بعد فضيحة لاعب المنتخب المصري، عمرو وردة، خلال مباريات الدور الأول من بطولة الأمم الإفريقية، أعلنت شركة أورنج حذف مشاهد لاعب المنتخب من نسخة إعلانها الخاص بالبطولة.
فبعد اتهامات ضد وردة بالتحرش بفتيات على موقع انستجرام، وتصوير عضوه الذكري في فيديو أرسله لفتاة عبر موقع دردشة أخر، قوبل سلوكه بهجوم من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي وطالبوا بطرد اللاعب من قائمة المنتخب ومقاطعة أي منتج يحمل صوره.
اتحاد الكرة قرر استبعاده من قامة المنتخب وفي اليوم التالي تراجع عن قراره، لكن شركة أورانج قررت استبعاده من الإعلان. هذا الموقف يجعلنا نفهم تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على السلوك الدعائي لشركات الاتصالات، فمنذ نشأتها في الألفينات ارتبطت إعلاناتها المقدمة على جميع الوسائط بالتطورات الاجتماعية التي حدثت وتحدث في مصر.
تقدم المنصة في هذا التحليل خط إنتاج الإعلانات في شركات الاتصالات منذ بداية دخول الخدمة.
بشائر عاصفة الصحراء وتأسيس الاتصالات
مهد الطريق لمنظومة الاتصالات في مصر حملة تطوير البنية التحتية التي بدأتها الدولة مع انتعاشة الخزينة العامة من حرب الخليج، أعفيت مصر بسبب مشاركتها في الحرب من معظم ديون دول الخليج، وقررت كل من الكويت والإمارات والسعودية وليبيا إلغاء ما لها من ديون لدى مصر قدرت بنحو 7 مليار دولار، أسقطت أمريكا 6.7 مليار دولار من الديون العسكرية عرفانًا بدور مصر ضمن تحالف عاصفة الصحراء بزعامة الولايات المتحدة لتحرير الكويت.
كذلك؛ سهّل حصول مصر على قرض صندوق النقد الدولى وقتها من استعداد شركات استثمارية أجنبية للمشاركة في تأسيس قطاع الاتصالات بعدما التزمت مصر بتحرير سعر الصرف، وفقًا لشروط صندوق النقد، وفتحت المشاركة للقطاع الخاص أمام تقليص دور القطاع العام، ما شجع الدولة فيما بعد على الاستثمار في ذلك القطاع.
أطلقت بنية الاتصالات وخدمات المحمول عام 1996، تأسست شركتا "موبينيل" و"كليك" عام 1998، ثم تحولت "كليك" إلى فودافون مصر التابعة لـ"فودافون جروب" عام 2001 مع تأسيس القرية الذكية، وفي عام 2006 لحقت بهم شركة اتصالات مصر التابعة لاتصالات الإمارات.
عراقيل التأسيس المبكر
صاحب التأسيس المبكر للمنظومة عراقيل تمثلت في عدم تغطية الشبكات لجميع المحافظات بنفس الكفاءة وارتفاع أسعار الخدمات المقدمة وأسعار التليفونات المحمولة، ذلك أدى إلى عدم نمو الصناعة بالنسبة المتوقعة لها في البدايات. لكن فيما بعد أدت منافسة وكلاء الهواتف المحمولة لزيادة قاعدة المستهلكين فانخفضت أسعار الخدمات تدريجيًا.
ونتج عن التسهيلات المقدمة من الحكومة متمثلة في وزارة الاتصالات؛ مبادرة مجتمع المعلومات المصري EISI التي هدفت لدعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وبرنامج ترخيص الشركات الثابتة والمحمولة الذي أسفر عن إبرام اتفاقية تجوال قومية بين مشغلي الهواتف المحمولة الثلاثة في مصر والجهاز القومي للاتصالات NTRA، في يونيو 2007، لإمداد المستخدمين بخدمات الجيل الثالث، وأيضًا انشاء التجمعات التكنولوجية مثل القرية الذكية والمنطقة التكنولوجية الاستثمارية بالمعادي.
في البدء كان "مجال الدعاية"
لا يمكن إنكار تأثير إعلانات شركات الاتصالات في تطوير مستوى الإعلان بشكل عام في مصر؛ كانت السلعة في البداية رفاهية غير مقدور عليها ثم صارت ضرورة في العصر الرقمي خصوصًا بعد دخول خدمات الجيل الثالث لمصر في عام 2007.
وخلال عشر سنوات رضخت الشركات لمستخدمي السوشيال ميديا تحت شعار "ما يطلبه الجمهور" وهو شعارها الدائم من الأساس ككيان استثماري، لكن يضعنا تحت علامة استفهام حول تأثيرها على طريقة تفكير المستهلك.
