استبشرت جماهير الأهلي بالتعاقد مع لاعبها السابق رمضان صبحي من هيدرسفيلد تاون على سبيل الإعارة لمدة ستة أشهر مع إمكانية تجديد الإعارة بموافقة الطرفين؛ الأهلي والنادي الإنجليزي، حسبما قال صبحي في رسالة وداع لجماهير هيدرسفيلد تاون على حسابه الشخصي.
عودة رمضان إلى بيته القديم جاءت ضمن خطة أعلنها محمود الخطيب رئيس الأهلي لتصحيح المسار بعد خسارة الفريق نهائي دوري أبطال إفريقيا أمام الترجي التونسي، وخروجه من دور الـ 16 لكأس زايد للأندية العربية الأبطال أمام الوصل الإماراتي. وبات صبحي رابع لاعب يضمه الأهلي في الانتقالات الشتوية الحالية بعد محمود وحيد لاعب المقاصة، ومحمد محمود لاعب دجلة والمنتخب المصري، وجيرالدو دا كوستا لاعب أول أغسطس الأنجولي.
https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2FRamadanSob7i%2Fphotos%2Fa.935661283244870%2F1598652180279107%2F%3Ftype%3D3&width=500مجلس الأهلي الرابح الأكبر
تبدو صفقة رمضان مفيدة للفريق من الناحية الفنية؛ فالأهلي كان في حاجة إلى دعم في مركز الجناح المهاجم الذي يجيده رمضان. وكذلك من الناحية المعنوية لأن اللاعب الشاب الذي ارتدى قميص الشياطين الحمر للمرة الأولى عام 2014 يصنف دائمًا أنه من "أصحاب الشخصية القوية" التي تتحمل الضغوط داخل الملعب، وهو أمر افتقده الفريق في الفترة الأخيرة. وهي أيضًا صفقة مهمة لمجلس الأهلي الذي يحاول مواجهة تآكل شعبيته وتراجعها بصفقاتٍ قوية ترفع أسهمه لدى الجماهير الحمراء الغاضبة.
هذا بالنسبة للأهلي، لكن ماذا عن رمضان صبحي. هل سيستفيد اللاعب الشاب حقًا من العودة إلى بيته القديم الذي نشأ وتدرج في صفوفه؟ وإلى أي مدى تكون تلك الاستفادة؟
.. وماذا عن رمضان نفسه؟
الإجابة الأكثر شيوعًا على هذا السؤال هي: نعم، بالتأكيد سيستفيد رمضان؛ ثقته التي تبخرت في العامين الماضيين ستعود إليه مرة أخرى، مع الأهلي سيهجر مقاعد البدلاء ويلعب أساسيًا وبإمكانه العودة إلى منتخب مصر بعد أن سقط تمامًا من حسابات خافيير أجيري المدير الفني الجديد للفراعنة. وبعد انتهاء الإعارة سيعود رمضان إلى هيدرسفيلد جاهزًا للموسم الجديد.
الكلُ كسبان وفقًا لهذه الإجابة. الأهلي سيمنح رمضان فرصة جديدة ليستعيد بريقه. واللاعب سيساعد الفريق على تجاوز كبوته المحلية. لكنّ هذه الإجابة التي تبدو نموذجية تحتاج إلى تدقيق فيما يخص الفائدة التي ستعود على اللاعب الشاب. لأن عودة رمضان إلى مصر التي يراها كثيرون أشبه بفترة إعادة تأهيل حتى يصبح قادرًا على استكمال مشواره الأوروبي لاحقًا، قد تكون في الوقت نفسه بمثابة إعلان نهايةِ هذا المشوار بشكل دائم ولا رجعة فيه.
الأحلام تتبخر
هل تذكر الأحلام العريضة التي رافقت خروج رمضان صبحي من مصر إلى ستوك سيتي قبل عامين ونصف؟ كنا ننتظر أن يكتب فصلًا مهمًا في تاريخ الكرة المصرية. أن يخطو بنا إلى الأمام وينتقل إلى أكبر أندية العالم. أذكرُ أن كثيرين كانوا ينظرون إلى ستوك سيتي بعين الاحتقار. وكان لسان حالهم يقول: لماذا لم ينتقل إلى آرسنال أو مانشستر يونايتد أو تشيلسي. وكان يتردد وقتها أن ستوك سيتي سيكون مجرد بوابة يُقدَّم من خلالها رمضان إلى الكرة الأوروبية، وسينتقل في الغد القريب إلى فريق أكبر.
واليوم يعود رمضان إلى مصر بعد عامين ونصف لم يقدم خلالهما شيئًا. عجز عن المشاركة بشكل منتظم مع ستوك سيتي ثم انتقل الصيف الماضي إلى هيدرسفيلد. ولم يشارك مع الفريق الذي يتذيل حاليًا ترتيب أندية الدوري الإنجليزي، إلّا 75 دقيقة فقط في النصف الأول من الموسم الحالي.
