نُشر هذا التحقيق بالإنجليزية في موقع وايرد المتخصص في صحافة التكنولوجيا
كان مهندس تسلا الشاب متحمسًا. بل كان نشوانا. حدث ذلك ذات سبت في أكتوبر/ تشرين أول في 2017، وكان يعمل يومها في الجيجافاكتوري، مصنع تسلا الهائل لإنتاج البطاريات (بطاريات الليثيوم أيون) في نيفادا.
خلال العام السابق على هذا اليوم، كان المهندس يعتاش على محتويات حقيبة يد يحملها، يعمل 13 ساعة يوميًا طوال أيام الأسبوع السبعة. كانت هذه أول وظيفة حقيقية يحصل عليها. واليوم؛ تتبعه زميل ليقول له إن إيلون ماسك بحاجة لمساعدته الشخصية.
في العام السابق (2016)، أطلق ماسك تصريحًا طائشًا: شركته المعروفة أو بالأحرى التي اكتست هالة قداسة مُنزَّهة لتصنيعها سيارات فارهة تعمل بالكهرباء، ستبدأ قريبًا في صنع سيارة سيدان عائلية بمبلغ لا يتجاوز 35 ألف دولار (حوالي 630 ألف جنيه مصري) ما يجعلها في متناول الطبقة الوسطى. كان أمل شركة تسلا أن تُحدِث من خلال الموديل 3 نقلة تُغيِّر من صناعة السيارات، عبر إثبات أن الإنتاج الضخم لسيارة غير مُلوِثة للبيئة وبسعر معقول، ليس فقط بسيطًا وممكنًا؛ بل هو مربح أيضًا. لو نجح النموذج فإن السيارة ستساعد على إنهاء الإدمان البشري للوقود الحيوي (البترول والغاز)، وتبطئ من التغير المناخي، وتُظهِر أن الإبداع والطموح بإمكانهما تحقيق أي شيء تقريبًا.
ولكن؛ خلال سنة من ذلك الإعلان، كان العمل على السيارة متأخرًا جدًا عن الجدول الموضوع. كانت هناك مشاكل في تصنيع البطاريات، وبناء الأجزاء وتطوير خطوط التجميع. كان هدف تسلا هو بناء 5000 سيارة في الأسبوع، ومؤخرًا كانت الشركة تنتج حوالي ثلاث سيارات في اليوم.
لأشهر طويلة، ظل العاملون في الجيجافاكتوري ومقر تسلا الرئيس في بالو ألتو، وكذلك العاملين في مصنع التجميع في فيرمونت- كاليفورنيا، يعملون بجدية شديدة حتى يلاقوا الجدول الموضوع.
كان ماسك نفسه يقضي نهاية الأسبوع في الجيجافاكتوري محاولًا اكتشاف سبب توقف الماكينات عن العمل بالكفاءة المطلوبة، لماذا لا تنتظم الأجزاء أثناء التجميع بالشكل المطلوب، ولماذا ينهار نظام التشغيل. طالب ماسك بأن تصير مصانعه مُأتمَتة (تدار أوتوماتيكيًا/ أليًا دون الاعتماد على العنصر البشري) لأقصى درجة ممكنة. ولكن كانت عاقبة هذه الروبوتية القُصوَى؛ أن حدثت تأخيرات وأخطاء تشغيل. أنفقت تسلا ما يزيد على مليار دولار لبناء الجيجافاكتوري، ولم يكن هناك أي شيء تقريبًا يسير وفقًا للخطة.
في حوالي العاشرة من مساء يوم السبت ذاك؛ كان ماسك الغاضب يختبر أحد خطوط الإنتاج المُأتمَتة بالكامل، محاولا معرفة سبب الأعطال، عندما جرى استدعاء المهندس الشاب المتحمس الذي بدأت به قصتنا لمساعدته.
صاح ماسك بالمهندس "يا زميل، هذا الشيء لا يعمل" ووفقًا لواحد ممن سمعوا المحادثة أكمل ماسك "هل أنت من قام بهذا؟" فوجئ المهندس بهذا الموقف، لم يكن الشاب قد قابل ماسك من قبل، لم يكن ماسك حتى يعرف اسمه، لم يكن الشاب واثقًا ما الذي يسأل عنه ماسك بالضبط، ولِمَ بدا صوته غاضبًا إلى هذا الحد.
سأل المهندس "أتقصد برمجة الروبوت؟" فسأل ماسك "هل قمت بهذا الخراء؟" فأجاب الشاب بلهجة معتذرة "لست متأكدًا إلَمَ تشير تحديدًا" فصرخ ماسك "أنت غبي بشكل لا يُحتَمل، غُر من هنا ولا تعد إلى هذا المصنع ثانية".
توجّه المهندس الشاب نحو حاجز أمني قصير وتخطاه. كان مُبَاغتًا بما حدث للتو. لقد استمر الحوار كاملًا لأقل من دقيقة، وبعد بضع دقائق أخرى جاء مديره ليبلغه أنه مفصول بناء على أوامر من ماسك، وذلك وفقًا لشخصين على معرفة بالموقف. كان المهندس مصدومًا. لقد كان يعمل بتفاني. وكان من المنتظر أن يكون تقرير مديره عنه -وموعده الأسبوع التالي- مليئًا بالتقييمات الإيجابية. ولكن عِوضًا عن ذلك؛ وبعد يومين اثنين، قام بتوقيع أوراق التسوية.
