مقتطفات مترجمة من الخطاب الذي ألقاه البروفيسور جون بوسويل أمام مؤتمر اتفاقية الكرامة الدولية1979.
قال أفلاطون "يرى البرابرة ومن يعيشون في ظل حكومات مستبدة في المثلية الجنسية أمرًا مخزيًا؛ تمامًا كما تعد الفلسفة مخزية بالنسبة لهم. لأن الحكام على ما يبدو ليس من مصلحتهم ظهور [بيئة تحوي] أفكار عظيمة أو صداقات قوية أو حب متقد بين رعيتهم، وهي البيئة التي تصنعها المثلية الجنسية".
موقف أفلاطون هذا، كان من خصائص العالم القديم، وأود أن أبدأ مناقشتي لمواقف الكنيسة والمسيحية الغربية من المثلية الجنسية، من خلال التعليق على مواقف قابلة للمقارنة كانت سائدة في العالم القديم.
إلى حد كبير، تعتمد المواقف الغربية تجاه القانون والدين والأدب وأساليب الحكم؛ على المواقف الرومانية. هذا يجعل من المدهش بشكل خاص أن مواقفنا من المثلية الجنسية خصوصًا والتسامح الجنسي بشكل عام، تختلف بشكل ملحوظ عن تلك المواقف التي كانت سائدة في عصر الرومان.
من الصعب جدًا أن ننقل للجمهور الحديث استياء الرومان من مجرد طرح أسئلة حول النوع الاجتماعي والتوجه الجنساني. تعود تلك الصعوبة إلى حقيقة أن المؤرخين حتى عقود قليلة مضت، كانوا يطمسون، بوعي كبير، الأدلة على تلك المواقف المتسامحة، ما أدى إلى عدم انتشار الأدبيات والفنون ذات الصلة.
لم ينظر الرومان إلى الجنس أو التفضيل الجنسي على أنه مسألة ذات أهمية كبرى، كما أنهم لم ينظروا إلى الأمر بطريقة تحليلية. يجب على المؤرخ جمع الآلاف من الشذرات والعينات لإثبات القبول العام عند الرومان للمثلية الجنسية.
أحد الكتاب الإمبرياليين القلائل الذين يهتمون بالكتابة للتعليق على مسألة المثلية الجنسية هذه كتب مرة؛ "لقد جاء زيوس في شكل نسر ضخم [كي يختطف] الفتى بارع الجمال جانيميد، وجاء أيضًا على شكل بجعة كي ينال من ليدا أم ملكة سبارتا صاحبة الشعر المثالي. هناك شخص يفضل جنسًا معينًا وآخر يفضل غيره؛ أنا عن نفسي؛ أحب الجنسين".
كتب بلوتارخ في نفس الوقت تقريبًا (وقت أفلاطون) "لا يمكن لأي شخص عاقل أن يتخيل أن الجنسين يختلفان في أمور الحب كما هو الحال في الملبس. سوف ينجذب المحب الذكي للجمال في أي جنس يجده فيه".
لا يتضمن القانون الروماني والقيود الاجتماعية أية تضييقات على أساس الجنس على الإطلاق. في بعض الأحيان ادعى البعض أن هناك قوانين ضد العلاقات الجنسية المثلية في روما، ولكن من السهل إثبات أن الحال لم يكن كذلك. من ناحية أخرى، من الخطأ أن نتخيل أن مذهب المتعة الفوضوي كان يحكم روما. في الواقع، كانت لدى الرومان مجموعة معقدة من القيود الأخلاقية المصممة لحماية الأطفال من الإساءة، أو حماية أي مواطن من استخدام القوة أو الإكراه في العلاقات الجنسية.
