إذا كنت تظن أن رسائلك النصيّة وبريدك اﻹلكتروني ومحادثاتك عبر الهاتف واﻹنترنت تتمتع بخصوصية كافية، بحيث لا يراها أو يسمعها طرف ثالث، إلا إذا كان واقفًا خلفك، فأنت مخطئ، ﻷنه بات بإمكان أطراف حكومية مختلفة الولوج إلى هاتفك ومراقبة تحركاتك، عبر تقنيات توفرها شركة صينية بالتعاون عمالقة بقطاع تكنولوجيا الاتصالات بأمريكا مثل جوجل وآي بي إم.
وبحسب تقرير نشره موقع "انترسبت" الأمريكي، فإن على رأس عملاء هذه الشركة حكومات مستبدة بالشرق اﻷوسط، فضلًا عن الحزب الشيوعي الصيني.. وهذا نص التقرير:
أوبن باور
جهاز في حجم حقيبة صغيرة يمكن وضعه إخفاءه في الحقيبة الخلفية للسيارة، وعندما يتم تشغيله، يبدأ على الفور في مراقبة مئات في مراقبة مئات الهواتف المحمولة في محيطه، وتسجيل محادثات الأفراد ومطالعة رسائلهم النصية (SMS).
ذلك الجهاز هو واحد من عدة أدوات تجسس حديثة صنعتها شركة صينية تسمى "سيمبتيان". هذه الشركة وفرت تلك الأجهزة للحكومات المستبدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بحسب مصدرين على دراية بعمليات الشركة.
موقع "انترسبت" الأمريكي أورد مطلع هذا الشهر، أن الشركة الصينية تستخدم منذ 2015 التكنولوجيا الأمريكية للمساعدة في بناء أدوات مراقبة وتجسس أكثر قوة، وهي تلك الأدوات التي تبيعها للحكومة تحت شركة واجهة تسمى "آي نيكست".
تتعاون "سيمبتيان" مع شركة "آي بي آم""، وكذا الشركة اﻷمريكية الرائدة في تصنيع الرقاقات الإلكترونية"إكسيلينكس"، وذلك من أجل تطوير مجموعة من المعالجات الدقيقة التي تمكن أجهزة الحاسب الآلي من تحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة أكبر. الشركة الصينية هي عضو في منظمة أمريكية تدعى مؤسسة "أوبن باور"، والتي أسسها مسؤولون تنفيذيون في شركتي جوجل، مالكة محرك البحث الأشهر على مستوى العالم، و"آي بي إم" IBM بهدف محاولة "دفع الابتكار".
لم ترد "سيمبتيان" وجوجل و"إكسيلينكس" على طلبات للتعليق، بينما قالت مؤسسة "أوبن باور" في بيان إنها "لا تتورط أو تسعى للحصول على معلومات حول استراتيجيات أو أهداف أو أنشطة الأعمال الفردية لأعضائها"، بسبب قوانين مكافحة الاحتكار والمنافسة.
قال متحدث باسم شركة "آي بي إم" إن شركته "لم تعمل مع سيمبتيان في تطوير التكنولوجيا المشتركة"، ورفض الإجابة على مزيد من الأسئلة.
عميل وهمي
تساعد معدات "سيمبتيان" نظام الحزب الشيوعي الحاكم في الصين في مراقبة سرية لنشاط الإنترنت والهواتف المحمولة، لما يصل إلى 200 مليون شخص في جميع أنحاء الدولة الواقعة في شرق آسيا، ويتفقدون كميات هائلة من البيانات الخاصة كل يوم.
لكن امتداد الشركة يتجاوز الصين، ففي السنوات الأخيرة، تم تسويق تقنياتها على مستوى العالم.
بعد تلقي معلومات من مصادر سرية حول دور "سيمبتيان" في المراقبة الجماعية، اتصل مراسل بالشركة مستخدمًا اسمًا مستعارًا وتظاهر بأنه عميل محتمل. في رسائل البريد الإلكتروني، أكد ممثل لشركة "سيمبتيان" أن الشركة قدّمت أدوات المراقبة الخاصة بها لأجهزة أمنية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقال إنها مزودة بنظام مراقبة جماعي في بلد لم يذكر اسمه، مما خلق شبكة رقمية تضم جميع السكان.