بعد عدة أسابيع، وفي صباح يوم أربعاء، عاد ماسك إلى الجيجافاكتوري في طائرته الخاصة. لقد بدأت تسلا في فصل العديد من موظفيها لأسباب تتعلق بالأداء، انتهى الأمر بفصل أكثر من 700 شخص. كان من المقرر أن يتحدث ماسك مع عمال المصنع، أن يُلهِمَهُم لمواصلة العمل خلال ما تنبأ ماسك بأنه "جحيم تصنيع". مصنع الجيجافاكتوري كان بحاجة إلى إصلاحات واسعة؛ لم يكن من الممكن أبدًا أن ينتج 5000 بطارية (لتسيير السيارات المطلوبة) في الأسبوع خلال أي وقت قريب.
عندما وصل، بدأ ماسك يتجول في المصنع. سار بجوار خط التجميع، كان وجهه محمرًا ويوحي بالخطورة، يستجوب من يصادفه من العمال، يقول لهم إن تفوُّق تسلا، تضاءل إلى مجرد تخط للاختبارات بالكاد، وإنهم يفشلون؛ وإنهم ليسوا بالذكاء الكافي لإيجاد حلول لتلك المشكلات ويعرِّضون الشركة للخطر. نقل لنا هذا الكلام شخص كان يراقب الموقف.
كان الموظفون يعرفون بهذه الاندفاعات المفاجئة. أحيانًا كان ماسك ينهي عمل أشخاص، وفي أحيان أخرى يكتفي بالتنمُّر عليهم. أحد المديرين كانت لديه تسمية لهذه الانفجارات المفاجئة: "نوبات الفصل الغاضبة لماسك". لقد منع هذا المدير العاملين التابعين لإدارته من المرور أمام مكتب ماسك في الجيجافاكتوري خوفًا من احتمالات وقوع واحدة من تلك النوبات؛ قد تكون سؤالًا غير متوقع يتلقى عنه (ماسك) إجابة خاطئة، سببًا في إنهاء عمل أحدهم.
بعدما قام ماسك بجولة في المصنع لبعض الوقت، سحبه المسؤولون إلى غرفة المؤتمرات، جون ماكنيل أحد كبار نوابه قال له "أعتقد أنني أستطيع حل هذه المسألة"، وفقًا لما نقله لنا شخص سمع المحادثة. حاول ماكنيل أن يهدئ ماسك، مرددًا مثلًا سمعه ذات مرة "لا يمكن لرجل أن يعثر على فكرة جيدة بينما يجري هربًا من نمر يطارده". في هذه اللحظة كان ماسك نفسه هو النمر. (متحدث باسم ماكنيل قال لنا إنه لا يريد المشاركة في تقريرنا هذا).
لكن ماسك كانت لديه اسباب أخرى للقلق؛ "ما هذه الرائحة؟" لم يرد عليه أحد. كانوا يعرفون أن ماسك حساس جدًا تجاه الروائح، حتى أن الموظفين كانوا لا يستخدمون العطور أو الكولونيا عندما يقابلونه. لقد رأوه يصاب بنوبات ضيق بسبب أمور صغيرة كهذه، رأوه أثناءها يتهم تنفيذين بأنهم قليلي الكفاءة أو غير جديرين بمواقعهم. شرح أحدهم أنه كانت هناك حاويات للسليكون السائل على مقربة من مكان وقوف ماسك. هذا السيليكون السائل كان يُصدِر رائحة كالبلاستيك إذا تم تسخينه. قال ماسك"هذه الانبعاثات ستتسب في قتل ناس". كانت تلك الأبخرة ستقتله.
عادت المجموعة لإصلاح مشكلات الجيجافاكتوري. وفي النهاية جاء دور ماسك في إلقاء كلمته. غادر الحجرة وتوجه نحو منصة مُرتَجَلة. قال للعمال "الموديل 3 كان دومًا شيئًا صعبًا". لكنه كان مع مرور الوقت يُظهِر صعوبة أكبر مما تخيله أي أحد. شكر الموظفين على عملهم ثم حذرهم من أن هناك المزيد من الصعوبات في الطريق. كان على تسلا أن تحتفظ بمعاييرها العالية للنجاح. هي ليست شركة يعمل بها موظفو "من 9 إلى 5" – (مصطلح أمريكي للإشارة للوظائف المكتبية الخالية من الإبداع)-. كان الناس يعملون بجدية بالفعل، والآن كان ماسك يقول إنهم بحاجة لتقديم المزيد. كان في خطبته يتنقل بين المجاملة والغرابة المحرجة والعصبية. الموديل 3 كان يمثل تحديًا للشركة –كما قال-، كل الناس عليهم أن يعملوا بجدية أكبر وذكاء أكثر.
ثم غادر ماسك المنصة. التنفيذيون الباقون تجمعوا من جديد في غرفة المؤتمرات ليواصلوا العمل على قائمة من مشكلات الجيجافاكتوري. ووفقًا لواحد من المشاركين؛ غادر ماسك.. والآن، إلى مهمة أخرى.
