بعد إعلان رفع حالة تأهب قوات الجيش والشرطة في التاسع من فبراير/ شباط 2018، نظّمت الشؤون المعنوية مؤتمرًا صحفيًا منتصف الشهر لشرح تفاصيل العملية التي شملت شمال ووسط سيناء، والظهير الصحراوي لمصر، بالإضافة إلى مناطق غرب الدلتا.
خلال المؤتمر، شرح ممثل هيئة عمليات القوات المسلحة اللواء أركان حرب ياسر عبد العزيز، إجراءات العملية ومهمّات العناصر المشاركة التي وصفها بأنها "عناصر ذات تسليح وتدريب خاص على مجابهة الإرهاب من القوات التابعة للقيادة الموحدة لشرق القناة، والتي تعمل في نطاق عمل الجيشين الثاني والثالث الميدانيين، إضافة إلى عناصر من الصاعقة والمظلات والشرطة المدنية وحرس الحدود"، بحسب نص البيان المنشور عن المؤتمر الصحفي على صفحة المتحدث العسكري الرسمية على فيسبوك.
بحسب البيان، فإن هذه القوات مُكلفة بالتعامل مع العناصر الإجرامية وإحباط أعمال تهريب الأسلحة والتسلل عبر الحدود الدولية الغربية والجنوبيّة، إضافة إلى عناصر من القوات الجوية لتقديم الدعم الجوي أثناء عمليات التطهير خارج التجمّعات السكنية، وتقديم قطع بحرية حماية للحدود البحرية ومنع أي عمليات تسلل أو دعم لوجستي للعناصر الإرهابية.
جبهات المواجهة الثلاث
وقال عبد العزيز خلال المؤتمر الصحفي الذي نشرت تفاصيله صفحة المتحدث العسكري، فإن "الجيش الميداني الثاني تولّى مهمّة مداهمة العناصر المسلّحة وأماكن تمركزهم في مدن رفح، الشيخ زويد، العريش، مع فرض حصار شامل "على المحاور والطرق الرئيسية والفرعية المؤدية لمناطق عمل القوات وقطع أى خطوط للإمداد للعناصر الإرهابية ومنعها من الهروب، إضافة إلى أعمال التغطية الجويّة وحماية الحدود البحرية"، بحسب البيان.
وذكر البيان أن أعمال الجيش الثالث تتركّز في مناطق المداهمات من شرق القناة بوسط سيناء حتى خط الحدود، بالتعاون مع قوّات الصاعقة والمظلات، مع فرض حصار "لمنع هروب أو تسلل العناصر الهاربة إلى الدروب والوديان المؤدية إلى جنوب سيناء وإحكام السيطرة على الشريط الحدودي على الاتجاه الاستراتيجي الشمالي الشرقي"، وذلك أيضًا بمساعدة القوات الجوية والبحرية.
وأضاف البيان على لسان عبد العزيز أن عناصر من وحدة مكافحة الإرهاب تمشط منطقة الدلتا في دوريات أمنية لمنع تسلل العناصر المسلّحة، وتنفذ القوات البرّية والبحرية والجوّية التابعة للمنطقة المركزية تدريبات متخصصة بالتوازي مع تنفيذ دوريات أمنية تستهدف معاونة قوات حرس الحدود على إحباط تهريب الأسلحة والذخيرة وحالات الهجرة غير الشرعية والتسلل عبر الحدود.
ما نعرفه من بيانات المتحدث
خلال الفترة ما بين التاسع من فبراير/ شباط 2018، وحتى 22 يناير/ كانون الثاني 2019، نشر المتحدث العسكري على صفحته الرسمية على فيسبوك 31 بيانًا يخص العملية الشاملة سيناء 2018، بدون حساب البيانات الخاصة بالمؤتمرات الصحفية أو أخبار زيارات القادة العسكريين لمناطق تمركز القوات المصرية.
