طالب الراهب أرسانيوس الأورشليمي، اﻷب الكاهن في كنيسة القيامة وأحد رهبان دير السلطان بمدينة القدس والمملوك للكنيسة القبطية اﻷرثوذكسية، الرئاسة المصرية بالتدخل لحل أزمتهم مع السلطات الإسرائيلية والرُهبان اﻷحباش (تابعين للكنيسة الإثيوبية)، وضمان حقهم التاريخي في الدير.
وتجددت، صباح اليوم الأربعاء، أزمة دير السلطان، إثر اندلاع مواجهات بين شرطة الاحتلال الإسرائيلي، وعدد من الرهبان والشمامسة ومواطنين أقباط أرثوذكس، نظموا وقفة احتجاجية ضد محاولة إسرائيلية لترميم قُبّة بكنيسة دير السلطان دون الحصول على موافقة مسبقة من الكنيسة القبطية اﻷرثوذكسية، مالكة الدير وغيره من الأوقاف في القدس.
ووفق ما ذكره اﻷب أرسانيوس الأورشليمي في اتصال مع المنصّة، فإن سلطات الاحتلال الإسرائيلية، وبعد التعدي بالضرب والسحل على الرهبان المصريين، أدخلوا معدات الترميم عنوة إلى دير السلطان، لبدء أعمال الترميم، مشيرًا إلى أنه وزملائه أبلغوا السفارة المصرية بما يحدث، موثقًا بالفيديوهات والصور.
وتمتلك الكنيسة القبطية اﻷرثوذكسية عددًا من اﻷديرة والكنائس في القدس، تتمثل في دير السلطان ويضم كنيستا الملاك والأربعة حيوانات، ودير مار أنطونيوس شمال شرقي كنيسة القيامة، ودير مار جرجس حارة الموارنة، وكنيسة السيدة العذراء بجبل الزيتون، وهيكل على جبل الزيتون، و كنيسة باسم مار يوحنا، خارج حرم كنيسة القيامة، وكنيسة الملاك ميخائيل الملاصقة للقبر المقدس من جهة الغرب.
سحل الرهبان
اتهم اﻷب أرسانيوس الأورشليمي الشرطة الإسرائيلية بممارسة العنف ضده وزملائه الرهبان اليوم، بقوله "عاملونا بطريقة غير آدمية. سحلونا على اﻷرض واعتقلوا واحدًا منّا وحبسوه قبل أن تتدخل السفارة المصرية للإفراج عنه. وضربوني ببندقية في جنبي وجرحوا يدي، وسحلوا عددًا من الرهبان".
أصل الأزمة
وتعود بدايات اﻷزمة الحالية، وفقًا للراهب، حين تضررت قبّة كنيسة دير السلطان قبل عام ونصف العام تقريبًا، إثر سقوط حجر عليها أثناء عمليات ترميم دير الروم الماروني المجاور لها؛ فقررت الشرطة الإسرائيلية إغلاق الدير. وبعد اتفاق بينها وبين الرهبان اﻷحباش ووزارة اﻷديان الإسرائيلية تواصلت مع اﻷنبا أنطونيوس، مطران القدس والكرسى الأورشليمي، وأبلغته بأنها سترمم القبة؛ فأبلغهم بأن الكنيسة الأرثوذكسية القبطية المصرية هي مَن سيتحمل تكاليف الترميم على أن يتم اﻷمر بالمواصفات التي تحددها مصر، لكنهم رفضوا.
وأضاف "بعد مكاتبات من الكنيسة تؤكد الاتفاقيات وحق الملكية القديم للكنيسة المصرية، لم تستجب الشرطة الإسرائيلية"، ووفقًا للأب الكاهن "ضربوا بخطاباتنا عرض الحائط؛ فاتصلنا بالسفارة المصرية التي تواصلت بدورها مع وزارة الخارجية، التي تتابع الموقف معنا منذ ذلك الحين".
وأضاف الأب أرسانيوس "فوجئنا بقرار حكومي إسرائيلي بالإتفاق مع الرهبان اﻷحباش بترميم الدير غصب عننا، وأوفدوا للمطران شخصين من وزارة الأديان أبلغوه شفهيًا إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو باعت لكم رسالة إن الدير هيترمم سواء رضيت أو ﻷ، طبعا رفض وطالبهم بخطاب رسمي، لكنهم أبلغوا السفارة المصرية شفهيًا من حوالي 4 أيام إنهم هيبدأوا الترميم".
