نوح كولوين - selectall نيويورك ماجازين
ثمة خطأ ما بشبكة الإنترنت. فحتى مارك زوكربرج على علمٍ بذلك، كما أوضحت شهادته أمام الكونجرس. أعدَّ المدير التنفيذي لـ"فيسبوك" قائمة بكافة إخفاقات منصته؛ من الأخبار الكاذبة والتدخل الأجنبي في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016، وصولًا إلى خطاب الكراهية وانتهاك الخصوصية. اعترف قائلًا: "لم ننتبه كُليةً إلى نطاق مسؤوليتنا الواسعة"، ثم نطق بالكلمات التي انتظرها الجميع: "أنا آسِف".
كان هناك دائمًا غرباء عن صناعة التكنولوجيا ممن ينتقدونها، حتى لو غابت مخاوفهم وسط طوفان الانبهار الدائم من المستهلكين والمستثمرين والصحفيين. أما اليوم فإن التحذيرات الأكثر خطورة تنطلق من قلب وادي السليكون نفسه.
الرجل الذي أشرف على اختراع هواتف i-Phone من البداية يعتقد أن الجهاز الذي شارك في تصنيعه يتسبب في الإدمان. مبتكر الشبكة العنكبوتية (world wide web) يخشى من تحويل اختراعه إلى سلاح، حتى الرئيس الأول لـ"فيسبوك" شون باركر وصم وسائل التواصل الاجتماعي بكونها شكل من أشكال الاستغلال النفسي، ومؤخرًا صرح بأسى "الله وحده يعلم ماذا تفعل بعقول أبناءنا..".
لكي نفهم أي خطأ وقع، وكيف تحول حلم وادي السيليكون ببناء يوتوبيا إلكترونية إلى مجمع كازينوهات تعرّي عالمية، تُديرها النوافذ الإعلانية المفاجئة (pop-up ads) والتنمُّر الإلكتروني وفلاديمير بوتن؛ تحدثنا إلى أكثر من 12 مهندسًا ممن أسهموا في بناء واقعنا الرقمي.
لو أرادت صناعة التكنولوجيا أن تتعلم دروسًا من العثرات التي تعرضت لها الأديان، ورغبت في تحقيق نهضة على شاكلة رواية الخلاص المسيحية؛ فكنيسة التكنولوجيا الآن تُفرز طائفة جديدة من المرتدِّين، يهذون باعترافاتهم كأنهم محمومين. وخطيئة الإنترنت الأولى بحسب ما أوضح هؤلاء المبرمجين والمستثمرين والمديرين التنفيذيين هي نموذج العمل business model الذي على أساسه تُجنى الأرباح.
لكي يبقى الإنترنت مجانيًا بينما يجنون هم المزيد من الثروة وبأسرع من غيرهم من فاحشي الثراء على مدار التاريخ البشري؛ كان على نخبة التكنولوجيا أن تجد وسيلة لاجتذاب مليارات المستخدمين إلى الإعلانات التي يروجونها. وكانت الوسيلة التي توصلوا إليها فظيعة. كما يشير جيرون لانيور أحد الرواد في مجال الواقع الافتراضي، فـ"الغضب" هو أكثر العواطف فعالية لتحفيز التفاعل، والأكثر ربحًا في سوق تعتمد أساسًا على الانتباه.
كانت وسيلتهم هي خلق دائرة تتجدد ذاتيًا من الصدمة وتبادل الاتهامات، السوشيال ميديا دفعت باتجاه مزيد من الاستقطاب، في الدولة التي بدت في عهد أوباما وكأنها وصلت إلى درجة غير مسبوقة ولا يمكن التراجع عنها من الانقسام والاستقطاب.
اختلف النموذج الإعلاني للإنترنت عن أي شيء سبقه، فأيًا كان تصورك عن الإعلانات المذاعة جماهيريًا، فإنها تنجح في استدراجك لتصير جزءًا من مجتمع ما، حتى لو كان مجتمع من الاستهلاكيين. في المقابل؛ فثقافة وسائل التواصل الاجتماعي لا تستدرجك إلى أي مكان؛ بل تلتقي بك حيثما تكون تمامًا، بتفضيلاتك وانحيازاتك كما تخمنها اللوغاريتمات (الترتيبات الحسابية). الاستهداف المصغّر Microtargeting ليس سوى تعبير منمَّق عن تفتيت المجتمع، وهو منطق شائع في الأوساط التجارية التي تَعِد بخلق وحدة في المجتمع، لكنها تسعى للعكس تمامًا.
لماذا بدأ وادي السيليكون على مدار العام الماضي في إبداء الندم على الأسس التي بنى عليها نجاحه؟ الإجابة الأبرز هي 8 نوفمبر 2016 (إعلان نتيجة الانتخابات الأمريكية بفوز ترامب). فرغم ما يمثله دونالد ترامب من انتهاك للمُثل العليا التي قامت عليها الشبكة العنكبوتية؛ إلا أنه انتُخب رئيسًا من خلال الإنترنت ذاتها.
لعب تويتر دورًا غير مسبوق، وكان بمثابة مكبر صوت مثالي بالنسبة لترامب، بينما ساعد "جوجل" أنصاره على استهداف المستخدمين سريعي التأثر بخطاب "الإسلاموفوبيا"، ومثّلت مواقع تلعب دورًا أقرب للنوادي الاجتماعية كـ"ريديت" reddit وفورتشان 4chan أرضًا خصبة لاستقطاب أنصار اليمين المتطرف. أما فيسبوك، فبات سلاحًا مفضلاً لمثيري الشغب الروس، ومستخرجي البيانات كشركة كامبردج أنالاتيكا. وبدلًا من خلق يوتوبيا إلكترونية؛ بدا الإنترنت فجأة كمصدر تهديد للطبقة التي صنعته، بعد أن كان لها نائبًا عنها في إدارة العالم.
اقرأ أيضًا: فضيحة فيسبوك وكامبريدج أناليتيكا: أزمة غياب البدائل
لم يبق أمامنا إلا قطاعات -تزداد انقسامًا- من المستخدمين المستاءين، يوحدهم غضبهم المشترك من حالمي وادي السليكون الذين فقدوا السيطرة على ما أنشأوه من منصات. وتُضاعِف من مخاوفهم العقلانية الضخامة الإمبراطورية لشركات التكنولوجيا الحديثة شبه المستقلة، وعدم خضوعها لتنظيم قانوني واضح، وكلها عوامل تُصعِّب من الوصول لحل فعال.
هل يغير نموذج الاشتراك المدفوع من طريقة عمل مستثمري الإنترنت بحيث يدفعهم للإعلاء من قيمة استفادة المستخدم فوق قيمة الأموال التي يجنونها من غضبه بسبب الإعلانات؟ هل توفّر قوانين الإنترنت حماية أكبر للبيانات؟ أم هل يتعين علينا تفكيك تلك الاحتكارات الحديثة بأسرها على أمل أن توفر التنافسية خيارات أكبر للمستهلكين؟
اتضح لنا أن وادي السيليكون لن ينقذ العالم، لكن أولئك الذين أنشأوا الانترنت قدموا لنا تقريرًا واضحًا وصادمًا عن أسباب فشل الأمور ووصولها إلى هذه الدرجة المؤسفة. وكيف استُخدمت التقنيات التي ابتكروها لتقويض كافة مظاهر المجتمع الحر الذي سمح بظهور مثل هذه التقنيات في المقام الأول.
المهندسون
(بترتيب الظهور)
چارون لانيير: رائد الواقع الافتراضي، ومؤسس أول شركة لبيع نظّارات الواقع البديل الإلكترونية VR goggles، وعمل بشركتي أتاري وميكروسوفت.
أنطونيو جارسيا مارتينيز: مستثمر في التكنولوجيا، ساعد في إنشاء برمجيات الإعلانات لشبكة "فيسبوك".
إلين باو: مديرة تنفيذية سابقة لـ"ريديت"، رفعَت عدة دعاوى قضائية تتعلق بالتعصب الجنسي ضد شركة كلاينر بيركنز المتخصصة في الاستثمار في أسهم شركات التكنولوجيا.
كان دوراك: مبرمج وكاتب في شؤون التقنية، شغل منصب مدير مشروع في شركة أوبر Uper.
كايت لوس: الموظفة الواحدة والخمسين في "فيسبوك" وكاتبة خطابات مارك زوكربرج.
تريستان هاريس: مصمم منتجات، وكتب التقييم الداخلي لشركة جوجل عن الأثار الإدمانية للتصميم "غير الأخلاقي" لموقع جوجل.
ريتش لوتاكس كيانكا: مستثمر تكنولوجي أنشأ منتدى "شيء بشع" وهو منتدى شديد التأثير على شبكة الإنترنت.