تم تصميم نظام المراقبة الشامل، المسمى "أيجيس" Aegis، لتتبع استخدام الهاتف والإنترنت، حيث يمكنه "تخزين وتحليل بيانات غير محدودة" و"إظهار اتصالات الجميع"، وفقًا للوثائق المقدمة من الشركة.
قال تشو ون ينج من "سيمبتيان" في رسالة بالبريد الإلكتروني في أبريل، "لقد قمنا بتثبيت نظام أيجيس في بلدان أخرى (غير الصين) وقمنا بتغطية جميع أنحاء البلاد. رفض تشو الإفصاح عن البلدان التي تم تركيب المعدات فيها، قائلًا إنها "شديدة الحساسية. نحن مُلزمون باتفاقية عدم إفصاح صارمة للغاية".
قد استخدمت معدات مماثلة لسنوات من قبل وكالات الاستخبارات الغربية وأجهزة الشرطة. ومع ذلك، بفضل جزء من شركات مثل "سيمبتيان"، تجد التكنولوجيا طريقها بشكل متزايد إلى أيدي قوات الأمن في البلدان غير الديمقراطية، حيث يتم سجن المعارضين وتعذيبهم وفي بعض الحالات إعدامهم.
استهداف الناشطين
وقال جوس حسين، المدير التنفيذي لمجموعة الخصوصية الدولية International Privacy لحقوق الإنسان ومقرها لندن "لقد رأينا أمثلة منتظمة ومثيرة للصدمة حول كيفية استخدام الحكومات للمراقبة في جميع أنحاء العالم للبقاء في السلطة، من خلال استهداف الناشطين والصحفيين وأعضاء المعارضة".
وأضاف: "تبيع الصناعة المجموعة الكاملة من قدرات المراقبة على مستوى الشبكة والخدمة والمدينة والدولة. ويبدو أن الشركات الصينية هي أحدث الشركات التي دخلت هذا السوق التنافسي في مجال التأثير واستغلال البيانات".
وردًا عن سؤال حول ما إذا كان هناك أي دول ترفض التعامل معها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كتب تشو أن إيران وسوريا هما المكانان الوحيدان اللذان كانا خارج نطاق التعامل. كانت الشركة على ما يبدو على استعداد للعمل مع دول أخرى في المنطقة، مثل السعودية والبحرين والمغرب والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والسودان ومصر، حيث تنتهك الحكومات بشكل روتيني حقوق الإنسان، وتقمع حرية التعبير والاحتجاجات السلمية.
4 نظم
توضح الوثائق أن "سيمبتيان" تقدم حاليًا الفرصة لشراء أربعة أنظمة مختلفة هي "أيجيس" و"أولت" و"هاوك آي" و"فالكون".
تم تصميم "أيجيس"، النظام الرئيسي لشركة "سيمبتيان"، ليتم تثبيته داخل شبكات الهاتف والإنترنت، بحيث يستخدم لجمع سجلات البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية والرسائل النصية، وتحديد مواقع الهواتف المحمولة وتاريخ تصفح الإنترنت بشكل سري. تتمتع الحكومات في معظم البلدان بالقدرة على إلزام مقدمي خدمات الهاتف والإنترنتبتثبيت هذه المعدات بشكل قانوني.
تزعم الشركة أن نظام "أيجيس" يوفر "رؤية كاملة للعالم الافتراضي"، مما يمكّن جواسيس الحكومات من الاطلاع على "معلومات مكانية لكل من في البلاد". كما يمكنه أيضًا "حجب معلومات معينة (على الإنترنت)"، ومراقبة المحتوى الذي لا تريد الحكومات أن يطلع عليها المواطنون.
أما نظاما "أولت" و"فالكون" فهما أصغر حجمًا؛ إنها محمولة وتركيزها فقط على اتصالات الهواتف الجوالة. إنها بحجم حقيبة سفر ويمكن تشغيلها من سيارة، على سبيل المثال، أو من شقة تطل على ميدان.
