https://www.youtube.com/embed/oIW9fCuhB4Q?rel=0&showinfo=0بسم الله الرحمن الرحيم،
مش عارف إن كان يليق ليا إن أنا أطلب منكم توجيه التحية لمرور 75 سنة على العلاقات المصرية الروسية، يليق بينا إن إحنا نطلب تحيتكم ونحيي كلنا هذه العلاقة؟ (تصفيق) (يصفق السيسي)
بسم الله الرحمن الرحيم،
السيدة فالنتينا ماتفنينكا رئيسة مجلس الفيدرالية الروسي. السيدات والسادة قيادات ونواب المجلس الموقرين،
اسمحوا لي في البداية أن أعرب عن سعادتي البالغة وتقديري العميق لدعوتكم الكريمة للحديث من على هذا المنبر، وإتاحة الفرصة لي كي أتواجد بينكم كأول رئيس أجنبي في مجلس الفيدرالية، مخاطبًا الشعب الروسي العظيم، حاملا له رسالة تحية وتقدير عميقة من شعب مصر، الذي يعتز بما يجمع بين بلدينا من روابط تاريخية لا تزال أصداؤها حاضرة حتى الآن.
وإنني أتطلع لأن يمثل لقائي عمكم نقطة انطلاق جديدة لإثراء علاقات الصداقة بين بلدينا في بعدها البرلماني، لتتجاوز إطارها الرسمي إلى آفاق شعبية أوسع تنميها وتدفعها إلى الأمام.
إن العلاقات الوطيدة بين مصر وروسيا التي نحتفل هذا العام بمرور 75 عامًا على تأسيسها دائمًا ما تميزت بالعمق والخصوصية، وهو ما تجلى في وقت الأزمات والشدائد، فقد كانت روسيا دائمًا، شعبا وحكومة، أول من قدم يد العون لمصر لاستعادة الأرض المحتلة، كما أن مصر لن تنسى مساهمة روسيا في معركتها للبناء والتعمير، حينما ساعدتها على بناء السد العالي، وغيره من المشروعات الكبري خلال حقبة مهمة من تاريخها الحديث.
وأود أن أؤكد أن هذه المواقف التاريخية الداعمة ستظل دائما عالقة في أذهان ووجدان المصريين، وأن هذا الإرث القيم من التعاون المشترك سيظل محل تقدير بالغ من الشعب المصري.
إن الزخم الذي يشهده مختلف مجالات التعاون بين مصر وروسيا، على مدار السنوات الخمسة الأخيرة، لهو خير دليل على ما تنطوي عليه علاقاتنا من عمق ورسوخ، وهو الأمر الذي انعكس في مستوي التنسيق والتشاور المستمر بين المسؤولين في البلدين، وفي إطلاق الحوار الاستراتيجي بينهما، فضلا عن نمو حركة التجارة إلى أرقام غير مسبوقة لا تزال في سبيلها إلى الارتفاع.
كما أنني أتطلع للانتهاء خلال الأعوام المقبلة من مشروع عملاق وهو بناء محطة الطاقة النووية بالضبعة، والتي أثق أنها ستغدو علامة مضيئة أخرى وجديدة في مسيرة التعاون بين البلدين، وصرحًا ضخمًا في بنيان شراكتنا الممتدة.
وبالمثل فإنني أنظر إلى مشروع المنطقة الصناعية الروسية في شرق قناة السويس كمثال آخر على عمق شراكتنا، ونقطة انطلاق جديدة من أجل تعزيز الاستثمارات الروسية في مصر.
فنحن نتطلع دائما لخبراتكم واستثماراتكم في إطار من التكامل بيننا من أجل المساهمة في إنجاز ما يتم تدشينه من مشروعات عملاقة على أرض مصر. وأود.. وأود أن أؤكد لكم أن الباب سيبقي مفتوحًا أمام المستثمر الروسي، للاستفادة من المميزات الكبيرة التي تتيحها السوق المصرية كبوابة تجارية واستثمارية ضخمة للعديد من الدول الأفريقية والعربية والأسيوية.
السيدات والسادة،
لقد كللت جهودنا بالنجاح في استئناف حركة الطيران المباشر بين القاهرة وموسكو في أعقاب زيارة الرئيس بوتين إلى مصر في ديسمبر 2017، وإنني على ثقة بأنه في إطار الروح الإيجابية التي تسود العلاقات الثنائية بين مصر وروسيا سيعود الطيران قريبًا بين المدن الروسية والمصرية الأخرى، من أجل استعادة تدفقات السائحين الروس الذين طالما لاقوا كل ترحاب وتقدير ومودة في بلدهم الثاني مصر.