بعد ثمانية أشهر من هذه الزيارة، أعلنت تسلا أنها تمكنت من تحقيق هدفها بإنتاج 5000 سيارة من نموذج 3 خلال أسبوع واحد. وبعد ثلاثة أشهر أخرى، قال التقرير المالي إن الشركة حققت أرباح بلغت 312 مليون دولار، متجاوزة توقعات سوق الأسهم. بدا وكأن ماسك – مرة أخرى- استطاع انتزاع نصر جديد من بين فكي الكارثة، مثبتًا أن منتقديه أخطأوا في تقديرهم، من خلال طموحه وقوة إرادته الهائلة. لكن الطريق نحو ذاك النصر كان عاصفًا أكثر مما تخيله أي أحد.
ورغم كل هذا، فإن ماسك يثور عندما يجد أن كل شيء يمضي بسلاسة كما يريد، يقول تنفيذي سابق عمل مع ماسك عن قرب خلال السنوات العشر الماضية "كان محاطًا بمجموعة من الناس الذين يعرفهم ويثق بهم، ممن عملوا معه لوقت طويل، وكانوا يعرفون جيدًا كيف يعارضونه. كان يستمع إلينا عندما نقول إن عليه أن يخفض من توقعاته. لكن جاءت مسألة الموديل 3 وبدأ الجميع في المغادرة، وهنا بدأ كل شيء في الانهيار".
قبل الكارثة
في صباح الحادي والثلاثين من مارس/ أذار 2016، غادر ماسك منزله في لوس أنجيليس وقاد سيارته نحو معرض تسلا قريب في سينتري سيتي. كان هذا هو اليوم الأول لحجز سيارات الموديل 3. لو مضت خطة ماسك كما قَدَّر لها، فإن السيارة متوسطة السعر ستبيع ملايين القطع وتُحدِث ثورة في عالم النقل. لم يكن التصنيع سيبدأ قبل عام على الأقل من ذلك الموعد، لكن المشترين الذين كانوا مستعدين لوضع 1000 دولار، كان بإمكانهم حجز سيارة.
لأسابيع، علَّق بعض موظفي تسلا الرهانات فيما بينهم بخصوص عدد من سيحجزون السيارة، بعض المتفائلين توقعوا عددًا يزيد عن 50 ألف شخص، مما سيُحدِث رقمًا قياسيًا في عالم صناعة السيارات. عندما وصل ماسك إلى معرض سينتري سيتي، وجد شيئًا مذهلا؛ حوالي 2000 شخص كانوا يقفون في طابور يلف حول المبنى وحتى ساحة انتظار السيارات. بدأ ماسك يمشي بين المتجمهرين يصافح الأيدي بحماس بينما يصيح حارسه الشخصي من وقت لآخر "غير مسموح بالسيلفي.. فقط سلام باليد"، اتصل ماسك بتنفيذيين آخرين؛ متاجر تسلا كلها كانت تشهد نفس التجمهر تقريبًا.
في نهاية اليوم، قبلت تسلا حجوزات 180 ألف شخص. وبنهاية الاسبوع، كان هناك 325 ألف شخص قد تقدموا بطلبات للحصول على سيارة من نوع الموديل 3. بدأت أسعار أسهم تسلا تتضخم. لقد باعت الشركة أقل من 150 ألف سيارة طوال تاريخها، ولكن خلال أقل من سنة كانت قيمتها السوقية قد تخطت جنرال موتورز، تلك الشركة التي تبيع أكثر من 150 ألف سيارة كمتوسط مبيعات أسبوعية.
بعد وقت قصير من فتح باب الحجز، دعى دوج فيلد نائب رئيس قسم الهندسة في تسلا إلى اجتماع للمهندسين العاملين معه، قال لهم "أنتم الآن تعملون في شركة مختلفة، تسلا الآن عليها أن تتحول من مُصنِّع صغير إلى مُنتِج ضخم. كل شيء تغيّر". كان فيلد نفسه ترسًا مهمًا في عملية سير الإنتاج والتأكد من أن كل شيء سيمضي بسلاسة. كان اعتماد ماسك يتزايد على فيلد، وجون ماكنيل مدير المبيعات في تسلا، والذي تولّى أيضًا مسؤولية التسويق والتوصيل وخدمات ما بعد البيع، اعتمد (ماسك) عليهما لمتابعة قوة عمل الشركة التي تنمو بشكل متسارع.
كلٌ من فيلد وماكنيل كانا مديرين ذوا حيثية، يتمتعان بالاحترام في وادي السليكون ولدى العاملين في تسلا. هما ومعهما آخرون، تم توظيفهم لخبراتهم ولأن الإشراف على شركة يعمل بها عشرات الآلاف من الموظفين بدءًا بمن يعملون بالساعة ووصولًا لحَمَلَة الدكتوراه؛ يتطلب ما هو أكثر من عبقرية وإرادة قوية.
كان فيلد معروفًا بأنه شخص حريص على التخطيط الدقيق والالتزام. لقد حصل على شهادات علمية من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا MIT (أرفع كلية تكنولوجية في العالم)، وساعد في بناء سيارات بشركة فورد. جاء إلى تسلا في عام 2013 بعد عمله في أبل. قال فيلد في 2015 "كان ترك أبل أصعب قرار وظيفي اتخذته. لكن الأمر كان متعلقًا بالرسالة. بدا الأمر فرصة للتحول عن كل شيء صنعته في مسيرتي الوظيفية". رفض متحدث باسم فيلد مناقشة الفترة التي عمل بها في تسلا.