كان الرومان، كغيرهم من الناس، حساسين تجاه قضايا الحب والاهتمام، لكن الخيار الجنسي الفردي (أي الميل الجنسي) كان غير محدود تمامًا. على سبيل المثال، كان الجنس مدفوع الأجر بين الذكور وبعضهم البعض شائعًا جدًا، بحيث شكلت الضرائب عليه مصدرًا رئيسًا لإيرادات الخزانة الإمبراطورية. كان الأمر مربحًا جدًا أنه حتى في الفترات المتأخرة من حياة الإمبراطورية -عندما تسلل بعض التعصب ضد المثلية، لم يتمكن الأباطرة من وضع حد لهذه الممارسة ما يعني خسارة العوائد المصاحبة لها.
كان زواج المثليين أمرًا قانونيًا ومتكررًا في روما لكل من الذكور والإناث. حتى الأباطرة كثيرًا ما تزوجوا من ذكور آخرين. لاقى الأمر قبولًا كاملًا لدى عموم الناس، بحسب ما وصل لمعرفتنا بخصوص قبول سلوك المثليين جنسيًا.
لم يقتصر هذا القبول التام على النخبة الحاكمة. هناك أيضا الكثير من الأدب الروماني الشعبي الذي يحتوي على قصص حب بين مثليين جنسيًا. النقطة الحقيقية التي أريد أن أقولها هي أنه لا يوجد أي شخص يبذل جهد حقيقي في سبيل الوعي في العالم الروماني؛ ذاك العالم الذي ولدت فيه المسيحية. لا يوجد محاولة عقلانية حتى في الادعاء بأن المثلية الجنسية غير طبيعية أو غير مرغوب فيها. في الحقيقة لا توجد كلمة "Homosexual مثلي الجنس" في اللاتينية. تبدو كلمة "Homosexual" وكأنها كلمة لاتينية، لكن من نحت الكلمة كان عالم نفسي ألماني، وحدث ذلك في نهايات القرن التاسع عشر.
لم يظهر أن أي شخص في العالم الروماني المبكر أحس أن حقيقة تفضيل شخص ما من نفس النوع الجنسي، كانت ذات خصوصية تتخطى كون أحدهم يُفضِّل ذوي العيون الزرقاء أو قصار القامة.
كما يبدو أنه لم تكن هناك سمات شخصية معينة مرتبطة بكون أحدهم مثلي أو غيري في تفضيلاته الجنسية. لم ينظر أحد للرجال المثليين باعتبارهم أقل ذكورة من قرنائهم الغيريين، ولم يُنظر للنساء المثليات باعتبارهن أقل أنوثة من سواهن الغيريات.
لم يُنظر للمثليين باعتبارهم أفضل أو أسوأ من الغيريين، وهو موقف يختلف عن المجتمع الذي سبقه، حيث اعتقد اليونانيون أن المثليين بطبعهم أفضل من الغيريين، أما المجتمعات التالية على الرومان فكانت تنظر إليهم باعتبارهم أقل شأنًا من غيرهم.
إذا كانت هذه هي الصورة الدقيقة للبنية الاجتماعية في العالم القديم، الذي اشتُقَّت منه الثقافة الغربية، فمن أين جاءت الأفكار السلبية الشائعة الآن فيما يتعلق بالمثلية الجنسية؟ الإجابة الأكثر وضوحًا على هذا السؤال، والإجابة الأكثر شيوعًا في الماضي، هي أن المسيحية مسؤولة عن هذا التغيير. هناك مصادفة تاريخية تعطي بعض المصداقية لهذه الفكرة، فعندما تظهر المسيحية على الساحة؛ فإن التسامح الذي طالما كثر الحديث عنه في السابق يختفي، ويصبح القبول العام للمثلية الجنسية أقل شيوعًا.
مع ذلك، يجب أن يكون واضحًا أنه من غير المرجح أن تكون المسيحية وحدها مسؤولة عن هذا التغيير. (يلاحظ أحدهم على سبيل المثال أن المناطق التي يعاني فيها المثليون جنسيًا من الاضطهاد المصحوب بالعنف؛ هي تلك الأماكن التي تعاني فيها المسيحية من درجة كبيرة الرفض).
