يوم أن أرسل له صديق صورة لأحد أصحاب المحال في القدس الشرقية يقرأ إحدى رواياته، كتب حمّور زيادة الكاتب السوداني علي صفحته الشخصية في تويتر: "بخ بخ .. الآن تُقرأ في القدس يا ابن حي البوستة في أم درمان".
بالفعل يعد حمور زيادة أحد أشهر الكتاب السودانيين الشباب خاصة بعد حصوله في 2014 على جائزة نجيب محفوظ التي تنظمها الجامعة الأمريكية بالقاهرة عن روايته الثانية "شوق الدراويش"، والتي تم أيضا اختيارها ضمن القائمة القصيرة لجائزة البوكر في العام التالي 2015.
منذ أيام صدرت الطبعة الثانية من رواية "الغرق - حكايات القهر والونس" أحدث أعمال زيادة والتي صدرت طبعتها الأولى قبل شهرين بالتزامن مع دورة معرض الكتاب المنقضية عن دار العين للنشر، بعد أربع سنوات من صدور روايته "شوق الدراويش". أصدر حمور أيضا مجموعة "سيرة أم درمانية" 2008، رواية "الكونج" 2010، ومجموعة "النوم عند قدمي الجبل" 2014.
عن التاريخ والناس
التاريخ حاضر دائما في أعمال حمور الروائية، فروايته الأحدث تروي سيرة السودان في عهد النميري؛ الرئيس الرابع للسودان الذي تولّي الحكم عام 1969 بعد انقلاب عسكري، بينما دارت أحداث "شوق الدراويش" في زمن أبعد حيث سودان نهايات القرن التاسع عشر، وقت "المهدي" والثورة المهدية، وعن علاقته بالتاريخ ورؤيته شخصيات رواياته داخل هذا المحيط التاريخي الذي يتخذه مسرحًا لأحداثه.
يقول حمور "لا أؤمن بالأبطال، أؤمن أكثر بالبشر، فالناس هم شخوصي، وهدفي الأساسي، سواء عاشوا في عهد المهدي أو نميري، تناولتهم بشكل فانتازي أو غرائبي، أو غير ذلك، بالنسبة لي الفرد هو من يستحق الكتابة عنه، الحكاية الممتعة هي حكاية الفرد في مسرح تعربد فيه الأحداث الجثام".
منطق الرواية.. مختلف
تبدأ "الغرق" بمشهد اكتشاف جثة غارقة في النيل، وتتعدد آراء الناس عن هوية الغريقة، وتمضي الرواية متخذة تتخذ من زمن الرق واستعباد النساء عالمًا لها.
فـ "عبير"، الشخصية الأساسية في "الغرق"، من نسل إماء، تصرّف أسيادهم في مصائرهن واعتدن الخضوع، فلم تأتي "عبير" مختلفة، خضعت واستبيحت موصومة بعار الرق للأبد.
وفي المقابل يأتي الرمز النسائي المتجبر في "العافية"، التي تستغل الغجرية "بهية" لتحمل عنها تبعات قهر آخر يمارسه زوج "العافية" عليها. يبدو حمّور زيادة منحازا للمرأة في رواياته بالحكي عنها؛ مشاعرها ورغباتها، تسلطها ودوافعها.
في "الغرق"، كلهن مقهورات، ولا توجد بادرة تمرد أو رفض لديهن لما يحدث.. فهو يرى.. "أن الروايات ليست دراسات اجتماعية لترصد كل النماذج البشرية بنوازعها المختلفة. في الحياة هناك بالتأكيد حالات متمردة ناجحة استطاعت انتزاع حقها أو جزءا منه. لكن هذا النموذج لم يبد لي مناسبا للرواية. رغم ذلك يمكنك النظر لما حدث لـ "عبير" في نهاية "الغرق" على أنه تمرد من نوع خاص، إذ أحيانًا يكون الاستسلام شكل من أشكال الرفض. وكذلك حلم "فايت ندّو" بمستقبل "عبير"، ربما كان تمردا مخططًا بدقة، وربما كان مجرد لعب بذات قواعد المكان. هذا أمر مفتوح للقارئ ليحدده".