السيدات والسادة، قادة ونواب المجلس الفيدرالي الكرام،
إن المواقف الروسية الداعمة لإرادة المصريين في أعقاب ثورة الثلاثين من يونيو، وما شهدته العلاقات من تقارب؛ قد أتاح متابعة التطورات المتلاحقة على مدار السنوات الخمس الماضية، التي نجح خلالها المصريين في استعادة أمنهم واستقرارهم والحفاظ على كيان دولتهم العريقة، ومؤسساتها الوطنية الراسخة، ليجنبوا بلادهم نيران الفوضى.
حيث استطاع الشعب المصري استحضار مخزونه الحضاري الواسع والعميق، ليفرض إرادته وينقذ هويته، ويحقق قفزات هائلة على صعيد تمكين الشباب والمرأة ويمضي في تنفيذ إصلاحات اقتصادية جريئة، ليصبح ما تحقق من إنجازات، واقعًا حيّا شاهدًا على قدرة المصريين على تخطي الصعاب والعبور إلى المستقبل بثقة وتفاؤل.
إن مصر بينما تمضي في طريقها إلى هذاللمستقبل، تتطلع إلى تعزيز مستوى التنسيق والتواصل مع روسيا، وفتح آفاق جديدة للتعاون، لاسيما في مواجهة التحديات المشتركة، وعلى رأسها خطر انتشار وتمدد الإرهاب الذي يتشح زورًا باسم الدين بحثًا عن أهداف خبيثة ومصالح ضيقة لفئات لا تعرف أديانًا ولا أوطانا، فأصبحت عدوا للإنسانية بأسرها.
إلا أن القضاء على هذه الآفة الخطيرة يستوجب منا مواجهة جماعية من منظور شامل، نخوض من خلاله معركة العقول والقلوب ضد أفكار التطرف والانغلاق، مع إيلاء الاعتبار اللازم للبعدين الاقتصادي والاجتماعي بجانب الإجراءات العسكرية والأمنية.
وأود في هذا السياق أن أشير إلى مبادرة تجديد الخطاب الديني التي تم إطلاقِها، اطلاقُها من مصر منذ سنوات، من أجل مواجهة خطاب التطرف والأفكار المغلوطة والتفاسير الملتوية التي تجافي صحيح الدين وتنافي قيمه الحميدة، منوها بالدور المقدر الذي يقوم به الأزهر الشريف في هذا الشأن كمنارة للإسلام المعتدل الذي يُعلي من قيم التسامح وقبول الآخر.
كما أود أن أشير إلى العملية الشاملة سيناء 2018، وما حققته القوات المسلحة وقوات الأمن المصرية من نجاحات باهرة، من أجل حصار بؤر الإرهاب والسيطرة عليها بشكل كامل، فضلا عن اتخاذ التدابير اللازمة لحماية أمن مصر وحدودها وتأمينها من مخاطر تسلل المقاتلين الأجانب وتهريب المخدرات والإتجار في البشر، فضلا عن التصدي لموجات الهجرة غير الشرعية عبر السواحل المصرية إلى أوروبا.
وكما يمثل الإرهاب تهديدًا خطيرًا على الإنسانية بأسرها، فإن تفكيك مفهوم الدولة الوطنية تحت وطأة الأزمات المتلاحقة، يشكل خطرا وجوديًا على أمن المنطقة والعالم كله، فلا يكفي أن منطقتنا العربية لاتزال تعاني من أقدم وأعقد أزمة في التاريخ المعاصر متمثلة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بعدما عجز المجتمع الدولي عن إيجاد حل عادل وشامل لهذا الصراع الممتد.
بل وتلاحقت باقي أزمات المنطقة لتؤجج الصراعات الطائفية، وليخيم شبح تفكك وانقسام الدولة ومؤسساتها الوطنية ليفرض مزيدًا من التحديات والأخطار الجديدة، الأمر الذي يستدعي منا العمل معا وتسخير الطاقات وشحذ الهمم لمواجهة الأخطار المشتركة التي تحيط بنا.
لقد أصبحنا جميعا في خندق واحد، فلم يعد أحد بمنأى عن الخطر، ولم يعد بالإمكان تخطي تلك الأزمات فرادى أو بدون تحمل جميع أعضاء المجتمع الدولي لمسؤولياتهم، سواء عبر الإسراع بتحقيق التسوية السلمية للنزاعات، أو التصدي بحزم للأطراف التي تقف وراء الإرهاب وتغذيه بالقول والفعل أو المال.
