أول ما يقوم به مستخدم السوشيال ميديا بمجرد دخوله أحد مواقع التواصل الاجتماعي عادةً، هو فتح قائمة التنبيهات. الأمر أصبح شبيهًا بالسلوك الإدماني، ومع كل "لايك" جديد يحصل عليه يشعر بالقليل من اللذة. هذه القلوب الحمراء الساحرة تزيد جرعات الدوبامين في جسد الإنسان، مع زيادة عدد الإعجابات تزداد الجرعة، حتى يظل الإنسان يبحث عن المزيد.
والدوبامين هو مادة كيميائية يفرزها الدماغ لتحفيز السلوك، عند تناول الأطعمة اللذيذة، وممارسة الجنس، والرياضة، والأهم من ذلك كله هو عندما يكون لدينا تفاعلات اجتماعية ناجحة، الدوبامين هو المكافأة على السلوك المفيد، وهذه المكافأة ليست سوى الحافز لتكرار هذا السلوك.
بهذه البساطة تتحول العادة إلى إدمان، وتصبح "اللايك" كقطعة الشكولاتة اللذيذة بالنسبة للمستخدم، الذي أصبح شاغله الأول هو كيفية الحصول على المزيد، والمزيد من القلوب الحمراء يعني بكل بساطة المزيد من المتابعين، ومن هنا يبدأ كل شيء.
ولكن يبدو أن تطبيق إنستجرام قرر أن يسحب قطع الشيكولاتة اللذيذة من فم مستخدميه، بعد أن وسع تجربته في إخفاء عداد "الإعجابات" لتشمل 6 دول أخرى بجانب كندا، هي أستراليا والبرازيل واليابان ونيوزليندا وإيطاليا وآيرلندا. في هذه البلاد لن يظهر لمستخدم إنستجرام عدد الإعجابات على أي صورة على التطبيق إلا الصور التي رفعها المستخدم على حسابه هو فقط.
لم يصرح الموقع بوضوح عن السبب وراء هذا التحديث، فقط أعلن أنه لتحسين تجربة المستخدم، والتركيز على المحتوى بدلًا من عدد الإعجابات.
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، اعتذر شامات باليهابيتيا، نائب الرئيس السابق لنمو المستخدم لدى موقع فيسبوك، أمام جمهور من طلاب جامعة ستانفورد، واعترف بشعوره بالذنب، عندما سُئل عن استغلال سلوك المستهلك.
وقال في حديثه مع Palihapitiya إن مواقع التواصل الاجتماعي تحولنا إلى مدمنين، وأن مواقع كفيسبوك وإنستجرام وسناب شات تستفيد من نفس الدوائر العصبية التي تستخدمها ماكينات القمار والكوكايين، للحفاظ على استخدامنا لمنتجاتها قدر الإمكان.
ما قبل اللايك.. كيف نجونا؟
زر الإعجاب تمت إضافته على فيسبوك بعد 5 سنوات من إطلاق الموقع، تحديدًا في عام 2009، لكن لا أحد يتذكر كيف استخدمنا فيسبوك قبل هذه الإضافة، أما العجيب في الأمر أنه ومنذ إضافة زر الإعجاب، فقد أصبحت القلوب الحمراء مؤشرًا على المكانة الاجتماعية، خاصة بالنسبة للأشخاص القلقين، فإن كثرة الإعجابات تمنحهم الثقة أو الطمأنينة، مثلما تكون قلّتها محبطة.
بينما يتكلم الإنسان عن نفسه حوالي 40% من الوقت، فإن هذه النسبة تقفز إلى 80% عندما نكون خلف الشاشة وعلى لوحة المفاتيح. لك أن تتخيل كيف قفزت هذه النسبة، خاصة مع وجود أزرار الإعجاب، فنحن بالتأكيد نحب التكلم عن أنفسنا، بل نحن بحاجة لهذا النوع من التعبير والتواصل مع الآخرين. وعندما طور الإنترنت هذه الحاجة، أصبحنا نشعر بالراحة أكثر، بسبب التحكم في الكلمات التي نشارك بها أفكارنا واهتماماتنا، ونستطيع كذلك أن نطلقها بطريقة تجنبنا الحرج.