إيثان زوكرمان: مدرس إعلام في معهد ماساشوستس التكنولوجي MIT، ومبتكر النوافذ الإعلانية المنبثقة (pop-up ad).
دان ماكوماس: مدير إنتاج سابق في "ريديت"، أنشأ منصة "إمزي" Imzy المجتمعية.
ساندي باراكيلاس: مديرة إنتاج في "أوبر". وأشرفت على وضع وثيقة سياسات الخصوصية في فيسبوك.
جيلوم شازلوت: باحث في الذكاء الاصطناعي، ساعد في تطوير نظام الترشيح بناءً على المقاطع المفضلة في يوتيوب.
روجر ماكنامي: مستثمر في شركات صناعة التكنولوجيا، قدّم مارك زوكربرج لشيريل ساندبرج (سيدة أعمال وكبيرة مسؤولي التشغيل في فيسبوك).
ريتشارد ستالمان: مبرمج في معهد ماساشوستس التكنولوجي MIT، مبتكر نظام تشغيل GNU و Emacs (حركة البرمجيات الحرة).
كيف حدث الفشل في 15 خطوة
الخطوة الأولى.. في البدء كانت نوايا الهيبيز الطيبة
وُلد حلم وادي السيليكون في خضم الثقافة المضادة، حين شدت أجيال من المبرمجين والمصممين الرحال إلى مركز التكنولوجيا في منطقة الخليج بسان فرانسيسكو في السبعينيات والثمانينيات، محتضنين التكنولوجيا الحديثة باعتبارها أداة لتغيير العالم نحو الأفضل.
چارون لانيير: بالعودة إلى أصل ثقافة وادي السيليكون، كانت توجد تلك الشركات التقليدية الكبيرة مثل IBM، التي بدت حصونًا منيعة، فكان علينا أن نخلق عالمنا الخاص، كنا صغارًا أمام هذه الكيانات، وكان لزامًا علينا أن نصارع.
أنطونيو جارسيا مارتينيز: أنا كبير سنًا بما يكفي لأتذكر أوائل أيام الإنترنت. لقد ظهرت شعارات كثيرة على شاكلة "أنقذوا العالم" من وادي السيليكون. الهيبيين الصغار حاملي الورود تركوا دراستهم وكان وادي السليكون هو البديل الهيبي للحياة الصناعية السائدة. لم يكن ستيف جوبز -بمعايير ذلك الوقت- مؤهلاً للحصول على وظيفة بشركة IBM. الإنترنت الأصلى بناه مجموعة من المهندسين مهاوييس التكنولوجيا غريبي الأطوار، ممن لم يفهموا تطبيقاته التجارية بشكل كامل. فكانوا يعبثون ويجربون كثيرًا دون أن يكترث بهم أحد.
إلين باو: أظن أن جذور الأزمة الحالية تعود لسببين رئيسيين، الأول كان النظرة الحالمة للإنترنت؛ فكرة أن هذه مساحة جيدة لتشارك المعلومات والتواصل مع العقول التي تشبه عقولنا. والسبب الثاني هو أن من أسسوا تلك الشركات متشابهين لدرجة كبيرة؛ فلدينا حزمة واحدة من الخبرات ووجهات النظر تدير كافة منصات شبكة الإنترنت، فتطابقت وجهات النظر التي آمنت بأن الإنترنت مكان مشرق وإيجابي، بل وانتهى الحال بمن تشاركوا هذه الآراء ببناء منصات مُصممة ومُنصبة على حرية التعبير.
كان دوراك: اتسم العمل لدى فيسبوك أو جوجل بنوعٍ من المثالية الأخلاقية المتطرفة، فأنت لا تتوجه لمقر فيسبوك كي تعمل؛ بل لتصنع عالمًا أكثر انفتاحًا وتواصلاً. تذهب لجوجل كي تقوم بفهرسة المعرفة الموجودة في هذا العالم وتتيحها للناس. أو تذهب إلى أوبر حتى تجعل المواصلات رخيصة وفي متناول الجميع. كثير من الناس صدقوا هذه المثاليات.
كايت لوس: ما أفهمتني إياه خبرتي في "فيسبوك" هو أن ثمّة بُعد أخلاقي ما للمهمة، وصْل الناس ببعضها، ربط العالم ببعضه، من الصعب الاعتراض على ذلك فما المشكلة في وصل الناس ببعضها؟ لا شيء أليس كذلك؟
الخطوة الثانية.. ثمة خليط من الرأسمالية والمنشطات
لكي تغيّر العالم عليك أولًا أن تسيطر عليه. لقد اتضح أن نطاق القوة والعالمية الذي تصوره الهيبيز الأوائل في وادي السيليكون؛ ملائم لكسب المال، تمامًا كما يلائم "إنقاذ العالم".
لانيير: أردنا أن يكون كل شيء مجانيًا، إذ كنا هيبيز اشتراكيين، لكننا أيضًا أحببنا رجال الأعمال الناشئين، لأننا أحببنا ستيف جوبز، فأردنا أن نكون الاثنين معًا: اشتراكيين فكريًا، وتحرريين ذوي نزعة فردية في وقت واحد (ليبرتاريين)، هذا عبث سخيف.
تريستان هاريس: يتضاءل الاتصال الآن بالأسباب الرئيسة التي اجتذبت العديد ممن أعرفهم من التقنيين إلى تلك الصناعة في المقام الأول: "أن نصنع دراجة لعقولنا" كما اعتاد ستيف جوبز أن يقول. لقد أصبحت تلك المنتجات التكنولوجية هي السيد الذي يحرك المستخدمين وكأنهم عرائس تشدها الخيوط. وكان هذا أمرًا مؤسفًا للغاية.
لانيير : لقد أربكنا كل شيء تمامًا، السياسة والاقتصاد والتعليم والإعلام والعائلة والعلاقات الأسرية والعاطفية. لقد انتصرنا، انتصرنا تمامًا، لكن مع انتصارنا لم يعد لدينا حس بالتوازن أو التواضع أو الرأفة، لا زلنا نتصرف وكأننا في أزمة وعلينا أن ندافع عن أنفسنا، فصرنا أوغادًا بشكل ما.
ريتش كيانكا: من المفترض أن تكون وسائل التواصل الأجتماعي على شاكلة: "أهلًا يا جدتي كيف حالك؟"، الآن أصبحت: "أوه يا إلهي هل رأيت ما كانت ترتديه أمس؟ يا لها من بقرة فاحشة!". كل شيء صار مسمومًا، والسبب في ذلك يرجع إلى الإنترنت نفسها التي نشأت لربط الناس حول العالم ببعضهم، فالآن أصبح بوسعك أن تلتقي أناس من شتى بقاع العالم ثم تقتلهم في الواقع الافتراضي وتغتصب حيواناتهم الأليفة.
الخطوة الثالثة.. وصول مستثمري وول ستريت يعقد الأمور
بمجرد ظهور فيسبوك ليصبح أول منصة تواصل اجتماعي ناجحة بين ليلة وضحاها؛ انهارت أسواق الأسهم (الأزمة المالية 2008) ليهرع المستثمرون الذين لا تحركهم سوى الأموال نحو الغرب، حيث صناعة التكنولوجيا. وسرعان ما سيطرت حفنة من الشركات على العالم الرقمي في عملية احتكار افتراضية.
باو: يعود الأمر كله لفيسبوك. لقد كان نجاحًا سريعًا، ونال حظًا وافرًا من الإعجاب حتى أنه غيّر الثقافة، إذ تحول المفهوم المحرك للتكنولوجيا من "سأغيّر حيوات الناس للأفضل" إلى "سأقوم ببناء هذا المنتج الذي يستخدمه الجميع لكي أجني الكثير من المال". ثم أضحَت جوجل شركة مساهمة، فصار لدينا فجأة "مليارديرات فوريين". انتهى زمن الكدح لعشرات السنين كي تجني مبلغًا محترمًا من المال.
وهكذا، في 2008 حين انهارت البورصة، اتجه كل هؤلاء المدفوعين بشهوة الربح من وول ستريت إلى وادي السيليكون، للاستثمار في صناعة التكنولوجيا. وهنا تبدّلت القيم على نحوِ أكبر.
الأمل الواهي الذي ولد في البدايات عن الخير الذي سيأتي به الإنترنت إلى العالم، انتهي إلى التشويه التام في السنوات الأولى للألفية الجديدة حين ظهر أولئك الذين يحملون أهدافًا مغايرة تمامًا.
