هذه حلقة جديدة من سلسلة المحترفين المصريين في أوروبا، بعد أن استعرضنا سابقًا مسيرة حازم إمام، وذهبنا مع محمد زيدان في رحلة تدمير الذات، وصلاح الذي يركض في الاتجاه الصحيح.
نقدم في الحلقة الرابعة اللاعب الذي يمتلك مسيرة إحترافية نادرة، بكل تفاصيلها وتناقضاتها.. أحمد حسام الشهير بميدو.
أشرقت شمس ميدو باكرًا للغاية، في وقتٍ كان فيه الفتى المحترف في بلجيكا يتلقى القليل من الاهتمام، فلا أحد في القاهرة يكترث بسفره إلى تلك البلاد، ولكن بعد فترة تفاجأ المصريون بوجوده على أغلفة صحف ومجلات بلجيكا وهولندا، وكما كان الشعاع ساطعًا للغاية، حيث أصبح واحدًا من المواهب المتوقع تفجرها في السنوات اللاحقة؛ شهد كذلك الانطفاء بنفس درجة حدة إشراق هذا الشعاع.
تحوّل ميدو لأيقونة مصرية بسطوع مذهل تبعه انطفاء هزيل؛ هو ما يجعل البعض يخاف على محمد صلاح من أن تتكرر نفس القصة معه بعد أن أصبح حديث العالم أجمع الموسم الماضي.
ميدو وصل للعب لفريق جينت، خينت، البلجيكي، عام 2000 بعد أن تربى في ناشئي الزمالك الذي لعب له والده. ابن الـ17 عامًا كان طفلًا لا يستوعب ما يحدث في أوروبا. مظهره يعكس أنه أوروبي، لكنه كان إفريقيًا من الداخل ويعاني من صقيع مدينة خينت، كان يعاني في التدريبات أكثر من المباريات، التي يستدفىء فيها بحرارة الجماهير، أما في التدريبات فكان أنفه أحمرًا بالكامل.
عرفوا عن ميدو من البداية، أنه مزاجي، حسب مدربه في أياكس، والذي يعتبر ألد أعداء الفرعون، رونالد كومان "طريقة لعب ميدو تشبه شخصيته، حيث أنه يُقدم على أشياء غير متوقعة، ولا يمكن أن تتوقع ماذا سيفعل، ربما يكون ممتازًا للغاية في يوم وربما لا يفعل شىء في يومٍ آخر".
كان أحمد حسام ميدو، الفتى، الذي تطلع له أياكس بعد تقديمه لأداء جيد مع جينت في بلجيكا، وتسجيله 11 هدفًا في موسم واحد، أظهر إمكانيات كبيرة في التسجيل بكلتا قدميه وبالرأسيات.
ميدو، كان جزءًا من سياسة نادي أياكس الجديدة، الذي أصبح بعد تأثيرات الكرة الحديثة؛ في حاجة لأن يغيّر سياسته في السوق وعدم قدرته على مجاراة الأندية الأوروبية الكبيرة على المستوى المالي.
تعاملًا بالمبدء الذي ورثوه عن أجدادهم البحارّة "ما فائدة وجود القلاع حولك إذا كنت لا تستطيع الاحتفاظ بها"؛ عاد أياكس للرهان على الشباب، قوة أياكس على مدار التاريخية، فكان ميدو أحد الأسماء الشابة الجائعة التي ضمها الفريق أمثال كريستيان كيفو وزلاتان إبراهيموفيتش.
ميدو، كان واحدًا من أولئك النجوم العرب والأفارقة الذين تألقوا كثيرًا في مرحلة سنية مُبكرة قبل أن يخفت نجمهم أيضًا بشكلٍ تدريجي في منتصف مسيرتهم، ولكن ما يجعل ميدو مختلفًا عن البقية، أنه لعب للعديد من الأندية المهمة في أوروبا، وهو في سن صغيرة، وكذلك كان عطاؤه في هذه السن كبيرًا، مما جعل هبوط مسيرته مفاجئًا وغير متوقع.
