في الصباح الباكر يستعد مهدي، البالغ من العمر 50 سنة، لفتح متجره الواقع في واحدٍ من الممرات الكثيرة التى يتميز بها بازار (سوق) طهران الكبير، "ورثت هذا المتجر من والدي، لكني قد حولت نشاط المتجر من بيع العطارة إلى تجارة الأجهزة الكهربائية، لأنها أكثر ربحًا، أو هكذا كانت".
كغيره من الإيرانيين يشعر مهدي بالكثير من القلق والخوف، خاصة بعد حملة الضغط القصوى التي تقودها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه إيران، والتوترات المتصاعدة بين واشنطن وطهران.
قلق وركود
يبيع مهدي في متجره كافة الأجهزة الكهربائية التي يبحث عنها كل بيت إيراني، "قبل عامين كان متجري مكتظًا بالبضائع والزبائن أيضًا، استطعت خلال العام الذي تلى إبرام الاتفاق النووي استيراد كمية كبيرة من البضائع".
يكمل مهدي حديثه للمنصة بحزن شديد ويقول "أما الآن ليس لدي مخزونًا كافيًا، ولا أعلم كيف يمكنني استيراد الأجهزة، وحتى إن لجأت إلى المهربين فالثمن سيكون باهظًا، ناهيك عن ضعف القوة الشرائية في هذه الأيام".
في الآونة الأخيرة خاصة بعد الهجوم على ناقلتي نفط بالقرب من ميناء الفجيرة، وخليج عمان، زاد القلق بين الإيرانيين بسبب احتمالية نشوب حرب بين بلاده والولايات المتحدة، ولكن خرج المرشد الاعلى الإيراني آية الله علي خامنئي ليطمِئن الشعب الإيراني قائلا "لا حرب ولا مفاوضات، فقط المقاومة".
والمقاومة التي يقصدها المرشد الأعلى هنا نوعين؛ المقاومة العسكرية في حالة حدوث أي تحرك عسكري من جانب الولايات المتحدة، والمقاومة الاقتصادية لمواجهة العقوبات.
جهاد اقتصادي
يعد مصطلح اقتصاد المقاومة جديد نوعًا ما على المفردات السياسية الإيرانية، ويعتمد على تقليل الاعتماد على صادرات النفط، وتشجيع الإنتاج المحلي ورفع كفاءته للمنافسة به دوليًا، والنهوض بالمعرفة والابتكار، وترشيد نفقات الحكومة وزيادة عائدات الضرائب، وإصلاح النظام المالي، عن طريق دعم الشفافية ومحاربة الفساد، وأخيرًا تطوير مناطق التجارة الحرة لسهولة التعاون الاقتصادي الإقليمي.
يشرح أستاذ الاقتصاد بجامعة طهران، حجة الله عبد الملك، للمنصّة أهم أهداف اقتصاد المقاومة، كما حددها المرشد الأعلى، فيقول "بدأت سياسة اقتصاد المقاومة تخرج إلى النور بالتحديد في عام 2011، وهو ما أسماه المرشد الأعلى عام الجهاد الاقتصادي، واهتم المرشد الأعلى في تلك الخطة الاقتصادية بتقليل الاعتماد على عائدات النفط بشكل كبير، والاهتمام بالإنتاج المحلي".
عدم الوثوق بالغرب
في 2013 تولى الرئيس المعتدل حسن روحاني إدارة البلاد، وعقد المفاوضات مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية للوصول إلى اتفاق نووي يضمن للغرب الحد من أنشطة إيران النووية، ويؤمن لإيران استثمارات عديدة تساعد في إنعاش اقتصادها.
في وسط المحادثات النووية، التي لم يؤمن بها المرشد الأعلى إلى يومنا هذا، وبالتحديد في فبراير/ شباط 2014 قرر خامنئي إحياء فكرة اقتصاد المقاومة مرة أخرى، فأرسل مرسومًا إلى الهيئات الحكومية والقضائية يتضمن السياسات العامة لاقتصاد المقاومة، والتي شدد على تنفيذها وعدم الوثوق بالغرب.
أصدر خامنئي المرسوم الخاص باقتصاد المقاومة قبل التوصل إلى الاتفاق النووى بعام، لينبّه الرئيس حسن روحاني، ألا يضع كامل ثقته في هذا الاتفاق، وأنه مهما حدث فلابد أن يكون للبلاد اقتصاد مقاوم.