جارسيا: أعتقد أن وادي السيليكون تغير، بمرور الوقت ظهرت المخالب الحادة. لم يكن الهيبيين هم المسيطرين على الساحة الآن؛ بل أصبح لدينا الكثير من الليبرتاريين، وظهرت أخلاقيات على غرار "خزوقوا الحكومة!" فكرة: تحرَّك بسرعة وحطِم الأشياء ولا تكترث للعواقب. ولا يزال الحلم الأول موجودًا "تحويل العالم إلى مكان أفضل" لكنه مجرد شعار تسويقي، وفي الخفاء يكمُن مشهد تدمير المجتمع هذا.
إيثان زوكرمان: على مدار العقد الماضي، سعت منصات وسائل التواصل الاجتماعي لجعْل الويب (شبكة الانترنت خارج مواقع التواصل) بلا أهمية. يُفضِّل فيسبوك بطرقٍ شتى ألا نستخدم الإنترنت ونكتفي به وحده.
جارسيا: لو كان البريد الإلكتروني يُبتكر حاليًا، ويقوم بطبخه مارك زوكربرج؛ لكان قد بناه بشكل عمودي يحوي العديد من الخدمات المدمجة (على غرار فيسبوك)، ولم يكن سيسمح لأي شخص أو شركة أخرى بالبناء على ما توصل إليه وتطويره وإتاحته.
الخطوة الرابعة.. ودفعنا ثمنًا غاليًا لاستمرار المجانية
تحول وادي السيليكون إلى الدعاية الرقمية حتى يحقق هدفين يتمثلان في الحفاظ على مجانية الإنترنت بينما يجني ثراءًا فاحشًا في الوقت عينه. ولكن لكي تبيع إعلانات تستهدف المستخدمين الأفراد، عليك أن تحشد جمهورًا عريضًا، وأن تستخدم تقنيات متطورة لجمْع حِزم من البيانات الشخصية التي تتيح لك الوصول إليهم على نحو مؤثر.
كيانكا: حوالي سنة 2000، ومع انفجار فقاعة أرباح قطاع الويب والشركات المبنية على الإنترنت dot-com bust، سعى "مُلّاك التكتولوجيا" بشتى الطرق لاسترداد أموالهم من خلال الإعلانات، وكذا أرادوا أن يزيدوا عدد المستخدمين على منصاتهم، لم يعبأوا بما إذا كان هؤلاء المستخدمين مجرد أوغاد، أرادوا فقط أناس بعناوين رقمية مختلفة IP address تقوم بتحميل الإعلانات.
هاريس: كان ثمة ضغط من رأس المال الوافد (المستثمرين) لتحقيق النمو بسرعة شديدة. يوضح رسم بياني كم من السنوات استغرقتها الشركات المتعددة قبل أن تصل لـ 100 مليون مستخدم، اعتادت أن تكون عشر سنوات أما الآن فيمكنك تحقيق ذلك في ستة أشهر. فإذا كنت تنافس شركات ناشئة أخرى على تمويل ما؛ فسيعتمد الأمر على قدرتك على حشد أكبر عدد من المستخدمين في أسرع وقت.
العاملين في صناعة التكنولوجيا يعيشون حالة إنكار، نعتقد أننا نجعل من العالم مكان أكثر انفتاحًا وترابطًا، بينما اللعبة الحقيقية هي: كيف أدفع نحو مزيد من التفاعل؟
دان ماكوماس: الحافز المؤسسي هو تحقيق النمو (في عدد المستخدمين) مهما كلّف الأمر. أستطيع أن أخبرك بذلك من خبرتي بما يدور في الكواليس، فمجلس الإدارة لا يستفسر أبدًا عن الإيرادات فهو لا يهتم حقًا، وقد دلّت الكثير من تصريحاتهم على ذلك، هم لا يستفسرون إلا عن النمو. عندما كنت أعمل لدى "ريديت" لم يناقش أي اجتماع لمجلس الإدارة أبدًا المسائل المتعلقة بالمستخدمين أو عن ما يُدار بشكل خاطئ، أو حتى المخاطر المحتملة.
باو: فعلا، عندما كنت في ريديت كل ما كانوا يسألون عنه هو النمو.
ماكوماس: كان السؤال الكلاسيكي الذي يتكرر طرحه في كل اجتماع لمجلس الإدارة هو: "لماذا لا يزيد عدد المستخدمين بشكل أسرع؟" فنُجِيب "لقد زدنا نحو 40 ألف زائر منذ آخر اجتماع لمجلس الإدارة"، فيقولون "هذا معدل أبطأ من نمو الإنترنت، ليس هذا كافيًا عليكم أن تزيدوا أكثر". ولهذا تم الاستغناء عنا أنا وإلين (باو) في النهاية.
باو: لو ألقيت نظرة على ما تجنيه شركات "فيسبوك" و"جوجل" و"يوتيوب" يوميًا، سترى أن الأمر برمته يتعلق ببناء قاعدة من المستخدمين. خلق التفاعل كان ضروريًا، لم يعبأوا بطبيعة التفاعل، أو ربما اهتموا لكن على نحو سيء، كلما زاد عدد الغاضبين من مستخدمي هذه المواقع –ريديت على وجه الخصوص- كلما توفر لديك المزيد من التفاعل.
هاريس: إن كنت "يوتيوب" فستحرص على أن يسجل الناس أكبر عدد ممكن من الحسابات على شبكتك، وأن يقوموا بإضافة أكبر عدد من مقاطع الفيديو، ويجلبوا أكبر عدد من المشاهدات لهذه المقاطع، لكي تسجل حالة من النشاط والتفاعل يمكنك بيعها للمعلنين. لذا أيًا ما كان المستخدمون؛ بشرًا أم روبوتات روسية، أو كانت مقاطع الفيديو تلك صادقة أم نظريات مؤامرة، أو حتى محتويات سيئة تستهدف الأطفال؛ فالأمر لا يعنيك حقًا. دورك ينحصر في الدفع للتفاعل مع المادة، ومضاعفة كل هذا النشاط. كل شيء ينطلق من نموذج العمل المعتمد على التفاعل engagement؛ الذي يعتمد بدوره على تحفيز أكثر الأمور طيشًا وخطورة والتي تضر بنسيج المجتمع.
لانيير: ما بدأ كدعاية تحول إلى عملية واسعة النطاق من تعديل سلوكيات الجماهير، حيث الجميع يخضعون للمراقبة من أجهزتهم نفسها، التي تتلقى محفزات محسوبة بدقة، هدفها تعديل سلوكهم.
إنه أمر مروع تنبأ به كتاب الخيال العلمي، يبدو واقعنا قادمًا من عوالم فيليب ديك أو رواية 1984. ورغم كل التحذيرات، فقد تورطنا فيما كنا نخشاه وخلقنا من شبكاتنا الرقمية أنظمة لتعديل سلوكيات الجماهير، وقد فعلنا ذلك لكي نبدو اشتراكيين وليبرتاريين عصريين في نفس الوقت.
زوكرمان: بمجرد أن تقول: "أريد أن أُخضِعك للمراقبة لكي أفهم ما تريد وألبّي احتياجاتك على نحو أفضل" عليك أن تسأل نفسك حقًا: "هل أشغل الوظيفة الصائبة؟ هل أقوم بهذا على النحو الأفضل؟"
كيانكا: إنه أمر محزن، فلديك عشرات المئات من "الكبار" والمتأنقين في شركات تحليل البيانات، يحاولون التنقيب في الأرقام لمجرد استكشاف أيٍ بضائع ومنتجات يرغب الناس فيها. لكنهم لا يهتموا إلا بالقياسات، فهم يقولون على سبيل المثال: "إذًا، هذا الشخص مهتم ببندقية AR-15s، إنه يشتري ذخيرته بكميات كبيرة. إنه معجب جدًا بأليكس جونز (مذيع يميني أمريكي يتبنى نظريات المؤامرة ومن أكبر داعمي دونالد ترامب)، ويعاين الفنادق منتقيًا أصلح المواقع للمراقبة. ينظرون إلى كل تلك المعلومات ويقولون: "فلنقدم له هذه الإعلانات، هكذا سنجني مالنا"، ولايهتمون بالعواقب.
هاريس: لا يمكننا تحمل تكلفة نموذج العمل التسويقي. ما يحدث هو تكلفة باهظة جدًا في مقابل المجانية، ما يحدث يدمر المجتمع حرفيًا عبر تحفيز أنظمة أتوماتيكية تنطوي على عيوب متجذّرة. تُعد كامبردج أناليتيكا مثالًا وافيًا لصحة ذلك، لأنها لم تكن مجرد إساءة من طرف سيء، بل كان استخدامًا لأحد العيوب في المنصة نفسها (فيسبوك). مشكلة فيسبوك هي فيسبوك نفسه.