دعاية من أبو بلاش
منذ بدايتها، هدفت شركات الاتصالات في دعايتها إلى جذب المستهلكين بعروضها التي تقدمها خلال الإعلانات. كان المستهلك لا يزال في مرحلة الانبهار بمظاهر العولمة وأكثر تحفظًا في الإقبال على وسائل الاتصال الحديثة، وهو ما جعل الشركات أكثر حذرًا في المجازفة بتقديم شيء مختلف عن المعتاد.
حتى قبل عامين من ثورة الخامس والعشرين من يناير كان الهدف من الدعاية دومًا هو الإعلان عن أن "الدقيقة بـ5 قروش" أو "اتكلم طول النهار ببلاش"، في مجتمع كانت المكالمات هي وسيلة اتصاله الرئيسية قبل الاعتماد على تطبيقات الرسائل المجانية.
وفي ظل التنافس بين شركتي فودافون وموبينيل، لم يتعدى الابتكار في الإعلانات إلا ديكور مكمل لاسكتشات تقليدية، مثل إعلانات شركة موبينيل في رمضان 2009 و 2010، أو استعمال عرائس الماريونيت في إعلان شركة فودافون "ادفعلي شكرًا"، حتى أطلق المنافس الثالث - شركة اتصالات مصر، إعلانات مكثفة ترتبط بشرائح المستهلكين المستهدفة، قبل تقديم الشركة كشف حساب لها في 2010 بحشد نجوم الصف الأول من الفنانين في إعلان "قالوا مجنون".
إعلان موبينيل 2010
إعلان فودافون 2010 "ادفعلي شكرا"
إعلان إتصالات 2010 "قالوا مجنون"
المستهلك يفرض نفسه
أثر التطور التكنولوجي بشكل كبير على صناعة المواد البصرية، بما فيها الإعلانات؛ فقد أعطى واقعية أكبر للاستوديوهات، وتطورت تقنيات التصوير بالأجهزة المحمولة وخلقت تنافسًا، وأصبح الكثيرون قادرين على تنفيذ أفكارهم بأنفسهم دون الحاجة إلى تعليم أكاديمي، وذلك فتح المجال أمام وكالات الدعاية والإعلان لعرض ميزانيات أقل وفتح مساحة لأفكار أكثر تنوعًا.
خلقت مواقع التواصل الاجتماعي حلولًا اقتصادية؛ صارت تكلفة عرض الإعلان أقل من التليفزيون وانتشاره أكبر. وكذلك، انشأت مواقع التواصل الاجتماعي جسرًا بين الشركات والجمهور، أصبح من السهل الحصول على آراء أكثر تنوعًا ورصد نسب التفاعل سواء بالإيجاب أو السلب. وهذا خلق حالة تأثير وتأثر أسرع، بل أيضا كان له دور كبير في حذف إعلانات عنصرية تفرق من ناحية الجنس أو الدين أو اللون.
كمثال، استعانت شركة نايكي بموديل من زائدي الوزن استجابة لمدونين أطلقوا حملة لنبذ فكرة الجسد المثالي المعتمدة منذ فجر تأسيس الإعلانات. وازداد وعي شريحة كبيرة من الجمهور المصري بعد أن صارت وسائل التواصل الاجتماعي مساحة لحرية الرأي وبالتالي انعكس على الذائقة النقدية، فأصبح المتلقي يقيم الإعلان وينتقد ما يراه من أخطاء فنية.
سياسة الركوب
من 2012 إلى 2015 شهدت الثلاث سنوات أكبر مجموعة متنوعة من الإعلانات نتيجة صعود مديرين دعاية شباب على رأس الوكالات الإعلانية بعد الثورة، واستعانت شركات الدعاية بممثلين شباب وفرق غنائية لاستغلال قبولهم وهو ما أدى إلى عدم الارتكان على الموسم الرمضاني كفرصة واحدة لإعلان مكثف شامل وإنما امتد الأمر لإنتاج إعلانات على مدار العام تصاحب العروض الحصرية للمسلسلات وبرامج الترفيه مثل "البرنامج" و"أبلة فاهيتا".
استهداف المستهلك ليستهلك
قبل تحليل إعلانات شركات الاتصالات وربطها بالحركة الاجتماعية والسياسية والثقافية، يجب التذكير ببعض الأساسيات في صناعة الدعاية لتساعدنا على فهم كل إعلان وعلاقته بتوقيته.
