الدقيقة 90 مِن المباراة، والنتيجة تقدم جامبيا على المغرب بهدف مقابل لا شيء، في مباراة ودية يوم 12 يونيو/ حزيران استعدادًا لكأس اﻷمم اﻷفريقية.
يتوغل نور الدين أمرابط من الجهة اليمنى ويرفع كرة ترتطم بيد المدافع، ليعلن الحكم عن ضربة جزاء لصالح المنتخب المغربي. تقترب الكاميرا بحثًا عن هوية المنفذ فيظهر اثنان، فيصل فجر المحترف بفريق "كان الفرنسي"، وعبد الرزاق حمد الله هداف النصر السعودي، ويبدو من الفيديو أن فجر يرفض ترك حمد الله يسدد ركلة الجزاء، يتقدم فجر ويضعها في يد الحارس لتنتهي المباراة بهذا السيناريو المأساوي.
https://www.youtube.com/embed/9uo2mGUWkmAهذا المشهد يقول إن الأجواء ليست على ما يرام بين أعضاء المنتخب المغربي لكرة القدم، الذي يخوض أول مبارياته في كأس أمم أفريقيا اليوم أمام ناميبيا، والأخبار القادمة من داخل غرفة تغيير الملابس لا تبشر بخير، بعد هزيمة "أسود الأطلس" في المبارتين الوديتين أمام جامبيا وزامبيا على أرضه وأمام جماهيره، ما يطرح علامات استفهام حول مستوى منتخب، يعتبره المحللون أحد المرشحين بقوة لحمل الكأس الذهبية، الغائبة عن المغرب منذ 1976، وأسئلة أخرى عن معايير اختيار اللاعبين، وهل تقتصر على الجانب الفني أم هناك تفضيلات عنصرية؟
استبعاد غير مبرر
بعد ساعات قليلة من مباراة جامبيا تناقلت وسائل الإعلام المحلية خبر رحيل حمد الله عن معسكر المنتخب، وتتقاطر التعليقات بين متفهم وغاضب، وتخرج الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ببيان وصفه المتتبعون بـ "الكوميدي"، يقول إنه تم استبعاد حمد الله من المعسكر بسبب إصابة في "الورك والظهر" وتم تعويضه بجناح حسنية أكادير عبد الكريم باعدي، حتى دون انتظار إجراء الفحوصات لمعرفة تفاصيل الحالة الطبية لمهاجم النصر السعودي.
الأخبار غير المبشرة سرعان ما خرجت من غرفة تغيير الملابس، وكشف موقع Le360 سبور أن عميد الفريق المهدي بنعطية، وزميله يونس بلهندة، صبّا جام غضبهما على حمد الله بدعم من المدرب الفرنسي هيرفي رونار، لأنه هو من تسبب في تشتيت تركيز فيصل فجر وتسبب في تضييعه لضربة الجزاء، ثم استمرت الخلافات بعد الوصول للفندق، وكادت أن تتطور إلى العراك لولا تدخل الثنائي حكيم زياش المحترف بأياكس أمستردام، ونور الدين أمرابط جناح النصر السعودي.
اﻷولوية للأوروبي
هذا الخلاف الكبير بين عبد الرزاق حمد الله وباقي لاعبي المنتخب المغربي ليس وليد ضربة جزاء ضائعة، بل هو نتاج سياسة الإدارة التقنية في المغرب والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم (اتحاد الكرة المغربي) لسنوات، في اختيار الأسماء التي تحمل قميص المنتخب، الاختيار كان مقتصرًا دائمًا على اللاعبين المحترفين، ولا نقصد باللاعبين المحترفين هنا أولئك الذين خرجوا من البطولة المغربية نحو الدوريات الأجنبية، بل أولئك الذين ولدوا في أوروبا ويحملون جنسيات أخرى، لكنهم لعبوا للمنتخب المغربي سواء باختيارهم الشخصي، أو لعدم وجود فرص كبيرة في تمثيل المنتخبات الأوروبية.
فأبرز مهام الجامعة المغربية لكرة القدم هو إقناع اللاعبين المحترفين بأوروبا للعب للمنتخب، كما حدث مع عدد من اللاعبين الحاليين كحكيم زياش صانع ألعاب أياكس أمستردام، وكما يحدث حاليًا مع لاعبين آخرين أبرزهم ماتيو جندوزي لاعب أرسنال، وإبراهيم دياز، متوسط ميدان ريال مدريد، وفي أحيان أخرى تتحرك الجامعة (اتحاد الكرة) بطلب من مدرب المنتخب المغربي لإقناع هذا اللاعب أو ذاك لحمل القميص الوطني.
المحلي حاضر "بالكوتة"
في نفس الوقت؛ تضاءل حضور اللاعب المحلي بشكل كبير، إلى أن وصل إلى درجة الغياب التام في أحيان كثيرة، ومقاعد اللائحة المستدعاة محجوزة لأسماء بعينها، بغض النظر عن مستواها، والاستثناء مقعد أو مقعدين يتنافس عليهما لاعبو الفرق الستة عشر بالبطولة المحلية، علمًا أن دقائق مشاركة أصحاب هذه المقاعد لا تتجاوز في غالب الأحيان صفر دقيقة.
وصل انعدام ثقة الجامعة المغربية، والمدربين المتعاقبين على تدريب المنتخب، في اللاعب المحلي إلى درجة الاضطرار للبحث عن لاعبني في الأقسام الشرّفية للدوريات الأوروبية الكبرى، أو ببطولات المستوى المتوسط كالنرويج وأيسلندا والسويد، على الرغم من أن فريقي الرجاء والوداد البيضاويين رفعا 4 كؤوس قارية في المواسم الثلاثة السابقة.