تحوي هذه البيانات عادة ما حققته قوات إنفاذ القانون من نجاحات في رصد وتدمير مواقع تمركز للعناصر المسلّحة والتحفظ على عتاد يخص التنظيمات الناشطة في سيناء ومناطق العمليات، إضافة إلى قتل والقبض على عناصر مسلّحة ومشتبه بهم.
الحصاد ثم التدمير فالخسائر
هيكل البيانات الواحد والثلاثين يتشابه في أغلبه، يبدأ بحصاد ما دمّرته وتحفّظت عليه القوات البريّة والجوية في سيناء، في المناطق الغربية والجنوبية الحدوديّة.
تتضمن غالبية البيانات حصرًا لأعداد السيارات المدمّرة/ المتحفّظ عليها والدراجات النارية وسيارات الدفع الرباعي، والملاجئ والأوكار والأنفاق المواقع ذات الأهمية للتنظيمات المسلّحة، إضافة إلى العتاد المتحفّظ عليه من أسلحة وذخيرة ومواد متفجّرة، والعبوات الناسفة والتي تم تفجيرها بمعرفة المهندسين العسكريين.
آلية البيانات تستمر لبيان عدد الدوريات الأمنية والكمائن المفاجئة التي تم تنظيمها، وعمليات التهريب المحبطة بأنواعها، ويذيّل بالخسائر البشرية للقوات المسلّحة، إن وجدت.
45 مرة حرس حدود
قوّات حرس الحدود كانت الأكثر ذكرًا في البيانات الإحدى والثلاثين، بواقع 45 مرّة.
ويرتبط ذكرها بإحباط عمليات التهريب بأنواعها من مخدّرات وعمليات تنقيب عن الذهب غير قانونية وأسلحة، سواء في الاتجاه الغربي أو الجنوبي، وتنظيم الكمائن والدوريات المفاجئة في مناطق العمليات المختلفة.
ويقل ذكر قوات حرس الحدود عند الحديث عن أعمال تتماس بشكل مباشر مع التنظيمات المسلّحة كتدمير أنفاق أو اكتشاف ملاجئ، فذكرت عشر مرّات من أصل 45 مرّة في أعمال تدمير أنفاق أو اكتشاف ملاجئ ومخابئ تستخدمها التنظيمات المسلّحة في سيناء، وذكرت مرة واحدة في إطار قطع أحد خطوط إمداد الأسلحة للتنظيمات المسلّحة من الحدود الغربيّة.
40 مرة قوات جوية
يأتي بعد قوّات حرس الحدود، القوات الجوية، والتي ذكرت بواقع 40 مرة في البيانات، وعادة ما ترد أعمالها في بداياة البيانات، وتشمل أعمالها تدمير أهداف، تقول عنها البيانات إنها أماكن للإيواء، وأحيانًا لا تذكر ماهيّتها.
عادة ما يرتبط ذكر الضربات الجوية بمقتل عناصر تصفها البيانات بـ "الإرهابية"، إضافة إلى التأكيد على "توافر معلومات استخباراتية حول ماهيّة الأهداف التي تم توجيه الضربات إليها".
وبدرجة أقل تُذكر القوات الجوية مقترنة بأعمال التأمين، كما أن أغلب المرات التي ذُكرت فيها القوات الجوية كانت مرتبطة بمقتل عناصر مسلّحة لا تذكر ظروف مقتلهم، وهي الضربات التي أكد المتحدث العسكري في أكثر من مناسبة ابتعادها عن المناطق المأهولة بالمدنيين، إلا أن البيانات تخلو من ذكر مواقع الضربات.
.. و33 شرطة
وتأتي قوات الشرطة بعد القوات الجوية وقوات حرس الحدود بواقع 33 مرة، باستبعاد المرات التي ذكرت فيها القوات الشرطية كجزء من ديباجة البيانات.
ويرتبط ذكر الشرطة عادة بأعمال المداهمات وتبادل إطلاق النار بين قوات إنفاذ القانون والتنظيمات المسلّحة خاصة في مدينة العريش، وغالبًا ما يذكر عدد من العناصر المسلّحة المقتولة والمقبوض عليها والعتاد المتحفظ عليه معهم مع ذكر عملية المداهمة أوتبادل إطلاق النار أو العملية الاستباقية التي أشرفت عليها الشرطة.
