أعلن مجلس إدارة مؤسسة التحرير، اليوم الأحد، توقّف العمل بالموقع الإلكتروني تمهيدًا لإغلاقه نهائيًا بعد شهرين، وذلك بعد حجبه داخل مصر من قبل جهة مجهولة ودون إبداء أي أسباب في مايو/ أيار الماضي.
وذكر مجلس إدارة الموقع، الذي انطلق كصحيفة في يوليو/ تمّوز 2011 بعد شهور قليلة من ثورة 25 يناير، أن توقّفه يأتي إثر "ظروف قهرية وخارجة عن إرادته"، مؤكدًا "تَمسكه بكل العاملين بالشركة، وتقدير كل حقوقهم المشروعة حال زوال تلك الأحداث".
طرق اﻷبواب
أوضح مجلس إدارة التحرير في بيان داخلي للعاملين بالموقع- حصلت المنصّة على نصّه- المُلابسات التي سبقت قرار وقف العمل بالموقع، وذلك منذ تعرّضه للحجب وتوقّف خدمته داخل مصر في 9 مايو 2019 "دون سابق إنذار أو تنبيه من أي جهة".
وكشفت إدارة المؤسسة أنها طوال الأيام التي تلت الحجب وحتى اليوم "طرقت كل أبواب الجهات الرسمية للاستفسار عن سبب الحجب ومعرفة الجهة التي تقف وراءه. كما حاولت تخطي أزمة الحجب بطرق فنية للتخفيف من آثار حجب الموقع وإهدار عمل الزملاء بالموقع".
ومن بين الجهات التي خاطبتها مؤسسة التحرير، بحسب البيان "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ونقابة الصحفيين، والمجلس الأعلى لتنظيم الاتصالات، ووزير الاتصالات"، مُشيرًا إلى أن "كل الجهات أكدت أن الموقع الإلكتروني لم يرتكب أية مخالفة تستوجب الحجب، ويعمل في إطار القانون والدستور ويحافظ على ثوابت واستقرار الدولة المصرية".
وكان للتحرير محاولة عن طريق آخر، إذ أفاد البيان بأنه "تم التواصل بشكل مباشر مع نقيب الصحفيين للتدخل لدى الجهات والأجهزة المسؤولة لحل الأزمة وتفادي تفاقمها بما يؤثر على مصالح الصحفيين العاملين بالمؤسسة، وأبلغ النقيب الناشر أن جميع الجهات تؤكد عدم وجود أي خطأ مهني أو مخالفة. وظلت المشكلة تتفاقم".
قرار قهري
وضعت مؤسسة التحرير احتمالية أخرى للحجب، بعد الردود الرسمية التي تنفي عن موقعها المخالفات "اعتقدنا أن الأزمة مجرد خطأ فني عابر، لكن طال توقف الخدمة، وأصبح ما كنا نعتقده خطأ، أمرًا واقعًا لا نعرف مَن فَرَضه ولا على أي أساس تم حجب الموقع الذي يعد النافذة الرئيسية لعرض ما ينتجه الصحفيون"، لافتة إلى أنه "رغم كل هذا ظل مجلس إدارة المؤسسة ملتزمًا بكل حقوق العاملين المالية ولم يقصر أو يتراجع عنها.
وتساءلت المؤسسة في بيانها "لكن إلى متى يظل الإنفاق دون عائد مادي أو حتى معنوي؟"، مختتمة بالقول إن ما وقع "دفع الإدارة لاتخاذ موقف ما كانت لتتخذه، وقرارًا ما كانت لتفكر فيه لولا تلك الظروف القهرية والخارجة عن إرادتها،وهو عدم الوفاء بالتزاماتها تجاه العاملين بعد شهرين من الآن، وأن هذه المدة التي ستتحملها المؤسسة دون عائد تأتي مراعاة لظروف العاملين واستجابة لطلب الناشر ورئيس التحرير إعطاء الجميع فرصة للعمل. ربما تزول تلك الظروف ويعود الموقع الإلكتروني للعمل مرة أخرى".
مراجعة ذاتية
وكشف الصحفي محمد فوزي، رئيس تحرير الموقع، أن الإدارة توجهت باستفسارتها عن أسباب الحجب "لكل الجهات المعنية، سواء الصحفية أو الخاصة بتنظيم الاتصالات بهدف إننا نعرف احنا غلطنا في ايه"، لكن "بلا أي رد من أي جهة".
يتفق مع فوزي، الكاتب الصحفي جمال عبد الرحيم، وكيل أول نقابة الصحفيين، بقوله "التحرير محجوبة من 6 شهور تقريبًا، وطرقوا كافة اﻷبواب لمعرفة مَن المسؤول. لكن المشكلة دلوقتي إننا مش عارفين مين اللي بيحجب حتى علشان الناس تتظلم على القرار، وحتى المجلس الأعلى للإعلام قال إنه ليس له علاقة".
واعتبر عبد الرحيم، في تصريحات للمنصّة، بيان التحرير أنه "يبدو وكأنه موجه للدولة ممثلة في جهاتها المعنية، للإبلاغ عما قد يستتبع عدم رفع الحجب عن الموقع من إغلاق له وتسريح لموظفيه"، وهي التبعات التي وصفها بأنها "غريبة وخطيرة ومزعجة بالنسبة لنقابة الصحفيين".