هذه الاستراتيجية بررها رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، فوزي القجع، خلال لقاء صحفي قال فيه إن الأجهزة الكروية في المغرب تبحث عن اللاعب الجاهز، والتكوين الأوروبي أفضل تكوين كروي في العالم.
هذا الكلام يكشف ببساطة أن فلسفة الساهرين على الكرة في المغرب يعتبرون أن المنتج الأوروبي الرديء هو قطعًا أكثر جودة من المنتج المحلي، وإن كان ممتازًا ويحقق إنجازات قارية أمام فرق تشكل 90 بالمائة من التركيبة البشرية، كالأهلي والترجي في مصر وتونس على سبيل المثال لا الحصر.
محترفو الخليج خارج الحسابات
في 24 مارس 2016، قال هيرفي رونار مدرب المنتخب المغربي خلال ندوة صحفية، إنه لا مكان في المنتخب للمحترفين بالدوريات الخليجية، معربًا عن تفهمه في نفس الوقت لمن يختار الخليج للإغراءات المادية. وعن الأسباب اعتبر رونار أن الجاهزية البدنية والتقنية لمواجهة المنتخبات الأفريقية هي أهم معيار لمن سيحمل قميص أسود الأطلس، وهذين العامليّن، حسب مدرب المغرب، شبه غائبين دائمًا عن اللاعبين المحترفين بمنطقة الخليج.
كان هذا التصريح ردًا على تذمر اللاعبين المغاربة الممارِسين بالخليج، وعلى رأسهم عبد الرزاق حمد الله الذي كان حينها يلعب لنادي الجيش القطري.
محترفو الخليج كانوا يعتبرون أن عدم منحهم أي فرصة ظلمًا واضحًا، نظرًا للمستويات المتميزة التي كانوا يقدمونها، ولعل التصريح الأبرز في هذا الصدد هو ذلك الذي خرج به محسن متولي سنة 2018، والذي قال فيه لصحيفة الوطن القطرية إنه لا يتواجد مع المنتخب المغربي، ببساطة لأن وكيل أعماله ليس صديقًا لرونار، لتخرج الجامعة المغربية (اتحاد الكرة) ببلاغ ضد متولي، ويهدد رونار بمقاضاته إذا لم يتراجع عن تصريحاته.
استتثناءات جدلية
كل هذه الانتقادات على استحياء تزيد حدة، مع نسيان رونار تصريحاته السابقة حول المحترفين في الدوريات الخليجية، واستمراره في الاعتماد على لاعبي المنتخب المغربي من المحترفين، رغم انتقالهم للخليج العربي، بداية بـ إمبارك بوصوفة، المنتقل لنادي الجزيرة العربي سنة 2016، مرورا بـ آمرابط الذي حزم أمتعته بعد المونديال منتقلًا إلى النصرالسعودي، وصولا إلى المهدي بنعطية الذي ترك قلعة السيدة العجوز هناك في تورينو وفضل الدحيل القطري، وهنا ظهر أن استبعاد المحترفين بالخليج يعني فئة معينة من اللاعبين المغاربة، هي فئة اللاعبين المنطلقين من البطولة المحلية.
ماذا أغضبهم؟
قد تكون القائمة التي أعلن عنها رونار لكأس أفريقيا للأمم مصر 2019 هي القشة التي قصمت ظهر البعير، ومسألة استدعاء حمد الله لم تكن سوى مُعطى كشف الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها الجهاز الكروي للمنتخب.
قبيل الإعلان عن القائمة أبدت الجماهير الرياضية تعاطفًا كبيرًا مع حمد الله، فأرقامه تقول إنه المهاجم الوحيد القادر على تقديم الإضافة لهجوم المنتخب، فكانت المناداة عليه لكن كاختيار ثالث والاختيار الأول هو خالد بوطيب، صاحب المستوى الشاحب رفقة الزمالك المصري، مع استمرار استبعاد محسن ياجور هداف البطولة المغربية للمرة الثانية على التوالي.
لوبي فرنسي
مفاجآت أخرى احتوتها القائمة، كحضور بوصوفة العاطل عن الممارسة في الأندية، وغياب وليد الكرتي المتألق في صفوف الوداد بطل المغرب والطرف الثاني في نهائي دوري أبطال أفريقيا، وتسجيل غياب بدر بانون قلب دفاع الرجاء بطل الكونفدرالية الأفريقية وكأس السوبر الأفريقي، واستمرار الاعتماد على مانويل دا كوسطا، بالرغم من علامات الاستفهام الكبيرة حول مستواه.
علامات الاستفهام هذه شحنت الرأي العام ضد المنتخب وأصبح الحديث عن تكتلات داخل المنتخب ولوبي فرنسي بقيادة بنعطية وفيصل فجر وبلهندة أمام حضور هولندي يتزعمه أمرابط وحكيم زياش ما يوتّر الأجواء داخل المنتخب، كل هذه الأمور يمكن قراءتها بوضوح من خلال الحضور الجماهيري الخافت للمبارتين الإعداديتين أمام جامبيا وزامبيا، والترقب القلق لأولى مباريات المغرب أمام ناميبيا اليوم، ضمن مجموعة نارية تضم إلى جانب المغرب وناميبيا، جنوب أفريقيا وساحل العاج.