الطفل الذي تحدى الجميع في بلجيكا ثم سطع في هولندا، تخطى مراحل صعبة للغاية بالنسبة للاعب عربي وخاصة من النواحي الثقافية، لكنه أخفق في تخطي مراحل أقل صعوبة بعد أن أصبح سوبر ستار.
لعب ميدو سنتين في هولندا وسجل فيهما ما يقرب من 22 هدفًا في جميع البطولات، كما حقق كل البطولات المحلية رفقة النادي العريق.
لكنه وقف عند حقيقة صعبة وهي أنه لن يصبح الفتى المدلل للفريق. فتألق زلاتان في مركز المهاجم، وابتعاده للعب كجناح أيسر كان بداية لسلسلة خلافات مع المدرب كومان الذي جعله يلعب مع فريق الشباب بعد تأخره عن العودة من مصر في إحدى المرات، وهو الأمر الذي كان يراه ميدو تعنتًا ضده، ليرحل ابن الزمالك عن بطل هولندا، وهو في سن الـ 21 فقط.
أظهر ميدو في هولندا بعضًا من جوانب شخصيته غير المتوقعة، فقد قام بشراء سيارة فيراري بعد أن وقع على عقد الانضمام لفريق أياكس بخمسة دقائق فقط، وهو من قال في عام 2004 وهو في بداية مسيرته بأنه يفكر في إنشاء أكاديمية لكرة القدم في مصر.
وهو كذلك من دخل في مشاجرة لا تنسى مع زميله في الفريق زلاتان إبراهيموفيتش أثناء التدريبات، حتى إنه كاد يقتله، حسب اعتراف ميدو نفسه. بعد أن استخدم أحد المقصات في الشجار ولكن الضربة جاءت بجانب رقبة النجم السويدي، كان أحمد حسام يحاول أن يُسارع البرق، أحمد حسام الذي وصفه كومان بعد تلك الواقعة"مشكلة ميدو؛ هي ميدو نفسه".
بعد خروج ميدو من أياكس، رحل على سبيل الإعارة لإسبانيا، حيث لعب لفريق سلتا فيجو، وكانت بداية للتنقلات الكثيرة للرحالة المصري في أوروبا، ورغم أنه ترك انطباعًا جيدًا في سيلتا فيجو وساهم في صعوده لدوري أبطال أوروبا للمرة الأولى في تاريخه بعد تسجيله ستة أهداف مهمة في نصف موسم، لكن كان من الصعب على النادي الإسباني الاحتفاظ به، بسبب قلة موارده، ليشتريه مارسيليا فيما بعد، ليلعب لمدة عام بمستوى متوسط.
الوداع لم يكن لطيفًا
يقول خوسيه أنيجو، مدرب فريق أوليمبك مرسيليا، قبل مباراة الفريق ضد إنتر بدوري الأبطال في غياب ديديه دروجبا "أتمنى أن أرى ميدو أياكس، الذي نعرفه أمام إنتر. بالطبع ميدو ربما يلعب لفريق كبير في المستقبل، ولكنه ليس كدروجبا. دروجبا لاعب ذو نوعية رائعة، وسوف نفتقده كثيرًا في تلك المباراة".
ابتلع ميدو تلك المرارة "بالطبع ليس كدروجبا"، وحرص على إنهاء الأمور بشكل جيد في مارسيليا بعد موسم ظهر فيه بأداء متوسط، لعب خلاله 22 مباراة وسجل 7 أهداف، لم يدعمه المدرب كثيرًا لكي يستمر مع الفريق خاصة في ظل انفجار موهبة ديدييه دروجبا، لكنها ليست المرة الأولى التي يمر بهذه المواقف، وليست الأخيرة، ويصح له أن يقول بعد هذا التصرف غير المناسب من مدربه، أنه لم يكن محظوظًا بالتعامل مع بعض المدربين الذين لا يجيدون التعامل نفسيًا مع شخصيات مثله.