سحر.. لا يمكن الإفلات منه
تبدو كتابات حمور الروائية مغزولة بالأساطير، ونبوءات العرافين، وحكايات الغجر، والنيل الذي يبدو ككائن خرافي يلفظ جثث غرقاه بالتتابع، فالسودان كما يراه زيادة "بلد مشبع بالحكايات والاساطير والغيبيات والتناقضات، هو بلد النبوءات والأساطير؛ لذا أظن أنه من الصعب لو كنت سودانيًا ألا يختلط هذا الواقع الساحر والمسحور بسردك.. فنحن بلد حكائي من الدرجة الأولى. لذلك فإن رؤية الواقع بشكل سحري ليست حيلة أدبية عندنا، بل هي جزء من الحياة والمعاش" يقول حمور.
يحكي زيادة "قبل أيام سألتني قارئة عن طريق صديقة مشتركة إن كانت روايتي بها وصف تفصيلي للتعذيب كي لا تشتريها، يبدو أن هذا الانطباع قد بدأ يتشكل؛ أن حمور زيادة يكتب عن أشياء قاسية. لكن هل هو انطباع معيب؟ لا أعرف.. ولكني لا أخشى ذلك، هذا هو ما أكتب عنه. وأظن أنه يروق لكثيرين"، ويستدرك؛ "أو هكذا أتمنى".
أخاطب العالم كله
قد يختار الكاتب أحيانًا أن يروي حكاياته في اللامكان، أو سرد وقائع الحكاية دون تحديد مكان وقوعها، ضمانًا لارتباط القارئ بالكتاب وخوفًا من حيرة قد تصيبه بين تفاصيل خاصة ومرويات محلية. أما في حالة زيادة فالوضع مختلف؛ يخلص صاحب "الغرق" لتفاصيل واقعه المسحور الدقيقة، ويصف عادات ناسه نساء ورجالا بإخلاص وهو ما يراه طريقًا للاتصال بالعالم الواسع.
"الحديث بإخلاص عن تفاصيل المجتمع لا يعني الانكفاء على الذات، أو المبالغة في خصوصية لا يعرفها الجميع، ولكن على العكس ما أحاول فعله هو الخروج بتفاصيل مجتمعي الخاصة للعالم. لتتوحِد هذه المحلية مع الشعور الإنساني في كل مكان. أن يشعر القارئ أنه "بخيت منديل"، ليس بسبب الأحداث التاريخية ولكن للأزمة الداخلية التي يعانيها والمشاعر التي تعتريه. أن تثير فترة المهدي شهية القارئ للتفكير في أموره المحلية دون أن يهز كتفيه ويقول تاريخ قديم لبلد آخر فماذا يهمني" يقول حمّور.
يفخر حمور بكونه كاتب قادم من بلاد السودان "لا أظن أني سأحكي إلا عن بلاد السودان وعن ثقافتي وتاريخي. هما جديران بأن أكرس لهما كل مشروعي وعمري. ومن ناحية أخرى أنا أحب أن أحكي عن الآخرين لا عن نفسي. لكن ذلك لا يمنع أن تتسرب بعض خبراتك وتجاربك ومواقفك الشخصية إلى ما تكتب. لكني حين أفعل ذلك فأنا لا أخاطب به مجموعة مغلقة. إنما أطمح لمخاطبة قارئ ما يمكن أن يتواجد في كل مكان من العالم، لذلك تكون لعبتي هي أن أُشعر هذا القاريء أن محليتي هذه أمر يعنيه. لا أن أجعلها عائقا بينه وبين النص".