حينها استجاب الرئيس حسن روحاني للمرشد الأعلى، وقال إنه سيتم على الفور إنشاء اللجان المتخصصة لتنفيذ اقتصاد المقاومة.
وثيقة 2025
يرى الخبير الاقتصادي اﻹيراني، حجة الله عبد الملك، أن الرئيس حسن روحاني مثله مثل سلفه أحمدي نجادي، رغم الفارق بينهما في إدارة الشؤون الاقتصادية، فالاثنان لم يؤمنا يومًا ما بفكرة اقتصاد المقاومة، فيقول "اقتصاد المقاومة جزء من وثيقة كبيرة وضعتها القيادة العليا لتطوير البلاد، وهي ما تسمى وثيقة 2025".
تتضمن وثيقة 2025 التي تحدث عنها عبد الملك، عددًا كبيرًا من الأهداف الاقتصادية، التي من المفترض في حالة اتباعها أن تكون إيران أعلى قوة اقتصادية وتكنولوجية في المنطقة بحلول عام 2025، ولكن إلى الآن لم ينفذ أي بند من بنود الوثيقة.
الخروج من العزلة
في عام 2015 جنت اﻹدارة الإيرانية ثمار سنتين من المفاوضات، وتم إبرام الاتفاق النووي بين إيران والغرب، وشعر الإيرانيون أخيرًا بالفرح بعد سنوات كثيرة من الصعوبات الاقتصادية، وبدأ الحديث عن رفع العقوبات عن إيران وبداية عهد جديد من الاستثمار الأجنبي.
يقول مهدي "كنا نشعر بفرحة لا توصف، شعرنا أخيرًا أنه يمكننا الخروج من تلك العزلة الاقتصادية المفروضة علينا منذ قيام الثورة الإسلامية. وصلت سعادتي إلى حد التفكير مع مجموعة من أصدقائي في تأسيس شركة لاستيراد الأجهزة الكهربائية من أوروبا".
وقتها غطت الطموحات والأماني على أي حديث يخص اقتصاد المقاومة، وبدأ الجميع يحلم بسوق إيراني ملئ بالاستثمارات الأجنبية، لكن يبدو أن المرشد الأعلى لا يريد التنازل عن خطته الاقتصادية، التي يرى أنها الأمل الوحيد لإيران، وما دون ذلك مجرد هراء.
عام العمل
مرت سنة على الاتفاق النووي ولم يتغير أي شيء، ولم يستطع حسن روحاني وإدارته التحرك بالاقتصاد الإيراني قيد أنملة، فقرر المرشد الأعلى توبيخ حسن روحاني، في خطابه الذي ألقاه في 21 مارس/ آذار 2016، وهو ما يقابل عيد النوروز أو رأس السنة الإيرانية الجديدة.
اتهم خامنئي، في خطابه، روحاني بأنه يميل إلى الغرب في حل مشكلات الاقتصاد الإيراني، وأكد على أنه لا خلاص للوضع الاقتصادي إلا بتنفيذ سياسات اقتصاد المقاومة، ومن هنا أطلق على العام الإيراني الجديد اسم "عام العمل والتنفيذ".
يرى الخبير الاقتصادي حجة الله عبد الملك أن الإدارة الإيرانية لم تفعل أي شيء لتفعيل خطة اقتصاد المقاومة، فيقول "بدلا من الاتجاه إلى اقتصاد السوق المفتوح والذي من الممكن أن تكون عواقبه وخيمة، نظرا لعدم ثقة المرشد الأعلى في الولايات المتحدة، كان من الأفضل تنفيذ توجيهات القائد والبدء في تنفيذ اقتصاد المقاومة، والعمل على زيادة الانتاج المحلي".
مهما كان الثمن
منذ عام 2014 لم يترك المرشد الأعلى للثورة اﻹيرانية أي فرصة إلا واستغلها، للحديث عن ضرورة تنفيذ الحكومة الإيرانية لاقتصاد المقاومة، وفي كل عام إيرانى جديد يؤكد على هذا الأمر، ويصر على ضرورة الاهتمام بالمنتجات المحلية وعدم الاعتماد على الواردات مهما كان الثمن.
يرى آية الله علي خامنئي أن اقتصاد المقاومة جزء من هوية الجمهورية الإسلامية، فمثله مثل باقي رجال الثورة الاسلامية، يرى أن اندماج إيران في الاقتصاد العالمي من شأنه أن يفقدها هويتها الثورية، ويجعلها خاضعة للغرب ومتطلباته، وهذا ما يرونه متمثلًا في سياسات اقتصاد السوق المفتوح.