براءة المسيحية؟
بادئ ذي بدء، أود أن نستبعد لبرهة فكرة أن الكتاب المقدس له علاقة بالمواقف المسيحية تجاه المثليين. من وجهة نظر تاريخية، من السهل أن نستبعد الفكرة، ولكني أدرك أنه بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون وفق ما يمليه الكتاب المقدس؛ فهناك الكثير مما يجب أن يقال، أكثر بكثير مما يمكن أن يلاحظه مؤرخ ما.
يمكن أن يلاحظ المؤرخ ببساطة عدم وجود نصوص في كتابات أوائل أو أواخر العصور الوسطى، تستند للكتاب المقدس في بث تلك الكراهية تجاه المثليين. وحيثما وجد أي سبب لأي عداء جديد؛ يتم الاستشهاد بمصادر أخرى غير الكتاب المقدس. في الواقع، ومن منظور تاريخي، الكتاب المقدس هو آخر مصدر يمكن النظر إليه [بعين الاتهام] بعد مراجعة العداء المتزايد تجاه المثليين جنسيًا. لكن الكثير من الناس لديهم الشعور بأن الكتاب المقدس له صلة بطريقة أو بأخرى، وأنه يجب تناول ومعالجة تعاليمه تجاه هذه القضية بشكل مفصل.
يدرك معظم الدارسين الجادين للكتاب المقدس الآن، أن قصة سدوم ربما لا يقصد بها أي نوع من التعليق على المثلية الجنسية. بالتأكيد لم يفسرها معظم الكتاب المسيحيين الأوائل على أنها تحريم للمثلية. في العالم الحديث، تشير فكرة القصة إلى خطيئة عدم الضيافة، لا السقوط الجنسي. ونُشرت هذه الفكرة للمرة الأولى في 1955 في كتاب "المثلية الجنسية والتقليد المسيحي الغربي" الذي ألفه دي. إس. بايلي.
منذ ذلك الحين اكتسب ذلك الطرح قبولًا متزايدًا لدى الباحثين. لكن العلماء المعاصرين متأخرون قليلًا؛ فقد شعر كل الدارسين في القرون الوسطي - تقريبًا- بأن قصة سدوم كانت قصة عن الضيافة. في الواقع، هذا التفسير لا يقتصر على كونه القراءة الأكثر وضوحًا؛ لكنه التفسير الذي تدعمه مقاطع عديدة من الكتاب المقدس نفسه. من المدهش، على سبيل المثال، أنه على الرغم من ذكر سدوم وعمورة في حوالي 24 مكانًا مختلفًا في الكتاب المقدس (بخلاف سِفر التكوين 19، حيث سُردت القصة للمرة الأولى)، فلا يوجد في أي من هذه المواضع ربط بين المثلية الجنسية وقوم لوط.
المواضع الأخرى التي قد يستوحى فيها العهد القديم لتجريم المثلية الجنسية؛ هي آية في سفر التثنية 23:17 وأخرى في سفر الملوك 14:24، وما لا شك فيه أن أفضل الأماكن هو سفر اللاويين 18:20 و20:13، حيث يوصف نوم الرجل مع رجل سواه كمان ينام مع النساء؛ بالنجاسة الطقسية عند اليهود. لم يستشهد أي من المسيحيين الأوائل بأي من هذه المصادر لدعم موقفه ضد المثلية الجنسية. لم يكن لدى المسيحيين الرغبة في فرض قانون اللاويين على أنفسهم أو أي شخص اخر.