لماذا تعثّر رمضان؟
يُذكر العديد من الأسباب في سياق الإجابة عن هذا السؤال. يرجع البعض السبب إلى صِغر سن رمضان. فحين حط الرحال في ستوك كان عمره 19 عامًا فقط ولم يكن يمتلك الخبرة اللازمة لمثل هذه التجارب. البعض يقول إنه واجه صعوبة كبيرة مع ستوك لأن مدربه مارك هيوز رجل ذو عقلية دفاعية ولم يستفد من إمكانات اللاعب بالشكل الأمثل.
وهناك من يقول، وأنا أدعمهم، إن الانتقال من مصر إلى إنجلترا مباشرة دون خطوات انتقالية في منتصف الطريق كان سببًا رئيسًا في ظهور رمضان بهذا الشكل الباهت. وهناك من يتحدثون عن الثقة، وهم كُثُر، يقولون إن جلوس رمضان على مقاعد البدلاء جعل اللاعب الشاب يفقد ثقته في قدراته لذلك عاد مجددًا إلى مصر بحثًا عن تلك الثقة المفققودة.
قد تكون كل الأسباب السابقة صحيحة، لكنّها ليست وحدها السبب فيما آل إليه رمضان. هناك قبل كل هذا سبب رئيس لهذا التعثر المُحبِط لنجم الأهلي والمنتخب المصري..
الخلطة المصرية
من بين طرق عديدةٍ، سلك رمضان طريقًا مختصرًا إلى قلوب الجماهير. اتسم أداؤه بالقوة والجمال. اعتمد على مجموعة من المراوغات المكررة استند فيها إلى قوته الجسدية وسرعة حركة قدميه. ورغم تكرار المراوغات في كل مباراة إلّا أن الوصول إلى الكرة وهي بين قدميه كان أشبه بالمستحيل. الفوارق بين رمضان وأغلب مدافعي الدوري المحلي كبيرة لا يمكن إنكارها أو التغافل عنها.
كذلك استقر رمضان في قلوب كثير من الجماهير الأهلاوية حين ظهر في كثير من المواقف كمشجع متعصب للفريق قبل أن يكون لاعبًا محترفًا، ولا ننسى حركته الشهيرة حين قرر الوقوف على الكرة في مباراة الزمالك استفزازًا للاعبي الخصم، وكررها بعد ذلك غير مكترث بأي انتقادات.
ميراث ضعيف لكن صاخب
توارت خلف القوة والجمال والشعبية الكبيرة أمور أخرى أهمها الفاعلية واللعب المباشر على المرمى، فعلى سبيل المثال لم يسجل رمضان مع الأهلي خلال 55 مباراة خاضها بالدوري المحلي قبل احترافه إلا 11 هدفًا فقط، وصنع تسعة أهداف آخرين. وتوارى أيضًا المنطق والعقل أمام حفلات الاحتفاء المبالغ فيه بقدرات رمضان تلك التي شاهدنا خلالها مدربون ونقاد يتحدثون عن قدرة رمضان ابن الـ 19 عامًا على اللعب أساسيًا في أندية بقوة ريال مدريد.
هذا هو السبب الأول والرئيس في تعثّر تجربة رمضان الاحترافية؛ الإرث الثقيل الذي حمله معه من مصر إلى أوروبا. التضخيم المبالغ فيه دون إدراك حقيقي لصعوبة وقوة المنافسات التي هو مقبل عليها. حمل رمضان معه عنادًا كرويًا فريدًا جعله مُصرًا على محاولة النجاح في أوروبا بالمعايير المحلية.
يحاول تكرار نفس المراوغات فينجح مرة ويتعثر مرات كثيرة لأن الفوارق كبيرة جدًا بين لاعبي الدوري المصري والدوري الإنجليزي فنيًا وبدنيًا. بدا رمضان صلبًا أمام محاولات التغيير متمسكًا بجذوره الكرويّة أشد التمسك كمن يذهبون إلى أوروبا والخوف يحاوطهم من الانجراف إلى عادات وتقاليد الغرب فيبالغون في العزلة والانغلاق ويكرهون كل جديد.
خطوة للخلف ضائعة
وحين هبط ستوك سيتي إلى الدرجة الأدنى لم يحاول رمضان ووكيله تصحيح المسار باتخاذ خطوة إلى الخلف والانتقال إلى دوري أوروبي آخر أضعف قليلًا من الدوري الإنجليزي، بحث بعنادٍ عن منفذ جديد في الدوري الإنجليزي الممتاز أيضًا وانتقل إلى هيدرسفيلد في محاولة لتصحيح المسار لكنّ هذه المحاولة فشلت هى الأخرى ولم يشارك اللاعب إلا في أربع مباريات فقط لعب خلالها 75 دقيقة فقط.