بحسب أحد المديرين القائمين على خطة الإعلان والدعاية في أحد شركات الاتصالات، فإن "شركات الاتصالات تقسم مستهلكيها لشرائح قبل التفكير في تقديم أي عرض، وترصد الشركة نسبة النمو والهبوط لكل شريحة على حدة لتحدد الشريحة المستهدفة في الموسم الرمضاني". ويضيف المصدر "يصاحب رصد نسب الهبوط والنمو تحليلًا لسيكولوجية الفئات المستخدمة نراعي فيها تجنبنا لتعدي أي خطوط حمراء أو تابوهات عن الشريحة المقرر استهدافها".
الخطوة التالية تأتي بحسب المصدر "بتعاقد الشركة مع وكالة إعلانية وتتفق على الميزانية المخصصة وجودة الإعلان والأدوات المستعملة فيه من تقنيات وmodels، وكل وكالة إعلانية، حسب انتشارها ومدى خبرتها بالسوق؛ يكون لديها مصممين أفضل قادرين على خلق أفكار جديدة".
ومع كل تلك العوامل التجارية فإن هنالك دائما جانب رمزي للإعلان يظهر فيه إنعكاس الظروف السياسية والاجتماعية، خلقته وسائل التواصل الاجتماعي، تمامًا كالأعمال الفنية من مسلسلات وأفلام وموسيقى.
بين 2012 إلى 2015.. مسموح بكل الألعاب
يمكن تقسيم إعلانات الفترة بين 2012 و2015 إلى؛ إعلانات غنائية فقط لا تقدم عرض تجاري معين مثل الحملات الإعلانية لموبينيل من عام 2012 إلى 2015، "لازم نكون مع بعض"، "فاعل خير" و"افتح قلبك واعرفني". إعلانات ترتكز على القيم الاجتماعية وتربطها بغرضها التجاري مثل فودافون 2013 "كتر شيرك". وإعلانات تقدم عرض بدون وجود نجوم مثل اتصالات 2013 "كل يوم جديد"، وإعلانات تعتمد على النجوم في الدعاية لنظام أو عرض معين مثل فودافون 2012 "الديكور وقع".
قدمت موبينيل فكرة مشابهة لإعلان "شكرًا" لكن بشكل أعمق ورسالة أكثر بعدًا عن التجارية، مستغلة علاقتها الطويلة بالمستهلك المصري، قدمت قيم التكافل والتضامن والسعي للخير دون ابتذال خاصة أن المتابع لديه حساسية من التعامل مع هذا الأمر بعد استهلاكه من إعلام الدولة. لكن اختلفت موبينيل في استعراض بيئات مختلفة من مصر (ريف وحضر)، واستقطبت شباب الفرق المستقلة أو المغنيين، كما تناولت أيضًا الكيانات والظواهر التي خرجت للسطح بعد الثورة مثل مغنيين المهرجانات والألتراس.
وقد لازمت تلك الفترة صراعات سياسية منها التشاحن بين الشعب والتيارات الإسلامية عامي 2012 و 2013 أو أحداث رابعة في عام 2014، قبل الانصراف للعمل الخيري الصرف في عام 2015.
أما فودافون فنوعت بين توظيف نجوم الصف الأول في إعلان مباشر والأفكار أكثر قربًا من المشاهد مثل الإعلان المكون من فيديوهات مصورة بهواتف عادية تصور أفعال الخير. وذلك لما كانت تعنيه وسائل التواصل الاجتماعي في تلك الفترة من منفذ للتعبير عن كافة الأنشطة الإنسانية، ثم استغلال فكرة السوشيال ميديا بعد أن أصبحت محل اهتمام بحياة النجوم وتفاصيلهم الشخصية التي يشاركونها مع المتابعين، لتقديم إعلان يتناول الروابط العائلية واضعًا علاقات هؤلاء النجوم الأسرية محط العرض.
قررت اتصالات عدم الاعتماد على نجوم الشباك وتقديم أفكار شبابية غير تقليدية، منها استعمال فكرة الاسكتشات مع استبدال المواقع الحقيقة بأخرى مصممة بتقنية الجرافيكس، أو فيديو آخر يلعب على فكرة روح الابتكار لدى الشعب المصري، أو التركيز على تأثير العصر الرقمي مع ربط كل تلك الأفكار المتجددة بإسم الشركة.
إعلان شكرًا فودافون
إعلان لازم نكون مع بعض موبينيل
إعلان افتح قلبك واعرفني موبينيل
إعلان "كتر شيرك" فودافون
إعلان "جدد كل يوم" اتصالات
2015/2017.. لف وأرجع تاني
حسب مصدرنا الذي يعمل كمدير خطط الدعاية في إحدى شركات الاتصالات، فإن التوجه العام منذ أواخر 2015 كان نحو الربط بين ظواهر السوشيال ميديا والمواد الإعلانية، فالإحباط العام، وانخفاض مستوى المعيشة جعل معظم فئات المجتمع تستعمل وسائل التواصل الاجتماعي كملجأ؛ بدلًا من أن تكون وسيلة لتبادل الآراء والأفكار والتأثير بالفضاء الافتراضي تحولت تدريجيًا إلى فضاء لتلقي الترندات والظواهر التي تقدمها الكيانات التجارية في مختلف المجالات (اتصالات-رياضة-صحة-إسكان-خدمات بأنواعها) أو تمدها بالانتشار.
