"طول حياتي، الناس مش فاهمة ليه أنا عايزة أبقى ست، ليه حد ممكن يبقى عايز ينزل السلم الاجتماعي ويبقى ست وهو ربنا خالقه راجل".. ي.ش، إحدى السيدات عابرات الجنس.
"عند سن البلوغ، مريت باكتئاب بشع وأنا شايفة جسمي بياخد الشكل الرجالي ومش عارفة اعمل إيه".. تقول كاميليا، امرأة عابرة الجنس، التي تحاول الآن أن تحيا بصورة طبيعية؛ رغم تعنت المجتمع ضدها.
وكاميليا، (31) عامًا، واحدة من سيدات عابرات الجنس، اختارت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، تزامنًا مع الاحتفال العالمي بيوم المرأة، 8 مارس/ آذار، تسليط الضوء على معاناتهن مع المجتمع.
وفي سبيل تسليط الضوء على قضيتهن، طالبت المبادرة كل المهتمين بها، بالتدوين عبر هاشتاج باسم "#هن_أيضًا_نساء"، عرضت خلاله مشاهد من حياة كاميليا و"ي.ش" وسناء، وجميعها أسماء مستعارة، لسيدات محرومات من اعتراف المجتمع، أو حفاوة منابره الرسمية بالمرأة، ولو كانت ليوم واحد.
معارك الشغل والصُحاب
"أنا معيدة في الجامعة ولسه ماعملتش العملية (تصحيح الجنس)، وبتعرّض طول الوقت لتمييز ومعاملة وحشة وتريقة في شغلي".. تقول سناء، (25 سنه)، عن عقاب طالها في عملها، من نُخبة متعلمة.
وتحكي سناء مواقف، تدلل على سوء المعاملة "رئيسة القسم ماكانتش عايزة تمضي لي على استلام العمل علشان شعري كان طويل شوية، وجابت دكاترة تانيين يتريقوا ويقولوا (مين الأمورة اللي جاية تشتغل معانا؟)، بالنسبة لهم أنا مش ترانس، وبيقولوا لنفسهم إحنا إزاي يبقى عندنا في القسم حد مثلي؟ وكل شهر لازم رئيسة القسم تفتعل معايا خناقة، ومرة الخناقة اتطورت لدرجة وقفي عن العمل لفترة"، وتعقّب السيدة "التزامي الأكاديمي وتفوقي مش مهمين بالنسبة لها".
و"ترانس" هي اختصار مُعرّب لمصطلح transgender، الذي يشير إلى شخص عابر جنسيًا، كان مولودًا بهوية جنسية مخالفة للتكوين البيولوجي لجسده.
إذا كانت معركة سناء في العمل، فإن "ي.ش" واجهت معركة أُسرية، تحكي عنها قائلة "طول حياتي الناس مش فاهمة ليه أنا عايزة أبقى واحدة ست، بالذات أبويا وأخويا، كانوا دايما مستغربين ليه أي حد ممكن يبقى عايز ينزل السلم الاجتماعي ويبقى ست، وهو ربنا خالقه راجل".
ولم يقتصر الأمر على الأسرة، وفقًا لما تحكيه السيدة ذات الـ25 عامًا "خسرت أصحاب وناس كتير مكانوش فاهمين أنا بعدي بإيه"، وما مرّت به ليس بهين "رُحت لدكاترة كتير كانوا بيقنعوني إن دي حاجة مؤقتة، وبيدوني أدوية للاكتئاب".
ومنذ شهرين أجرت "ي. ش" الجراحة "كانت فترة ألم ووجع رهيبة، ومع ذلك حاسة إني بدأت ارتاح نفسيًا وعضويًا بشكل ماعرفتوش قبل كده، بنام بالليل وأنا مرتاحة. كانت تجربة صعبة، بس خرجت منها وأنا نفسي".
لكن حتى من قبل الجراحة، كانت "ي. ش"، نشيطة في مساعدة قريناتها "في 2014 قررت إني اخصص طاقتي كلها لمساعدة الترانس، أنا عارفة احنا أد إيه بنتعرض لضغوط واضطهاد، عايزة أعرّف الناس دي إنها طبيعية ومفيهاش حاجة غلط".
واضطراب الهوية الجنسية، هو حالة عدم تأقلم من الإنسان، للجنس الذي ولد به، وشعور بأن جسده بما فيه من أعضاء تناسليه، لا يتسّق مع إحساسه بنفسه وهويته الجنسية الحقيقية، وهو ما تقضي عليه عمليات تصحيح الجنس، ليصبح بعدها الإنسان ذكرًا أو أنثى عابر الجنس.
