حلا شيحة تخلع الحجاب وتعود للتمثيل. "عادت إلى طبيعتها"، "تخلت عن التديّن والأخلاق الحميدة"، "ما لنا وحلا دعنا نهتم بمشاكلنا"، "خلع الحجاب شأن خاص، متى يتخلى المجتمع عن التدخل في شؤون الناس الخاصة؟"، "أنت متضايقة لأنك لا تجرؤين على خلع الحجاب أنت تحسدينها"، "لا خصوصية للشخصيات العامة".
كانت هذه مجمل توجهات من تفاعلوا عبر شبكات التواصل الاجتماعي مع خبر خلع حلا شيحة لحجابها وإعلانها العودة للتمثيل. كالعادة تغطي علاقات الفنانين وتوجهاتهم ومواقفهم وخياراتهم الشخصية وصورهم على إنستجرام على أخبار ما يقدّمونه من فن.
صديقتي "س" محررة صحفية في قسم الفن، كثيرًا ما تأفّفت من الكتابة في هذا المجال، حيث تضطر أن تغطي تلك الأخبار، وأحيانا تسأل مصادرها من الفنانين عن شؤون الآخرين الخاصة، كانت تحلم عندما عملت بالصحافة أن تتابع الأعمال الفنية، تُعلّق عليها، تنتقدها، تنشر أخبارًا للمتلهفين على الجديد في عالم الموسيقى والسينما.
إلى جانب "س"، هناك الكثير من أصدقائي يتأفّفون أيضًا من هذا السيل الجارف من أخبار الفنانين الخاصة على حساب أخبار ما يقدمونه من فن.
لنعيد طرح هذا التساؤل المتكرّر إلى الدرجة التي تحول فيها لأكليشيه: لماذا كل هذا الجدل حول خلع حلا للحجاب؟ ولماذا دائمًا الجدل حول ما يفعله المشاهير؟، كتاب يقرأه محمد صلاح أو زيجات عمرو دياب، ولماذا هذا التقليد الأعمى لما يفعلونه على الشاشات؟، شيء على الأقل يثير استياء الأذكياء والمثقفين، الذين قد ينظروا إلى بعض الممثلين المثيرين للجدل بأنّهم ليس لهم باع يستحق الالتفات في فنهم وتخصصهم، لم يضيفوا شيئًا، فلماذا الاهتمام بهم من الأصل؟ّ!.
النجوم: منتجات لا مبدعين
"عبادة المشاهير" هذا هو مصطلح عالم النفس جيمس تشابمان في مقاله "هل تعبدون المشاهير؟" المنشور على "ديلي ميل" في عام 2003، يُعرّف فيه "اضطراب الوسواس القهري" المتعلق بالمشاهير، ويرى أنّه عندما يصبح الشخص متورطًا بشكل مفرط في تفاصيل حياة المشاهير، تنحو سلوكياته إلى مجموعة أعراض غير طبيعية مرتبطة بوجود حالة نفسية مزعجة، وغير مرغوب فيها.
واستخدم تشابمان كلمة عبادة، لأنّ الدين كان حيويًا بشكل كبير في العصور الوسطى، ووظيفة سيادية في معظم المجتمعات، ويمكن رؤية المشاهير اليوم في وضع مماثل لرجال الدين بالأمس.
يقول جيمس حوران، عالم النفس في كلية الطب في جامعة جنوب إلينوي، لموقع إيه بي سي الأمريكي "نحن كمجتمع أصبحنا مشغولين بشكل مفرط بالمشاهير، والصور الخيالية التي يستحضرونها".
وفي عيّنة مكونة من 600 شخص، قام حوران ورفاقه الباحثين في الجامعة من تحديد "متلازمة عبادة المشاهير"، وعنى بها الاهتمام غير الصحي بحياة المشاهير، وكان ثلثهم مصابين بهذا المرض.
ولكن متى يمكن أن نقول أنّ مجتمعنا يعبد المشاهير؟ بحسب حوران فهناك مستويات معتدلة غير مَرَضيّة، مثل المناقشة حول الأمور الشخصية للفنانيين، هجر حبيبته، قضى عطلته في جزيرة، هذا مستوى "معتدل للغاية"، ويبدأ الخطر عندما يشعر الشخص بتواصل مع النجم، "أعتقد أن أحمد السقا رفيق روحي"، ويبلغ الحدود المَرَضيّة، عندما تعتقد فتاة أنّ "براد بيت" عندما يقرأ رسالتها سيترك صديقته ويلهث خلفها.
ويرى حوران أنّ عبادة المشاهير موجودة طالما وجد أشخاص مشهورين، ولكنّها باتت حادّة هذه الأيام بسبب التقدم التكنولوجي الذي مكّننا من خلق مجتمعات معينة، وتسويقها إلى جمهور واسع، ومشاركة المعلومات بشأنهم.
ولكننا كبشر نحمل بداخلنا نوازع طبيعية لحب الشخصيات الناجحة، ومحاولة تقليدها، واستلهامها في حياتنا، هل هذه هي فعلّا طبيعة علاقة الجمهور بالنجم؟ يقول حوران إن "المشاهير لم يعودوا أشخاصًا لديهم مواهب وسمات خاصة، إنهم ببساطة منتجات يتم تسويقها".
