في ظل غياب كتب للأطفال أو منهج مدرسي حول الثقافة الجنسية في مجتمعاتنا العربية، يواجه معظم الأهل الكثير من الحيرة والقلق أمام كيفية التعامل مع أبنائهم وبناتهم وهم على أعتاب مرحلة المراهقة والبلوغ. فبين الخجل والجهل والتجارب الشخصية الصادمة التي قد يكون مر بها الأهل، يصبح الحديث في تلك الأمور عملية في غاية الصعوبة بالإضافة إلى الأفكار المسبقة الناتجة عن المرجعية الدينية والاجتماعية والثقافية.
إذا كان هذا هو الوضع لدى الكبار، فما بالك بالطفل الذي يترك عالمه الذي اعتاده، سائرا نحو عالم المراهقة بكل التغيرات الجسدية والنفسية؟ وتزداد الأمور تعقيدا أمام قلة المواد العلمية المبسطة العصرية التي يمكن أن تساعد الأهل والأطفال، مما يؤدي إلى لجوء المراهقين إلى طرق أخرى من أجل إشباع فضولهم واحتياجهم.
بين العلم وخفة الظل
وفي محاولة، ليست هي الأولى، قامت دار أوزبورن Usborne، إحدى أكبر دور النشر البريطانية التي تنشر العديد من الكتب التي تقدم معلومات وحقائق بشكل تفاعلي مبسط للأطفال واليافعين باصدار كتاب يمكن وصفه بالفرادة، تحت عنوان.. "ماذا يحدث لي؟" أو ?What's Happening to Me وهو كتاب إرشادي متوفر في نسخة للصبيان ونسخة للفتيات وصادر بالإنجليزية وترجم إلى عدة لغات، ليس من ضمنها العربية مع الأسف.
يساعد الكتاب في التواصل مع الأطفال، وهم على مشارف مرحلة المراهقة والبلوغ (9-10 سنوات). وتتمثل فرادة الكتاب في تحقيقه توازن صعب جدا بين الحقائق العلمية والأسلوب العملي البسيط المختلط بخفة الظل من خلال الرسومات التوضيحية الكرتونية واللغة السلسلة القريبة من الطفل.
نحن مختلفون
يبدأ الكتاب بمخاطبة الطفل حول مفهوم التغيير والنضج وكيف أن هذه المرحلة قد تختلف من شخص إلى آخر. فيكون لدى بعض الأطفال الحماس أن يكبروا بينما البعض الآخر لا يريد ذلك بل يخشاه. إن مفهوم أن" كل واحد فينا مختلف عن الآخر" من أهم المفاهيم التي تجعل المراهق يشعر بأنه طبيعي؛ فلن يصل المراهقون إلى البلوغ في نفس الوقت ولن يكبروا بنفس المعدل ولن تمر الفتيات بأعراض الدورة الشهرية بنفس الطريقة.
وإذا كانت هذه الأشياء تبدو منطقية وبديهية لبعض الأهالي و صادمة وباعثة على التوتر للبعض الآخر، إلا أن هذه التغيرات من أكثر الأحداث أهمية في حياة الأطفال واليافعين وتعد مصدرا كبيرا للتوتر إذا لم يتم التعامل معها بوضوح واحتواء. التغيرات يأتي معها أسئلة ومشاعر مضطربة وعدم توازن في إطار الخطوات الإدراكية الأولية في البحث عن الذات وتكوين الشخصية البالغة.
في نسخة الولد، يبدأ الكتاب بعرض التغيرات الجسدية للمراهق وما هي الهرمونات وكيف تعمل وتكوين العضلات التي لن تعتمد فقط على ممارسة الرياضة بل أيضا على ما ورثه الطفل عن أهله، وكيف أن الصبيان يختلفون في معدلات النمو.
لن يفسر فقط الكتاب بشكل علمي مراحل تغير الصوت بل يهيئ الطفل للتعليقات المتوقعة التي من الممكن أن يسمعها سواء من أهله أو أصدقائه عن تغير صوته. ومن التغيرات الهامة التي تحدث هو نمو الشعر في أجزاء مختلفة من الجسم.
متى أحلق ذقني؟
عبر الرسم المبسط، يوضح الكتاب ما هي الأماكن التي من المتوقع أن تصبح مشعرة وما هي الأفكار أو المشاعر التي من الممكن أن تصاحب هذا التغيير. ولأن الشعر مرتبط للحلاقة، يأخذ الكتاب بعد ذلك المراهق في جولة تعريفية عن الأدوات المتاحة للحلاقة وما هي مزايا ومساوئ كل منها، متى أحلق ذقني؟ ولماذا نبتت ذقن صديقي أسرع مني؟ وكيف أتعامل مع الجروح ومشاكل الحلاقة؟ كل تلك الأسئلة يجاوب عليها الكتاب مرة بجدية علمية، ومرة أخرى بشكل طريف.
نفس الأسلوب في نسخة البنت، حيث يبدأ الكتاب بالتغيرات الجسدية للمراهقة والتعامل مع الجسد الجديد الآخذ في النمو السريع أو الذي لا ينمو بالدرجة الكافية مقارنة مع الأخريات وأيضا ما هي الهرمونات وكيف تعمل.