الخطوة الخامسة.. كل شيء مُصمَّم بحيث يسبب الإدمان
أصبح عمالقة منصات التواصل الاجتماعي "تجار لفْت أنظار"، عازمين على الإيقاع بالمستخدم بصرف النظر عن العواقب، "التفاعل" هو كلمة لطيفة لوصف عمليات الرصد والقياس، لكنه استحال آلة غير مسبوقة القوة لتعديل السلوك.
ساندي باراكيلاس: أحد الأمور المفتاحية فيما يحدث هو أنهم (عمالقة منصات التواصل الاجتماعي) لديهم محفزات قادرة على جعل المستخدم ينهمك في استخدام منصاتهم دون توقف. هذا جعل منتجاتهم (منصاتهم) مبنية بغرض خلق الإدمان.
"فيسبوك" منتج يعتمد تمامًا على الإدمان. صُمم لكي يجذب أكبر قدر من انتباهك دون أن يعني بالعواقب. إدمان التقنيات الحديثة له أثر سيء على صحتك وصحة أبناءك، فهو يتيح الفرصة للفاشلين بممارسة المزيد من الفشل، بدءًا من التدخل في الانتخابات وحتى الاستغلال الجنسي. يغذون النرجسية والإعجاب الزائد بالنفس استغلالاً لرغبة الناس في الشهرة عبر انستجرام. وكل هذه العواقب تعود إلى نموذج العمل الذي يعتمد على استخدام الناس لتلك المنصات لأطول وقت ممكن من خلال تكتيكات مصممة بعناية كي تُحدث الإدمان؛ ومن ثَمّ؛ يتم تحويل هؤلاء المستخدمين إلى أموال من خلال بيعهم كمجرد متلقين للإعلانات.
هاريس: كان لديَّ صديق يعمل لدى شركة زينجا Zynga لتصميم الألعاب الإلكترونية، ولم يختلف الأمر كثيرًا. ولا أقصد أننا نصنع ألعابًا تفيد الناس أو يحبونها، بل أننا نتلاعب بالناس لكي يداوموا على إنفاق المزيد من المال في اللعبة، ونخلق التزامات اجتماعية زائفة لكي يتمكن بموجبها صديقك من زرع الذرة في مزرعتك (يقصد لعبة فارم فيل). كانت زينجا بمثابة العشب الضار الذي ترعرع في بيئة فيسبوك.
لوس: بطريقة ما نجحت زينجا في هذا نجاحًا كبيرًا، كانوا يجنون الكثير من المال حتى إنهم سيطروا تمامًا على مفهوم فيسبوك كمنصة اجتماعية. المشكلة في هذه الألعاب أنها لم تكن فعلا ألعابًا اجتماعية، فأنت تدفع بأموالك إلى اللعبة، ثم ترعى سمكتك أو مزرعتك أو أيا ما كانت اللعبة، النتتيجة أنك تقضي وقتًا طويلاً جدًا على فيسبوك، الناس صاروا مدمنين للعبة وللفيسبوك.
جويلوم شازلوت: الطريقة التي يتم بموجبها تصميم الذكاء الصناعي، سيكون لها بالغ الأثر على نوع المحتوى الذي تراه. فعلى سبيل المثال لو فضّل الذكاء الاصطناعي التفاعل كما في فيسبوك ويوتيوب، فسيعزز المحتوى المثير للخلاف، لأن المواد المثيرة للشقاق فعّالة في إبقاء المستخدمين نشطين. وإن كان مقياسك الذي تسعى لتحسينه هو نكزات الإعجاب بفيسبوك مثلا، فسيتغير نوع المحتوى الذي يشاهده الناس ويشاركونه.
روجر ماكنامي: لو قمت بتحليل ما قالته شركة يونيليفر Unilever عن فيسبوك حين هددوا بسحب إعلاناتهم، كانت رسالتهم كالتالي: "يا شباب إن منصتكم ناجحة للغاية، إنها تهدد عملائنا من الأساس! لأنكم تتلاعبون بما يفكر فيه الناس. والأخطر؛ أنتم تتلاعبون بمشاعرهم، إنكم تسببون الكثير من الغضب حتى أنهم صاروا يدمنون الغضب". الدوبامين الذي يفرزه الغضب شديد الإدمان.
هاريس: شعار فيسبوك الأزرق على شاشة موبايلك الرئيسية، بارع للغاية في غرس عادات غير واعية، يصعب على الناس الخلاص منها. لا يلاحظ الناس كيف يتلاعب الإدمان بعقولهم، بات فيسبوك أكبر آلة تحكم في العقول في العالم المتحضر.
شازلوت: كان تريستان أول من تحدث عن مشاكل التفكير بهذه الطريقة.
هاريس: عندما كنت في جوجل، حذرتهم من هذا في بداية 2013، وقتها جهزت هذا العرض الذي انتشر بسرعة عبر الشركة ووصل إلى 20 ألف شخص. كان اسمه "دعوة للحد من الإلهاء واحترام انتباه المستخدمين". في العرض التقديمي قلت إن صناعة التكنولوجيا باتت تلعب الدور السياسي الأهم في العالم، تؤثر في انتباه وأفكار ملايين المستخدمين بشكل يومي، وعلينا مسؤولية أخلاقية في توجيه أفكار الناس.
وصلت المذكرة إلى لاري بيدج (مؤسس جوجل) الذي عقد ثلاثة اجتماعات منفصلة في اليوم نفسه، وإنصافًا لجوجل؛ فالشركة لم تفصلني عن العمل، ودعمتني لبحث الموضوع لثلاث سنوات. لكن في نهاية الأمر ماذا بوسعك أن تقوم به، هل تطرق باب يوتيوب وتقول: "يا جماعة، عليكم أن تقللوا من الوقت الذي يقضيه الناس على شبكتكم فأنتم تقاطعون نومهم وتجعلوهم يغفلون عن باقي حياتهم". لا يمكنك فعل ذلك، لأنك تطالبهم بالتخلي عن آلية العمل التي تقوم عليها الشبكة.
لم يقل أحد في جوجل تحديدًا "ليس بوسعنا القيام بذلك لأنه سيقضي على نموذج عملنا"، فالمحفزات التي تنشط في موقع كيوتيوب أُعدت خصيصًا لإيقاع المستخدمين المتعلقين بالموقع.
الخطوة السادسة..في البداية نجح الأمر.. بامتياز تقريبًا..
لم تُخف أي شركة خططها أو وسائل تحقيق أرباحها. لكن بعد تورط الناس تمامًا في إدمان شبكة المراقبة المتنامية هذه (السوشيال ميديا)، صارت المنصات الرقمية تحظى بالمزيد من الشعبية.
باو: ثمة خاطر يراود الكثيرين، يقول "نعم بوسعهم استخدام هذه المعلومات للتلاعب بالآخرين لكن لن الأمر ينطلي عليَّ، أنا بمأمن من هذا التلاعب". لكن بالتدريج يحفزك التفاعل فتدمنه، ويغدو الانسحاب صعبًا، ويواصلون فقط استنزاف المزيد من وقتك، والدفع بالمزيد من الأخبار الكاذبة، فتصبح السيطرة على حياتك أمر يسيرًا، ظنًا منك أن الأمور تُدار على أحسن وجه.
ماكنامي: بالعودة إلى بدايات نظرية الدعاية، كان لدى إدوارد بيرنايز (مؤسس مهم في تاريخ الدعاية والإعلان) فرضية تقول إنه لكي ترسخ فكرة ما وتجعلها مقبولة على مستوى العالم، يتعين عليك أن تبث نفس الرسالة عبر كل الوسائط بشكل متواصل ولوقتٍ طويل جدًا. قدّر الطرح أن أمرًا كهذا لا يمكن أن تقوم به سوى الحكومة. ثم جاء فيسبوك بقدرته على تصميم نموذج اتصال مباشر يناسب كل شخص على حدة، وبدلًا من النموذج المبني على الاتصال الإذاعي (رسالة واحدة يتم تصميمها بحيث تناسب قطاعات واسعة من المستمعين والمشاهدين) صارت هناك 2,2 مليار قناة اتصال شخصي مباشر. أضحى فيسبوك أكثر نموذج ناجح لآلة دعاية بإمكانها استغلال مشاعر البشر.
جارسيا: لو انتهى فيسبوك ستعُج الشوارع بالشغب حرفيًا. لذلك فإن إدارة فيسبوك على علم بأنها تزعج الناس لكن في النهاية الناس يسُرهم استخدام المنتج فلم لا نزعجهم؟ ومن هنا تاهوا هم أنفسهم في حين خاضوا في بالوعة (بلّاعة) النفس البشرية. تسترضيك اللوغاريتمات عبر تجنيبك الأمور التي لا ترغب في سماعها. هذا في رأيي أكثر ما يرعبني في الأمر، الأزمة الحقيقة لا تكمن في فيسبوك إنما في البشر.