على جانب آخر، فإن ميدو كان البادىء بافتعال المشكلات مع مدربيه في بعض الأحيان، ففي أحد المرات اعتذر عن التواجد مع المنتخب المصري، في تحضيرات أول مباراة في تصفيات كأس العالم 2006، مما سبب الكثير من الغضب للمدرب ماركو تارديللي.
وصل ميدو لروما، في صيف 2004، وهو يأمل في بداية جديدة تمامًا، وقد قال بنفسه أنه يريد أن يرمي الماضي وراء ظهره، لكنه في الواقع استسلم للحديث عن الماضي، رغم أن عمره كان فقط 22 عامًا، لكنه كان يتحدى الجميع كلاعب كبير، ويرفض معاملته كلاعب شاب موهوب. عاد مرة أخرى للحديث عن سبب أزماته في أياكس والمدرب كومان، حيث أكد أنه لا يحب أن يلعب كجناح أيسر كما طلب منه الهولندي، وذلك لوجود إبراهيموفيتش في مركز الهجوم.
هذا إذا ما استطاعوا تدريبه
كما كان رأي المدرب الإيطالي ماركو تارديللي فيه، مسموعًا في الإعلام هناك في روما، حيث قال "لم أكن محظوظًا معه، لأنه لم يوافق على دعوتي للانضمام للمنتخب المصري أبدًا، أتمنى له التوفيق في البطولة الإيطالية، هذا إذا ما نجحوا في تدريبه"، ميدو بنفسه عبر بدون أن يدري عن شعوره الداخلي بأنه سوبر ستار، وأن فكره ربما يناطح أي مدرب، حينما قال بالعامية في أحد اللقاءات التفزيونية "كنت زي الحصان، اللي محدش عارف يمسكه".
وصفوه في صحافة الفريق العاصمي بـ "اللاعب الصغير صاحب الماضي الكبير. هو كسول بعض الشيء لكنه مجنون" نتيجة لذلك، ولأشياء أخرى، منها عدم استقرار الإدارة الفنية، ولجوء المدربين للاعبين المعروفين أصحاب أسماء في البطولة الإيطالية مثل كاسانو ومونتيلا؛ لعب ميدو فقط ما بين مباراتين إلى أربعة مباريات، وصنع هدفًا وحيدًا، لتنتهي رحلته مع الذئاب بسرعة غير متوقعة.
وكيل أعمال سيئ
الفرعون المشاكس، بالمعنى السلبي الدارج لكلمة فرعون، وصل لأعلى درجة من درجات الاضطراب في فترته مع روما، فبعد أن وصل بتوقعات عالية من جانب الرأي العام في روما، وتصريحاته المثيرة عن رغبته في أن يصبح مثل المهاجم الأرجنتيني الفذ جابرييل باتيستوتا، توقع الكثير أن يكون اللاعب الأساسي في مركز الهجوم وخلفه فرانشيسكو توتي كصانع ألعاب، ولكنه أصبح بعد ذلك المهاجم رقم 5 في الفريق بعد مونتيلا وكاسانو وديلفيكيو وكورفيا، وأحيانًا مهاجم فريق الشباب سكورتو.
ما عزز من تمرد ميدو، هو وكيل أعماله مينو رايولا، والذي انتقد على الملأ زميل ميدو في الفريق أنتونيو كاسانو، حيث قال أنه ليس من المنطقي إبعاد ميدو لأنه صاحب مزاج صعب، والاعتماد على كاسانو الذي يمتاز بنفس الشىء، ثم جعله يغيب عن التدريبات لأربعة أيام متواصلة لتجديد الإقامة وحل مشكلة التجنيد، دون إعلام إدارة الفريق بذلك، كل هذه الأسباب جعلت خروجه من الفريق في يناير أمرًا متوقعًا، وخاصة أن ميزانية إدارة الرئيس فرانكو سينسي كانت تعاني، وكانت تحتاج عائدات بيع اللاعب الشاب، ثم كاسانو الذي انتقل لريال مدريد في نفس الشتاء، وإن كان ميدو قد حكي قصة أخرى عن سبب خروجه من روما خلال ظهوره على برنامج "الكالتشيو" بقناة أون سبورت.