ومن ناحية أخرى يرى رجال الدين الذين يتمتعون بنفوذ وسلطة كبيرة في إدارة شؤون البلاد، أن الانفتاح الاقتصادي مع الغرب سيؤدي إلى انحطاط ثقافي لا يتماشى مع التقاليد الإيرانية الإسلامية، ويبرهنون على ذلك بنموذج الصين، لذلك فإن اقتصاد المقاومة مرحّب به في قطاعات كبيرة في المؤسسة السياسية والدينية في إيران.
جدوى اقتصاد المقاومة
بعد زيادة العقوبات الأمريكية على طهران، عاد اﻹيرانيون للتفكير في جدوى سياسات خامنئي الاقتصادية، وهل الاقتصاد الإيراني مؤهل بالفعل للمقاومة؟
من أهم عناصر اقتصاد المقاومة زيادة الإنتاج المحلي، وعدم الاعتماد على عائدات النفط، وكرر الرئيس اﻹيراني حسن روحاني في عدة مناسبات تصريحاته عن اهتمام إدارته بتقليل الاعتماد على عائدات النفط في موازنة الدولة، وهذا ما نجحت فيه إلى حد كبير إلى اﻵن.
لكن ماذا بشأن الإنتاج المحلى؟ يجيب عن هذا السؤال الخبير الاقتصادي اﻹصلاحي، علي محمد آبادي، ويقول للمنصّة، "يمتلك الاقتصاد الإيراني كل الموارد الطبيعية والبشرية التي تمكنه من لعب دور أكبر وأهم على الساحة الدولية، ولكن هناك العديد من المشكلات الهيكلية والسياسية التي تحول دون ذلك".
وقبل الخوض في تفاصيل التحديات التي تواجه الإنتاج المحلى الإيراني، هل الإيرانيون مستعدون لشراء منتج محلي؟
بنصف الثمن
في هذا الصدد يشرح مهدي للمنصة تجربته مع المنتج المحلي الإيراني، فيقول "بعد تشديد الولايات المتحدة للعقوبات على إيران، أصبح أمر استيراد البضائع صعبًا للغاية، فُعرضت على صفقة لشراء عدد كبير من الثلاجات محلية الصنع، وبعد أن فكرت في الأمر قبلت الصفقة، ونظرًا لأن ثمن الثلاجة المحلية سيكون منخفضًا مقارنة بالمستوردة، ظننت أنني سأبيع كل الكمية".
يكمل مهدي حديثه ضاحكًا ويقول "مرت ثمانية أيام وفي كل مرة يدخل زبون يريد شراء ثلاجة، يسألني غاضبًا "لماذا تبيع فقط تلك الثلاجات الرديئة؟"، لم أبع حينها إلا ثلاث ثلاجات، بعد أن عرضتها بنصف السعر، والباقي مازال إلى الآن في المخزن".
يميل الإيرانيون، خاصة من يعيشون في المدن الكبرى، إلى الماركات الأجنبية في كل شيء، فهم يرون أنها أكثر كفاءة وجودة، وفي بعض الأحيان أقل سعرًا من نظائرها المحلية، إذا كانت عالية الجودة.
الجودة مقابل الصبر
فروغ، شابة إيرانية تبلغ من العمر 30 سنة، وتعمل طبيبة في أحد المشافي الحكومية، تشرح للمنصّة تفضليها للماركات الأجنبية "أشتري كل ملابسي من متجر لا يبيع إلا الملابس المستوردة، أفضل حتى المنتجات التركية على الإيرانية، ففي يوم من الأيام عرض علي بائع في متجر لبيع أدوات التجميل مستحضر تجميلي للبشرة، وقال إنه إنتاج إيراني جديد بمواصفات عالمية، ومن يومها وأنا أعاني من حساسية شديدة بسببه فقررت مقاطعة المنتجات المحلية كافة".
ترى فروغ أن ليس من حق أحد أن يجبرها على شراء منتج محلي سيئ، طالما تستطيع أن تشتري منتجًا مستوردًا تثق به، ولكن هناك من يخالف فروغ الرأي.
زميلتها في العمل فاطمة ترى أن من واجب الإيرانيين اﻵن دعم المنتج المحلي، حتى يتمكّن الاقتصاد الإيراني من الخروج من أزمته، فتقول "إذا لم ندعم المنتج المحلي واشترينا المنتجات الأجنبية، فلن يتحسّن المنتج الإيراني، الأمر يستلزم مزيدًا من الصبر، وأنا أرى أن النتيجة ستكون رائعة".