ماكنامي: هم بالأساس يثيرون الخوف والسخط لكي تستمر دورة الغضب، فالأخير هو ما يدفعك للتورط في التفاعل والمشاركة، فتمضي وقتًا أطول على الموقع وتشارك بالمزيد من المحتوى، وبهذا تتعرض لمزيدٍ من الإعلانات، وهذا ما يرفع من قيمتك التسويقية.
في 2008 حين طرحوا تطبيقهم الأول على هاتف IPhone، تغيرت المباراة تمامًا. فجأة تحقق حلم بيرناي بمنصة عالمية تصل لكل الناس عبر كافة الوسائط في وقت واحد، وذلك باستخدام جهاز واحد. إنك ترتبط ارتباطًا أبديًا بمحفزّات اجتماعية، تدفع بك لمحتوى تم تصميمه خصيصًا للتأثير عليك، ويصلك عبر جهاز يتفحصه معظم الناس وهم في طريقهم للحمام صباحًا، أو ليلًا قبل أن يطفئوا الأنوار. لدينا حرفيًا جهاز استدراج لا مثيل له في التاريخ.
الخطوة السابعة.. لم يتعرض أحد في وادي السيليكون للمساءلة
لم يأبه أحد في الحكومة -أو مستخدمي هذه المنتجات التكنولوجية- لتحجيم وتنظيم هذا القطاع الغني الضخم سريع التطور.
جارسيا: الأزمة الحقيقة أن الناس لا يُحمِّلون اللوغاريتمات أي مسؤولية أخلاقية، عندما تسوء الأمور تريد أن ترى أمامك شخصًا توجه له إصبع الاتهام. هنا يقول فيسبوك "لا تتهمني، المسؤول هو هذه الكومة من الأكواد". بشكل ما، يظل حس العدالة عند البشر سهل الإرضاء.
باراكيلاس: من ناحية التصميم، فشركات مثل "فيسبوك" و"تويتر" لم تمنح الأولية للخصائص التي تحمي الناس من أكثر حالات الإساءة خُبثًا، يعود هذا لكونهم لا يتحملون أي مسؤولية عندما تحدث المشاكل. وبموجب المادة 230 من قانون حماية الاتصالات، الذي صدر في الأصل لصون حرية التعبير في 1996، تسقط مسؤولية شركات الإنترنت عن تصرفات "الطرف الثالث" على منصاتهم (الطرف الثالث هنا يعبر عن التطبيقات والشركات التي تنشئ حسابات على فيسبوك كي تتواصل عبره مع الجمهور)، ويمكِّنّهم ذلك من التهاون في تصميم الخصائص اللازمة لحماية المستخدمين.
ماكنامي: في 2016 بدأت ألاحظ ما أُثار حفيظتي، في البداية كانت ميمات Memes السيناتور والمرشح الرئاسي بيرني ساندرز، الطريقة التي انتشرت بها كانت مريبة. ثم لاحظت الطريقة التي ربما منح فيسبوك من خلالها الأفضلية للدعاية السلبية فيما يتعلق بالبريكزيت. ثم كان الاختراق الروسي لانتخاباتنا. لكن حين تحدثت إلى دان روز، نائب رئيس فيسبوك لشؤون الشراكة، ألقى في وجهي المادة 230 "نحن منصة نشر ولسنا شركة إعلام"، فقلت "لديك 1,7 مليار مستخدم، لو قررت الحكومة أنكم وسيلة إعلام لن يكون لزعمك قيمة، أنت الآن تغامر بعلامتك التجارية، أنا قلِق حقًا من أنك قد تدمر الشركة ولأي هدف؟" لا يوجد مبرر لما حدث هنا، وإذا افترضنا حسن النية، فما جرى كان إهمالاً شديدًا.
اقرأ أيضًا: ستيفن هوكينج يكتب عن ترامب والتكنولوجيا ومستقبل الكوكب
الخطوة الثامنة.. حتى عندما أصبحت الشبكات الاجتماعية خطرة وسامّة..
بتضخم الشركات إلى معدلات غير مسبوقة، تراجعت أولوية حماية المستخدم إلى المرتبة الثالثة في الأولوية، بعد النمو والتفاعل، واتجهت الموارد إلى بيع الإعلانات بدلًا من حماية المستخدم من الانتهاك.
لانيير: كلما ظهرت حركات كـ"حياة السود لها قيمة" أو "أنا أيضًا" MeToo يشعر الناس في المرحلة الأولى أنهم يحلِّقون فوق بساط سحري. تتيح لهم منصات التواصل الاجتماعي الوصول إلى جمهور واسع وتنظيم أنفسهم بشكل أسهل من ذي قبل، فيفكرون أن: "واو! فيسبوك وتويتر أدوات ديمقراطية رائعة!"، لكن يتضح فيما بعد أن البيانات ذاتها التي تخلق عملية إيجابية وبنّاءة مثل الربيع العربي، يمكن استخدامها لتهييج مجموعات أخرى. فكلما ظهرت حركات على غرار "حياة السود لها قيمة" تتجاوب منصات التواصل الاجتماعي بتشجيع النازيين الجدد والعنصريين على نحو لم يسبق له مثيل في الأجيال السابقة، فالنوايا الطيبة تنتهي إلى خدمة الاتجاه المعاكس لها.
باراكليز: في الفترة التي قضيتها في فيسبوك، فكرتُ مرارًا انهم خصصوا مواردهم بحيث تخدم سعيهم الحصري للربح وجني الأموال على حساب حماية المسخدم. حتى تفهم كيف تحدد أي شركة أولوياتها، عليك بمراقبة الاتجاه الذي يركزون فيه مواردهم الهندسية (جهودهم في البرمجة والتطوير).
في فيسبوك أخبروني مرارًا: "أتعلم أن علينا ضمان عدم وقوع كذا وكذا.."، لكني لم يكن تحت سلطتي مهندسين للقيام لتطوير الأدوات اللازمة لإتمام هذه المهام. لذلك كان عليَّ أن أبتكر حلولا للمشكلات المتعلقة بتعرض المستخدمين للانتهاكات بلا مبرمجين، في الوقت الذي ازدحمت فيه الأقسام التي تطور الأدوات الخاصة بالإعلانات بفائض من المهندسين.
شازلوت: بصفتي مهندس في جوجل كنت ألحظ مشكلة فأطرح حلًا لمعالجتها، لكن مجرد ملاحظة المشكلة كانت تضر بنموذج العمل، فأجدهم يقولون: "حسنًا ولكن هل هي حقًا مشكلة؟" إنهم يثقون في التصميم الموجود بالفعل.
على سبيل المثال، حين لاحظت ذات مرة انتشار نظرية مؤامرة ما على نطاق واسع، ظننت أن اللوغاريتمات جُنّت، لكنهم قالوا لي "لا تقلق فأفضل عناصر فريقنا يعالجون المشكلة، ستنتهي الأزمة"، ثم يستنتجون أن الناس أغبياء. إنهم يرفضون تمامًا الاقتناع بأن المشكلة قد تكون كامنة في اللوغاريتمات التي يعمل بموجبها فيسبوك.
باراكليس: ذات مرة اتُهِم مبرمِج لديه قدرة على على الدخول لبيانات فيسبوك، بإنشاء حسابات للناس دون موافقتهم وكان بينهم أطفالًا. لكننا حين علمنا بالأمر لم نتمكن من إثبات صحته، لأن البيانات تختفي من أمامنا بمجرد خروجها من خوادم فيسبوك. لقد كان لدى فيسبوك سياسة واضحة ضد هذا الأمور، لكنه لم يمنحنا القدرة على رؤية ما يقوم به المبرمجون أصلاً.
كيانكا: وجود القوانين والامتثال لها أمر ضروري. عندما بدأت المنتدى، واحدة من أولوياتي الرئيسية كانت إعداد قائمة مفصلة وشاملة بالمحظور والمباح. تكمن أزمة تويتر في إنهم لم يصنفوا أنفسهم أبدًا، فهم يحاولون تصدير صورة زائفة عن حجبهم لمحتوى اليمين الجديد، لكنها في النهاية لعبة معايير (كيف تقيس نمو أو تراجع شيء معين، يمكن للمعادلة نفسها أن تكون منحازة، فتصدر عنها نتائج غير دقيقة).
