مواجهة لما يُروّج عن العابرين والعابرات بصورة عامة، سواء مع المجتمع الأوسع أو داخل مجتمعها "بعض العابرين جنسيًا من مدرسة مبتلين وبالله مؤمنين، كانوا شايفيني إني إزاي بخرج وبسهر بالليل. شايفين إنك انتي كده مش ترانس أنتي شر**طة. وده وصم كنت بقابله في المستشفى في مراحل علاجي. واعتقد سببه هو صورة المجتمع النمطية عن العابرات بتصنيفهم كعاملات جنس تجاري".
تطور وجهات نظر ملك كان لحبسها يد فيه "تجربة السجن عرّفتني إحنا محتاجين إيه بالظبط، وإزاي الدولة تتعامل معانا، وإيه الطرق والآليات اللي محتاجين نستخدمها مع الدولة علشان تفهمنا وتتعامل معانا بالشكل الصحيح، وإيه القوانين اللي محتاجينها تصدر".
تتحدث ملك معنا عن الآليات والقوانين المطلوبة، وتتحدث مع الجميع عبر حسابها على فيسبوك عن زملاء سجنها دون خوف من أي تبعات "لو قبضوا عليا دلوقتي بسبب تدويني عن المعتقلات وزميلاتي وزملائي العابرين، أو علشان آرائي السياسية؛ فهما كده بيثبتوا أكتر إني كنت سجينة رأي، وبيخالفوا الدستور والإعلان العالمي لحقوق الإنسان".
لا تخشى ملك السجن لو أن عائده سيكون في صالح القضية "مفيش مشكلة في السجن، لو كل قضية هتتصلح وتاخد خطوة لقُدّام بناءً على وجود معتقل فيها. وأهو سجننا يبقى بيعمل حاجة".
اهتمام ملك بقضية العابرين والعابرات يمتد حتى إلى حديثها عن شؤونها الشخصية كفتاة خرجت لتوها من السجن وتحتاج لتدبير نفقاتها، لكنها ستواجه بمصاعب مع سوق العمل "الفرص في ممكن تكون في الشركات الرأسمالية، ﻷنهم مابيهتموش بالشكل لو كنتي في مرحلة العبور، لكن لو شكلك اتغير بتقعدي في بيتك لحد ما تغيري بطاقتك. إنما مطعم أو محلات تجارية؟ ﻷ، مفيش. مين هيشغّل بنت ببطاقة راجل أو العكس؟".
وكان هذا اﻷمر سببًا في "تقشف" عاشته على مدار سنوات مضت "دوّرت كتير، واشتغلت في كشك ومغسلة ومطبعة تيشرتات وأماكن كتيرة. كنت بشتغل لحد ما شكلي ابتدى يتغير وبدأت أخد القالب الاجتماعي للأنثى؛ ده بقى وقّف كل حاجة. مشيت ﻷني عارفة اللي هيحصل معايا".
المصاعب ليست مادية فقط، فهناك جانب عاطفي أيضًا "أكيد هتواجهي صعوبة في الجواز. دايمًا اﻷهل بيقفوا عقبة، وكمان ممكن الشخص اللي أنتي مرتبطة بيه في وقت من الأوقات يعايرك بحاجة زي دي. يشوف إنها حاجة تستاهل المعايرة يعني. جزء قليل قوي من المجتمع اللي ممكن يقبل ده. بس إحنا مابنعبرش علشان الارتباط. هو مش الشيء الوحيد المهم في الحياة".
خطوات للأمام
ارتبطت ملك ﻷكثر من مرّة، وفي كل منها كانت دائمًا مطالبة بإخفاء هويتها "كان منهم اللي بيقول لازم تقفلي أكاونتك وتبطلي تقولي أنا ترانس ولازم تبطلي تدافعي عن حقوقهم، أنتي خلاص بقيتي بنت، عايزة إيه تاني؟ لكن أنا شايفة إني ترانس، دي مش حاجة تخليني استخبى".
في تلك المرّات كانت ملك تقرر الانفصال، تاخذ قرارها بثبات بناءً على تطور ليس في قضيتها فقط بل في وضع العابرين عامة "التطور إيجابي جدًا. المجتمع اتطور ومش كله من حماة الفضيلة، وفيه مفاهيم بدأت تبقى صحيحة عننا".
وعلى الرغم من ذلك، مازالت الفتاة تطمح في الكثير "المجتمع مازال محتاج وعي. نفسي نلاقي مادة قانونية مفعلة تعاقب على الانتهاكات المبنية على التمييز الجنسي في السجون. كمان ناقص المجتمع الحقوقي، إنه يعامل العبور كقضية منفصلة، محتاجة وعي ودفاع لوحدها كقضية أساسية من قضايا حقوق الإنسان".
في سبيل تحقيق هذا الهدف، تسعى ملك لاتخاذ خطوات فعلية في الفترة المقبلة "بفكر في تنظيم ورش عمل توعوية للوسطين الحقوقي والعام".
وبجانب الورش، لم تغفل الفتاة تقديم نصائح لكل من يمر بتجربتها "ماتخلوش المجتمع يصنفكم ويحطكم في قالب معين، ولما تحسوا إن عندكم آراء سياسية أو نسوية ماتخافوش تقولوها للعلن. حياة الخفاء مش أحسن حاجة، اطلعوا بقضيتكم للنور، وفي الآخر الحرية اللي هتحصلي عليها والتقدم اللي قضيتك هتحرزه يستاهل".