طالبت مؤسسة حرية الفكر والتعبير الجهات المعنية بحماية الصحفيين والدفاع عن حرية الإعلام بالتحرك ومطالبة السلطات المصرية بوقف الهجمة على الإعلام الأجنبي، وضمان تمتع العاملين به بالحرية.
وفي تقرير نشرته اليوم الأربعاء بعنوان "هجمة السلطات المصرية على الإعلام اﻷجنبي.. عامان من التهديدات وحملات التشويه"، طالبت المؤسسة الحقوقية السلطات المصرية سواء الشُرَطية أو الإعلامية بـ"وقف الرقابة على الإعلام الأجنبي، والتهديدات التي يتعرّض لها العاملون به، وحملات التحريض والتشويه ضدهم".
وكشفت حرية الفكر والتعبير، في تقريرها المبني على رصد أجرته على مدار عامين بين يونيو/ حزيران 2017 و2019، عن أوجه مختلفة لما يتعرض له العاملون بوسائل الإعلام الأجنبية في مصر من تضييقات، استنادًا لبيانات رسمية صادرة عن الهيئة العامة للاستعلامات ولقاءات مع عاملين بهذه الوسائل وتحليل للقوانين المصرية ذات الصلة.
تضييقات
ذكرت المؤسسة أن السلطات المصرية "عمدّت إلى التضييق على وسائل الإعلام الأجنبية، وتعرّض صحفيون أجانب للترحيل من البلاد أو المنع من دخولها مثلما وقع لمراسلة صحيفة التايمز البريطانية بل ترو، وإطلاق السلطات حملات تشويه مستمرة بوسائل الإعلام المحلية ﻹظهار الأجنبية كجزء من مؤامرة على أمن واستقرار مصر"، لاسيما وأن السلطات "لا تملك القدرة على توجيه الرسائل السياسية من خلال الإعلام الأجنبي".
واعتبر التقرير هيئة الاستعلامات "المحرك الرئيسي لهذه الممارسات ضد وسائل الإعلام الأجنبية"، وذلك على الرغم من أنه "لا توجد تغيرات جوهرية في صلاحياتها منذ إنشائها وحتى الآن، وأن المتغير الوحيد الذي لحق بها خلال الفترة التي يغطيها التقرير كان تولي ضياء رشوان رئاستها".
ورأى التقرير أن رشوان "صاغ سياسة جديدة لهيئة الاستعلامات، لكي تتحول إلى جهة للتضييق والضغط على الإعلام الأجنبي"، فيما رجّح بعض ممن أجرت معهم المؤسسة مقابلات أن ذلك التحول "تم بالتعاون مع جهات سيادية، ترغب في وجود جهة رسمية غير أمنية في واجهة الضغط على الإعلام الأجنبي".
تصدر الهيئة تصاريح عمل للصحفيين الأجانب، وبحسب التقرير "تتبعت، في الآونة الأخيرة، تقاريرهم وانتقدتها"، ونقل عن صحفيين أجانب ومصريين يعملون في وسائل إعلام أجنبية أن هناك "تهديدات مباشرة وغير مباشرة يتلقونها".
في قسمه الأول، ذكر التقرير أن العمل بالصحافة والإعلام في مصر يحيط به "مخاطر متعددة" على رأسها "تدخل الأجهزة الأمنية في عملهم، حدّ تعرضّ بعضهم خلال الست سنوات السابقة للتوقيف والاحتجاز والحبس بسبب أداء عملهم"، بجانب ما يتعرضون له من اعتداءات "خاصة فيما يتعلق بتغطية الفعاليات السياسية والاحتجاجات"، وما يواجهه الأجانب منهم من "تهديدات أمنية باستمرار، تصل أحيانًا للترحيل أو المنع من دخول مصر".
وأضاف التقرير أنه في هذا اﻹطار، "برز دور هيئة الاستعلامات في التضييق على وسائل الإعلام اﻷجنبية والصحفيين الأجانب"، وذلك بصورتين "مُعلنة، وتتمثل في بيانات الهيئة وحملات التشويه التي قادها رئيسها، وغير معلنة وتتمثل في التهديدات التي تعرض لها الصحفيون".