وأكد الصحفي محمد فوزي أنه حتى الآن "مفيش أي معلومة ولا إدانة للموقع أو إشارة لإننا عملنا حاجة غلط"، مُضيفًا "بالفعل، عملنا جرد على كل المواد المنشورة، لكن مفيش حاجة. احنا بنحاول نشتغل صحافة في حدود المهني والمعقول، لكن فجأة كل اﻷبواب اتقفلت؛ فماكنش عند الإدارة حل إلا القرار ده".
وفسّر رئيس التحرير، للمنصّة، اتخاذ قرار الإغلاق بقوله "اللي بيحصل حاليًا هو استنزاف للموارد بلا أي عائد، ووصلنا ﻷننا شهرين مش عارفين حاجة عن الحجب وسببه، ومفيش أي عائد من أي نوع للموقع، وكنا بنحاول نتحرك لجلب عوائد، لكن مفيش حد هيستثمر مع موقع مش متشاف، خصوصًا إننا موقع محلي بنشتغل في مصر فقط".
وفقًا لفوزي، يعمل في مؤسسة التحرير حوالي 300 شخصًا بين صحفيين وموظفين وعُمّال، وهو ما يُعلّق عليه بقوله "فيه تكلفة بتدفع كل شهر، والإدارة كانت ملتزمة حتى في ظل الظروف الأخيرة دي إنها توفّي كافة المستحقات في وقتها، خاصة في شهر رمضان وقبل عيد الفطر".
معركة صحفية
يقول فوزي إن أزمة التحرير بعد قرار الإدارة صارت الآن بصورة كبيرة في يد الجماعة الصحفية "الإدارة ماعندهاش حاجة دلوقتي. والطرف حاليًا هو الصحفيين، وفيه منهم بيحاولوا يتواصلوا مع الجهات المختلفة".
وعلّق رئيس التحرير على تلك المساعي بقوله "احنا مش عايزين الموقع يتقفل، مش عايزين نبقى أبطال ولا شُهداء، ﻷ، عايزين نشتغل، ﻷننا عمرنا ما استخدمنا حاجة لمصلحتنا رغم إنه حلت علينا أزمات قبل كده وماحدش عرف عنها حاجة واتحلّت، لكن المرّة دي اﻷزمة كبيرة".
وبسب كبر الأزمة، وجد التحرير ردود فعل سريعة وتضامنية في أعقاب القرار، حسبما رصد فوزي "فيه صحفيين كتير كلمونا بعد البيان وفيه ناس متضامنة وبعضهم عرض التدخل والوساطة، لكن حتى هذه اللحظة مفيش أي جهة رسمية اتواصلت معانا، وربما يحدث هذا خلال الفترة المقبلة".
وكشف عضو مجلس نقابة الصحفيين، جمال عبد الرحيم، أن المجلس قد يُصدر بيانًا بخصوص أزمة التحرير خلال الساعات المقبلة، أو يعقد اجتماعًا طارئًا خلال 48 ساعة لبحث اﻷزمة، سواء الخاصة بالتحرير أو بقية المواقع المحجوبة، مُحذرًا من أن هذا التضييق على العمل الصحفي يُضر بالمُناخ العام.
آلاف المحجوبات
التحرير ليس الموقع المصري الوحيد الذي تعرّض للحجب في مصر، التي صنفتها منظمة "مراسلون بلا حدود" عام 2019، وفيما يتعلق بحرية الصحافة، في المركز رقم 163 من بين 180 دولة، وذلك بتراجع مركزين عن ترتيبها عام 2018.
كما أن التحرير ليس الموقع الصحفي الوحيد الذي يتوقف عن العمل، إذ سبقه موقع "البداية" الذي أعلن توقفه عن نشر أخبار منذ ديسمبر/ كانون اﻷول 2017، وكذلك "البديل" الذي أعلن توقفه عن العمل في أبريل/ نيسان 2018 بسبب "استمرار حجب محتوى المؤسسة عن الوصول للجمهور"، ومؤخرًا أعلنت إدارة جريدة الجماهير (خاصة) توقّف العمل؛ ما أدى إلى تقدّم صحفييها ببلاغ ضد مالكها، يتهمونه فيه بـ"الفصل التعسفي مع عدم صرف مستحقاتهم منذ عام ونصف العام".
وبلغ عددالمواقع المحجوبة في مصر 513 موقعًا- على الأقل- وفق رصد لمؤسسة حرية الفكر والتعبير، التي كشفت في مايو/ أيّار 2019 عن تعرّض آلاف المواقع الإلكترونية للحجب العشوائي، بينما كانت السُلطات تحاول حجب موقع "باطل" الذي انطلق لمعارضة التعديلات الدستورية الأخيرة.
وكانت موجة الحجب التي تزامنت مع واقعة "باطل" هي ما منح التحرير بعضًا من اﻷمل، بحسب فوزي "كان عندنا التخوف والهاجس إن فيه مشكلة (حجب) وموقعنا اتحجب بالخطأ لأي سبب، ﻷن فيه مواقع حصلت فيها كده ورجعت، لكن التحرير ﻷ".