ما أن أعلنت شركة .Warner Bros عن إطلاق عالم دي سي السينمائي عام 2014، من خلال خطة طموحة تتضمن إصدار عشرة أفلام بحلول عام 2020 لمجاراة عالم مارفل السينمائي، حتى أصبحت عُرضة للانتقادات من قِبل الجمهور والنقاد الذين استنكروا محاولات الشركة تحقيق نجاح سريع على حساب محتوى تلك الأفلام، التي كان أغلبها خيبات أمل في شباك التذاكر، باستثناء فيلم Wonder Woman لباتي جينكنز عام 2017، وينضم إليه حديثًا فيلم Aquaman، الذي بدأ عرضه في صالات السينما العالمية قبل أيام من أعياد الكريسماس، واستطاع أن يكسر حاجز المليار دولار.
ربما لو علم قراء الكوميكس/ القصص المصورة وقتها أن هاتين الشخصيتين ستصبحان الأنجح ضمن أفلام السلسلة، لبدى الأمر كوميديًا في ظل وجود البطلين الأشهر سوبرمان وباتمان، ولكن بعكس المتوقع جاء فيلم Aquaman للمخرج جيمس وان تجربة ممتعة فنيًا وبصريًا، ساهمت في اتساع عالم دي سي السينمائي وضمنت استمراره من خلال شخصية لطالما كانت محل سخرية من قِبل الجمهور لفترات طويلة، وقد صارت الآن أسطورية ذات كاريزما مع وجود جايسون موموا، الذي جسد الشخصية على شاشة السينما؛ رغم أن الفيلم يحمل علامة استفهام حول مدى ارتباطه بالأفلام السابقة من السلسلة.
من الكوميكس إلى شاشة السينما
ظهرت شخصية أكوامان لأول مرة في عالم دي سي السينمائي ضمن تسجيلات ليكس لوثر التي حصل عليها بروس واين/ باتمان خلال أحداث فيلم "فجر العدالة" Batman v Superman: Dawn of Justice الذي عُرض عام 2016، وتلته عاصفة من الانتقادات وجهت لمخرجه زاك سنايدر، لعدة أسباب منها اختياره لجايسون موموا.
فلم تشفع للأخير لدى جمهور الكوميكس شعبية شخصية كال دروجو في المسلسل الشهير صراع العروش، فهذا الجمهور عرف أكوامان بملامح مغايرة لموموا في زي يجمع بين البرتقالي والأخضر، إلا أن ذلك الهجوم تراجع بعد عرض فيلم فريق العدالة Justice League عام 2017 ومنح الجمهور فرصة التعرف على الشخصية بشكل أفضل.
قد يكون ما أحدثه المخرج جيمس وان بشخصية أكوامان تطورًا يستحق الاهتمام، في حفاظه على مسار الشخصية المستمد من فيلم Justice League، إلى جانب الخط التاريخي الخاص بها المستعاد من القصص المصورة، وهو ما منح الشخصية أبعادًا أعمق، ولكن إلى أي مدى اعتمد وان على القصص المصورة لصناعة فيلمه؟
في عالم الكوميكس
ظهرت شخصية أكوامان التي ابتكرها بول نوريس ومورت وايزنجر لأول مرة في عالم القصص المصورة عام 1941، في الفترة التي عُرفت بالعصر الذهبي للكوميكس، من خلال صفحات العدد 73 من سلسلة More Fun Comics، التي تعرّف قراء الكوميكس من خلالها على مجموعة من أبطال عالم دي سي الخارقين لعل أشهرهم كان جرين أرو، وقد حظيت شخصية أكوامان في تلك الفترة بقصة مختلفة عن تلك التي تم روايتها لاحقًا في الخمسينات والسبعينات.
حققت شخصية أكوامان نجاحًا كبيرًا ضمن لها الاستمرار إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية؛ ففي الوقت الذي تم فيه استبعاد العديد من أبطال القصص المصورة، استمر أكوامان في الظهور باعتباره من الشخصيات الرئيسية التي يرتكز عليها عالم دي سي، رغم ذلك لم تحظى الشخصية بسلسلة خاصة بها بل استمرت بالظهور كشخصية داعمة ضمن الأعداد الخاصة بـ"فريق العدالة" Justice League.
لم يحقق أكوامان يومًا شعبية أو مبيعات مماثلة لتلك التي حظي بها كل من باتمان وسوبرمان، إلا أن الخط الدرامي المظلم الذي أدخل على قصته عام 1977من خلال أعداد Death of A Prince لديفيد ميشليني وجيم أبارو، جعل منه بطلاً خارقًا فريدًا من نوعه في ذلك الوقت؛ فيقتل بلاك مانتا -عدو أكوامان- رضيع الأخير على صفحات تلك الأعداد.