إن ما يزيد من حدة الأزمات الراهنة في المنطقة هو تصاعد حدة الاستقطاب الذي لن يؤدي في النهاية إلا لتفاقم الواقع المضطرب من حولنا، وأقولها بصراحة، لم يعد هناك مجال للاصطفاف في محاور لفرض رؤى بعينها أو الانضمام لتكتلات، هدفها الانطواء على نفسها، والادعاء بأن تلك المخاطر لا تعنيها.
فلا سبيل للوصول لمستقبل أفضل إلا بتحقيق مزيد من التعاون وتنسيق المواقف في إطار من الاحترام والتقدير المتبادل وتفهم الاختلاف والتنوع وثقافة الآخر، والالتزام بالقانون الدولي وبمبادئ الأمم المتحدة، التي يجب أن تظل كيانا جامعًا لنا، من أجل نظام دولي فعال يسوده السلام والأمن، بما يساعد على التركيز على تحقيق التنمية والرخاء، وتلبية تطلعات شعوبنا وصولا لنظام عالمي أكثر استقرارًا.
وكما ذكرت في كلمتي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، فإنه لا مجال للحلول الجزئية للنزاعات والصراعات الداخلية أينما كانت، وإنما المعالجة الشاملة، التي تضمن الحفاظ على وحدة وسيادة الدول وسلامتها الإقليمية، وتعيد لم شمل أبناء الوطن الواحد، بما يسمح بإعادة البناء والإعمار، مع ضمان عدم إفلات المفسدين والمخربين والإرهابيين من المحاسبة.
ولعلكم تشاركونني الرأي بأن تلك المعالجة الشاملة للأزمات لن تتسنى بدون توافر الإرادة الجماعية للمجتمع الدولي، وبحيث يكون الخيار الأممي هو مظلتنا الجامعة لتحقيق هذا الغرض.
ففي سوريا على سبيل المثال، لا بديل عن تحريك العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة إلا بالإطلاق الفوري لأعمال لجنة صياغة الدستور كخطوة أولى نحو استئناف المفاوضات وإنهاء الأزمة في سوريا بشكل يحفظ وحدة هذا البلد الشقيق وسلامة مؤسساته ويلبي طموحات أبنائه.
وفي ليبيا فإن رؤيتنا للحل تقوم على ضرورة الالتزام بالحل السياسي وما يتطلبه من تحقيق تقدم في تنفيذ مبادرات المبعوث الأممي للحل السياسي الشامل في ليبيا بكافة عناصرها، والتي تم تبنيها منذ أكثر من عام، ولا تزال ترواح مكانها، وذلك جنبا إلى جنب مع توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، كي تتمكن من القيام بمهامها بفاعلية والمتمثلة في الدفاع عن ليبيا ومواجهة مخاطر الإرهاب، وهو المسار الذي تقوم فيه مصر بدور محوري.
السيدات والسادة، قادة ونواب مجلس الفيدرالية الموقرين،
ستظل روسيا الصديق الوفي الذي يمكن دائمًا الاعتماد عليه، لاسيما في ظل تقارب الرؤى والدعم المتبادل في مختلف المحافل الدولية، حتى وإن تباينت وجهات النظر حيال بعض القضايا، فإن ذلك يعد حافزا على إثراء الحوار، وتأكيدًا للحاجة لمزيد من التنسيق والتعاون، وصولا للسبل المثلي لمواجهة التحديات المشتركة.
إنني على ثقة في أن لقائي مع رئيس الوزراء ميدفيديف، ومباحثاتي غدًا مع الصديق العزيز، صديقي العزيز الرئيس بوتين، ستسهم في تحقيق نقلة جديدة، في مستوى التعاون والتنسيق والتقارب المشترك إزاء مختلف القضايا الثنائية والتحديات الإقليمية والدولية الراهنة.
وختامًا، السيدات والسادة، قيادات ونواب مجلس الفيدرالية الموقرين،
أود أن أجدد شكري الخاص لكم، لاستقبالي في مجلسكم الموقر اليوم، وأن أعرب عن خالص امتناني لحفاوة اللقاء وكرم الضيافة الذي لمسته منذ وصولي إلى الأراضي الروسية، وأن أؤكد تفاؤل مصر قيادة وحكومة وشعبًا، بمستقبل العلاقات المصرية الروسية في ظل القيادة الحكيمة للرئيس بوتين.
أشكركم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. (تصفيق)
ألقيت الكلمة في مجلس الفيدرالية الروسي بموسكو، بحضور فالنتينا ماتييفنكو رئيسة المجلس، وعدد كبير من نواب البرلمان الروسي، والإعلاميين، وتعد هذه هي المرة الأولى التي يلقي فيها رئيس أجنبي كلمة أمام المجلس.
خدمة الخطابات الكاملة للسيسي تجدونها في هذا الرابط