معظم المسيحيين غير اليهود كانوا في الواقع مصدومين من معظم القيود التي يفرضها القانون اليهودي، ولم تكن لديهم الرغبة في أن يضعوا أنفسهم تحت سيف ما يعتبرونه عبودية القانون القديم. يقول القديس بولس مرارًا وتكرارًا إنه يجب علينا ألا نسقط في عبودية القانون القديم، وفي الواقع يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك قائلا إن الختان الذي يعد حجر زاوية الإيمان في القانون القديم؛ لن يجعل المسيح يلتفت لنا بشكل أكبر. المسيحيون الأوائل لم يلتزموا بقيود القانون القديم، الواقع أن مجلس القدس، الذي عقد حوالي سنة 50 ميلادية، سجل 15 مادة، ليس من بينها ما يتعلق بالمثلية الجنسية على وجه التحديد، وقرر المجلس الإيماني أن المسيحيين لن يكونوا ملزمين بأي قيود يفرضها القانون القديم مع وجود قائمة من الاستثناءات – ليس من بينها تشديدات اليهودية فيما يتعلق بالمثلية الجنسية.
لا نجد في العهد الجديد أي ذكر لقيود العهد القديم. لكننا نجد ثلاثة أماكن، كورنثوس الأولى 6:9، وتيموثاوس 1:10 ورومية 1:26-7، التي قد تكون ذات صلة. مرة أخرى، سأكون مختصرا في التعامل مع هذه الأمور: الكلمة اليونانية malakos أو ناعم في كورنثوس الأول 6:9 وتيموثاوس الأول1:10، التي اعتبرها الباحثون في القرن العشرين تشير إلى نوع من سلوك المثلية الجنسية، استخدمها الكتاب المسيحيون للإشارة إلى الاستمناء حتى حوالي القرن الخامس عشر أو السادس عشر. ابتداءً من القرن الخامس عشر، كان الكثير من الناس قد أزعجتهم فكرة أن من يستمنون محرومون من الجنة، لذا تم ترجمة كلمة malakos أو ناعم حتى تشير إلى المثلية الجنسية بدلا من الاستمناء. ظلت النصوص والكلمات كما هي، لكن المترجمين غيروا أفكارهم حول من ينبغي استبعادهم من الجنة.
طبيعي أم غير طبيعي؟
المقطع الباقي – رومية 1:26-7 - لا يعاني بشكل كبير من سوء الترجمة، رغم أنه يمكن بسهولة تضليلك بعبارة "ضد الطبيعة". فسرت الكنسية الأولى هذه العبارة أيضًا بشكل مختلف. يقول القديس يوحنا ذهبي الفم إن القديس بولس يقطع على من يناقشونه سُبل الأعذار في الدفع بأن نسائهم "اللائي يغيرن من طبيعتهن" قد أتين هذا الفعل [فعل مجامعة نساء أخريات] لأنهن مُنعن من الجماع القانوني (عبر الزواج) أو لأنهن كن غير قادرات على إرضاء رغباتهن. فقط من يملك شيء بإمكانه أن يغيره (في إشارة لكون النساء لا يملكن أجسادهن كي يغيرن من طبيعة استخدامها).
ويشير مرة أخرى إلى نفس الشيء عن الرجال، ولكن بطريقة مختلفة؟ يقول إنهم ممنوعون من هذا الفعل لأنهم به "تركوا الاستخدام الطبيعي للنساء".
بالمثل، في ظل تلك الكلمات كان يلقي جانبا كل عذر، وافترض أنه كانت لديهم المتعة الشرعية وتخلوا عنها ومضوا وراء أخرى لكنها "تخالف الطبيعة"، وسعوا وراء ما هو غير طبيعي. ما أدركه القديس يوحنا ذهبي الفم وأسهب فيه هي فكرة أن القديس بولس لم يكن يكتب عن المثليين جنسيا لكن عن الغيريين (الذين يميلون للجنس المغاير)، الذين ربما تزوجوا وهجروا المتعة التي تحق لهم بحكم طبيعتهم؛ وتوجهوا نحو متعة لا يحق لهم الحصول عليها. وينعكس هذا في شرائع فرض القيود على ممارسة المثلية الجنسية، والتي كانت موجهة بشكل رئيسي خلال القرن السادس عشر، إلى المتزوجين. ولم يذكر الكثير بشأن العُزّاب.