هم ليس لديهم من يوجه المجتمع أو يخاطبه، لذا يفركون في الرمال، وما هم إلا حفنة من مهووسي الرياضيات ممن لم يغيروا مهنتهم ربما منذ سنوات، وليست لديهم أي فكرة عن كيفية مخاطبة النساء أو من ينطلقون من وجهات نظر مغايرة دون أن يلجأوا لاستشارة موقع WikiHow. ليس لديهم مستقبل إلا إذا رجعوا إلى الشخص الذي يلقِّن مارك زوكربيرج كيف يكون إنسانًا.
ماكوماس: في الأساس تتشابه مشكلة ريديت مع مثيلتها في تويتر: التركيز على النمو فقط وتجاهل المشاكل، فحشدوا على منصاتهم مجموعة من القيم السلبية التي صارت ظواهر اجتماعية تولدت عن التحرش أو الإيذاء المُتعمّد أو سوء السلوك، لقد حشروا أنفسهم في موقف دفاعي على الدوام، ولم يعد بإمكانهم إدراك المشكلة أبدًا. لا أستبشر تحسنًا على الإطلاق، فأفضل ما يمكنهم القيام به هو إخفاء السلوك السيء عن المستخدم العادي.
الخطوة التاسعة.. وحتى مع انتهاكهم لخصوصيتنا..
كلما استحدث فيسبوك أو أي منصة أخرى خصائص جديدة، يضيف المستخدمون لهم طواعية أو دون قصد المزيد من البيانات، فيستخدمها سماسرة يغذون الدعاية الإلكترونية.
ريتشارد ستالمان: ماذا تعني خصوصية البيانات؟ تعني أنه لو جمعت شركة ما بياناتك فيتعين عليها حمايتها بطريقة ما. لكني أعتقد أن هذا لا يحدث، المشكلة أن تلك الشركات تكتفي بجمع بياناتك فقط، دون عناء حمايتها. ينبغي علينا أن نتصدى لهم، فالبيانات التي تُجمع سيُساء استخدامها، هذا ليس يقينيًا لكنه مرجح لأقصى الحدود، ما يجعل مسألة جمع البيانات مشكلة في حد ذاتها.
كيانكا: أينما ذهبت، وخصوصًا في هذا البلد (أمريكا) يلاحقك المعلنون. وعندما يتبعونك يبدأون في تكوين وحدات أفكار متصلة، ثم مجموعات تفكير وتحليل من المتخصصين، ثم يشرعون في بناء تلك الهياكل الضخمة المخصصة لسرقة أكبر قدر ممكن من البيانات ويفكرون إلى أي درجة يمكنهم تجاوز الحد قبل ظهور من يتصدى لهم.
لوس: لست متفاجئة من فضيحة كامبردج أناليتكا في الانتخابات، فلوقت طويل استقرت فكرة متصلة بفيسبوك، مفادها أن إعطاء المبرمجين أكبر قد ممكن من البيانات يجعل هذا المنتج يعمل بشكل أفضل. ولكن عليك أن تصدق أنه ما ينجم عن عواقب حصولهم على كل تلك البيانات ليس أمرًا مهمًا على الإطلاق.
باو: لا يرغب أحد في تحمل مسؤولية انتخابات تحكمت فيها بالأساس قدرة بعض الجهات على التلاعب بمنصاتهم. الناس يعرفون أنهم سمحوا لفيسبوك بمشاركة معلوماتهم مع المبرمجين، حتى لو لم يدرك المستخدم العادي هذه الآثار - انا لست مستخدمًا عاديًا لكني أيضًا لم أدرك فداحة الأثر- أو لم يدرك لأي قدر يمكن لهذه المعلومات أن تتلاعب بمشاعره.
ستالمان: لا أطلِع المتاجر أبدًا على هويتي، لا أسمح لهم بالتعرف عليَّ، فأنا أسدد حسابي نقدًا فقط لهذا السبب، لا يعنيني إن كان متجرًا محليًا أو عبر"أمازون"، فليس لأحدٍ الحق في تتبع ما أشتريه.
الخطوة العاشرة.. ثم جاءت 2016
فوز دونالد ترامب في الانتخابات وتحقيق انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، كانتا حملتان حفزتهما لدرجة كبيرة وسائل التواصل الاجتماعي، وبرهنتا للقائمين على صناعة التكنولوجيا أن ربط العالم –حتى على مستوى الإعلانات المبنية على منظومة المراقبة- لا يؤدي بالضرورة إلى تلك اليوتوبيا التي أرادها الهيبيز.
لانيير: تحفل أطروحات أبناء وادي السليكون بتلك الرنة الطوباوية حول خلق مجتمعات منتجة يتعاون فيها المبدعون. كنت من أوائل من كتبوا حول هذه المفاهيم منذ زمن بعيد، لذلك يؤلمني أن أرى كيف يُساء استخدامها. أشرت سابقًا إلى أن الواقع الافتراضي من الممكن أن يكون أداة للتعاطف بين البشر، ثم، يأتي مارك زوكربرج ويكرر الحديث نفسه، بينما يقوم هو شخصيًا باستخدام الواقع الافتراضي بطريقة تخلو من أي حس إنساني ليقدم جولة افتراضية في بورتريكو بعدما دمرها إعصار. يشعر المرء أنه شارك في في صناعة شيء انحرف إلى وجهة خاطئة تمامًا.
كيانكا: لم يتجاوز عملي في كلٍ من ريديت و4Chan مجتمعين الثماني دقائق، كان ذلك دون قصد مني في الشركتين، إذ اعتقدتُ أنهما على قدرٍ بالغٍ من السوء، فغضبت وتنازعنا في الأمر، لكنهم ازدادوا سوءًا.
شازلوت: أنا شخصيًا أدركت إلى أي مدى انحرفت الأمور في 2011 أثناء عملي في جوجل. كنت أعمل على لوغاريتمات الترشيح في يوتيوب، فلاحظت أنها تعطيك دائمًا المحتوى ذاته، على سبيل المثال لو قدمتُ لك مقطع فيديو تظهر فيه قطة، وشاهدته؛ فستفكر اللوغاريتمات أنك حتمًا تحب القطط، وتخلق الفقاعات المغذية تلك حيث يرى الناس نوع واحد من المعلومات، لكن حين أبلغت مديريَّ في جوجل واقترحت حلًا يمنح المستخدم قدرًا أكبر من السيطرة، فيتحرر من الفقاعات المغذية، قالوا إن هذا النوع من اللوغاريتمات لن يكون مفيدًا لمدة المشاهدات (إبقاء المستخدم على الموقع)، لم يرغبوا في الدفع بالحل، لأن نموذج العمل بأسره يعتمد على مدة المشاهدات.
هاريس: يشعر الكثير من الناس ببالغ الأسى لما آل إليه الأمر، فمن الذي يرغب في أن يكون جزءًا من نظام يدفع بالعالم صوب وجهات بالغة الخطورة؟ لم أكن مسؤولًا بشكل شخصي، لقد حذرت مما يحدث مبكرًا جدًا. لكن جميع المشتغلين بالصناعة على علم بضرورة تغيير المنظومة التي نعمل وفقها، ما نعرفه يمثل عبئا على ضمائرنا. أنا لا أنام جيدًا، وما يضنيني أن نسيج المجتمع قد ينهار إن لم نعثر على حل مناسب في القريب العاجل. فالأمر يتعلق بحياة الناس.
ماكوماس: أؤمن حقًا أن فترة عملي في ريديت Reddit أسهمت في جعل العالم مكانًا أسوأ. مقرف جدًا أن أقول هذا عن نفسي.
الخطوة الحادية عشرة.. وبدأت ثورة الموظفين..
لن يعُضْ مديرو شركات صناعة التكنولوجيا الأيادي التي تطعمهم، الذين انضموا لهذا الصناعة من أجل المهمة النبيلة المعلنة لا المال فقط، ربما ينهصون لتغيير هذا الوضع.
جارسيا: بعض الموظفين في فيسبوك لم يشعروا بالارتياح عندما عادوا إلى بيوتهم في عيد الشكر بعد الانتخابات الرئاسية، إذ باغتتهم أمهاتهم بأسئلة صعبة من قبيل: "إيه اللي بيحصل دا؟ هو فيسبوك بيعمل إيه؟!"، فجأة صاروا تحت وابل من الهجوم بسبب الوظيفة التي ظنوها بالغة الجاذبية.
هاريس: ثمة موجة إحباط هائلة تضرب وادي السيليكون، أصبح من الصعب على الشركات أن توظِّف أو تحتفظ بالمهندسين المميزين والمواهب، بعد أن أدركوا أن النظام الذي ابتكروه ليعمل ذاتيًا، يسبب الدمار في كل مكان في العالم. لذا، لو فقد فيسبوك كتلة كبيرة من قوته العاملة، فسيكون هذا لرفض العاملين في التكنولوجيا أن يكونوا جزءًا من هذا النظام الفاسد. هذا حدث جلل، ودافع فوري للتغيير.