ويرد ذكر الشرطة أيضًا في مهمّات تأمين الحدود وتنظيم الكمائن والدوريات الأمنية المفاجئة بالتعاون مع القوّات المسلّحة.
.. و29 مرة مهندسين
يأتي ذكر المهندسين العسكريين بعد الشرطة بواقع 29 مرة، مرتبطًا باكتشاف وتفجير العبوات الناسفة المزروعة من قبل التنظيمات الإرهابية في مناطق العمليات، وتدمير الملاجئ وفتحات الأنفاق، ومن بعدهم يأتي ذكر القوات البحرية التي يرتبط ذكرها بتأمين الحدود البحرية، بينما ارتبط ذكرها مرة واحدة بإحباط عملية تهريب المخدرات عبر سفينة بحرية. ومن بعدها قوات المدفعية التي لم تُذكر في البيانات سوى 6 مرات مرتبطة بقصف أهداف بالتوازي مع عمل القوات الجويّة.
التسليح
لا تفصّل بيانات أو تصريحات المتحدّث العسكري أية معلومات عن العتاد المستخدم من قبل قوات الأمن في العمليات، لكن أحمد كامل البحيري، الباحث المتخصص في الإسلام السياسي والتطرف بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، فيقول إن الفيديوهات المتوفرة عن العملية الشاملة توضّح اعتمادًا كبيرًا على الطائرات بدون طيّار "لا نملك معلومات حول ما إذا تم استخدامها في العمليات السابقة لعدم توافر فيديوهات لتلك العملية، لكن هناك صفقات سلاح عقدتها مصر لشراء طائرات بدون طيًار أغلبها قادم من الصّين".
يشير البحيري أيضًا إلى صفقات سلاح مصرية لشراء سيارات مضادة للعبوات الناسفة من الولايات المتحدة، وهي سيارات استخدمها الجيش الأمريكي في عملياته في أفغانستان، ودخلت 3 دفعات من هذه الصفقة إلى مصر، لكنه أيضًا لا يملك معلومات ما إذا كانت استخدمت بالفعل أم لا في العمليات.
ضربتان استباقيتان
في البيانات المتاحة، ذكرت كلمة عملية استباقية مرتين، الأولى في أكتوبر/تشرين الأول 2018، والثانية في يناير/كانون الثاني 2019 والعمليتان كانتا من تنفيذ الأمن الوطني في مدينة العريش، وعلى الرغم من عدم ذكر أية تنفيذ أية عمليات استباقية ضد التنظيمات المسلحة، خاصة في شمال ووسط سيناء، إلا أن خبرًا لزيارة السيسي في مارس/آذار 2018 لإحدى القواعد الجويّة أشاد فيه الرئيس بالضربات الاستباقية المنسّقة بين الشرطة والقوات المسلّحة والنجاحات التي تحققها في تتبع الخلايا الإرهابية.
وذكرت كلمة إحباط 15 مرة في البيانات، مرتبطة 11 مرّة بمحاولات اختراق للحدود، مقابل ثلاث مرات بعمليات تهريب، ومرة واحدة بعملية إرهابية.
بحسب البحيري، والذي تحدّث مع المنصة عبر الهاتف، فإن العملية الشاملة تختلف عن سابقاتها في عدّة عوامل تخص الشكل والمضمون "بناءً على المعلن من المتحدث العسكري، العملية دي مختلفة عن نسر 1 و2 وحق الشهيد 1-4 من حيث عدد القوات المشتركة في هذه العملية، تقريبًا أغلب القوات مشاركة في هذه العملية، سواء بحرية أو جوية أو دفاع جوي أو غيره".
يضيف البحيري "الجزء الثاني متعلّق بنطاق العملية وعلى الرغم من أن اسمها سيناء 2018 فهي تشمل المنطقة الغربية مع سيناء".