ونظم الرهبان والشمامسة الأرثوذكس وقفة احتجاجية سلمية، أمس الثلاثاء، أمام الدير. وحين حاولوا تكرار الوقفة، صباح اليوم، بلافتات ترفض تدخل الحكومة الإسرائيلية واﻷحباش في الترميم وقعت المواجهات، وفقًا للأب الكاهن "القوات الخاصة الإسرائيلية حاوطتنا بالحديد (حواجز حديدية)، وبدأوا يسحلونا على اﻷرض ويشدونا من رجلينا، وطلعونا بره".
https://www.facebook.com/plugins/video.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2F100014217077065%2Fvideos%2F512426055907959%2F&show_text=1&width=560حق تاريخي
على الرغم من حُكم قضائي صادر عن المحكمة العليا الإسرائيلية منذ عام 1972، بعودة ملكية كنيسة دير السلطان بالكامل للكنيسة القبطية المصرية، إلا أن المقيمين فيها هم الرُهبان اﻷحباش، التابعين للكنيسة الإثيوبية، بعد أن مكّنتهم إسرائيل منها بعد صراعها مع مصر في 1967، وفقًا لما ذكره للمنصّة القمّص أنجيليوس جرجس، الكاهن بالكنيسة القبطية.
وقال جرجس، إن دير السلطان مملوك للكنيسة القبطية اﻷرثوذكسية منذ القرن السادس الميلادي، ودائمًا مَن يقوم على خدمته هم رهبان مصريون، غالبيتهم من دير الأنبا أنطونيوس. وأضاف "في القرن التاسع عشر، تعرض الرهبان اﻷحباش للطرد من أديرتهم، فاحتضنتهم الكنيسة القبطية المصرية في دير السلطان، باعتبارها راعية للكنيسة اﻹثيوبية".
ووفقًا للأب أرسانيوس، فإن الغلبة العددية في الدير حاليًا للرهبان اﻷحباش "إحنا 20 راهب إقامتنا بتأشيرات تجدد سنويًا، وممكن تتجدد أو ﻷ، وبالنسبة للأحباش فعددهم كتير جدًا، يمكن أكتر من 100 راهب، ده غير إن لهم طائفة هنا بتشتغل في المستشفيات وكل المؤسسات ومعاهم إقامة".
يضيف أرسانيوس "نحن نعاني. اﻷحباش مستوليين على كل الدير، ولدينا أب كاهن واحد فقط بيبات في الدير من الساعة 5 المغرب لحد الساعة 7 الصبح".
ولدير السلطان مكانة روحية وتاريخية كبيرة، يوضحها القمص أنجيليوس بقوله إنه "بقعة استراتيجية"، إذ يستقر فوق مغارة الصليب، كما أنه المعبر بين كنيسة القيامة وبين مقر الكرسي القبطي اﻷورشليمي.
.. وصراع سياسي
يقول الباحث إسحاق إبراهيم، مسؤول ملف حرية الدين والمعتقد في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن الصراع على دير السلطان، ورغم كونه بين كنيستين هما المصرية والإثيوبية، إلاّ أنه ليس لاهوتيًا بل سياسيًا، منشأه أن سلطة الاحتلال طردت الرهبان المصريين من الدير.
يحكي الأب أرسانيوس اﻷورشليمي، تفاصيل واقعة الطرد "بينما كان الرهبان المصريون يصلّون في قداس بكنيسة القيامة عام 1970، قامت السلطات الإسرائيلية بتغيير مفاتيح باب الدير وأعطوها للأحباش، وعلى الرغم من أن مطران القدس في ذلك الوقت، اﻷنبا باسيليوس، كسب دعوى قضائية أمام المحكمة العليا الإسرائيلية بإن الدير يرجع لنا، إلاّ إن الموضوع اتجمّد لأسباب سياسة بين مصر وإسرائيل".
يناشد الكاهن بكنيسة القيامة الرئاسة المصرية التدخل، فيما يؤكد إسحاق إبراهيم أن لملف دير السلطان بعدين، أحدهما سياسي طالب فيه السلطات المصرية بالتدخل لدعم حق الكنيسة، والآخر بُعد ديني يرتبط بعلاقة الكنيستين ببعضهما البعض.
وعقّب الباحث بقوله "الكنيستين شقيقتين ومايصحش الوضع بينهم يوصل للدرجة دي، ولابد من تواصل مباشر مع الكنيسة الإثيوبية، والتنسيق مع السلطات المصرية من أجل إرجاع الحق لأصحابه، ﻷننا أمام أزمة مستمرة لا تقبل حلول وسط".