في 20 يونيو/ حزيران الجاري، وبصورة متزامنة، قرر القضاة تأجيل عدة محاكمات يفصلون فيها "لتعذّر نقل المتهمين"، بسبب انشغال الشرطة بتأمين بطولة كأس الأمم اﻷفريقية التي تستضيفها مصر وتتواصل مبارياتها حتى 19 يوليو/ تمّوز المقبل.
تعذر نقل المتهمين، بحسب مخاطبة رسمية وجهتها مديرية أمن القاهرة إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى، رأى محامون أنه "يؤثر سلبًا" على فُرص المحبوسين احتياطيًا على ذمة قضايا جنائية في حصولهم على إخلاء السبيل، وكذلك على سير العدالة وسرعة إنجاز المحاكمات.
تأجيلات متلاحقة
وعلى مدار اﻷيام الثلاث الماضية، قررت دوائر قضائية في القاهرة واﻷسكندرية تأجيل نظر عدد من القضايا حسبما رصدت المنصّة في منشورات محامين ومراكز حقوقية.
وفي يوم السبت الماضي، تم تأجيل نظر ست قضايا بين "الإرهاب والجنائي" وذلك "نتيجة تعذر إحضار المتهمين من مقار حبسهم لحضور جلسات المحاكمة، التى تُعقد فى مجمع محاكم طرة وأكاديمية الشرطة"، وفقًا لما ورد في صحيفة المصري اليوم.
قبل خبر المصري اليوم بأيام، تداول مُرتادي فيسبوك وثيقة- لم يتسنّ للمنصّة التأكد من صحتها من مصدر مستقل- تحمل طلبًا من مديرية أمن القاهرة بتأجيل عقد المحاكمات "لتعذّر نقل المتهمين".
وكان من بين قرارات التأجيل، ما صدر أول أمس السبت عن الدائرة 30 جنايات القاهرة، بتأجيل نظر تجديد حبس المتهمين في القضيتين 1739 لسنة 2018 و1365 لسنة 2018 حصر أمن دولة "لتعذّر نقل المتهمين"، وفقًا لما ذكرته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في حسابها الرسمي على تويتر.
معلومة شفهية
يقول المحامي مختار منير، للمنصّة، إنه وزملائه من المحامين علموا بأمر طلب تأجيل المحاكمات، وأن ما نما إلى علمهم هو أن مديرية أمن القاهرة "هي الوحيدة التي أرسلت الخطاب الرسمي للنيابات والمحاكم".
وعلى الرغم من عدم اطّلاع مُنير أو زملائه المحامين على نسخة من الخطاب، إلاّ أنهم أبلغوا بفحواه "تم إبلاغنا في المحكمة بعدم نقل المتهمين المحبوسين في سجون طرة في الفترة دي، وبيتقال لنا إنه في جواب يفيد بتعذّر نقل المتهمين".
والأسكندرية أيضًا
بعيدًا عن العاصمة، شهدت محاكم الأسكندرية تأجيل لجلسات أيضًا، وفق المحامية ماهينور المصري، التي كشفت للمنصّة أن اﻷمر بدأ اعتبارًا من 17 يونيو، يوم وفاة الرئيس الأسبق محمد مُرسي " كان فيه اسستنفار أمني لدرجة منع الزيارات في سجن برج العرب حتى يوم السبت، وفق ما علمناه من أهالي سجناء، لكن مع ذلك كان سير جلسات المحاكم طبيعيًا".
وفيما يتعلّق بالبطولة اﻷفريقية وتأثيرها على سير المحاكمات في اﻷسكندرية التي تستضيف مباريات، قالت المصري "حتى الآن لم نتلق أي معلومة حول تعذّر نقل المتهمين لدواعي تأمين البطولة، وحين حاولنا الاستعلام من ترحيلات مديرية أمن الإسكندرية؛ اختلف الرد بين أن هناك بالفعل لهذا السبب، وبين أن اﻷمور ستجري بصورة طبيعية".