وقد جاءت أعداد Death of A Prince كمحاولة أولى سابقة لما يُعرف بالعصر المظلم للقصص المصورة الذي بدأ منتصف الثمانينات، وهى الفترة التي بدأ يترسخ فيها اتجاه جديد في عالم القصص المصورة، فاتخذت الموضوعات منحنىً دراميًا اتسم بالسوداوية، وتم التطرق إلى موضوعات سياسية وأخرى فلسفية مثيرة للجدل وقد صار المحتوى موجهًا للبالغين؛ ورغم الخلاف حول البداية الفعلية لذلك العصر، إلا أن بدايته جاءت عام 1985 من خلال أعداد Crisis On Infinite Earths التي شهدت نهايات مأساوية لشخصيات رئيسية في عالم دي سي منهم فلاش وسوبر جيرل، وقد أعقبها عام 1986 أعداد ديرديفيل الشهيرة Daredevil: Born Again لفرانك ميلر التي أصدرتها مارفل، وضمن نجاحها استمرار العصر المظلم للقصص المصورة إلى الآن.
على جانب آخر، كانت شخصية أكوامان تحظى بنوع آخر من الشهرة في تلك الفترة عبر شاشة التلفزيون، فقد كانت بداية السبعينات هى الفترة الأسوأ من عمر الشخصية بعد عرض مسلسل Super Friends على شاشة التلفزيون الأمريكي، الذي جعل من أكوامان شخصية بهلوانية ومثارًا لسخرية المتابعين، حتى أنه رسخ من وقتها في الذاكرة على اعتباره "الرجل السمكة" أو "مُخاطب الأسماك"، وظل ذلك الاعتقاد متداول حتى وقت قريب، فتم استغلال الشخصية فترة التسعينات كمادة للسخرية في حلقات مسلسليّ الرسوم المتحركة Family Guy وسبونج بوب.
على شاشة السينما
ربما كانت شخصية أكوامان من نهاية السبعينات هى الأشهر في ذاكرة القراء، وقد تكون هي التي اعتمد عليها المخرج جيمس وان بشكل أساسي لبناء شخصية أكوامان، الذي يجمع بين الجانب المظلم في ماضيه والمرح والسخرية الظاهرة في تصرفاته، وهو ما امتد لاحقًا ليشمل الفيلم بأكمله الذي اتسم بالظلمة المعهودة في أفلام دي سي التي يتخللها بعض اللحظات الكوميدية.
كذلك استند وان في صناعة القصة على أعداد The Atlantis Chronicles لبيتر دايفيد الصادارة بداية التسعينات، والتي روت صفحاتها التاريخ الكامل لأطلانتس، ومن بعدها جاءت سلسلة Aquaman التي كتبها ديفيد في الأعوام التالية، والتي تعين على أكوامان خلالها توحيد المدن الأطلنطية الغارقة، وهو ما أهله ليصبح ملكًا محاربًا له قوة سياسية هائلة مكنته من حكم جميع المدن الأطلنطية دون منازع، أو ما حوله جيمس وان ليصبح هدف أكوامان خلال أحداث الفيلم، حيث استعادة مُلكه وتوحيد المدن الأطلنطية لمنع الحرب الوشيكة بين سكان الأرض وأطلنطس الغارقة.
كذلك كانت طريقة رسم أكوامان على صفحات تلك الكوميكس هي الأقرب لملامح جايسون موموا -وهو ما قد يوضح اختيار زاك سنايدر له- حيث الشعر الطويل واللحية الكثيفة، بالإضافة إلى التفاصيل المتعلقة بالزي الخاص به والوشوم المنتشرة على جسده.
إلى جانب الإخراج، شارك جيمس وان في كتابة قصة الفيلم مع ويل بيل وجيوف جونز، الذي أعاد كتابة سلسلة أكوامان عام 2011 من خلال مشروع The New 52 الذي قدمت خلاله دي سي أبطالها الخارقين في نسخ جديدة تضمت تطوير التاريخ الشخصي لكل منهم، فيستعين جونز بما كتبه خلال القصص المصورة ليقدمه على شاشة السينما.
فعلى صفحات الكوميكس الخاصة بجونز، يظهر أكوامان أو آرثر كوري ابنًا لحارس منارة من سكان الأرض يُدعى توم كوري، وملكة أطلنطس التي تُدعى أطلنطا، وقد التقى الثنائي ووقعا في الحب، إلا أنه بعد وقت قصير من ولادة آرثر تشعر أطلنطا بالذنب لتخليها عن عرشها، فتعود بعد ذلك إلى المحيط تاركة ورائها زوجها وابنها على الأرض في سلام نسبي قبل أن يبدأ آرثر في إظهار قدرات أهل أطلنطس التي ورثها عن والدته.