عند تنشيط نظام "أولت" يبدأ في التنصت على مكالمات الهاتف الجوال والرسائل النصية التي يتم إرسالها عبر موجات الهواء في المنطقة المجاورة. تنص وثائق لشركة "سيمبتيان"، على أن "أولت" لديه القدرة على مراقبة 200 هاتف مختلف في نفس وقت.
تقول إحدى الوثائق التي تصف البرنامج أنه "الاعتراض واسع النطاق يستخدم لاعتراض الصوت والرسائل النصية القصيرة حول النظام، ضمن نطاق التغطية". وتضيف الوثيقة أن هناك ميزة "فلترة الكلمات الرئيسية في الرسائل النصية"، مما يشير إلى أنه يمكن للسلطات أن تستهدف الأشخاص، بناءً على عبارات أو كلمات معينة في رسائلهم.
نظام "فالكون" على عكس "أولت"، لا يملك القدرة على التنصت على المكالمات أو الرسائل النصية. بدلًا من ذلك، تم تصميمه لتتبع موقع الهواتف الجوالة المستهدفة عبر دائرة نصف قطرها نحو ميل ويمكن تحديدها في نطاق 5 أمتار، على غرار ما يقوم به جهاز يعرف باسم "ستينجراي" الذي تستخدمه أجهزة إنفاذ القانون في الولايات المتحدة.
عندما يتم تشغيل "فالكون"، فإنه "يجبر جميع الهواتف الجوالة القريبة وغيرها من أجهزة البيانات الخلوية على الاتصال به"، ويمكن أن تساعد السلطات الحكومية "في العثور على المنزل الدقيق الذي تختفي فيه الأهداف،" وفقًا لوثائق الشركة الصينية.
يأتي فالكون مزودًا بجهاز صغير بحجم الجيب، يمكن أن يستخدمه عميل حكومي لملاحقة الأشخاص سيرًا على الأقدام، وتتبع موقع هواتفهم الجوالة على بُعد متر واحد.
النظام الرابع الذي تبيعه "سيمبتيان" للحكومات، "هاوك آي"، وهو عبارة عن منصة محمولة قائمة على الكاميرا تتمتع بتقنية التعرف على الوجه. تقول وثائق الشركة إنها مصممة لتوضع في أي مكان لعمل "مشهد مراقبة مؤقت".
تصوير الوجوه
يقوم "هاوك آي" بمسح الأشخاص أثناء سيرهم عبر الكاميرا ومقارنة صور وجوههم بالصور الموجودة في "قواعد بيانات متعددة المستويات" في الوقت الحقيقي، مما يؤدي إلى إرسال تنبيات إذا تم التعرف على مشتبه به معين.
كتب تشو، موظف "سيمبتيان"، أن بعض هذه الأدوات قد تم توفيرها للسلطات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقال إن "أيجيس وفالكون وهوك آي، هي حلولنا الجديدة لمستخدمي أجهزة إنفاذ القانون".
وأضاف أن "جميع المنتجات الثلاثة لها قصص ناجحة وبعضها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".
توسع في تصدير أدوات المراقبة
وقالت إلسا كانيا، زميلة مساعدة في مركز الأمن الأمريكي الجديد، وهو مركز أبحاث سياسي، إن صادرات شركة "سيمبتيان" يبدو أنها تتلاءم مع اتجاه أوسع، حيث شهدت الشركات الصينية تصدير تقنيات المراقبة والرقابة في محاولة للولوج إلى أسواق جديدة، فيما تعزز من الصين أيديولوجيًا.
أضافت كانيا "يسعى الحزب الشيوعي الصيني إلى تعزيز ودعم الأنظمة التي لا تختلف عنه. إنه أمر مقلق للغاية، لأننا نشهد انتشارًا سريعًا للتقنيات، التي قد تستخدم في انتهاكات في الدول الديمقراطية الديمقراطيات، وتمثل إشكالية أكبر في الأنظمة التي لا تحظى بضوابط وتوازنات ومجتمع مدني مفتوح".