مرر البرلمان أمس الأحد اقتراحات لتعديل الدستور، التي قدمها تحالف "دعم مصر"، من بينها تغيير المادة 140، من أجل زيادة فترة ولاية رئيس الجمهورية إلى ست سنوات بدلًا من أربعة، بجانب اقتراح أن يكون الجيش حاميًا للديمقراطية والدستور، بالإضافة إلي إدخال تعديلات على طريقة اختيار رؤساء الهيئات القضائية.
جاءت التعديلات وسط تصريحات مؤيدة لها أحدها من زعيم الأغلبية البرلمانية، عبد الهادي القصبي، والذي قال إن مُقترح مدّ فترة الرئاسة لست سنوات يأتي "تطلعًا لاستمرارية الاستقرار واستكمال الخطط التنموية".
وبجانب ترحيب القصبي؛ خرجت تصريحات أخرى من أحد المشاركين في وضع الدستور الحالي، قال فيها إنه دستور "تم إقراره في ظروف صعبة، وتعديله حق حصري"، وهو ما تكرر تقريبًا في تصريحات برلمانيين مثل محمد أبوحامد، وأعضاء في لجنة الخمسين مثل السفيرة ميرفت التلاوي، أكدت أن "تحديد مُدة الفترة الرئاسية بأربع سنوات لا يتناسب مع الظروف التي تشهدها مصر"، فضلًا عن مقالات بصحف حكومية تعتبر الأمر أحد جوانب "الإصلاح السياسي".
وتأتي جميع تلك التصريحات، لتُذكّر بأخرى مُشابهة وجهها سياسيون منتمون للحكومة والحزب الوطني المنحلّ إلى الشعب قبل أكثر من عقِد كامل حين أقدم نظام مبارك على تعديل الدستور عام 2005.
تلك الأيام
في سبتمبر/ أيلول من العام 2005، أعلن اسم حسني مبارك رئيسًا لمصر، بعد فوزه بأول انتخابات رئاسية تشهدها البلاد منذ تحولت عن الملكية للجمهورية عام 1952.
في ذلك الخريف، كان الرجل البالغ من العُمر، آنذاك، 77 عامًا، يتأهب لحكم مصر لست سنوات أخرى، بعد أربعة وعشرين عامًا من حكمه لمصر عبر استفتاءات على بقائه على الكرسي، قبل أن يتحول الأمر لانتخابات ترشح فيها عن الحزب الوطني الديمقراطي، وذلك بعد تعديلات أُدخلت على المادة 76 من دستور 1971.
كان تعديل المادة 76 من الدستور الخاصة بالرئيس عام 2005، بعد ضغوط مارستها الإدارة الأمريكية على النظام المصري، من أجل إجراء إصلاحات سياسية، لكنها في الوقت نفسه لم تكن ذات تأثير كبير في تغيير شخص الحاكم، نظرًا لما ورد بها من شروط ترشح للرئاسة، وإن أبدت الإدارة الأمريكية رضا عنها.
منافسة "تعجيزية"
في 28 مايو/ أيار لعام 2005، أدخل التعديل على المادة 76 من الدستور المصري، وبموجبه صار للشعب حق انتخاب الرئيس عبر الاقتراع السري المباشر، وذلك بين أكثر من مرشح، بعد أعوام من الاستفتاءات على الرئيس.
وعلى الرغم من أن التعديل سمح بالتعددية في التنافس على منصب الرئيس، إلاّ أن ما تضمنته المادة من شروط بدت تعجيزية على راغبي منافسة مُبارك، سواء من الحزبيين أو المستقلين، فيما تناولت تحليلات سياسية تلك التعديلات باعتبارها تمهيدًا لتوريث الحُكم لجمال مبارك.
ونصت المادة 76 بعد تعديلها على ضرورة أن يكون لأي حزب معارض 5% على الأقل من مقاعد البرلمان، والذي كانت أغلبيته من الحزب الوطني الحاكم، وذلك ليحق له تقديم مرشحًا للرئاسة، بينما كان شرطه للمرشح المستقل هو الحصول على تأييد 250 عضوًا من مجلسي الشعب والشورى والمحليات، والتي كانت خاضعة لسيطرة الحزب الوطني أيضًا.
وعلى الرغم من تلك الشروط، كانت الحفاوة هي ما صاحب التعديلات، تحديدًا من جانب الحزب الحاكم وقياداته، وذلك منذ أعلن مبارك في فبراير/ شباط 2005، عزمه تعديل المادة 76 من الدستور، إذ تلقّف الإعلام الرسمي الأمر باعتباره "خطوة غير مسبوقة لبدء عهد جديد علي طريق الإصلاح".
حملة رسمية
لم يقتصر الاحتفاء بتعديل المادة 76 على الإعلام الحكومي فحسب، إذ خرج رموز النظام، بين مسؤولين حكوميين ونواب منتمين لـ"الوطني الديمقراطي" بتصريحات تمتدح التعديل الذي أجري باقتراح من مبارك وموافقة من مجلس الشعب ، حيث أسماء قيادات قانونية كبيرة من الحزب مثل رئيس المجلس أحمد فتحي سرور وآمال عثمان ومفيد شهاب.
على مستوى الجهات الحكومية، كان لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، دور يلعبه في الترويج للتعديل باعتباره مطلبًا شعبيًا، إذ أعلن أن استطلاع رأي أجراه حول تعديل تلك المادة انتهى إلى أن "93% من المصريين يرحبون بطلب الرئيس مبارك تعديل الدستور".
وفي تلك الشهور التي سبقت التعديل، كان للحزب الحاكم أيضًا تحركات محمومة للترويج للأمر، وذلك عن طريق عقد ندوات تناول متحدثوها الأمر باعتباره "خطوة في طريق الديمقراطية"، وبين تصريحات إعلامية لممثليه في الحكومة مثل رئيس الوزراء أحمد نظيف الذي وصف الأمر باعتباره "يُمثل تطورًا كبيرًا وتاريخيًا لم يحدث من قبل للمصريين"، أو قياداته مثل الأمين العام المساعد وأمين التنظيم بالحزب الوطني كمال الشاذلي الذي وصف التعديل بأنه "يفتح الباب أمام إصلاحات واسعة".
ولم يكن مبارك نفسه بعيدًا عن حملة الدعاية للتعديل الدستوري، إذ نشط الرئيس الأسبق في الترويج للتعديلات عبر حوارات مع وسائل إعلام عربية وأجنبية، أكد في إحداها أن "مصر ليست جمهورية وراثية"، وبدا في أخرى غير مكترث لأمر البقاء على الكرسي، أو من خلال خطاب للشعب يدعم فيه التعديل باعتباره "يهدف إلي تثبيت دعائم النظام الجمهوري، ويعطي دفعة للتعددية السياسية".
ولم تتوقف جهود النظام، في ذلك الوقت، عند الترويج للتعديلات الدستورية، بل امتد إلى دفع المواطنين للمشاركة في الاستفتاء عليه، بطرق بلغت حد استخدام الوازع الديني، بوصف وزير الأوقاف حمدي زقزوق أيضًا، للأمر بأنه "واجب ديني أصيل وفيه صلاح وخير المجتمع".
لكن وعلى الرغم من الترويج للتعديل والاحتفاء به، عاد مبارك بعد انتخابه رئيسًا وأجرى عام 2007 تعديلًا جديدًا على المادة 76، وسط عدة مواد أخرى، دون الالتفات إلى احتجاجات ورفض أحزاب معارضة لها.