ماكنيل الذي عمل كمستشار لشركة باين آند كومباني (واحدة من أكبر شركات الاستشارات الاقتصادية والاستثمارية)، والذي أنشا بنفسه 4 شركات من قبل، انضم إلى تسلا في 2015. كان معروفًا عنه أنه مُعلِّم سخي، بنى سمعته من قدرته على خلق بيئة عمل سعيدة. قال في مقابلة صحفية عام 2012 "الجوائز التي تمنحني أكبر قدر من الرضا، هي جوائز أكثر بيئة عمل سعيدة. هل تساعدنا هذه الجوائز على أن نحصل على صفقات أكثر؟ لا أعلم.. لكنها بالتأكيد تجذب المواهب".
لم يكن لدى تسلا مدير عمليات تنفيذي، لذا أصبح فيلد وماكنيل خلال عملهما، مديريين بقوة الأمر الواقع لإدارة العمل اليومي، وقاما بتوظيف عشرات النواب والإشراف عليهم، كي يقوموا بمساعدتهم في متابعة العمل اليومي والإشراف عليه. وبحلول موعد تلقي تسلا لحجوزات الموديل 3؛ كان هذا الفريق قد أمضى بالفعل عدة أشهر في التخطيط لعملية تصنيع تلك السيارة.
تنمُّر إلكتروني
خلال السنة الماضية تلك، استطاع ماسك أن يثير إعجاب ورضا ورعب معجبيه ومنتقديه الكارهين على السواء من خلال مهاجمته للغرباء على تويتر، والتقليل من شأن من يحللون بيانات الأرباح، ووصمِه لرجل لم يقابله في حياته بأنه يشتهي الأطفال، والأكثر إثارة لردود الأفعال؛ عندما كتب على تويتر أنه يفكر في الاستقلال بشركة تسلا وتحويلها إلى ملكيته الخاصة بشراء الأسهم كلها بمبلغ 420 دولارًا للسهم، بعد "تأمين التمويل"، بينما في الحقيقة لم يكن هذا التمويل قد جرى تأمينه أبدًا.
هذه التغريدة تسببت في قيام لجنة الأمن والأسهم (هيئة رقابة أمريكية على البورصة) بمقاضاة ماسك واتهامه بالتلاعب الأمني، ومن أجل إنهاء القضية عليه أن يدفع 20 مليون دولار ويتخلي عن رئاسة الشركة.
ورغم ذلك، كل هذا لم يهدئ ماسك الذي غرد من جديد في أكتوبر الماضي؛ أن التغريدة التي كلفته 20 مليون دولار "كانت تستحق". إن النمر مطلق السراح.
لو كان من الغريب متابعة هذه الرحلة المتوحشة التي يخوضها ماسك عبر التقارير الإخبارية والسوشيال ميديا، فقد كانت الأمور أشد غرابة داخل الشركة. خلال الأشهر الستة المنقضية؛ تواصلت مع عشرات من الموظفين الحاليين والسابقين لتسلا، من كافة الأقسام تقريبًا. إنهم يصفون أجواء العمل الحماسية والمضطربة في آن، حيث قام المهندسون والمصممون الموهوبون بتقديم أفضل أعمالهم وأكثرها إثارة للفخر، وكما أوضحها تنفيذي سابق "كل فرد في تسلا، طرف في علاقة استنزافية مع إيلون". كل هؤلاء الموظفين تقريبًا تحدثوا بشرط إخفاء هويتهم، لكونهم وقعوا اتفاقيات عدم إفصاح (مع الشركة) أو خوفًا من أن يقاضيهم ماسك أو يفصلهم. حتى هؤلاء الذين لديهم أشياء إيجابية ليقولونها، طلبوا عدم الكشف عن هويتهم. أغلبهم لديهم أمنيات طيبة لتسلا، وقالوا إن تقرير الأرباح الأخير جعلهم يتفائلون بأن الشركة تصعد أخيرًا لتقف على أرضية أكثر تماسكًا.
لكن الخبرة تتدخل لتُعطِّل ذاك التفاؤل لديهم. العديد من التنفيذيين ذوي المناصب العليا تركوا الشركة خلال العامين الماضيين، وتعثّرت تسلا في تنفيذ مهام بسيطة كإنهاء السيارات المطلوبة. العمل بالشركة ينطوي على عذاب ونشوة، البعض يقول إنه أحيانا ينتقل بين الحالتين في أقصى درجاتهما خلال يوم واحد.
تلقت تسلا مُلخصًا وافيًا لما أتينا على ذكره في هذا التقرير، متضمنًا ذكر ما جرى خلال زيارات ماسك لجيجافاكتوري وفصل أحد المهندسين، قالت الشركة من خلال أحد متحدثيها إن بعض الأمور "أُضفي عليها مبالغات درامية" وأن هناك "نقاط مُضلِّلة بشكل كبير منتزعة تمامًا من سياقها". وأضافت الشركة "إيلون يهتم جدًا بمن يعملون في شركاته. ولهذا، وعلى الرغم من كون هذا مؤلمًا، أحيانًا يُقدِم على الخطوة الصعبة بفصل من يقدمون أداءً أقل من اللازم، ويضعون نجاح الشركة كلها على المحك". وبيَّنت تسلا أن ماسك كان قلقًا بخصوص راحة وأمان العاملين عندما شكا من الأبخرة (أبخرة السليكون) في الجيجافاكتوري.