لاحقًا تطور الأمر أكثر بعد أن رأينا أن كل هذه الأفكار والمشاعر والتجارب والاهتمامات، أصبحت تحظى بمتابعين يعبرون عن إعجابهم بطريقتنا في طرح أفكارنا ومشاعرنا وتجاربنا واهتماماتنا، فأصبح الشعور بالراحة مرتبطًا بعدد الإعجابات، وكلما زاد عدد الإعجابات، زادت جرعة الدوبامين.
ما بعد اللايك: سلوك القطيع
في دراسة نشرها موقع Psychological Science عن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على أدمغة وسلوك المراهقين، تبين أن معظمهم يميلون إلى التفاعل مع المحتوى الذي تلقى الكثير من الإعجابات سواء كانت تلك الإعجابات من أصدقائهم أو غرباء أكثر من ذلك الذي حظي بشعبية قليلة. أصبحت الإعجابات الكثيرة بشكل غير مباشر وثيقة اعتماد للمحتوى.
وبعيدًا عن مواقع التواصل، تتوقع الدراسة أن تأثير مثل هذا السلوك قد يتضخم في الحياة الحقيقية، خاصة عندما ينظر المراهق إلى أشخاص مهمين بالنسبة إليه. لكن أخطر ما توصلت إليه هذه الدراسة هو تأثير كل ذلك على مناطق صنع القرار في الدماغ، حيث رصد الباحثون نشاطًا أقل في المناطق المرتبطة بالتحكم المعرفي وتثبيط الاستجابة.
عداد اللايك ومستقبل الإنترنت
كل هذا يجعلنا نفهم ردود الأفعال المعترضة على توسع انستجرام في اختباره الجديد لإخفاء عداد "الإعجابات" التي يتلقاها المستخدمون على محتواهم. التجربة التي بدأت منذ عدة أشهر في كندا، وطرحها الموقع اليوم الخميس في ستة بلدان أخرى. لك أن تتخيل المظاهرة الإلكترونية على حساب إنستجرام الرسمي على تويتر، لدرجة أن يتفق الكثير من المستخدمين أنه "لا أحد سيتخدم إنستجرام لو تم إخفاء عداد الإعجابات".
الهدف الأساسي لاستخدام التطبيق هو الحصول على الإعجابات، لدرجة تجعلهم يحذفون المحتوى الذي لم يحصد على عدد كافٍ ومرضٍ من الإعجابات. 37% من مستخدميه أقل من 24 عامًا بحسب موقع statista، لذلك تلقى انتقادات كثيرة، بسبب تأثيره السلبي على المراهقين.
هذه الخطوة، بحسب مديرة تطبيق السياسات لفيسبوك أستراليا ونيوزيلندا ميا جارليك، تهدف إلى أن يشعر المستخدمون أنهم أقل عرضة للتقييم، ويستطيعون التركيز على المحتوى أكثر من التركيز على عدد الإعجابات. لكن السؤال هنا، هل سيكون الإنترنت أفضل إذا قل اهتمامنا بعداد الإعجابات والمتابعين؟
https://www.statista.com/graphic/1/248769/age-distribution-of-worldwide-instagram-users.jpgلم يشارك انستجرام نتائج التجربة الكندية، وربما جاء توسيع نطاقها بهدف جمع المزيد من البيانات، وعلى الرغم من كم الانتقادات الموجهة للموقع بسبب التجربة الجديدة، إلا أن الأرقام الناتجة عن هذه التجربة هي التي ستحدد كل شيء.
إن نجحت التجربة بالأرقام، ولم يتأثر عدد مستخدمي إنستجرام، يمكن أن نراها في المستقبل على فيسبوك مثلًا، الأمر الذي سيغير الكثير من سلوكياتنا اليومية بشكل كبير، ليس فقط مع مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن أيضًا الطريقة التي نتعامل بها مع هواتفنا، التي خلصت دراسة من جامعة برجن النرويجية إلى إن 73% منّا يصابون بالذعر عندما ينسون أين تركوا هواتفهم المحمولة.