وأرّخ التقرير بدء التضييقات والهجمات من جانب هيئة الاستعلامات ضد الإعلام الأجنبي في مصر، اعتبارًا من حادث هجوم الواحات الإرهابي في أكتوبر/ تشرين اﻷول 2017.
وضرب التقرير مثالاً على التهديدات، بشهادة من أحد الإعلاميين عما حدث بعد هجوم إرهابي لم تعلن عنه السلطات، بقوله "رغم وصولنا للمعلومة وتأكيدها من قِبَل جهة سيادية، لم ننشر الخبر، ﻷن المسؤول أبلغنا أنه سيتم نفي الخبر. ثم فوجئنا بعد يوم بوزارة الداخلية تعلن عن هذا الهجوم في بيانها الذي صدر تعليقًا على هجوم ثان".
وأشار التقرير إلى الدور المشترك في "الهجمة الحالية على الإعلام الأجنبي" بين الهيئة و"الأجهزة الأمنية" ذات الدور "غير المُعلن" باستثناء ما يتعلق بتوقيف وترحيل الصحفيين، ما اعتبره "تطورًا بحاجة إلى فهم أبعاده، خاصة وأن الأجهزة الأمنية، تقليديًّا، تولت التعامل مع ملف الإعلام الأجنبي".
بحسب مقابلات المؤسسة مع عاملين بوسائل إعلام أجنبية، فإنه وقبل تولي رشوان "كانت تمرّ شهور دون أن يصل صحفيي وسائل الإعلام الأجنبية أية بيانات منها. وكان ما ترسله صادر عن بعض الوزارات، بجانب دورها في إصدار تصاريح للعاملين في الوسائل الأجنبية، ومتابعة ما تنشره عن مصر لتعدّ عنه تقارير ترسلها لجهات أخرى في الدولة".
وعما شهدته الهيئة من تغييرات في الأداء "دون تغيير في الصلاحيات الممنوحة لها"، ذكر التقرير وفقًا لشهادات صحفيين أنها "باتت، على الأرجح، بديلًا للأجهزة الأمنية فيما يتعلق بالضغط على الإعلام الأجنبي. وتركّز على نقاط محددة في التقارير المنشورة"، وهو ما اعتبروه "حوّلها إلى هيئة رقابية تصدر بيانات عن أداء وسائل الإعلام الأجنبي، وتحدد لها ما هو مسموح وما هو ممنوع".
أمن ورقابة
على الرغم من دور الهيئة المتنامي فيما يتعلق بالرقابة، إلاّ أن إعلاميي الوسائل الأجنبية يعتقدون أن اﻷمن لم يختف من الصورة تمامًا، وفق ما نقله عنهم التقرير من وقائع تمثّلت في "تأخّر إصدار تصاريح العمل السنوية لهم بسبب مُشكلة مع أجهزة الأمن".
وذكر إعلاميون، في التقرير، أن الهيئة "تزايد دورها" بعد 2013 وأنها "تراقب المعلومات المنشورة وتعلق على عملهم عن طريق إصدار بيانات عن التقارير التي لا تعجبها"، واصفين الهيئة بأنها "أصبحت أكثر عدوانية وضجيجًا"، وأنها بعد أن كان رئيسها يلتقي المراسلين الأجانب ويعطيهم "نصائح"، تحوّل الأمر إلى "هجوم على وسائل الإعلام الأجنبية بشكل مباشر من خلال بيانات تطالبها بالاعتذار وحذف المحتوى".
تشكل التهديدات وتعطيل منح التصاريح الجانب غير المعلن من الهجمة على الإعلام الأجنبي، فيما كان المعلن هو سياسة الهيئة التي تناولها الجزء الثاني من التقرير، وعرض ما انتهجته ضد الإعلام الأجنبي، وكان أبرز أوجهه بيانات الهيئة ورئيسها ضد تغطياته لقضايا أغلبها سياسية مثل المتعلقة بالانتخابات الرئاسية اﻷخيرة.
وكان من بين "مضايقات" الهيئة للإعلام الأجنبي التي ذكرها تقرير المؤسسة "تكذيب التقارير والمطالبة بحذفها"، كما كان، بحسب التقرير، في موضوعات تناولت قضايا سياسية مثل "الحشد لانتخابات الرئاسة 2018"، فيما علّق أحد الإعلاميين المشاركين بشهادتهم في التقرير بأنه "غالبًا ما يكون هناك غضب عندما تتعلق التغطيات بموضوعات تكون المؤسسة العسكرية طرفًا فيها أو الرئيس".