ماما كاميليا
أما ثالث السيدات فهي كاميليا، التي صاحبتها المعاناة منذ الصغر"وأنا طفلة قررت أسلّم أمري تماما لبابا وماما، ومع ذلك كنت ساعات بصطدم معاهم لما من حين لآخر ألاقيهم بيعقّبوا على تصرفاتي وميولي إنها ميول بنات، وإني ولد مش بنت. أنا كنت متأكدة تماما إني بنت مش ولد، بس صدّقتهم وغلّطت إحساسي وحاولت اندمج مع الولاد زمايلي، وده كان شئ صعب جدًا".
ومن أوجه الصعوبة، كانت مرحلة بلوغ كاميليا "مريت باكتئاب بشع وأنا شايفة جسمي بياخد الشكل الرجالي ومش عارفة اعمل إيه"، وصبرت حينها على أمل تغيير محتمل "كنت مؤمنة إني لما أكبر ويكون عندي الاستطاعة هعمل العملية"، لكن بمرور السنوات صدمها الواقع "أدركت أد إيه الموضوع صعب، ويعني إيه عملية في البلد دي. الدنيا اسودت قدامي".
وحاولت السيدة التحايل على إحساسها باعتباره "خاطئًا"؛ فقررت الوصول بكل ما فيها إلى مستوى مثالي من الرجولة "دخلت الجيم ووصلت ﻷن جسمي بقى 110 كجم أغلبهم عضلات، وكنت بحلق شعري تماما بالموس، وآخر كل يوم أقف قدام المرايا وأحس إني مش أنا".
وفي سبيل تجاهل إحساس المرأة المُلحّ بداخلها، اتخذت كاميليا (وقت كانت بيولوجيا لاتزال رجلاً) قرار الزواج "أجبرت نفسي أتجوز واحدة مش حاسة ناحيتها أي حاجة، بعد ما ابني التاني اتولد كل محاولاتي للتأقلم مع نفسي كراجل فشلت، وكرهي لنفسي وجسمي كان بيزيد كل يوم"، وكان ذلك هو الحال، إلى أن تعرفت على مجموعات عابرات الجنس؛ لتبدأ علاجًا هرمونيًا، ثم تنهي زواجها.
"لسه بشوف ابني وبنتي بانتظام، وهما بينادوني (ماما) رغم إصرار مامتهم البيولوجية إنهم ماينادونيش كده".. تقول كاميليا، والأمل يراودها في اعتراف بهويتها ولو من قبل أبنائها "أنا حاسّة إنهم هيقبلوا التحول بتاعي، ﻷني جنبهم طول الوقت، وبحبهم وهفضل أحبهم".
نظرة لم تتغير
في عام 1988، كان الطالب في كلية الطب بجامعة الأزهر، سيد محمد عبدالله، سببًا في أن يُدرك المجتمع المصري، أزمة السيدات عابرات الجنس، حين أجرى عملية تصحيح وصار سالي، الطالبة المحرومة من استكمال الدراسة، بل والتي اضطرت للعمل كراقصة، فقط لتثبت أنها ليست رجلاً.
وعلى الرغم من مرور ما يناهز 3 عقود، ظلت النظرة كما هي، ومر بالمعاناة نفسها- ولايزال- العابرات جنسيًا، مهما اختلفت ظروف عملهن أو خلفياتهن الاجتماعية والثقافية، وليست الأكاديمية نورهان سعد، إلا مثالاً.
ووفقًا للمبادرة المصرية، فإن مصر من الدول التي تعاني فيها متغيرات الجنس من تمييز أشد من نظرائهن الذكور "إذ أنهن اخترن طوعًا الانتماء إلى الجنس الأدنى مجتمعيًّا".
وتذكر المبادرة المصرية من بين المصاعب التي يواجهنها "صعوبة تغيير الأوراق الثبوتية والشهادات الرسمية، أو استكمال الأوراق التي تمكنهن من الحصول على الخدمات الطبية، وتعنّت ممثل دار الإفتاء داخل اللجنة الخاصة بتصحيح الجنس في نقابة الأطباء".
وتعتبر نقابة الأطباء ودار الافتاء، الجهتين الرئيسيتين في لجنة تبت بأمر عمليات التصحيح الجنسي، توقف عملها منذ شهور طويلة، لعدم اقتناع "الإفتاء" بجدواها، وهو ما تسبب في وقف تصاريح حكومية مطلوبة لإجراء الجراحات، ما يعني عبء جديد يواجهه العابرون جنسيًا.