قال باحثون حقوقيون في مجالات الحريات الدينية وقضايا النوع الاجتماعي والعمل المجتمعي، إن الوصول للتعايش وإرساء مبادئ لحياة مشتركة لا يعني إخفاء أصوات الكراهية، بل من المطلوب عرضها ووضع أصحابها أمام خطاباتهم، لكن دون التورط في بث خطابات تحريضية.
جاء ذلك خلال ندوة حول "الإعلام وقيم التعايش"، نظمها مساء أمس الأحد، مركز دال للأبحاث والإعلام، بحضور الكاتب والباحث الحقوقي عمرو عزت، والكاتبة والباحثة في قضايا النوع الاجتماعي والخطاب الديني رباب كمال، والباحثة والناشطة في مجال العمل المجتمعي غادة علاء.
أكبر من الإعلام
قالت الباحثة رباب كمال، إن التعايش والتعددية الثقافية والدينية أكبر من الإعلام، واعتبرت هذا الأخير واحدًا من الروافد المشاركة فيه.
وشددت الباحثة على أنه لا يمكن الحديث عن خطاب التعايش إلاّ بالحديث عن خطاب الكراهية، قائلة "وبهذا يمكننا الفصل بين حرية التعبير وخطابات الكراهية، إذ أن التعبير عن الرأي قد يتحول في نقطة ما لدعوة إلى إيذاء بدني للآخر، ولهذا لابد من ضبط المصطلحات، خاصة المُستخدمة في الإعلام".
وضربت رباب كمال مثالاً على ذلك بقولها، فعلى سبيل المثال في الخطاب الإعلامي من المفترض ألاّ يوجد مصطلح فتوى ردّة، بل اسمها تحريض على القتل.
وأشارت الباحثة إلى القانون باعتباره يلعب دورًا كبيرًا في تعزيز خطاب التعايش، كما كان في واقعة الطالبة بسملة، التي خرجت قضيتها من المدرسة إلى الإعلام الرقمي ومنه اتخذ منحى آخر، تصدى فيه القانون لممارسة العنصرية ضدها.
ومن هذه النقطة انطلقت الباحثة في النوع الاجتماعي إلى تأكيد أن خطاب الكراهية أبعد من مجرد مسلم ضد مسيحي أو العكس، وقالت "يجب أن ننتبه إلى خطاب كراهية ضد الفقراء ظهر مؤخرًا في وسائل إعلامية كثيرة في أعقاب القرارات والسياسات الاقتصادية اﻷخيرة، وذلك بصور كثيرة من بينها تعمّد تهميش الفقراء وقضاياهم".
وذكرت رباب أن الخطابات الإعلامية يشوبها "مشكلات" حتى في خطابات التسامح، من بينها أن يكون خطاب التسامح انتقائي يختار التسامح مع فئة دون أخرى، على سبيل المثال مسيحيين دون بهائيين أو لا دينيين، أو يكون خطاب التسامح استعلائي، باستخدام عبارات من قبيل "إخواننا المسيحيين" أو "أهل الذمة الذين أوصانا ديننا عليهم"، وعقبت "لا يصلح استدعاء خطابات من زمنها وسياقاتها للاستخدام اليوم".
بين صوتين
وقال الكاتب والباحث الحقوقي عمرو عزت، إن وجود أجندة لدى الإعلام ليس باﻷمر السيئ في حد ذاته، طالما أنها لا تُضطره للتعتيم على كلام الآخر، فلو وقع هذا التعتيم، فإنه لا يعني إلاّ وجود خلل لدى الوسيلة الإعلامية.
وأضاف عزت "كي يكون التعايش المشترك مبنيًا على أسس سليمة، ففي رأيي نحتاج إلى كشف خطاب التمييز والكراهية وليس إخفائه".
وعرض الباحث الحقوقي، الذي عمل صحفيًا من قبل، تجربة شخصية حاور فيها شخصيات عامة "متشددة"، وعقب عليها بقوله "إن الإعلام الديمقراطي المهني حتى لو لديه أجندة منحازة للعدالة والحريات، يجب ألا يخفي وجود صوت الكراهية، بل يكشف عنه ويواجهه ويكشف تناقضاته كجزء من مشروع الانحياز للمساواة ضد التمييز، مع فرد مساحات للأصوات المقابلة المنحازة للحقوق والحريات".
وشدد عزت على أن الأسلوب الأمني القائم فقط على إخفاء وجود أصوات التمييز والكراهية عبر قمعها "ليس حلاً"، ﻷنها في اﻷخير ستجد لنفسها منافذ طيلة الوقت، بل من الممكن بعد حين من إخفائها تعود أقوى وأشرس في عنف طائفي وتوترات دينية.
وتابع الباحث الحقوقي "الحل هو وضع أصحاب هذه الأصوات أمام خطاباتهم وتناقضها مع قيم التعايش والمساواة، ووضع خطاباتهم هذه- شريطة ألاّ تتورط في الترويج للتحريض ضد الآخر- أمام الجمهور المتلقي، وهو بنفسه سيزن الكلام ويعيه ويدرك فحوى هذه الخطابات، وبالتبعية تأثيرها على المجتمع".
واختتم عزت بالإشارة إلى أن "هناك مستويات من خطاب التحريض المباشر على القتل تستوجب المحاكمة الجنائية، ومستويات أخرى من التحريض على التمييز ضد المواطنين من مسئولين رسميين أو هيئات دينية رسمية أو جهات تعليمية وإعلامية تستوجب المساءلة الإدارية على الأقل وعزل أصحابها عن مناصبهم".
وجوه التعايش
ونظرت الباحثة والناشطة في مجال العمل التنموي غادة علاء، إلى الإعلام باعتباره واحد من القوى المؤثرة في حوار التعايش، لاسيما وأن التعايش ليس دينيًا فقط بل فكري ومجتمعي وثقافي.
وأضافت غادة، خلال كلمتها في الندوة، أن التعايش ليس اختيارًا، بل صار ضرورة حتمية مفروضة على المجتمع ككل.
ولفتت إلى ما لتدفق اللاجئين جرّاء الصراعات من وجه إيجابي، على الرغم من مأساويته وما يعكسه من اشتعال الصراعات في بقاع مختلفة من العالم، إذ قالت إنه أمر صار أحد عوامل تبادل الثقافات بين الجانبين، اللاجئ والمواطن في البلد المستضيف؛ مما سيسهم ولو بعد حين في تعزيز مفهوم التعايش.
واختتمت الباحثة رباب كمال بذكر أنه لتحقيق وإرساء مبادئ التعايش، فاﻷمر يحتاج إلى مشاركة التعليم والمجتمع المدني والمبادرات المجتمعية، ومن ثَم على الإعلام دعمها.