النجوم سلطة أعلى من "الزعيم"
ما يراه عالم الاجتماع البولندي سيجموند باومان في كتاب "الحداثة السائلة" أنّ للمشاهير في هذا العصر سلطة كبرى في تشكيل أخلاق وأفكار الناس، وأنّ لكل شخص نجمه الذي يُشكّل فكره، وسمّى تلك الظاهرة "سلطة النموذج".
يشرح لنا باومان في بداية الكتاب الأجواء التي مَهدّت لبروز تأثير النجوم والمشاهير على وعينا، وأخلاقنا، أو ما سمّاه "سلطة النموذج"، يقول إنّه في غياب السلطة العليا، أو حضور سلطات عديدة تتطلّع إلى السيادة، ولا يملك أيّ منها سوى فرصة ضئيلة لكسب المعركة، تظهر مشاكل وتساؤلات حول مغزى ما نقوم به كبشر في حياتنا.
وهذا بحسب باومان يؤدّي إلى "تردٍّ كبير، وجزع مستمر، وضياع للثقة، وشعور مؤلم ومتواصل بحالة من اللايقين المطلق، والقلق الدائم"، ليلمع نجم المشاهير، ويقدمون بتصريحاتهم ومواقفهم رؤية للحياة تملك سلطة على أرواحنا الضائعة، تفوق سلطة رؤية المؤسسات مثل دور العبادة والمدرسة والدولة.
ويشير باومان إلى أن أهمية القضايا السياسية الجادة باتت تتراجع في اهتمامات الرأي العام، في مقابل تفاصيل حياة المشاهير، وهو هنا يذكّرنا مثلًا بقرار الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون بإلغاء الرفاه الاجتماعي باعتباره "قضية فيدرالية" وهذا يعني "إلغاء الوعد والواجب بحماية المجموع للفرد من أهواء القدر"، ولكن لم يلتفت أحد لهذا قدر انشغاله بأخبار المشاهير الخاصة.
في ظلّ هذه الأجواء ما على المشاهير سوى التواجد في محط الأنظار، ونشر أسرارهم وحياتهم للاستهلاك العام، ويتحول الأمر في النهاية إلى إدمان، فكلّما طلبت شيئًا احتجت إليه، وزاد شعورك بعدم السعادة "عندما تُحرم من الإمدادات المخدرة المنعشة المطلوبة، فكل أنواع الإدمان هي وسائل لإطفاء غليل العطش"، ولذا فإنها جميعًا "ذاتية التدمير، تدمّر أي إمكانية مستقبلية للإشباع والارتواء".
ويضيف "النماذج والوصفات التي يقدمها المشاهير قد تفشل في الوفاء بما تعهّدَت به، وإن فعلت فالإشباع والارتواء لا يدومان طويلًا".
وقد اكتشفت الشركات التجارية قوة "سلطة النموذج"، ووظفتها للإعلان عن كل شيء، لأنهم مميزون ويجذبون اهتمام المستهلكين للعلامة التجارية بطريقة لا يفعلها أيّ شئ آخر.
وأظهرت دراسات أن المشاهير يُضفون المصداقية على العلامة التجارية، ويؤثّرون في طريقة إدراكها، إذا كان المنتج جيدًا كفاية لهذا النجم، فهو جيد بما فيه الكفاية للمستهلكين.
ومن الصعب قياس تأثير المشاهير على عقول الناس بشكل دقيق، ولكن وفقًا للإعلانات الاستهلاكية، فإنّ واحدة من كل أربعة إعلانات يعرضها المشاهير في أمريكا، وتقلّ النسبة في أوروبا كثيرًا، ففي ألمانيا 16% من الإعلانات يعرضها مشاهير.
أمّا في آسيا فثقافة المشاهير منتشرة، ويُعتقد أنّه في كوريا الجنوبية واليابان فإن 70% من الإعلانات التجارية يروجها مشاهير، ومؤخرًا اكتسبت الظاهرة زخمًا.
وقد قطعت كوريا الجنوبية شوطًا كبيرًا في هذا المجال، حيث تعمل شركات الترفيه مع صناعة الإعلان بطريقة فريدة، حيث يتم تدريب مئات النجوم منذ سنّ مبكرة للغناء في الحفلات الموسيقة، وتأييد المنتجات، وترويج العلامات التجارية للشركات.
أما في الصين، في ظلّ نموذج "اقتصاد السوق الاشتراكي" الجديد، فإنّ المشاهير وليس الأبطال العسكريين يرمزون إلى قيم أخلاقية مثل المعرفة والثقة والطموح في نظر المستهلكين.
وتعتبر الممثلة فان بينجينج أكثر المشاهير تأثيرًا في الصين، يليها جاي تشو واندي لاو، وتستخدم الشركات الغربية هؤلاء للمساعدة في بيع منتجاتهم في أسواقهم.
وفي الهند بات للمشاهير سلطة كبيرة، إلى الدرجة التي يطالبون فيها الشركات الكبرى بتأمين عقود مع كبار نجوم بوليوود، مثل كاترينا كايف، شاروخ خان، وكارينا كابور.
لذا، وبحسب تلك الآراء والدراسات، فلا تتوقعوا أن تتوقف الثرثرة عن اختيارات الفنانين، وحياتهم الشخصية، وصور حفلاتهم، إنها "الحداثة السائلة"، و دنيا السوق، التي حوّلت الحياة الشخصية للفنان إلى سلعة، والجمهور إلى زبائن مستهلكة، أدمنت تلك الأخبار والمواقف والتعليقات.
مبروك لحلا شيحة خلع الحجاب، وعودًا حميدًا لعالم الفن.