ورفضت تسلا أن يقوم ماسك أو أحد أعضاء مجلس الإدارة أو أي مسؤول تنفيذي آخر في الشركة، بخلاف المستشار العام، بإجراء مقابلة صحفية مسجلة. وايرد استمعت إلى شركة محاماة مستقلة تمثل شركة تسلا وإيلون ماسك بشخصه، اعترضت شركة المحاماة تلك على تقريرنا، وهددت بمقاضاة وايرد.
في ذاك اليوم من أكتوبر 2017 الذي ألقى فيه ماسك خطبته في جيجافاكتوري، كان يلعب دور الطاغية والمُنقِذ. كانت هناك إعلانات ضخمة، واستجوابات تجعل هدفها يتصبب خوفًا، وتركيز كالليزر على تحقيق ما لم يأته أحد من قبل. خطبته أحبطت البعض، وحمّست البعض الآخر. قال لي مسؤول تنفيذي بالشركة "كان يوم أربعاء عادي في الواقع"، "استمرت الأمور على هذا النحو حتى وقت استقالتي".
إلون ماسك لم ينشئ شركة تسلا، لكنه على مستوى الأمور الأكثر أهمية "خلقها". عندما استثمر ماسك 6.3 مليون دولار في تسلا عام 2004، أصبح رئيسًا للشركة، وخلق منها كيانًا جديرًا بطموحاته. بعد وقت قليل صار مديرُا تنفيذيًا وحوَّل تسلا إلى رسالة أكثر منها شركة "الهدف الأكبر من تسلا موتورز (وسبب تمويلي لهذه الشركة) هو المساعدة على التعجيل بالتحول من الاقتصاد القائم على التنقيب عن الهيدروكاربون وحرقه؛ إلى الاقتصاد القائم على الكهرباء المتولدة عن طاقة الشمس". كتب ماسك ذلك في 2006 في وثيقة عنونها بـ"الخطة السرية الكبري لشركة تسلا للمحركات".
قال ماسك في تلك الوثيقة "لن نتوقف حتى تكون جميع السيارات التي تجري على الطرق كهربائية". كان هذا درسًا يلخص نظرته للحياة. في مقابلة سابقة مع وايرد قال "تفاؤل، تشاوم، لا يهم.. سنحقق ما نصبوا إليه والله شاهدي اللعين، سأواجه الجحيم لأحقق ذلك". قال هذا بينما كان يتحدث عن شركته الأخرى سبايس إكس.
من 2000 دولار إلى النهائية وما بعدها
لقد انبنى وادي السليكون على هذا الطموح الوحشي. قصة ماسك بالتحديد صارت مثالًا على أن الإيمان بالمستحيل يستطيع أحيانًا تحويل ذلك المستحيل إلى حقيقة. لقد وُلد في جنوب أفريقيا عام 1971، وانتقل إلى كندا بمجرد انتهائه من المدرسة الثانوية.
لم تكن لديه خطة حقيقة، ولم يملك حين وصل إلى كندا سوى 2000 دولار، ولكن بعد العمل في وظائف غريبة والالتحاق بكلية محلية، استطاع أن يلتحق بجامعة بنسلفانيا حيث درس الفيزياء والاقتصاد.
عقب تخرجه، أسس شركة مع أخيه وصديق له. كان لا يتوقف عن العمل، أحيانًا كان ينام تحت مكتبه ويستحم في مبنى تابع لـ YMCA (مؤسسة خيرية شبابية توفّر ضمن خدماتها إيواء المشردين). نجحت شركتهم وباعوها وربح ماسك 22 مليون دولار، استخدمها في تأسيس شركته التالية التي أصبحت بايبال PayPal، التي اشترتها منه شركة eBay بمبلغ 1.5 مليار دولار في 2002. كان ماسك ثريًا بشكل مبهر في سن الحادية والثلاثين. لكن هذه الثروة الهائلة لم تكن شيئًا غريبًا في وادي السليكون في ذلك الوقت من نهاية التسعينات.
قال ماسك في تصريحات صحفية عام 1999 "كان يمكنني أن أشتري جزيرة في الباهاماز، وأحولها إلى مملكتي الخاصة" قال هذا وهو يعرض عليهم سيارة ماكلارين رياضية F1 حازها بمبلغ مليون دولار "لكنني أكثر شغفًا ببناء وابتكار شركات جديدة" في وقت لاحق؛ حطم ماسك هذه السيارة.
هذه الشركات الجديدة التي تخيلها ماسك لم تكتف بخلق بصمة إلكترونية قصيرة الأجل كغيرها؛ لكنها أعادت تشكيل العالم المادي من خلال الروافع وماكينات الدفع والمحركات الصاروخية والصُلب.
بدأ ماسك سبايس إكس، اشترى سولار سيتي وهي شركة متخصصة في الطاقة البديلة، وأنشأ الشركة المملة The Boring company ليحفر شبكة من أنفاق النقل عالية السرعة. لكن تسلا كانت أول شركة تمثل طموحه في تغيير العالم.
كقائد، يدير ماسك شركته من خلال تقديم النموذج- هو بنفسه يعمل بتفان، مطالبًا غيره بالكمال، يفكر بطرق غير مألوفة، مصرًا على أن كل شيء خارج المألوف يمكن تحقيقه لو اكتفينا فقط بما يمليه المنطق. يقول تود مارون الذي شغل منصب المستشار العام لتسلا لمدة خمس سنوات "هو يدفعك لأن تكون شخصًا أفضل بكثير مما ظننت أنه يمكنك أن تكونه". قالت الشركة في وقت مبكر من هذا العام أن مارون سيغادرها.