ديوراك: لا أظن أن تلك الشركات ستنهار لأنهم لا يستقطبون المواهب المطلوبة؛ لكن سيكون للأمر تبعات بالغة، فلم يعد العمل مُرضيًا؛ فأنت تذهب إلى فيسبوك لكتابة كود (سطر في برنامج) ثم تعود أدراجك إلى البيت. إنهم يتحولون إلى مجرد شركة أخرى كغيرها من الشركات.
ماكنامي: ظللت لثلاثة أشهر بدءًا من أكتوبر 2016، أناشد مارك زوكربرج وشيريل ساندبرج بشكل مباشر. قمت بذلك على نحو شديد التهذيب، فلم أحادث أحدًا خارج فيسبوك، بل تحدثت إليهم كصديق للشركة وقلتُ: "يا رفاق أعتقد أن مسألة التلاعب بالانتخابات تسببت في أزمة كبيرة وعليكم أن تجدوا لها حلاً، ويتعين عليكم البحث عن أدلة جنائية، وعليكم أيضًا تحديد أي دور محتمل لكم في الأزمة. عليكم القيام بتغييرات جوهرية في نموذج عملكم ولوغاريتماتكم لكي يتأكد الناس أن مثل هذه الأزمة لن تتكرر. لكن إن لم تقوموا بذلك وتبين أن لكم تأثير كبير على الانتخابات؛ فسينتهي منتجكم إلى الأبد".
لكن لو كان من الصعب عليك إقناع مارك وشيريل؛ فعليك أن تُقنع الموظفين. إحدى المقاربات التي لم تُستخدم من قبل في عالم صناعة التكنولوجيا هي ما أُطلِق عليه استراتيجية إلزبرج، شخص من الداخل مثل دانيال إلزبرج* (ناشط أمريكي ومحلل عسكري سابق، سرب وثائق عسكرية في بداية الستينات كشفت عن إدارة أمريكا لحربها في فيتنام، ما عزز من موجة السخط المضادة للحرب)، النتيجة أن الناس استوعبت "يا إلهي إن خطب رهيب يحدث هنا" والنتيجة هي ضغط خارجي أجبر الجميع على التغيير. تلك هي الفرصة الوحيدة لتوليد "كرة ثلج" متنامية التأثير، تهيء الظروف لإصلاح كل هذا الخلل، لتعمل المنظومة في صالح الناس.
الخطوة الثانية عشر.. سنحتاج لنموذج عمل جديد كي نصلح المشكلة
لو كانت المشكلة في كيفية جنيْ وادي السيليكون للمال، سيتعين عليه تغيير وسائله لتحقيق الربح. ربما تجربة إجراءات جديدة وجذرية؛ كمحاسبة المستخدمين على ما يقدموه لهم من منتجات وخدمات.
باراكيلاس: سيتعين عليهم تغيير نموذج العمل إلى حد كبير، يقولون إن غاية منتجهم هي حسن استخدام الوقت، لكنهم لا يقدمون للمستخدم محفزات تدفعه في هذا الاتجاه، بل ولم يطوروا أدوات لقياسه، أما إذا قام فيسبوك بالمحاسبة على الاشتراك بدلًا من اعتماده على الإعلانات فسوف يستخدمه الناس بشكل أٌقل؛ لكنه سيستمر في جني الأموال. سيكون الأمر مساويًا في الربح وأكثر نفعًا للمجتمع. في الواقع لو تقاضى فيسبوك من المستخدم عدة دولارات شهريًا؛ سيحقق الربح الذي يجنيه من الإعلانات تمامًا. ليس مستبعدًا أن نسبة كبيرة من قاعدة مستخدميهم لا مانع لديها من إنفاق بضعة دولارات شهريًا لاستخدام فيسبوك.
لانيير: عندما تأسس فيسبوك، كان الاعتقاد الشائع أنه في المستقبل لن يتقاضى أحد أجرًا لقاء الإنتاجات السينمائية أوالتلفزيونية، لأن جيشًا من المتطوعين ممن سينظمون أنفسهم من خلال شبكتنا، سينتجون محتوى بالغ الضخامة، تمامًا كما حدث مع ويكيبيديا. لكن عندما بدأ الناس يدفعون مقابل خدمة Netflix، أصبح لدينا ما نطلق عليه ذروة التلفزيون.
تحسنت الأمور كثيرًا نتيجة كون خدمة المشاهدة مدفوعة من أموال المشتركين. إذن، لو قمنا بحظر الإعلانات وطلبنا من الناس أن يدفعوا المال مباشرة لفيسبوك، سيصبح العميل الوحيد هو المستخدم، ولن تكون هناك أطرافًا ثالثة تدفع المال مقابل التأثير عليك. وسندفع أيضًا لمن يقررون إتاحة بياناتهم كمورد للنمو الاقتصادي. في مثل هذا الوضع أعتقد أننا سنحصل على "ذروة وسائل التواصل الاجتماعي"، بل ومن الممكن أن نشهد تحسنًا عظيمًا.
الخطوة الثالثة عشرة.. وبعض القوانين الصارمة
بما أننا بلغنا هذه المرحلة.. أين دور الحكومة في كل ذلك؟
ستالمان: نحتاج إلى قانون، اللعنة عليهم! لا مبرر لوجودهم إن كان ثمن ذلك هو اطّلاعهم على كل كبيرة وصغيرة تخصنا. فليتلاشوا! فهم ليسوا على هذا القدر من الأهمية، بل حقوقنا الإنسانية هي ما يهمنا. لا أهمية لأي شركة للدرجة التي تجعل وجودها مبررًا لنشأة دولة بوليسية. وهذا ما نحن متجهين صوبه.
ديوراك: أكبر مشكلة وجودية قد تواجههم ستكون اللوائح، لإنه بات واضحًا أن ليس ثمة أمر آخر يمكنه أن يحد من استخدام تلك الشركات لحجمها وتقنياتها للاستمرار في النمو. بغير اللوائح سنظل نشتكي بلا نهاية ولن يتغير الكثير.
ماكنامي: ثلاثة أمور علينا القيام بها، علينا أولًا أن نسن قانون ضد روبوتات الإنترنت Bots والمتصيدين Trolls الذين ينتحلون شخصيات الآخرين. لا أقول أن نلغي الروبوتات تمامًا لكن يجب أن يتم تحديدها. ثانيًا يجب أن يكون هناك قيود عمرية صارمة لحماية الأطفال، وثالثًا يجب أن تتحمل الشركات مسؤولياتها عندما تفشل اللوغاريتمات، فلو لم يتمكن جوجل من حظر القصة واضحة الزيف؛ يجب أن تتم محاسبتهم.
ستالمان: نحتاج قانون يلزم كل نظام بالخضوع لتصميم محدد يحقق أهدافه الرئيسية، ويجمع أقل قدر من البيانات. فلنقل مثلًا أنك تريد أن تستقل سيارة وتدفع ثمن التوصيل.. أمر كهذا لا يستلزم بالضرورة أن تكشف عن هويتك، لذا من الضروري أن يلزم القانون الشركات التي تقدم تلك الخدمة بأن تعطيك حق الدفع النقدي أو استخدام أنظمة دفع أُخرى مُجهَّلة. من الضروري أيضًا أن يوفروا إمكانية طلب التوصيل دون أن الكشف عن الهوية ودون الحاجة لاستخدام الهاتف الخلوي، والشركات التي لا تلتزم بذلك مُرحب بخروجها من العمل. سنستريح منهم.
الخطوة الرابعة عشرة.. ربما لن يتغير شيء
أكثر الاحتمالات رعبًا هو أنه لا يوجد في أيدينا شيء نفعله. فشركات الإنترنت العملاقة شديدة الثراء، شديدة البأس، وشديدة الإدمان لدرجة تستعصي على العلاج.
ماكوماس: لا أحسب أن المنصات الحالية ستتحسن.
جارسيا: شوف، أنا عارف إن الإعلانات مقرفة طبعا، لكن كما يقول العاملون بتكنولوجيا الإعلانات: "نحن من يدفع تكلفة الإنترنت"، من الصعب على أي تطبيق استهلاكي على الإنترنت، يعتمد على تأثير شبكة المستخدمين، أن يقبل وسيلة ربح أخرى غير الإعلان.
باو: لدينا هؤلاء الذين تسببوا في هذه المشاكل المتشعبة لكنهم لم يستخدموا أي من مهاراتهم أو قدرتهم على الابتكار أو مواردهم الضخمة من المواهب التقنية والأموال لحل تلك المشاكل التي خلقوها، ما الذي يجعلك تظن أنهم سيتغيرون أو يهتمون بتلك المشاكل اليوم؟
لوس: لا أظن أن هذا سيؤثر في فيسبوك. لا يهم ما يقوله الناس، فهم أنفسهم من يرون في فيسبوك أحد الأسس التي تبنى عليها حياتهم، فلن يهجروه.