خردة بسعر باهظ
الخبير الاقتصادي علي محمد آبادي، عضو وحدة الدارسات السياسية التابعة للبرلمان الإيراني، يرى ما هو أبعد من الصبر على تحسين المنتج الإيراني فيقول "الإيرانيون لديهم تجربة سيئة مع الإنتاج المحلي، متمثلة في قطاع السيارات، فإنتاج السيارات الإيرانية من أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد، وتقوم الدولة بتصدير آلاف السيارات يوميًا إلى العراق وشمال أفريقيا، لكن الإيرانيون يرون أن تلك السيارات مجرد خردة بسعر باهظ".
يطبق آبادي مثال قطاع السيارات على القطاعات الأخرى، فيرى أن المناخ الاستثماري في إيران غير مؤهل لزيادة الإنتاج المحلي ورفع كفاءته، فيقول "هناك نقطة ضعف كبيرة في الاقتصاد الإيراني ألا وهي غياب القطاع الخاص، فالمؤسسات الحكومية وشبه الحكومية هي الوحيدة المسيطرة على الأسواق، بل وتحارب أي مستثمر إيراني جديد، مما يهدم التنافسية في الإنتاج المحلي، والنتيجة منتجات رديئة وفي بعض الأحيان بأسعار مرتفعة".
اقتصاد الحرس الثوري
على مر العقود الأربعة الماضية حثّ الخبراء الاقتصاديون، مرارًا وتكرارًا، القيادة الإيرانية على حل مشكلة القطاع الخاص، إذا كانوا يهدفون لخلق اقتصاد قوي يواجه العقوبات الأمريكية، لكن في الواقع، وبدلا من إفساح المجال للشركات الخاصة الصغيرة والكبيرة، ومساعدتها عن طريق القروض البنكية، استولت المؤسسات شبه الحكومية، التي تتمثل في الشركات التابعة لمقر خاتم الأنبياء، الذراع الاقتصادي للحرس الثوري الإيراني، ومقر تنفيذ أوامر الإمام الذي يخضع لإدارة خامنئي مباشرة على جميع الاستثمارات الإيرانية.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل دخلت إلى الصورة الأوقاف الدينية متمثلة في الأضرحة الشيعية، التي تمتلك العديد من الشركات الاستثمارية في كافة القطاعات الاقتصادية.
يقول صحفي إيراني، فضل عدم الكشف عن هويته، للمنصّة، "بين ليلة وضحاها أصبحت تلك المؤسسات شبه الحكومية غولا يبتلع كل شيء في إيران، ووصل بهم الأمر إلى محاربة المستثمرين الإيرانيين وخطف الصفقات والتوكيلات منهم، وإذا شعروا بمجرد تحرّك بسيط من قِبل أي مستثمر إيراني، في أي مجال من المجالات الاقتصادية، يتم تلفيق أي تهمة له وزجه إلى السجن".
الاقتصاد يتعافى قليلًا
منذ تولى الرئيس حسن روحاني رئاسة البلاد في عام 2013، حاول جاهدًا مع إدارته الحفاظ على معدلات نمو الاقتصاد الإيراني، وبعد إبرام الاتفاق النووي في عام 2015، بدأ الاقتصاد الإيراني في التعافي رويدًا رويدًا.
في العام التالي لدخول الصفقة النووية حيز التنفيذ، وبدء رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران تدريجيًا مقابل الحد من أنشطتها النووية، انتعش الاقتصاد الإيراني وارتفع الناتج المحلي إلى418 مليارًا و98 مليون دولار في 2016 مقابل 385 مليارًا و7 ملايين دولار في 2015 بنسبة نمو 8.6%، بحسب البنك الدولي. لكن هذا النمو كان معتمدًا في الأساس على قطاع النفط والغاز الطبيعي، مع إهمال باقي القطاعات.
وعلى الرغم من ارتفاع الناتج المحلي إلا أنه ظل أقل من المعدلات التي وصلها قبل فرض العقوبات الغربية على إيران، حيث وصل الناتج المحلي في 2012 إلى 598 مليارًا و85 مليون دولار، ومع الاعتماد الرئيسي على النفط، وعدم تهيئة السوق الإيراني لاستقبال الاستثمارات الأجنبية، استمرت اﻷسعار في الارتفاع مع معدلات البطالة، فاندلعت أكبر مظاهرات مناهضة للحكومة عرفتها إيران منذ أحداث الحركة الخضراء في عام 2009.