ربما كان العنصر الأكثر أهمية في هذا النص [رسالة القديس بولس] هو أنه أدخل في الفكر المسيحي فكرة أن علاقات المثلية الجنسية كانت "ضد الطبيعة". على كل حال، يبدو أن ما قصده بولس لم يكن معتادًا، أكثر من كونه ضد القانون الطبيعي، لأن مفهوم القانون الطبيعي لم يتم تطويره إلا بعد نحو 1200 سنة. كل ما قصد أن يقوله بولس هو أنه كان من غير المعتاد أن يكون لدى الناس هذا النوع من الرغبة الجنسية. يتضح ذلك من خلال حقيقة أنه في نفس الرسالة في الفصل الحادي عشر، وصف الرب نفسه في الواقع بأنه يتصرف "ضد الطبيعة" في إنقاذ الأمم. بالتالي، لا يمكن تصور أن هذه العبارة تدل على الفساد الأخلاقي.
يمكن للمرء أن يتساءل ما إذا كان الصمت المدوي تجاه الموضوع في العهد الجديد لا يحمل إشارة لموقف المسيحيين الأوائل من المثلية الجنسية؟ كمؤرخ، أود أن أقول لا. معظم الأدبيات في هذه الفترة، خاصة التوجيه القانوني والأخلاقي، تصمت تمامًا عن ذكر الجوانب العاطفية البحتة للحياة البشرية.
في العهد الجديد، يرد المسيح والقديس بولس وغيره من الكُتاب بشكل عام على الأسئلة المتعلقة بالمشاكل الاجتماعية والأخلاقية التي يطرحها عليهم مجتمع أغلبيته من الغيريين (المجتمع اليهودي في فلسطين). سألهم الناس أسئلة عن الطلاق والأرامل والممتلكات وكل شيء، وردوا على هذه الأسئلة. إن معظم تعليقات المسيح الأخلاقية خاصة عن الجنسانية كانت في رده على أسئلة محددة طُرحت عليه.
لا يبدو أن المسيح يعطي مبادئ توجيهية مفصلة عن جميع جوانب الحياة البشرية، لا سيما الحياة العاطفية؛ بل يقدم مبادئ عامة. لا يكاد يوجد أي تعليق في أي مكان في الكتاب المقدس عن محبة الأبناء. هناك بعض التعليقات القليلة عن الصداقة، ولا يوجد تعليق واحد عما نعرفه بـ"الحب الرومانسي"، رغم أنه القاعدة التي يتأسس عليها للزواج المسيحي الحديث في كنيستنا، فضلا عن المجتمع المسيحي بأكمله.
هناك عدة أسباب للعداء تجاه المثليين جنسيا، التي تبدو الآن وكأنها صارت من خصائص العالم المسيحي وأود لفت الانتباه إليها؛ بداية أود أن أتخلص مما يبدو أنه أول سبب للعداء تجاه المثليين جنسيا، والذي يعرف بأنه رفض الممارسات الجنسية غير الإنجابية. كانت هناك بالفعل مشاعر عنيفة لدى بعض المسيحيين الأوائل، تجاه أي نوع من الجنس لا ينتج عنه أطفال، لكن هذا لا يمكن أن يكون نابعا من مبادئ المسيحية.
من بين أمور أخرى، لا توجد كلمة في العهد القديم أو الجديد حول الجنسانية غير الإنجابية بين المتزوجين، بل إن معظم المعلقين اليهود قد وافقوا على أن أي شيء كان مباحا بين الزوج والزوجة.