الخطوة الخامسة عشر.. إلا لو تولى القيادة أناس جُدد
لو كانت مشكلة وادي السيليكون في اتخاذ القرارات السيئة، فربما حان وقت البحث عن صُناع قرار أكفأ، وأفضل مكان للبدء في البحث؛ هو خارج تلك المجموعة المتشابهة التي تسيطر الآن على مجريات الأمور.
لوس: عندما كنت أكتب الخطب التي يلقيها مارك زوكربيرج، أمضيت الكثير من الوقت أفكر في شكل المعارضة التي ستواجهها رؤيته. بالنسبة لي كان الانتقاد الأكبر هو: لماذا يتخلى الناس عن قوتهم لصالح السلطة الأكبر؟ حتى لو كانت تقوم بكل هذه الأمور الإيجابية وتربط الأصدقاء ببعضهم؟ كان هذا ما استعصى على فهم مارك زوكربرج، فقد ظل يُحكِم سيطرته على هذا الأمر لفترة طويلة منذ البداية. لو كنت مكانه لفكرت: "ماذا يريدون؟ لقد صنعت كل هذا! من المنطقي أن أسيطر عليه. وقد بدا أن العبء الزائد لكل هذه الانتقادات بدأت تفوق قدرته على التحمل.
باو: ألححت على فيسبوك أن يضيفوا إلى فريقهم الإداري أفراد من خارج أغلبيتهم المتشابهة، فالعاملون هناك الآن لا يبدو إنهم يدركون ما تتسبب فيه منصاتهم من تبعات، ولا يدركون طبيعة الأزمة. أنت بحاجة إلى من عايشوا المشكلة ليوضحوا مداها ويساعدوا في حلها.
لوس: في وقتٍ ما سيتعين عليهم أن يفهموا قدر ما يواجههم من نقد ويستجيبوا له مباشرة.
_____________
مع الأسف
"إن الشبكة التي اتصل بها الكثيرون منذ سنواتٍ مضت ليست هي ذاتها التي يجدها المستخدمون الجدد اليوم. حقيقة أن القوة تنحصر في بضع شركات؛ جعلت من السهل أن يتم تحويل الويب لسلاح يهدد الكثيرين". تيم بيرنرز لي، مبتكر الشبكة العنكبوتية العالمية.
"لقد آمنا بالفعل بالتجارب الإجتماعية. لقد أمنا بحماية الخصوصية، لكننا كنا مثاليين على نحو مبالغ فيه" شيريل ساندبورج، الرئيس التنفيذي لفيسبوك.
"فلنبنِ قاعدة بيانات شاملة لمعلومات شديدة الخصوصية ذات هدف محدد، ونبيع إعلانات سرية دون أن يدقق في صحتها الجمهور، ما المشكلة؟" بيير أميدير مؤسس موقع eBay.
"ليس لدي أبناء؛ لكن لدي ابن أخ أفرض عليه بعض القيود، ثمة أشياء لا أسمح بها، ولا أريد له أن يتواجد على مواقع التواصل الاجتماعي". تيم كوك، المدير التنفيذي لشركة Apple.
"إنها حلقة مفرغة من الثقة الزائفة، تماثل شيئًا يمكن لهاكر مثلي أن يفكر فيه، إنه الاستغلال الشرير لهشاشة النفس الإنسانية. المخترعين ومن خلقوا هذه الشبكات مثلي ومثل مارك زوكربرج وكيفين سيستروم مؤسس انستجرام، كل هؤلاء الناس فهموا ذلك جيدًا، علمنا أننا نستغل هشاشة الناس وواصلنا ما نقوم به على كل حال". شون باركر، أول رئيس لفيسبوك.
"كثيرًا ما أستيقظ من النوم مفزوعًا وأفكر، ما الذي جلبناه على رأس هذا العالم" طوني فاديل، أحد الآباء المؤسسين لـiPod.
"إن السعادة المؤقتة التي تجلبها حلقات مفرغة من التفاعل عبر الوسائل التي اخترعناها تدمر سير المجتمع، فليس هناك حوار اجتماعي أو تآزر؛ فقط معلومات خاطئة وحقيقة مضللة. لا ينحصر الأمر في الإعلانات الروسية؛ إنها أزمة عالمية". شاماث باليهابيتيا، مخطط الأداء الرئيسي لنمو عدد المستخدمين في فيسبوك.
"سيتعين على الحكومة التدخل، وأن تتولى الأمر تمامًا كما نظّمت صناعة السجائر، فللتكنولوجيا خواص إدمانية تجب معالجتها، ومهندسو الإنتاج يعملون على جعل منتجاتهم أكثر عرضة للإدمان، نحن في أمس الحاجة لكبح هذا الأمر". مارك بينيوف، المدير التنفيذي لـSalesforce.
ما أفسد الإنترنت
سجل المتصفح Coockies 1994
أداة المراقبة الرئيسية على الإنترنت، طورها المبرمج لو مونتولي للقضاء على ضرورة تكرار تسجيل الدخول أثناء التصفح. يسمح سجل المتصفح أيضًا لأطراف ثالثة -مثل جوجل- بترصد المستخدمين عبر الشبكة.
فكر مونتولي أن إساءة الاستعمال هي احتمال أقل خطورة، لأنه ليس في وسع أي جهة استخدام مثل هذا الكم من البيانات إلا إذا كانت "شركة ضخمة ذات نطاق انتشار واسع بين الجمهور". وكانت النتيجة: إعلانات رقمية تلاحقك كلما اتصلت بشبكة الإنترنت.
هشاشة فارم فيل (2007)
عندما أتاح فيسبوك شبكته الاجتماعية للطرف الثالث من المطورين، سامحًا لهم بتصمم تطبيقات يمكن للمستخدمين مشاركتها مع أصدقائهم، فتح الباب على مصراعيه أكثر من اللازم، فمن خلال التنصت على حسابات المستخدم، يمكن للمطور تحميل ثروة من البيانات الشخصية. وهو ما فعلته تمامًا شركة استشارات سياسية تُدعى كامبردج أناليتكا بحق 87 مليون أمريكي.
التنبؤ الحسابي 2006
إنها كيفية قيام الإنترنت بخدمة ما يظن عبر الحسابات أنك ترغب فيه. حسابات آلية تُبنى على عشرات القياسات المستترة، يستخدمها فيسبوك كلما ضغطتَ على زر تحديث آخر الأخبار وكذلك يوتيوب. إنه شديد الإدمان، ويحصر المستخدم في حلقاته الخاصة المشخصنة "في حين أن وسائل التواصل الاجتماعي صُممت في الأصل للتفاعل، ليس من قبيل المفاجأة أنها تؤذي الديمقراطية وحرية التعبير" كما غرّد جويلوم شازلوت، المهندس الذي صمم لوغاريتمات يوتيوب.
اللايك
عُرف بداية بـ"الزر المذهل". صُمم هذا الرمز ليغمر الشبكة بموجة من الإيجابية. لكن أضحت خصائصه الإدمانية مقلقة لدرجة أن ليا بيرلمان، واحدة من مبتكريه، تبرأت منه. وفي لقاء قديم مع Vice، قالت "هل تعرف تلك الحلقة من مسلسل المرآة السوداء Black Mirror؟ حين أصاب الجميع الهوس بزر الإعجاب؟ حينها ذُعرت من إمكانية تحولي لمثل هؤلاء، ومن فكرة أنني خلقت مثل هذه البيئة للآخرين جميعًا".
اسحب لتحديث الصفحة 2009
صممها مطور البرمجيات لورين بريشتر لأحد تطبيقات iPhone. الإيماءة البسيطة (تمرير الصفحة للأسفل لجلب المزيد من البيانات)، أصبحت بمثابة رعشة لا إرادية. قال بريشت لجارديان العام الماضي:"إنها تسبب الإدمان، أنا نادم على سلبياتها".
النوافذ الإعلانية المنبثقة Pop ups 1996
خلال عمله في منصة تدوين في البدايات الأولى للتدوين، توصل إيثان زوكرمان لأداة واسعة الانتشار تفصل الإعلانات عن المحتوى الذي قد لا يلقى قبولًا من المعلن، لكنه صرح لمدونة reply all الصوتية: "لم أقصد أن أدمر الإنترنت، لم أقصد حقًا جلب هذا الشيء المريع إلى حيوات الناس، أنا آسِف بشدة على هذا الأمر". برايان فيلدمان
_____________