على شاشة السينما، تبدأ الأحداث بداية مشابهة للكوميكس مع تغيير في فكرة تخلي أطلنطا (نيكول كيدمان) عن زوجها وابنها، فيُظهرها الفيلم وقد تم إجبارها بالقوة على العودة إلى المحيط من أجل زيجة مدبرة.
وقد أضفى ذلك التغيير على القصة جانبًا تراجيديًا؛ حيث العقدة التي تظل ملازمة للبطل وتصبح سببًا في معاناته، حتى أنها كانت وراء صناعة أسطورة البطل الشخصية، حين يحاول التغلب عليها بشرب الخمر والقتال من أجل إنقاذ حياة الأخرين، فيتحول من قِبل وسائل الإعلام إلى البطل الخارق "أكوامان"، كما أنها لاحقًا تلعب دورًا رئيسيًا في تطور الأحداث، عندما يستغلها فولكو الأطلنطي (ويليم دافو) -معلم آرثر الأطلنطي- لتحفيزه على القتال ضد أخيه الملك أورم (باتريك ويلسون) من أجل استعادة عرشه.
لعنة الفيلم السابق
ربما برزت عقدة البطل بشكل أعمق خلال أحداث الفيلم السابق Justice League، الذي عمل عليه المخرج زاك سنايدر وقام بتطويره المخرج جوس ويدن، فيُظهر اللقاء الأول الذي جمع ميرا (أمبر هيرد) بأكوامان -بعد محاولة ستبنوولف الاستيلاء على الصندوق الأم المملوك لأطلنطس- نقم الأخير على والدته لهجرها له، وقد جعلت منه تلك العقدة شخصية غاضبة وصعبة الميراث ولكنها تتمتع بحس ساخر؛ كما يتضح خلال بقية أحداث الفيلم.
بعكس ذلك، جعل المخرج جيمس وان شخصية أكوامان أكثر حيويةً ومرحًا بالإضافة إلى احتفاظه بحسها الساخر المستمد من الفيلم السابق، لزيادة مساحة الكوميديا في فيلمه، وقد استعرض وان أزمة بطله من خلال المشاهد الخاصة بوالدته (نيكول كيدمان) التي جاءت كمقدمة لأحداث الفيلم، أو مشاهد الفلاش باك الخاصة بالبطل، وأحيانًا الحوار، حتى أنه جعل تلك العقدة مشتركة بين البطل وأخيه؛ فكل منهما فقد والدته بطريقة مختلفة.
وبينما قدم الفيلم السابق أكوامان مشتتًا بين عالمين يحاول البحث عن منزل له بينهما، يُظهره وان خلال أحداث فيلمه، وقد تخلى عن تلك الفكرة بعد معرفته بما أصاب والدته عندما كان مراهقًا، وهو ما جعل من محاولات ميرا وفولكو لإقناعه باسترداد عرشه مهمة صعبة، وقد تدفع تلك النقطة المتابع لتلك السلسلة للتساؤل عن مدى ارتباط الفيلم بسابقه.
ربما لا تتوقف لعنة فيلم الفيلم السابق عند هذه النقطة، بل تمتد إلى مشكلة أخرى تتعلق بالخط الزمنى الخاص بالفيلم والمفترض أن أحداثه تدور بعد أحداث فيلم Justice League، فتظهر بوادر تلك المشكلة مع لقاء ميرا بأكوامان خلال أحداث فيلم Aquaman وتقوم بتعريفه بنفسها، رغم أنهما التقيا من قبل خلال أحداث الفيلم السابق وخاضا معًا قتالاً ضد ستبنوولف.
قد لا يُشير الحوار بذلك المشهد من الفيلم السابق إلى معرفة أكوامان بهوية ميرا، ولكن يتضح من خلاله معرفتها له باعتباره الابن الأرضي للملكة أطلنطا، وحتى مع فرضية وجود محاولات سابقة لإقناع أكوامان بالعودة لأطلنطس جعلت كليهما على علم بهوية الآخر، يأتي مشهد الفلاش باك الخاص بفولكو وآرثر المراهق خلال أحداث فيلم Aquaman لينفي تلك الفرضية، فالحاجة إلى عودة أكوامان بدأت مع إعلان أخيه الحرب على الأرض.