هناك مبدأ راسخ في جميع فروع علم الاجتماع؛ يفيد بأن هناك كراهية تكاد تكون طبقية ضد الأفعال الجنسية التي لا تقود للإنجاب. يتوقع المرء أن يجد هذا بين المسيحيين من الطبقة الدنيا، كما بين أي فئة من الطبقة الدنيا في المجتمع. الرفض الواضح بين اللاهوتيين لكل الممارسات الجنسية غير الإنجابية لا يرتبط مباشرة بالسلوكيات تجاه المثليين جنسيا. كان اللاهوتيون في الكنيسة الأولى يحاولون إقناع كل المسيحيين بأن عليهم أن يروا كل فعل من علاقات الجنس الأخر كأنه خلق محتمل لطفل.
لم تكن هناك وسائل فعالة لتحديد النسل معروفة في هذا العالم (باستثناء الامتناع عن ممارسة الجنس)، ولا حتى طريقة التناغم. الطريقة الوحيدة لتجنب تربية الأطفال هي قتلهم أو التخلي عنهم. لذلك أراد اللاهوتيون إقناع الآباء المسيحيين بأن عليهم أن يكونوا مسؤولين عن خلق طفل في كل مرة كانوا يمارسون فيها الجنس. البدائل الأخرى الوحيدة في عالمهم -العالم الذي صاغه اللاهوت المبكر للكنسية - لم تكن مقبولة أخلاقيًا. الآن الهدف الأصلي من هذا النهج، على ما يبدو، كان فقط لحماية الأطفال. لم يكن لمهاجمة المثلية الجنسية. في الواقع، مرت فترة طويلة قبل أن يتم إسقاط هذه الفكرة على المثلية الجنسية؛ لكن هذا حدث في نهاية الأمر على كل حال.
يبدو أنه في أواخر القرنين الحادي عشر والثاني عشر، لم يكن هناك خلاف بين الحياة المسيحية والمثلية الجنسية. كانت المثلية الجنسية في كل مكان في الفن والشعر والموسيقى والتاريخ، وما إلى ذلك من إبداع وكتابات القرنين الحادي عشر والثاني عشر. والأدب الأكثر شعبية في ذلك الوقت حتى الذي كتبه غيريون كان أدبًا يتناول محبين من نفس الجنس (مثليين). كان رجال الدين في طليعة من أحيوا الثقافة المثلية.
فالقديس أليرد، على سبيل المثال، كتب عن شبابه وأفكاره التي لم تنقطع حول أن يحب رجالاً آخرين وأن يكون محبوبًا من الرجال. عندما تحول إلى رئيس دير، كرس حبه للرجال في حياته المسيحية عن طريق تشجيع الرهبان على حب بعضهم البعض، ليس فقط بشكل عام، ولكن بشكل فردي وعاطفي استشهد بمثال المسيح والقديس يوحنا كمثال على ذلك. قال إن "المسيح نفسه مثلنا في كل شيء، سواء في الصبر أو الرحمة مع الآخرين في كل أمر، تجلى هذا النوع من الحب من خلال التعبير عن حبّه الخاص. فقد سمح لشخص وليس للكل أن يتكئ على صدره كدليل على حبه الاستثنائي له، وكلما اقتربوا، كلما ازدادت أسرار زواجهم السماوي الذي يضوّع حبهما بعطر زيت الميرون المقدس".
انقلاب مسيحي
بعد القرن الثاني عشر، بدا أن التسامح المسيحي مع حب المثليين جنسيا وقبوله يختفي بسرعة ملحوظة. اختفت كتابات القديس أليرد، حيث تم الاحتفاظ بها في أديرة السيسترسية (وهي نوع من الرهبنة للرهبان والرهبات)، وظلت كذلك حتى ثمانية أعوام مضت (أفرج عنها عام 1971)، عندما تمكن رهبان السيسترسية من قراءتها مرة أخرى. ابتداءً من عام 1150 تقريبا، ولأسباب لا يمكنني شرحها بشكل وافٍ، كان هناك ارتفاع كبير في عدم التسامح الشعبي تجاه المثليين جنسيا. في هذا الوقت أيضا كانت هناك فورات عنف ضد اليهود والمسلمين والسحرة.