مسؤولون تنفيذيون آخرون قالوا نفس الشيء تقريبًا "لديه معايير عالية بشكل استثنائي، لهذا يدفعك لأن تصبح أفضل نسخة ممكنة من نفسك". يقول مسؤول تنفيذي سابق في سولار سيتي "هو أذكى شخص قابلته في حياتي.. لا يمكنني أن أحصي لك عدد المرات التي قَدَّمت له فيها تقارير فألقى عليّ بأسئلة جعلتني أدرك أننا ننظر جميعنا للمشكلة بطريقة خاطئة تمامًا".
العديد من التنفيذين في تسلا لديهم قصص حول كيف قام إيلون ماسك بتغيير جذري في مفهومهم لما هو ممكن، لكن القصة الكلاسيكية هي قصة مقابض الأبواب المسحوبة. في منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة؛ كانت الشركة تصمم السيارة الفارهة "موديل إس" عندما اصر ماسك على أن السيارة بحاجة إلى مقابض تغوص في جسدها.
يمكن لهذه المقابض أن تنزلق للخارج وكأنها السحر بمجرد أن يقترب صاحب السيارة منها، من خلال الاستجابة إلى مفتاح إلكتروني. تنفيذي سابق قال "جميع التنفيذيين اتفقوا بشكل كاسح على أن فكرة مقبض الباب المعقد هذا مجنونة تمامًا". كانت تحتاج إلى هندسة شديدة التعقيد، وحلت مشكلة لم يعتقد أحد أبدًا أنها مشكلة من الأساس. ولكن لم يأبه إيلون لكل اعتراضات التنفيذيين وحججهم المتماسكة، لم يخضع.
وحتى عندما ظهرت السيارة، مثَّلت هذه المقابض في بعض الأحيان مصدر متاعب. عندما أراد معدو تقارير المستهلكين تقييم الموديل إس عام 2015؛ كان عليهم تأجيل المراجعة لأن "المقابض المعقدة تلك رفضت أن تدعنا ندخل السيارة".
لكن ماسك كان على حق. هذه المقابض سريعًا ما أصبحت علامة على إنتاج تسلا. المقبض الغائص صار أمرًا ثابتًا في كل سيارة تنتجها تسلا، يقول تنفيذي سابق "هي تخلق صلة عاطفية بين السيارة ومالكها، تعطيك هذا الإحساس بأنك جزء من المستقبل. وهنا تكمن عبقرية إيلون. هو يعرف ما يريده الناس قبل أن يعرفوه هم". هذا هو النمط المعتاد: يطلب إيلون ماسك شيئًا مستحيلا. يعارضه زملاؤه. يصر ماسك. وهنا يتولد الابتكار بسرعة لم يظنها أحد ممكنة.
عندما راجع باحثو التسويق للمستهلكين الموديل إس، جاءت التقارير بأن السيارة السيدان "استطاعت تحقيق نتائج في اختباراتنا أحسن مما حققته أية سيارة أخرى". الأهم؛ استطاعت تسلا أن تستفز باقي شركات تصنيع السيارات لكي تنتج موديلاتها الخاصة من السيارات الكهربية. اليوم؛ جنرال موتورز وفورد وBMW وفولكسفاجن ونيسان من بين شركات عديدة تقدم للمستهلكين سيارات كهربية.
كرئيس مجلس إدارة، كان ماسك في معظم الأوقات قائدًا عاطفيًا كما يقول زملاؤه، أحيانًا يفقد السيطرة على دموعه عندما يغلبه الإحباط أو التفكير في أهمية رسالة الشركة. أحيانًا يتصرف بغرابة أطوار في تفاعلاته الاجتماعية، يُصدِّر سخريته اللاذعة إذا وافقه الموظفون بلا نقاش، ويصبح دفاعيًا إذا حاول أحدهم أن يصوِّب له شيئًا. بدا للبعض وكأنه يتمتع بانعدام القدرة على التفهُّم التي تسم الروبوتات، وقواعد سلوك غريبة فيما يتعلق بالتواصل الشخصي. يقول تنفيذي سابق ذو منصب رفيع في الشركة "كان الناس ينصحوني بخفض مقعدي أثناء الاجتماعات.. كانت ردود أفعال إيلون ألطف تجاه الناس عندما يجلس أعلى منهم".
من المسموح للناس في وادي السليكون أن يكونوا غرباء الاطوار. في الحقيقة؛ أحيانًا يتم الاحتفاء بهم لهذا السبب تحديدًا. في تسلا، غرابة ماسك كانت مقبولة، فهو القائد على كل حال، أكبر حامل للأسهم، وصاحب الرؤية. ولكن أحيانًا يتحول نفاذ صبره إلى إهانة.أحد كبار المهندسين في الشركة قال لي "نحن ندعوها هاوية الحمقى. لو أنك ارتكبت خطأ واحدًا أو قلت الرد الخاطئ أو حتى احتككت به بشكل غير سليم؛ سوف يقرر انك أحمق ولا يمكنك فعل أي شيء لتغيير رأيه فيك".