تزداد المشكلة وضوحًا عندما تصطحب ميرا أكوامان عبر المحيط وتريه طريق الدخول لأطلنطس لأول مرة، وتعلمه أن الطريق لا يمكن اكتشافه أو توجد وسيلة غيره لدخول المدينة، وهو ما يجعل أزمة المشهد من الفيلم السابق مستمرة، فكيف دخل أكوامان المدينة لإنقاذ الصندوق الأم؟، خاصة وأن قيمة الصندوق الأم تجعل من فكرة تركه في عرض المحيط خارج حدود أطلانطس مستبعدة.
ربما أراد جيمس وان خلق فيلم مستقل بنفسه، متناسيًا الفيلم السابق وأزمة تغيير مخرجيه التي سببت ربكة على شاشة السينما، أراد وان منع امتدادها إلى فيلمه، رغم أنه استغل ولاء ميرا للملكة أطلنطا التي كشف عنها الحوار بالفيلم السابق، وقام بتطويرها ليجعل من ميرا شخصية تتبنى فكرًا معارضًا كان وراء سعيها لإنهاء حكم الملك أورم.
على غرار حرب النجوم
في حوار للمخرج جايمس وان أعلن أن السبب وراء حماسه للعمل على ذلك المشروع كان الرغبة في صناعة ما هو أكبر من فيلم عن بطل خارق، بل تأسيس عالم سينمائي كامل له سماته الخاصة، رغم أنه تم اقتطاعه من عالم دي سي، إلا أنه في النهاية منطقة جديدة يطأها المشاهد لأول مرة؛ فكان سعيه خلق عالم أشبه بعالم حرب النجوم الخاص بجورج لوكس ولكن في قلب المحيط.
على عكس المتوقع جاء عالم جيمس وان مفتقرًا للأصالة، قائمًا على مجموعة من الأدوات مستمدة من عوالم أخرى، فكانت البداية مع مشهد اكتشاف آرثر الصغير قدرته على التواصل مع الأسماك داخل متحف الأحياء البحرية والذي جاء مشابهًا لمشهد من فيلم "هاري بوتر وحجر الفيلسوف" Harry Potter and the Philosopher's Stone، حين يكتشف هاري قدرته في التحدث مع الحية في بيت الزواحف.
أزمة افتقار الأصالة ازدادت سوءًا عندما بدأ وان في الاقتباس عن عالم مارفل السينمائي، وهو الموضوع في مقارنات دائمة مع عالم دي سي، فجاءت فكرة المعبر المائي لمدينة أطلانطس مشابهة لجسر البيفروست الخاص بآسجارد، الأمر كذلك مع مشاهد الفلاش باك التي روت مراحل صناعة الرمح الثلاثى المفقود، والتي جاءت مشابهة لصناعة مطرقة ثور خلال أحداث فيلم Avengers: Infinity War.
ظهر تأثر جيمس وان الواضح بعالم حرب النجوم، ليس فقط من ناحية الفكرة بل بعض الأدوات المستعارة من ذلك العالم، كالهولوجرام الذي كان عبارة عن رسائل من الملك أورم أو ملوك سابقين لأطلنطس، الأمر كذلك مع الطريقة التي كان يشير بها وان إلى الممالك الغارقة على طريقة أفلام حرب النجوم؛ حين يتم التنقل بين الكواكب المختلفة.
وقد جاءت اللحظة الفارقة في مساعي البطل بحصوله على الرمح الثلاثي المفقود، الذي سيمكنه من إحكام سيطرته على المحيط واستعادة عرشه، وقد غاب عنها الأصالة هي الأخرى، فرغم أن أكوامان على صفحات القصص المصورة قد حصل على حبكات مختلفة وأحيانًا معقدة فيما يتعلق بمسألة عرشه -حتى أنه تنازل عنه في إحدى المرات- إلا أن جيمس وان فضل الاستعانة بالأسطورة البريطانية الشهيرة لـ"الملك آرثر وسيف الصخرة"، وقد حول بطله في لحظة من آرثر كوري إلى آرثر صاحب كاميلوت.
في النهاية يمكن القول بأن فيلم Aquaman كان تجربة مُرضية إلى حد كبير، وقد نجح في تحقيق التوازن بين عوامل التشويق والحبكة الدرامية المستمدة بشكل أساسي من القصص المصورة -مع الأخذ في الاعتبار كونه مستقلًا عن الأفلام السابقة- وهو في مجمله أنجح أفلام عالم دي سي السينمائي، بعد التطوير الكبير الذي أحدثه مخرجه جيمس وان في شخصية أكوامان، وفتح من خلالها آفاقًا جديدة في عالم دي سي ضمنت بقاءه واستمراره.