استُبعدت النساء فجأة من مراتب السلطة التي كانت في متناول أيديهن من قبل. لم يعد بإمكانهن، على سبيل المثال، الالتحاق بالجامعات التي سبق لهن الالتحاق بها. تم إغلاق الأديرة التي تجمع بين الرجال والنساء. كان هناك اشتباه في الجميع. في عام 1180 طُرد اليهود من فرنسا.
التغيير كان سريعا. في إنجلترا في القرن الثاني عشر لم تكن هناك قوانين ضد اليهود، بل إنهم احتلوا مواقع بارزة في الدولة، ولكن بحلول نهاية القرن الثالث عشر، كان النوم مع يهودي مساويًا للنوم مع حيوان أو القتل، وفي فرنسا كان اليهود -وفقا للقديس لويس- يُقتلون فورًا وبلا محاكمة إذا شككوا في الإيمان المسيحي. خلال هذه الفترة، كانت هناك العديد من المشاحنات المشينة ضد المثليين، بالادعاء بأنهم يعتدون على الأطفال وينتهكون القانون الطبيعي. وأحيانا أنهم يمارسون البهيمية؟ وأوقع الأذى بالأمم والمجتمعات التي تتعاطف مع المثليين.
خلال قرن واحد فقط. بين عامي 1250 و1350، مررت كل الدول الأوروبية تقريبًا قوانين مدنية تطالب بالإعدام لأي شخص يأتي سلوكًا مثليًا. أثر هذا التفاعل الشعبي على اللاهوت المسيحي بقدر كبير. خلال القرن الثاني عشر كانت العلاقات الجنسية المثلية في أسوأ الأحوال تقارن بالخيانة الزوجية، وفي أفضل الأحوال كان المثليون يعتبرون غير خطاة على الإطلاق. خلال القرن الثالث عشر، وبسبب هذا الشعور الشعبي، حاول كتاب مثل توماس الأكويني تصوير المثلية الجنسية كواحدة من أسوأ الخطايا، في المرتبة الثانية بعد القتل.
من الصعب للغاية وصف كيف حدث ذلك. حاول القديس توماس أن يثبت أن المثلية الجنسية معارضة للطبيعة بطريقة ما، وكان أكثر الاعتراضات شيوعًا هو أن الطبيعة خلقت الجنس من أجل الإنجاب واستخدامه لأي غرض آخر ينتهك تلك الطبيعة. كان الأكويني أكثر ذكاءً جدًا بالنسبة لهذه الحجة. في كتاب "سوما كونترا غنتيليز" (كتاب عن حقيقة الإيمان الكاثوليكي ضد أخطاء غير المؤمنين)، سأل؛ "هل من الخطيئة أن تمشي على يديك عندما يكون المقصود منها شيء آخر؟" في الواقع لا ليس خطيئة، لذا غير رأيه. كان من غير الواضح سبب اعتبار المثلية الجنسية خطيئة؛ فبدأ يبحث عن سبب اخر.
في بادئ الأمر حاول أن يجادل بأن المثلية الجنسية يجب أن تكون خطيئة لأنها تعرقل استمرار الجنس البشري. غير أن هذه الحجة فشلت أيضا، حيث لاحظ الأكويني في خلاصة التاريخ أن "مهمة ما قد تكون من نوعين: يجوز فرضها على الفرد كواجب لا يمكن تجاهله بدون خطيئة، أو قد يكون مفروضا على مجموعة. في الحالات الأخيرة، لا يوجد فرد واحد ملزم بالوفاء بالمهمة. الوصية المتعلقة بالإنجاب تنطبق على الجنس البشري ككل! وهي ملزمة لزيادته. ولذا فهي كافية (لاستمرار) العرق إذا ما تعهد بعض الأشخاص بالتناسل".