وقال تقرير مؤسسة حرية الفكر والتعبير إن بيانات الهيئة تجمعها سمات مشتركة كان أبرزها "استخدام حجج مرتبطة بالمهنية، والمطالبة بحذف أو تعديل المحتوى أو الاعتذار رسميًّا للسلطات المصرية عن نشر محتوى معين أو نشر البيانات الرسمية فقط".
تحقق غير كافٍ من المعلومات
في مقابل مطالبات الحذف بهدف التضييق، حذفت بالفعل وكالة رويترز تقريرًا عنوانه "سلع غذائية وأموال ونقل بالحافلات، حشد للناخبين على الطريقة المصرية"، وحينها قالت وكالة الأنباء إن الحذف كان ﻷن التقرير "لا يفي بمعايير الوكالة"، دون التطرق إلى مدى صحة المعلومات الواردة فيه من عدمها.
الحالة الثانية كانت أكثر بروزًا من تقرير رويترز المحذوف، عندما أذاعت قناة بي بي سي تقريرًا عن إخفاء قسري لشابة مصرية تدعى زبيدة، وهو ما ثبت أنه غير صحيح، بسبب عدم قيام الصحفية بالتحقق الكافي من بعض الادعاءات التي أوردتها واحدة ممن تحدثوا للقناة.
هذه الحادثة تحققت منها المنصة بشكل مستقل في هذا التقرير، والتقت أشقاء الفتاة الذين أكدوا معرفتهم المسبقة مكان شقيقتهم عقب زواجها سرًا.
ونفى رشوان أيضًا صحة ما ذكرته منظمة العفو الدولية في تقرير لها حول "إخفاء وتعذيب أطفال في مصر"، وهو ما أثبتت دفاعات المتهمين أنفسهم عدم صحته، إذ لم يدفعوا بتهمة التعذيب أمام النيابة.
حاولت المنصّة التواصل مع رئيس الهيئة العامة للاستعلامات للرد على ما ورد في التقرير الحقوقي بشأن الهيئة، إلاّ أنه لم يردّ على هاتفه حتى موعد نشر التقرير.
معضلة التصاريح
على المستوى التشريعي، ذكر التقرير أنه وعلى الرغم من أن القانون 92 لسنة 2016 بشأن التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام قصر إصدار التصاريح للصحفيين الأجانب على المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، إلاّ أنه لم يتم تفعيل هذا النص، وأنه "يمكن القول إن هيئة الاستعلامات ظلت تعمل على ملف الإعلام الأجنبي دون سند قانوني، منذ تشكيل المجلس في أبريل/ نيسان 2017 وحتى أغسطس/آب 2018".
آثار باقية
في قسمه الرابع والأخير، عرض التقرير الحقوقي تأثيرات الهجمة على الإعلام الأجنبي، وتمثلت في تأخّر التغطية لاسيما المتعلّقة بموضوعات قد تكون "حساسة للسلطات" نظرًا لزيادة التركيز والمراجعات لها، وسحب تقارير أو عدم نشر أسماء معدّيها وقد صار الحذر "أكبر" من رد فعل السلطات، ومواجهة عراقيل في الحصول على معلومات بسبب "تخوفات لدى المسؤولين من إجراء مقابلات مع بعض وسائل الإعلام الأجنبية وعلى رأسها تلك التي دعت هيئة الاستعلامات إلى مقاطعتها"
واختتمت حرية الفكر والتعبير تقريرها، بعدّة مطالب لتحسين أوضاع العاملين في تلك الوسائل داخل مصر، تمثّلت في "وقف كافة أشكال الرقابة على الإعلام الأجنبي، خاصة مساءلة واستدعاء الصحفيين بسبب محتوى تقاريرهم، وأن تلتزم الهيئة العامة للاستعلامات بدورها المحدد قانونًا، وأن توقف السلطات المصرية فورًا حملات التشويه والتحريض عليهم"، كما طالبت المنظمات الحقوقية والمعنية بحرية الإعلام محليًّا ودوليًّا بالعمل على توفير آلية لتلقي شكاوى هذه الوسائل والعاملين بها ودعمهم.