لكن تبيّن في ثاني أيام البطولة أن تأجيل الجلسات قد يطول الأسكندرية أيضًا، وذلك بعد قرار تأجيل جلسة قضية إهانة القضاء إلى أول أغسطس/ آب بسبب التعذرات الأمنية وعدم حضور المتهمين، وفق ما كتبته المصري في حسابها على فيسبوك.
https://www.facebook.com/mahienour/posts/10157146376576718يقول مهاب سعيد، المحامي بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، إن "تعذّر نقل المتهمين أمر نسبي في هذه الحالة (بطولة الأمم)"، موضحًا أن القاهرة "سيكون لها نصيب الأسد من التأجيلات، ﻷن المحافظات تستضيف دوري المجموعات الذي ينتهي 3 يوليو، بينما تُستكمل بقية منافسات البطولة في القاهرة".
وقائع غير مسبوقة
يعلّق المحامي مختار منير على تأجيل الجلسات بقوله إنه ليس بالأمر الجديد، وأنه قبل سنة واحد فقط حدث وأن أعلن قاضٍ تأجيل إحدى القضايا بسبب تعذّر نقل المتهمين لدواعي تأمين مباراة أيضًا، مُختتمًا بقوله "لكن حاليًا أصبحت التأجيلات أمور نعلم أسبابها دون الحاجة للاطلاع على مراسلات".
في المقابل، يرى مدير الشبكة العربية جمال عيد، أن ما يحدث الآن لم يكن بمثل هذه الصورة في السابق، قائلاً "حصل ده قبل كده، تحديدًا بعد فض رابعة، لكن ليس بهذا التوسع. وكمان ماكنش فيه هذا العدد من السحناء السياسيين. كان العدد محدود".
وأكد عيد للمنصّة أن إرجاء المحاكمات شهر كامل "لم يحدث في تاريخ مصر، سواء كانت تتم في محاكم أو حتى مباني تابعة لوزارة الداخلية مثل أكاديمية الشرطة، ولم يحدث أن انتقلت النيابة لإقرار التأجيلات لهذا العدد من السُجناء".
وعلّق الحقوقي على ما يحدث الآن بقوله "ما يسمى بتعذّر النقل هو خطوة جديدة للخلف، وللأسف ليست اﻷولى ولا الأخيرة".
تأثير على سير العدالة
عقّبت ماهينور المصري على منع انعقاد الجلسات بقولها "هذا يؤثر على سير العدالة، بحرمان السجين لمدة شهر كامل من المثول أمام القاضي، وهي فرصة قد يترتب عليها إخلاء سبيله".
وتشير المحامية إلى نقطة أخرى "سلبية" جرّاء هذا القرار، بقولها "كما أن هناك سجون ممنوع زيارة المودعين فيها مثل العقرب، وكان أهالي سجنائه يستغلون جلسات المحاكم لرؤية ذويهم، وهو ما سيحرمون منه لشهر كامل".
يتّفق مع رؤيتها عيد، بقوله "هذه خطوة تجرّ العدالة إلى الخلف، ﻷنها تحرم المسجون احتياطيًا من مغادرة محبسه، لاسيما وأن تجديدات الحبس لابد وأن تتم في المحاكم وليس داخل أماكن الاحتجاز".
كشفت تدوينة للشبكة العربية، أن "نيابة أمن الدولة انتقلت إلى منطقة سجون طُره لنظر تجديدات حبس متهمين في قضايا مختلفة".
يشير عيد إلى أن التجديد داخل السجون وأقسام الشُرطة "أمر لا تلام عليه وزارة الداخلية فقط، لكن أيضًا جهات التحقيق، ﻷنه حتى ولو كان قرار الداخلية يوافق للقانون، إلاّ أنه يُعدّ تعسفًا في استخدام القانون واستمرارًا لإهدار حقوق السجناء".
بالمثل، يرى المحامي مهاب سعيد أن عدم انعقاد الجلسات "يقلل فرص المتهمين في المحاكمة العادلة"، مشيرًا إلى أن البدائل مثل "انتقال هيئة المحكمة أو النيابة إلى السجن، أو نقل المحاكمات لمكان لآخر، يبقى أفضل من عدم عرض المحبوس من اﻷساس، خاصة وأن أفراد الداخلية ليسوا بالقليلين، ومن ثَم لا يصح تعطيل عمل مرفق مُهم كالقضاء بسبب بطولة".