إن لم يكن التنفيذيون في تسلا مختالون، فقد كانوا -على الأقل- فخورين. لقد باعت تسلا 50 ألف سيارة من الموديل إس في عام 2015، حتى مع كون السعر يبدأ من 76 ألف دولار. في السنة نفسها، قدمت تسلا للعالم الموديل إكس، سيارة عائلية ضخمة بأبواب تنفتح كأجنحة صقر. في العام التالي مباشرة؛ تضخمت أرباح الشركة لتصل إلى 7 مليار دولار، واتسعت قاعدة عمالها لتصل إلى حوالي 18 ألف شخص.
ومع زيادة شعبية سيارات تسلا، ازدادت شهرة ماسك. لعب إيلون ماسك أدوارًا بشخصيته الحقيقية في مسلسلات ذا سيمسونز The Simpsons وبيج بانج ثيوري (نظرية الانفجار الكبير) The Big Bang Theory وبدأ في الظهور على السجاجيد الحمراء.
بدأ ملايين الناس في متابعته عبر تويتر، حيث ينشر صورًا لمركبة فضاء تبنيها شركة الصواريخ التابعة له، أو يبدأ حوارًا مع الغرباء، أو يطرح معضلة تكنولوجية تبدو كمزحة ساخرة كقوله في تغريدة نشرها 2015 "شائعة أنني أبني حاليًا مركبة فضائية لكي أعود إلى كوكبي الأصلي المريخ، هي شائعة خالية تمامًا من الصحة".
تحوَّل من شخص ذي شعبية بين مهاوييس التكنولوجيا إلى نجم كنجوم هوليوود، على حد قول واحد من المديرين التنفيذيين السابقين في شركته عمل معه لوقت طويل "الإنسان يتغير عندما يصبح نجمًا بين ليلة وضحاها".
اشترى ماسك خمسة قصور مختلفة في أحد أحياء بيل إير (مدينة في لوس أنجيليس)، بتكلفة إجمالية بلغت 72 مليون دولار. أحدها كان بيتًا مبنيًا على نظام المزرعة تبلغ مساحته 16.251 قدمًا مربعًا (حوالي 5 آلاف متر مربع) وغرفة عرض لألعاب الفيديو. وكلما نمت سمعة ماسك؛ صارت حياته أكثر تعقيدًا. بعدما طلَّقته زوجته الأولى التي أنجب منها 5 أطفال، بدأ ماسك منذ عام 2008 في مواعدة مشاهير، منهم الممثلة تالولا رايلي التي تزوجها وطلقها مرتين.
بعض التنفيذيين في الشركة يقولون إنهم بدأوا في قراءة الجرائد الصفراء التي تتابع أخبار المشاهير، فلو كتبت إحدى هذه الصحف أن هناك اضطرابات في حياة ماسك العاطفية، فإن عليهم الاستعداد لتلقي أخبار سيئة في العمل. تابع التنفيذيون تغريداته وما يعيد مشاركته على تويتر متابعة لصيقة، يقول موظف سابق في سولار سيتي "أسميناها الإدارة بالتويتر". مثلا "قد يكتب أحد الزبائن شكوى من منتجات الشركة، فيُطلَب منا فورًا ان نترك كل شيء في أيدينا ونتفرغ لمدة أسبوع للعمل على إيجاد حل لمشكلة تواجه شخصًا فتح فاه علينا في باسادينا، وذلك بدلًا من كل هذا العمل الذي علينا أن ننجزه كي نخدم آلاف الزبائن الذين لم يكتبوا أي تغريدات في ذلك اليوم".
يقول تنفيذي سابق بالقسم الهندسي؛ إن الاستراتيجية الموضوعة كانت تقتضي بدء تجميع السيارة في مصنع فيرمونت في أكتوبر 2017، كان من المفترض أن يبدأ المصنع العمل بشكل محدود، لمساعدة الموظفين على إتاحة الوقت الكافي للعمل على خطوط التجميع حتى تعمل بسلاسة، وحل مشكلاتها لتعمل بكفاءة. ثم تبدأ تسلا في زيادة معدل العمل تدريجيًا حتى تصل لإنتاج 5000 سيارة في الأسبوع، وهو الهدف الذي قال ماسك إن الشركة عليها تحقيقه.
ولكن؛ في صيف 2016، وبعدما بدأ الناس في حجز موديل 3 بفترة قصيرة؛ دعا ماسك إلى اجتماع تغيّر فيه كل شيء. وفقًا لمصادر متعددة حضرت ذلك الاجتماع أو أُخبِرَت بملخص له، كان على الشركة أن تتحرك أسرع، قال ماسك لكبار تنفيذييه إنه يريد أن يبدأ الإنتاج في يوليو/ تموز 2017، أربع شهور تقريبًا قبل الموعد المحدد سابقًا.
كان حماس ماسك نابعًا من سبب بعينه: لقد رأى حلمًا- ينقل عنه من كانوا في الاجتماع- رأى فيه ما سيكون عليه المصنع في المستقبل، كان المصنع في حلمه مُأتمتًا بالكامل لا وجود فيه للعنصر البشري على الإطلاق، تصنع فيه الروبوتات كل شيء بسرعة عالية، وتتحرك الأجزاء فوق سيور حاملة تنقل كل جزء في الوقت المناسب تمامًا إلى المكان المناسب تمامًا.
قال ماسك إنه كان يعمل على هذه الأفكار لفترة، "سيبدو ذلك الشيء وكأنه سفينة حربية جاءت من الفضاء alien dreadnought " عندما قال ماسك ذلك لزملائه وجدوا أنفسهم يخرجون هواتفهم المحمولة ليسألوا جوجل عن معنى هذا التعبير الذي قاله مديرهم لتوه. وقد عاد جوجل بنتائج بحث تحوي صورًا مخيفة لسفن حربية عالية التسليح والتدمير جاءت من عالم الخيال العلمي، بدت وكأنها أسماك حبّار تمارس الجنس.