وحتى في تلك الدقائق القليلة التي شارك فيها صبحي هذا الموسم ظهر بالشخصية ذاتها. كان شبيهًا بتاجر مُفلسٍ لا يملك إلا سلعة واحدة هجرها الناس وزهدوا فيها لكنّه رغم ذلك يحبها ويصر على أنه لن يبيع غيرها.
ومن هنا، فإن العودة إلى الدوري المصري، بالنسبة لي، هي عودة إلى منشأ الأزمات ومصدرها الرئيس. في مصر سيجد رمضان مساحة كبيرة لتكرار المراوغات عينها، سيجد منافسين يسهل التفوق عليهم، وجماهيرًا توّاقة إلى من ينتزع منها الآهات.
الظهور الأول لرمضان
إذا تابعنا أداء رمضان في مباراة الأهلي أمام بيراميدز التي خسرها الفريق الأحمر بهدفين مقابل هدف وشهدت الظهور الأول للاعب سنتأكد من ذلك. سنجد أننا أمام نسخة مطابقة من تلك التي رحلت عن مصر قبل ثلاثين شهرًا. لم يتغير شيء واحد في أداء اللاعب.
في مباراته الأولى عقب العودة؛ ما يزال رمضان صبحي محتفظًا بقوته البدنية ولمساته المميزة التي جعلته السلعة الأغلى في السوق المحلي، ومحتفظًا معهما بمراوغاته المتكررة المحفوظة عن ظهر قلب وتحركاته في مساحات محدودة من الملعب. مثلًا، نجح رمضان في التفوق على رجب بكار الظهير الأيمن المميز لبيراميدز في الدقائق الأولى من المباراة في أكثر من كرة مشتركة بسبب الفارق البدني الهائل بينهما.
كان بكّار يخشى الاقتراب للغاية من رمضان تحسبًا لمهاراته الفائقة، واستغل رمضان الأمر في التمريرة المتقنة التي وصلت علي معلول ليصنع منها الأخير هدف الأهلي الوحيد، لكن بمرور الدقائق قرر رمضان أن يعيد الكرة ويحاول تخطي اللاعب بطريقة مكررة؛ يستلم الكرة ويستعين بجسده القوي لإبعاد بكار عنها ثم يستدير وينطلق، نجح رمضان مرة وأخفق مرات عديدة لأن ظهير بيراميدز تفطّن بمرور الوقت إلى ضرورة عدم ترك أي مساحة لرمضان ليستدير بالكرة.
رجل الاستعراضات
ظهر رمضان متمسكًا بالنزعة الجمالية التي تتحول في أحيان كثيرة إلى رغبة في الاستعراض كلما أتيحت له الفرصة. ومنها على سبيل المثال الكرة التي وصلته من أحد لاعبي بيراميدز عن طريق الخطأ في الدقيقة 35 وكان الأهلي متقدمًا حينها بهدف نظيف. وبدلًا من استلام الكرة ومحاولة بدء هجمة مرتدة قرر رمضان الاستعراض وقام بتفويت الكرة بشكل انتزع آهات الجماهير ليحصل الفريق على رمية تماس!
بهذه الطريقة لن يكون رمضان قادرًا على التخلص مطلقًا من هذا الإرث الذي أثقله وكتب لرحلته الاحترافية التعثر في بداياتها. ستتوغل تلك العادات الكروية الكريهة في أعماقه حتى يصير الفكاك منها أقرب إلى المستحيل. وقتها سترضى عنه الجماهير في مصر وسيبالغ المادحون في مدحه لكنه حين يعود إلى أوروبا سيتكشف أنه في أشدّ الحاجة إلى التخلص من كل هذا.
وكان الأحرى برمضان إذا أراد لرحلته أن تستمر طويلًا أن ينتقل إلى نادٍ آخر في أوروبا في بطولة أضعف قليلًا من الدوري الإنجليزي بحيث تتاح له فرصة جديدة للتألق في أوروبا يعود بعدها إلى إنجلترا مجددًا، وسبقه إلى ذلك محمد صلاح حين رحل عن تشيلسي وانتقل إلى الدوري الإيطالي ثم عاد بعد سنوات إلى البريميرليج أقوى مما كان.
وإذا لم ينتبه رمضان إلى حاجته إلى التطور والتخلي عن كثيرٍ من قناعاته الكروية الراسخة للاستمرار في أوروبا، فلن تكون الأشهر القليلة التي يقضيها في مصر حاليًا إلا بمثابة محاولة جديدة لإعادة تدوير وإنتاج الفشل والتعثر الكروي لكن في حلة جميلة وبرّاقة.