إضعاف صفوف "الولاية"
يقول البحيري إن نواتج العملية توضّح قدرتها على إضعاف تنظيم ولاية سيناء "الصف الأول والثاني من قيادات التنظيم تقريبًا تم القضاء عليه. وانحصر التنظيم داخل بؤر في شمال سيناء، وبالقياس على يوليو 2015 أو 2016؛ فإن التنظيم كان يسيطر على مساحات جغرافية في قرى تابعة للشيخ زويّد والعريش وعلى الحدود المصرية مع الأراضي المحتلة، الآن لا يوجد سيطرة جغرافية تقريبًا، لكن فيه تواجد".
هذه النتيجة هي ما تدفع البحيري للقول إن "العملية وإن أضعفت التنظيم لكنها لم تقضِ عليه، لعوامل عدّة أغلبها مرتبط بالأوضاع الأمنية في عدّة دول عربية مجاورة كليبيا وسوريا، والحالة السياسية للدول العربية عامة".
520 قتيل و162 إجمالي حالات القبض
بجمع الأرقام المنشورة في 31 بيانًا عسكريًا عن العملية؛ نجد أن القوات المسلّحة المصرية قتلت 520 فردًا قالت إنهم "إرهابيون"، وقبضت على 7970 شخصًا، وصفت 162 منهم بـ "الإرهابيين"، وأفرجت عن أكثر من 1447 شخصًا بعد التأكد من عدم تورطهم في أعمال إرهابية أو جنائيّة، بينما ورد أن الفارق بين الرقمين هم "من المشتبه بهم" فيما لا يرد تفسير لمصيرهم.
أرقام أكبر
الفجوة بين الأرقام عند جمعها وتصنيفها تشير إلى أنه من المرجح أن تكون الأرقام أكبر على أرض الواقع، ليس على مستوى أعداد المقتولين والمقبوض عليهم والمفرج عنهم والمشتبه بهم فقط، ولكن أيضًا الأرقام الخاصة بالأهداف المدمرة والعتاد المضبوط والمتحفّظ عليه.
عادة ما تذكر البيانات القبض على أشخاص أو قتلهم دون ذكر عدد معيّن وهو ما لم نستطع جمعه في "الإنفوجرافس" السابقة.
يقول البحيري في حديثه مع المنصة، إن القوات المسلّحة استطاعت إحكام السيطرة على الحدود، وهو ما أضعف قدرة التنظيم على تهريب الأسلحة والأفراد.
ويرى أن مجزرة الروضة كانت سببًا أساسيًا في قدرة القوات المسلحة والشرطة على تحقيق جزء كبير من أهداف العملية "الحادث جعل السكّان المحليين أكثر تعاطفًا مع الأمن. القوات بتضرب هدف، عشان أضرب الهدف ده لازم يكون فيه معلومة، والمعلومة بتيجي من أجهزة المخابرات بالتعاون مع البيئة المحلية".
المقارنة
تصعب المقارنة بين خسائر القوات المسلّحة والشرطة من ناحية، والمسلحين من ناحية أخرى، بحسب البحيري، الذي يعتقد أن أعداد القتلى والمصابين في صفوف قوات الأمن لن تعلن كلها في البيانات الـ 31 "أعتقد أن ذلك يعود لعدم إحباط الروح المعنوية لأفراد الجيش".
يعتقد البحيري أن خسائر القوات المسلحة والشرطة تنخفض بمرور الوقت، مستخدمًا في ذلك المقارنة مع السنوات السابقة لـ 2018، خاصة عام 2015 الذي يعتبره "أسوأ الأعوام من حيث الخسائر الملحقة بالقوات المسلّحة.. في 2015 كان كل شهر تقريبًا فيه عملية بيسقط فيها شهداء كتير. لكن في 2018 ماكانش فيه غير عمليتين تقريبًا اللي ممكن نقول عليهم عمليات كبرى".
اقرأ أيضًا: عام على العملية سيناء 2018.. ماذا حدث ومَن انتصر؟