الصحوة
رايولا من جهة أخرى، ساهم في إخراج ميدو على سبيل الإعارة لتوتنهام، وهناك عاش ميدو أفضل لحظاته، على قدم المساواة مع عاميه الأولين في أياكس، حيث أظهر ميدو معدنه الأصلي كبومبر "هداف" حقيقي، فسجل 4 أهداف في نصف موسم، و11 هدفًا في موسم 2006/2005، وقدم أداءً ممتازًا خلال 18 شهر كانت هى مدة الإعارة، ليوقع معه توتنهام.
اختلفت الأمور بعد التوقيع النهائي مع السبيرز، وخاصة مع تألق بيرباتوف وروبي كين وديفو، ليجد النجم المصري نفسه كخيار رابع في مخططات المدرب الهولندي مارتن يول الذي ساءت علاقته به، ويُصرح ميدو لقناة المحور المصرية أنه كان مخطئًا بالتوقيع مع توتنهام قبل أن يرحل لميدلزبره بمبلغ 6 ملايين جنيه إسترليني في أغسطس 2007، ويبدأ رحلة السقوط الحُر.
لا تستمر أوقات ميدو السعيدة أبدًا في الملاعب، حيث أن ميدو الذي يريد أن يتطور وينضج بسرعة، وأن يحقق الكثير من الإنجازات في وقتٍ محدود وكأن شبحًا يجري خلفه، وجد الأعوام تمر دون أن يتطور بالفعل على المستوى الفني، وبدأ عطاءه يقل كثيرًا بعد فترته مع ميدلزبره حيث سجل فقط 6 أهداف في موسمين. وفي الوقت الذي من المفترض أن يكون فيه ابن الـ 25 عامًا في ذروة مستواه وإنتاجه؛ ظهر وكأنه لاعب في نهاية مسيرته مع ويجان أتلتيك في موسم 2008/2009.
هذا الشيئ، الذي اعترف به ميدو فيما بعد في أحد لقاءاته التلفزيونية، حين قال "كنت أشعر بقوتي في بداية مسيرتي كشاب ضغير بشكلٍ قوي جدا، وهو ما جعلني أهدر الكثير من الأشياء فيما بعد، حتى رحلت هذه القوة".
ربما لم يشعر ميدو كذلك، بعدم قدرته على بناء علاقة قوية مع المدربين بشكلٍ عام، وربما هذا ما أظهر تميز ميدو كمحلل، حيث أنه عندما كان لاعبًا صغيرًا، كان لديه وجهة نظر تختلف مع وجهة نظر المدرب، في كثير من الأحيان.
وكانت اللقطة الأشهر من بين هذه الخلافات، شجاره مع حسن شحاته عند خروجه من ملعب مباراة نصف نهائي كأس أفرققيا 2006، مرددًا الجملة الشهيرة "ليه، ليه، ليه أنا كل مرة؟".
ثم تكرر الخلاف بعد استبعاده من قائمة منتخب مصر لبطولة أفريقيا 2010، وحينها كان يرى ميدو أنه استعاد جزءًا من مستواه بعد عودته للزمالك ويستحق العودة للمنتخب، معبّرًا عن ذلك بقوله "أنا شايل فرقة الزمالك وبجري بيها".
ربما بعد استبعاد ميدو من المشاركة في الكان 2010، كانت تلك بداية النهاية لمسيرة ميدو، في سن 29 عامًا فقط، حيث أعلن اعتزاله الكرة بعد تجربة فاشلة مع فريق بارنسلي في الدرجة الثانية الإنجليزية، تاركًا وراءه الكثير من القصص والخلافات والحكايات التي لم ينته أثرها، والتي لم يُحل لغزها بعد، ومن بينها، إذا كان زملكاويًا بالفعل، فهو يأتِ خلف الكثير من الأسماء من أبناء جيله الذين لعبوا للزمالك، من حيث التأثير وعدد السنوات التي تعرق فيها جسده لأجل الفانلة البيضاء.