هذا النمط يشبه فترة ما قبل الثورة من حيث نقطة تصدير الشعار للجمهور.
ذلك جعل موبينيل تستعين بنجوم من الممثلين المشهورين بتفاعلهم مع الجمهور، ثم عادت الشركة إلى مواقع التصوير المقتصرة على "المودلز" فقط، بعد أن كانت تحرص في الإعلانات على خلق تفاعل مباشر مع المتابع.
أما اتصالات فقدمت إعلانًا "تخيل بكرة.. نموذج الحياة الفارهة" في تناقض واضح مع الوضع الأزمة الاقتصادية، في محاولة للفت انتباه المتابعين والتركيز على أحلامهم الضائعة.
إعلان تخيل بكرة "اتصالات"
2018/2019 موسم البطل الواحد
لعبت اتصالات في عام 2018 على حشد ممثلين مشهورين بأداء دور يرتبط بمحتوى عرضها التجاري. قدمت نموذج النجم الواحد في سلسلة إعلانات محمد رمضان الذي سخّر كل إمكانياته كفتى أوحد للشاشة في صورة البطل الشعبي "الأسمر" الذي ينافس نجوم هوليوود ويتغلب عليهم.
لم يختلف كثيرًا وضع فودافون التي قررت تقديم نوستالجيا من خلال عمرو دياب في إعلان فقد الرابط بين شخصية الشركة واسمه.
النوستالجيا في إعلان عمرو دياب وفكرة الفرد الواحد في محمد رمضان مستمدة من فكرة عدم وجود بديل للبطل الواحد، إن كان "عمرو دياب" كتريند لا ينتهي منذ الثمانينات، أو محمد رمضان الساعي لفرض نفسه بنفس المنطق.
إعلان "مش بنهزر" اتصالات
إعلان "جمع قرايبك" فودافون
إعلان we 2019
إحنا جنبك.. المنافس الجديد يكشف وجهه الحقيقي
المنافس الجديد في الموسمين الرمضانيين الأخيرين لم يعتمد على الأفكار لترويج اسمه ولم يبذل المجهود المتعارف عليه لأي دخيل جديد على السوق يرغب في جذب مستخدمين.
بعد أن أصبحت المصرية للاتصالات أول مشغل متكامل في مصر يقدم خدمات الخط الأرضي والمحمول والانترنت وإنتاج الحاسبات الآلية، استقطبت المستهلكين بوسائل اقتصادية بحتة مستفيدة من دعم الدولة التي تميزها في أسعار خدمات الانترنت والاشتراكات وكروت الشحن دون ضريبة القيمة المضافة أو الخصم من قيمة الكارت، وهي ميزات حاسمة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.
لذلك فإن إعلانات الشركة في العامين الماضيين وربما بشكل غير مقصود قدمت تصور للمجتمع بمعالمه السياسية والاجتماعية، لم تقدم إعلانات تميزها في عام 2018 أو عروض تجارية جديد نظرًا لسيطرة أجواء كأس العالم ومشاركة مصر لأول مرة منذ 1990.
أما في إعلان رمضان 2019 كان واضحًا الغرض من الإعلان، حيث يظهر دائما "ماجد الكدواني" في وضع قليل الحيلة، والطرف الأقوى الممتلك لخدمة الانترنت هو كريم عبد العزيز ومعاونيه، مما يؤدي للجوء ماجد له، هنا لا يكتفي كريم بتقديم الخدمة لصديقه بمتابعه في كل خطوات حل المعضلة مع ماجد برضاه، بل والتدخل إن رأى إضافة يقدمها، الأمر لا يتعلق فقط بالسكريبت، بل له إشارات تمتد لتوظيف حركة المودلز "معاونين كريم عبد العزيز" الذين يقومون بإحضار ماجد وهو لا يزال يسجل الفيديو حتى قبل أن ينشر، إيماءات كريم عبد العزيز وهو يؤكد لماجد سرية الأمر، ديكور غرف تحت الأرض الذي يشبه آليات المراقبة الجماعية بأفلام الديستوبيا، بالإضافة إلى الشاشة الكبيرة التي تظهر صورة الpublic figure التي يعجب بها ماجد قبل حتى أن يكشف له ماجد عن ذلك.