لكن، وهربًا من شبح التكرار قرر حمور أن روايته القادمة أن يكون لخطها الرئيسي علاقة بالتاريخ أو بالسياسة.. "أتمنى أن تنجح هذه التيمة الجديدة التي أحاولها".
ماذا تفعل الشخصية خارج روايتها
يصنع حمور شخصيات ثرية بالتفاصيل، ربما ليست هي الأساسية في خط سير الأحداث، يرسمها الكاتب لتؤكد معنى معين أو تنفي قناعة ما، مثل "فضل العزيز" في "شوق الدرويش"، السودانية المسلمة التي درّست للأطفال في دار البعثة الأرثوذكسية والتي ما خجلت من إعلان ولائها للمهدي وإن قتل هؤلاء الأطفال، فهذا في ظنها أمر إلهي.
أو "مرسيلية" في نفس الرواية؛ العاشقة التي عاونت الدرويش في ثأره لحبيبته "ثيودورا"، وأحيانا تراود الكاتب الرغبة أحيانا في إعادة كتابة تلك الشخصيات التي مرّت بالأحداث خطفًا ومنحها دورًا أكبر في قصة أخرى يومًا ما، "نعم هذا شيطان يراود المرء أحيانًا. أن تعيد كتابة شخصية ما في عمل آخر. وأتمنى لو كتبت عن مريسيلة عملا مستقلا عما بعد المهدية واستباحة مدينة أم درمان وبداية عهد الاستعمار الثنائي البريطاني المصري. لكنها مجرد أمنية. لا أعرف هل يمكن أن أفعلها يوما أم لا".
الابن المظلوم.. فيلمًا
قريبا ينتهي تصوير فيلم "ستموت في العشرين" للمخرج أمجد أبو العلاء المأخوذ عن إحدى قصص مجموعة "النوم عند قدمي الجبل" الصادرة عام 2014. يعتبر حمور هذه المجموعة ابنه المظلوم "يظل لكل كاتب عمل يحبه ويحس أنه لم يأخذ حقه. ربما لأن النوم عند قدمي الجبل نشرت في نفس فترة "شوق الدرويش". ربما لأنها مجموعة قصصية صدرت حين لم تكن المجموعات القصصية مرغوبة للقراء. وربما هي ليست بالجمال الذي أظنه. هناك احتمالات كثيرة. لكنها في النهاية طُبعت بعدد طبعات لا بأس بها في دار ميريت بالقاهرة، ثم بدار مداد للنشر في دبي، وأنتج عنها فيلم سينمائي. فلعل شكواي هي نوع من الطمع".
انتصر الموظف الانجليزي.. وتأجلت المنحة
أُنشئت منحة "زمالة بانيبال للكاتب الزائر" بالشراكة بين كليّة سانت أيدين بجامعة درام ومجلة بانيبال التي تصدر من لندن، وتعنى بترجمة الأدب العربي الحديث، تتيح المنحة للحاصلين عليها فرصة الإقامة لمدة ثلاثة شهور في بريطانيا، يتعرف خلالها الكاتب الفائز بالمنحة علي العديد من الكتّاب والمترجمين ودور النشر الإنجليزية، وتعمل على تعريف الجمهور البريطاني بأعماله الأدبية، وقد أعلنت الزمالة هذا العام فوز زيادة بالمنحة، ولكن تم رفض منح تصريح الإقامة لحمور في المملكة المتحدة.
وعن توابع الرفض يقول زيادة "نسّقت مؤسسة بانيبال مع كلية سانت إيدين وخاطبت الخارجية البريطانية والرأي العام البريطاني احتجاجًا على حرماني من التأشيرة. ولكن يبدو أن رأي موظف المركز القنصلي الذي يرى أن دخول كاتب سوداني لبريطانيا أمر مقلق وغير مقنع له؛ قد انتصر. إذ تم تأجيل الزمالة للعام القادم، ومازالت الجامعة وبانيبال يواصلان الضغط حتى لا يتكرر قرار القنصل مرة أخرى".