عودة العقوبات
في مايو/ آيار 2018 قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران، واصفًا إياه بأنه "أسوأ صفقة في التاريخ"، وفي نفس الوقت قرر عودة العقوبات الأمريكية على طهران، بل وتوعد بعقوبات أشد وأصعب من السابقة، فيما أسماه "حملة الضغط القصوى" على النظام الإيراني.
قبل انسحاب ترامب بأشهر قليلة كانت إيران تصدر حوالى 2.5 مليون برميل نفط يوميًا، وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 بدأت العقوبات على قطاع النفط الإيرانى في السريان، مما أدى إلى انكماش الاقتصاد الإيراني بنسبة 1.5% نتيجة لتراجع الصادرات النفطية.
في الفترة من نوفمبر 2018 إلى مايو 2019 كانت الولايات المتحدة مازالت تسمح لإيران بتصدير النفط بكميات محدودة الى ثماني دول فقط إلى أن يتمكنوا من إيجاد مصدر آخر للنفط، ومن بعدها بدأت حملة إدارة ترامب لإيصال صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، وإلغاء كافة الإعفاءات لتلك الدول، فبدأ الريال اﻹيراني في الانهيار وفقد أكثر من 60% من قيمته أمام الدولار الأمريكي، ليصل الدولار الواحد إلى 146 ألف ريال إيراني.
مما أثر على استيراد السلع الأساسية، وحتى السلع المنتجة محليًا تأثرت بهذا الانهيار الكبير للعملة، فارتفعت تكلفة اللحوم الحمراء والدواجن بنسبة 57%، والحليب والأجبان بنسبة 37%، والخضروات بنسبة 47% وفقًا للمركز الإحصائي الإيراني.
توقعات سلبية
توالت العقوبات الأمريكية على طهران لتشمل أغلب القطاعات الاقتصادية، وفرضت إدارة الرئيس ترامب عقوبات على القطاع المصرفي، والسيارات، والبتروكيماويات، والحديد والصلب.
ومؤخرا وبعد تصاعد التوترات بين كلٍ من واشنطن وطهران، بسبب إسقاط الأخيرة لطائرة أمريكية بدون طيار، تزعم أنها دخلت مجالها الجوي، بينما تنفي الولايات المتحدة هذا، لجأ ترامب إلى فرض عقوبات على المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، وتشمل العقوبات أيضًا مكتب المرشد والمسؤولين العاملين به.
بينما يحاول المسؤولون الإيرانيون في الداخل التظاهر بأن لا أثر لتلك العقوبات، وأن الأمر مجرد حرب نفسية تشنها الولايات المتحدة ضد إيران، إلا أن صندوق النقد الدولي يتوقع مستقبلا سيئًا للاقتصاد الإيراني، ففي آخر تقاريره توقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6%، وأن يصل التضخم إلى 40%.
الحل تحت قدميك.
في مايو 2019 تحدث خامنئي عما أسماه "الأمراض" التي تحول دون تحقيق اقتصاد المقاومة، وشرح العديد منها، وأشار إلى غياب الشفافية في بعض المؤسسات، وعدم تعاون الحكومة، والتهريب الذي يكلف البلاد مليارات من الدولارات سنويًا.
وأشار خامنئي أيضًا إلى سوء المناخ الاستثماري، وطلب من القضائية والتنفيذية، توفير مناخ آمن للاستثمار داخل البلاد.
يقول الصحفي اﻹيراني "كل تلك الأمور التي تحدث عنها المرشد الأعلى مؤخرًا حلها تحت قدميه، فالتهريب الذي تحدث عنه أكثر من مرة، العديد من المؤسسات الإيرانية ضالعة به، ومنها المؤسسة الأقوى وهي الحرس الثورى الإيراني.
ويضيف "أما بخصوص غياب الشفافية والفساد والمحسوبية، فكلها أمور يرى الخبراء الاقتصاديون في إيران أنه كان لابد من معالجتها منذ سنوات طويلة، فحتى إن لم يفرض ترامب عقوبات قاسية جديدة على إيران، فتلك الأمور كانت تعوق الاستثمار الأجنبي والمحلي، والدليل على ذلك المظاهرات التي عمت أغلب المدن الإيرانية في نهاية عام 2017 حتى بداية عام 2018 احتجاجًا على الأوضاع الاقتصادية المتردية، وعدم تحقيق الصفقة النووية لأي مكاسب بعد عامين من إبرامها".