علاوة على ذلك، أقر الأكويني في "سوما كونترا جنتيليز" بأن المثلية الجنسية أمرًا طبيعيًل بالنسبة لأفراد معينين وبالتالي فهي بريئة. كيف يتصور المستشهدين به، أنه يجزم بأن المثلية غير طبيعية إذن؟ في مكان ثالث، اعترف بأن مصطلح "طبيعي" في الحقيقة ليس له أهمية أخلاقية، ولكنه ببساطة مصطلح ينطبق على الأشياء التي عليها خلاف شديد. يقول إن "عموم الناس تطلق على المثلية الجنسية 'الرذيلة غير الطبيعية'، وبالتالي قد يقال أنها أمر غير طبيعي". لم يكن هذا من اختراع الأكويني.
لقد كانت كتابته تنطلق من الانحيازات الشعبية الكارهة للمثلية في ذلك الوقت. لم تستمد تلك المواقف سلطتها من الكتاب المقدس أو من أي تقليد سابق للأخلاق المسيحية، ولكنها في النهاية أصبحت جزءًا من الفكر اللاهوتي الكاثوليكي. ظلت هذه المواقف دون تغيير بشكل أساسي، إذ لم يكن هناك أي دعم شعبي للتغيير في هذه المسألة. استمر عموم الناس في الشعور بالعداء تجاه المثليين جنسيا، ولم تتعرض الكنيسة لأي ضغوط لإعادة النظر في أصول تعاليمها المتعلقة بالمثلية الجنسية.
من الممكن تغيير المواقف الكنسية تجاه المثليين ونوعهم الجنسي وجنسانيتهم لأن الاعتراضات على المثلية الجنسية ليست موجودة في الكتاب المقدس، فهي ليست ثابتة، وليست جزءًا من تعاليم المسيح. حتى أنها ليست مسيحية في الأساس. من الممكن أن تكون المسيحية لم تكترث، هذا إن لم تكن رحبت بالمثليين جنسيا ومشاعرهم لفترة طويلة من الزمن؛ أطول حتى من فترة عدائها لهم. ربما يعود ذلك لأن الآباء المؤسسين للدين كانوا على وجه التحديد يعتبرون الحب حدث يتجاوز الجسد وأنه الغاية لا الوسيلة.
قد لا يكون من غير الممكن استئصال التعصب من المجتمع العلماني، لأن التعصب لا يمكن إصلاحه إلى حد ما؛ غير أني أعتقد أن موقف الكنيسة يمكن تغييره ويجب ذلك. لقد كانت الموقف مختلفًا في الماضي ويمكن أن تكون (مختلفًا) مرة أخرى. قال أفلاطون عن المجتمع العلماني قبل 2400 سنة تقريبًا، إنه "حيثما ثبت أنه من المخجل الدخول في علاقات مثلية، فإن ذلك يرجع إلى الشر من جانب الهيئات التشريعية، وإلى الاستبداد من جانب الحكام وإلى الجبن من جانب المحكومين".
لا أعتقد أننا سنحتمل أن نكون جبناء، لدينا وفرة من السوابق الكنسية لتشجيع الكنيسة على تبني موقف أكثر إيجابية؛ يجب أن نستغلها. وكما كتب رئيس أساقفة مثلي الجنس في القرن الثاني عشر "لسنا نحن من نعلِّم الرب كيف نحب، لكنه (الرب) الذي يعلمنا ذلك. جعل طبائعنا مفعمة بالحب"، وكتب أحد معاصريه "الحب ليس بجريمة. إذا كان هناك من خطأ في الحب، لما كان الرب ارتبط بالحب الإلهي". هذه التعليقات جاءت من مجتمع مسيحي، من الإيمان المسيحي. وهذا المجتمع يمكنه ويجب أن يتم تذكيره بمعتقداته الأولى، وقبوله السابق للمثلية الجنسية. علينا القيام بذلك التذكير.
اقرأ أيضًا: المسلمون وتاريخ من التسامح مع المثلية الجنسية