ولتحويل حلم البارجة الفضائية إلى حقيقة؛ قال ماسك إن الأقسام عليها أن تعيد تصميم خططها التصنيعية. وهنا بدأت المنظومة التقليدية في العمل: قال التنفيذيون لماسك إن ما يطرحه غير واقعي، تسلا كانت تبني بالفعل المصنع الأكثر تقدمًا في التصنيع الآلي، وكان هناك وقت متاح للتطوير التصاعدي وإضافة مرحلة إنتاج جديدة معتمدة على الأتمتة، عند التأكد من أن عملية الإنتاج بدأت وتمضي بنجاح وسلاسة. وأكدوا له أن إعادة تهيئة خطوط الإنتاج بكاملها سيكلف وقتًا طويلًا وأموالًا طائلين، مما قد يجعل الوفاء بالطلبيات في موعدها أمرًا مستحيلًا.
قال ماسك إن كل شيء، كل شيء تقريبًا ممكن، إلا إذا تصادم مع قوانين الفيزياء. قال ماسك للمجتمعين "سنبني الآلة التي ستبني الآلة"، لكن كان عليهم التحرك سريعًا. قال ماسك إن مستقبل تسلا يكمن في ذلك المصنع الذي سيدار أوتوماتيكيًا بشكل كامل، هذا المصنع هو ما سيؤهل الشركة للمنافسة خلال العقود المقبلة.
في الأسابيع القليلة التالية على ذاك الاجتماع، ظل التنفيذيون يجادلون ماسك. تيار مستمر من المهندسين يتركون الملاحظات، وبدأ إيقاع مثير للقلق في الظهور، وفقًا لأحد التنفيذيين السابقين؛ إن قام موظف بإبداء القلق أو الاعتراض، يسحب ماسك مديره جانبًا ويقول له إن هذا الشخص يجب نقله فورًا إلى قسم آخر، أو ربما يجب فصله، أو أنه لم يعد مدعوًا لحضور الاجتماعات.
بعض التنفيذيين بدأوا في إقصاء المتشككين كنوع من الرقابة الذاتية. تنفيذي سابق كان يعمل تحت الإشراف المباشر لماسك قال لي "لو أنك كنت من ذلك النوع من الموظفين الذين يجادلون ويطرحون الأسئلة، فستُسحب دعوتك، لأن (الخَدَم) كانوا لا يريدون لأي شخص أن يزعج ماسك". ماسك نفسه قدَّر حجم الأموال التي تنفقها تسلا بمئة مليون دولار في الأسبوع، حيث استغرق آلاف العمال في تحقيق حلمه ببناء تلك البارجة الحربية.
الخوف من الفصل صار كالطبول التي لا تكف عن الدوي. موظف سابق يسترجع ذكرى زميل له، كان يتناول إفطاره على مكتبه عندما جاءه الاستدعاء؛ "موزته صارت بنية، واللبن الموجود بطبق مقرمشات الإفطار كوّن طبقة سميكة قبل أن يدرك زملاؤه أنه تعرض للفصل من العمل، وقاموا بتنظيف المكتب".
أحد كبار التنفيذيين السابقين يتذكر "كان ماسك يقول يجب أن أرفد أحدهم اليوم" وأقول له "لا أنت لست مضطرًا لذلك" فيقول "لا لا. يجب عليّ ذلك. يجب أن أرفد أحدًا". متحدث باسم تسلا اعترض على هذه الحكاية لكنه أضاف أن ماسك "يأخذ قرارات صعبة لكنها ضرورية".
في أحد الاجتماعات كان ماسك غاضبًا حتى أنه كسر تليفون. خلال اجتماع آخر، لاحظ ان هناك مدير تنفيذي غائب فاتصل به، كانت زوجة الرجل قد وضعت طفلها للتو وشرح لماسك أنه أخذ إجازة حتى تتعافي زوجته. كان ماسك غاضبًا "على الأقل كن حاضرًا عبر مكالمة هاتفية، ميلاد طفلك لا يجب أن يمنعك عن أن تحضر بالتليفون". متحدث باسم تسلا قال "رغم أن ماسك كان غاضبًا ذات مرة لأن أحد المديرين لم يحضر اجتماعًا عبر الفيديو كونفرنس بعد عدة أيام من ميلاد طفله؛ إلا أن الشركة لا تعاقب الموظف إذا حصل على إجازة لرعاية طفله".
يقول مدير سابق آخر؛ كل الموظفين كانوا يأتون للعمل كل يوم متسائلين إن كان هذا اليوم هو يومهم الأخير. يتذكر موظف سابق قول ماسك إن هدف تسلا هو إنقاذ العالم "كان يصبح عاطفيًا جدًا عندما يقول هذا. لكنه كان يبدو أحيانًا كأنه مصمت بلا مشاعر، لأنه ما هي مشاعر رجل واحد بالمقارنة بمصير المليارات؟ إيلون يهتم جدًا بالبشرية، لكنه لا يهتم فعلا بالأفراد الذين يشكلونها إلى هذا الحد". لكن متحدثًا باسم تسلا قال إن ماسك يهتم جدًا بالأفراد من البشر.