كما يتطرق إلى ظهور الشعر في المناطق الحساسة وطرق التخلص من شعر الساقين وتحت الإبط إذا رغبت. ويناقش أيضا نمو الثديين وأنواع حمالات الصدر وكيفية أخذ القياسات واختيار النوع المناسب حيث أن كل فتاة مختلفة. كما هناك قسم خاص بالأعضاء الأنثوية الداخلية والخارجية والدورة الشهرية ودورها وأعراضها وأنواع الفوط الصحية المختلفة.
أساطير الجنس
يتعرض الكتاب في نسختيه إلى الموضوع الأهم في مرحلة المراهقة وهو الجنس، ويقوم بتبديد عدد من الأساطير والمفاهيم الخاطئة. فيبدأ بشرح رحلة الحيوان المنوي إلى البويضة، متوقعا المشاعر المختلطة التي من الممكن ان يشعر بها الطفل عند معرفته الكاملة لتلك الحقيقة مثل.. "مستحيل.. أن أفعل هذا في يوم الأيام"، أو "هذا أمرا مقززا للغاية".
فيوضح الكتاب للطفل أن تلك المشاعر سوف تتغير مع الكبر. وتعتبر هذه الطريقة الأنجح في الوصول للطفل، فدائما ما ينصح الأهل بأن يكون كلامهم صادق، مباشر ونابع من التجارب الشخصية حيث إنها الطريقة الأضمن لكسب ثقة الطفل والمراهق عند مناقشة هذا الموضوع.
أي محاولة للكذب أو سرد الحقائق بطرق غير واضحة، سوف يلتقطها الطفل وسوف تجعله يفقد الثقة في الأب أو الأم. ويعتبر فصل الجنس بداية هامة للكلام المبسط عن التغيرات التي تطرأ على البنات والأولاد، وتفتيت الأساطير عن ما يمكن سماعه من الأصدقاء عن حجم الأعضاء الجنسية أو الملمس وغيرها عن العلاقات من خلال الرسومات المبسطة التي دائما ما تأتي في موضعها المميز لتكمل النص وتسبق دائما أي أسئلة من المتوقع أن تأتي في مخيلة الطفل.
في جزء آخر من الكتاب نتعرف على العلاقات وتغيرها مع الأهل والأصدقاء وبدايات مشاعر الحب والإعجاب بالآخر. كما يقوم الكتاب بالتطرق إلى بعض المسؤوليات التي تأتي مع الكبر سواء على المدى القريب أو البعيد.
كما يتناول الكتاب كيفية العناية بالنفس والتي تعد من أهم جوانب المراهقة، فالصبي أو الصبية سوف يعتمدان على أنفسهما في نظافتهما الشخصية بالإضافة إلى الاهتمام بالتوازن الغذائي للوجبات، وأهمية الرياضة، وما هي أنواع البشرة الأكثر عرضة لحبوب الشباب وكيفية التعامل معها، وغيرها من العادات المناسبة لتلك المرحلة الجديدة.
وهناك أيضا جزء خاص بالمخدرات والأمان الرقمي على الانترنت والوقاية من الأمراض الجنسية ووسائل منع الحمل، وهي معلومات هامة حتى في المجتمعات المحافظة.
كيف يتغير الآخر؟
تكتمل براعة كل نسخة من الكتاب بتخصيص جزء في النهاية لتقديم نبذة عن التغيرات التي يمر بها أيضا الجنس الآخر ليعرف ويفهم الولد ماذا يحدث للبنت وبالعكس.
نعلم أن الكثير من الأهالي يعتقدون أن إذا لم يسأل الطفل عن التغيرات فهذا معناه انه غير مهتم أو غير مستعد ولكن هذا ليس صحيح.
يجب خلق مناسبة لفتح الكلام، بداية من بلوغ الطفل سن العاشرة، حسب نضج الطفل واستعداده؛ ويعد الكتاب طريقة مناسبة لخلق تلك الفرصة. وننصح بقراءة الكتاب أولا قبل تقديمه للطفل من أجل الاستعداد لبعض من الأسئلة المتوقعة.
أهمية وجود باب مفتوح
إن تقديم المعلومات من خلال كتاب، سوف يظهر للطفل أهمية البحث والتأكد من مصادر المعلومات والأهم من ذلك هو الشعور بأن أسرته تتفهم مخاوفه وأن هناك باب مفتوح دائما حتى في الموضوعات الحساسة شديدة الخصوصية إذا ما رغب في طرقه.
على المستوى العربي، بالإضافة إلى الكتب المترجمة للأطفال عن جسم الإنسان، قطعت بعض دور النشر في الفترة الأخيرة شوطا جيدا في إصدار كتب أطفال بالعربية تتطرق عن طريق القصص إلى موضوع الحماية من التحرش الجنسي مثل خط أحمر من اصدارات دار الساقي، وأنا غالي لمؤسسة Safe ، وجدا جدا..طبعا طبعا...أبدا أبدا من منشورات دار الشجرة، ونأمل أن نرى في المستقبل القريب المزيد من الإصدارات عن النواحي المختلفة للثقافة الجنسية للطفل العربي.