"القناديل تُهدد الإجازة الصيفية".. خبر منشور في صحيفة مصرية في يونيو/ حزيران الماضي، بالتزامن مع توافد المصطافين إلى السواحل المصرية.. " البنك المركزي يمنع تداول العملات الورقية المكتوب عليها"، خبر آخر في صحيفة ما، مقابل نفي له في صحيفة أخرى.
هل يمكن أن يندرج الخبر اﻷول تحت بند إثارة الذعر؟ ربما. هل يمكن تصنيف الخبر الثاني في خانة نشر الشائعات؟ ربما. هل يمكن توقيع إجراءات عقابية على الوسيلة الإعلامية في حال تأكّد تصنيف هذين الخبرين تحت هذين البندين؟ بالتأكيد، وذلك بموجب واقع جديد فرضه إقرار المجلس اﻷعلى للائحة جزاءات، صار تطبيقها واجبًا اعتبارًا من يوم أمس الاثنين، تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية.
حجب وغرامة
تتكون اللائحة من 29 مادة، تحتوي على جزاءات وعقوبات اختلفت بين لفت النظر، والحجب، وإيقاف البث، والغرامة المالية التي قُدّرت في بعض النصوص بـ 50 ألف و100 ألف وفي ثالثة بـ 250 ألف جنيه، ضد الوسيلة الإعلامية "مقروءة أو مسموعة أو مرئية"، حال ارتكابها أي من المخالفات التي حددتها.
وكان من بين ما ورد في اللائحة من موجبات العقوبات أمور مثل "الإضرار بمقتضيات اﻷمن القومي"، والتي يخضع تحديدها "وفقًا لما يقدّره المجلس"، حسبما نصّت المادة السادسة منها، وكذلك أن تبث الوسيلة "ما يخالف النظام والآداب العامة ويدعو للفسق والفجور، أو تكدير السلم العام".
وعلى الصعيد الإجرائي، تمنح المادة السابعة من لائحة الجزاءات رئيس المجلس وحده "وفي حالات الضرورة والاستعجال أو لاعتبارات الحفاظ على مقتضيات الأمن الوطني" سلطة إصدار قرارات الجزاء دون العرض على المجلس"، على أن يعرضها على المجلس خلال 15 يومًا للبت فيها.
بين لائحة و"معايير"
كيف يمكن للوسيلة الإعلامية، في ظل الواقع الجديد أن تنشر أو تبث مادتها دون الوقوع في محظورات اللائحة من أمور تتعلق بـ"الأمن القومي والآداب العامة والسلم العام"؟
توجّهت المنصّة بهذا السؤال ﻷعضاء في المجلس الأعلى للإعلام، في محاولة للوصول لإجابة بمعايير واضحة تُحدد ما يجب أن يلتزم به الإعلامي.
أحال اﻷمين العام للمجلس أحمد سليم، الأمر لعضو المجلس جمال شوقي، باعتباره "المسؤول عن هذا اﻷمر"من بين الأعضاء.
"المعايير"، هكذا أجاب شوقي عن سؤال المنصّة، قائلاً "على موقع المجلس فيه أيقونة معايير (للعمل الإعلامي)، ودي مفروضة في دول كتير في العالم. شوفي المعايير وميثاق الشرف الصحفي".
بتصفح موقع المجلس لم يكن هناك ما يُسمّى بـ"أيقونة المعايير" التي ذكرها شوقي، لكن يوجد قسم خاص باسم "قوانين وتشريعات"، يحتوي على القرار الجمهوري لتشكيل المجلس ومعلومات أخرى عنه، ومشروع قانون حُرّية تداول المعلومات.
راجعت المنصّة شوقي فيما ورد في لائحة الجزاءات من موجبات توقيع العقوبات وما احتوى عليه بعضها من مصطلحات مثل "تهديد الأمن القومي أو نشر الشائعات أو التحريض على الفسق والفجور"، وكونها قد تكون غير مفهومة بصورة ومعايير واضحة وقاطعة، وعن كيفية تطبيقها في ظل الضغط الذي يحيط بالتغطيات الإعلامية، لاسيما في حالة الأحداث الطارئة؛ فكانت إجابته "تعالي المجلس ونعمل دورة تدريبية على ده"، دون توضيح ما إذا كان المجلس يخطط لإقامة مثل هذه الدورات بالفعل.
بسؤال عضو آخر في المجلس هو حاتم زكريا، قال إنه لم يطّلع على اللائحة في صورتها النهائية قبل إقرارها، منوهًا إلى أنها شهدت تعديلات مختلفة.
وقال زكريا إن المرّة اﻷخيرة التي اطّلع فيها على نسخة من لائحة الجزاءات كانت من حوالي شهر أو شهرين تقريبًا، في اجتماع بحضوره وآخرين منهم الصحفي كرم جبر والإعلامي حمدي الكُنيّسي.
توجّهت المنصّة بسؤالها حول اللائحة وكيفية تجنب وقوع الإعلامي في محظوراتها إلى جهة أخرى هي الهيئة الوطنية للصحافة؛ فكان رد عضوها الإعلامي عبد الرحمن رشاد "نحن لم نشارك في إعداد اللائحة، واﻷمر من اﻷلف إلى الياء كان في يد المجلس الأعلى للإعلام".
وبسؤاله عما إذا كان المجلس قد لجأ للهيئة وأعضائها، ولو بصفتهم مختصّين أو استشاريين؛ أجاب "ربما استشاروا رئيس الهيئة".
نصوص "كارثية"
أعلن عضو مجلس نقابة الصحفيين محمود كامل، اعتراضه على لائحة الجزاءات، ووصفها بأنها "كارثية وتقضي على ما تبقى من المهنة".
وقال كامل للمنصّة إنه وقبل صدور اللائحة "خاطبت النقابة المجلس اﻷعلى للإعلام بمقترحات قدمتها بصورة رسمية، تشمل الحد مطالب للصحفيين بعد توافق أعضاء النقابة عليها باعتبارها الحد اﻷدنى لحقوقهم، فضلاً عن تقديم مجموعة صحفيين لمذكرّة أخرى تفصيلية بكل مطالبهم، أرسلت للمجلس اﻷعلى موقّعة من أكثر من 400 صحفي"، معقّبًا "الاتنين تم تجاهلهم، وصدرت اللائحة".
وانتقد عضو النقابة اللائحة، باعتبارها "مخالفة لنصوص الدستور، وتحتوي على مصطلحات مطاطة وفضفاضة تفتح المجال لغرامات كبيرة ولحجب مواقع ووقف برامج".
وكشف كامل عن مساعِ حالية لاتخاذ إجراءات في مواجهة اللائحة، وذلك عبر مسارين اﻷول هو المهني من خلال طرح اللائحة للنقاش وما يجب اتخاذها حيالها من إجراءات في أول اجتماع لمجلس النقابة، بينما يتمثل المسار الثاني في إجراءات قانونية حيالها، مختتمًا بقوله "ونتمنى أن يكون اتخاذ هذه الإجراءات عبر النقابة".