تنشر المنصة ترجمة هذا المقال المنشور في نيويورك تايمز بإذن خاص من الصحيفة ومن الكاتبة زينب توفيقي*.
شعرتُ يوم الأربعاء بالسُخف إزاء البيان الذي نشره المدير التنفيذي لفيسبوك مارك زوكربيرج والذي حدد فيه خطته لجعل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت أكثر خصوصية وأقل إفشاءً لبيانات المستخدمين.
لماذا أتعامل بجدية مع شخص وعد أكثر من مرة، ولم يفِ، بتطوير ممارسات فيسبوك المتعلقة بالخصوصية؟ في النهاية وقّعت الشركة على عقد تراض بين طرفين مع هيئة التجارة الفيدرالية، ووافقت بموجبه على تحسين أدائها في ما يتعلق بالتعامل مع البيانات الشخصية للمستخدمين، وذلك بعد أن تقدمت ضدها جهات رقابية فيدرالية ببلاغات تتهمها بخداع المستخدمين وسرقة بياناتهم.
كان ذلك منذ سبع سنوات، وبعدها توالت الفضائح.
لكنني لست من أنصار التشاؤم؛ يمكن للأمور أن تتحسن لو أردنا ذلك، عن طريق الرقابة القانونية والضغط السياسي، غير أنني لست حمقاء أيضًا، لذلك أعدت قراءة بيان زوكربيرج مع حرصي على تمييز التغييرات الحقيقية من الابتذال والمراوغة.
كان ثمة ابتذال كما توقعت، أما المراوغة فكانت أسوأ من توقعي.
الخطة في الواقع كانت حماية مصالح فيسبوك والتهرب من كل المسائل الهامة.
ها هنا أربعة أسئلة ملحة حول الخصوصية لم يتطرق إليها زوكربيرج؛ هل سيكف فيسبوك عن جمع بيانات تصفح المستخدمين وهو ما يفعله بكثافة؟هل سيتوقف عن شراء المعلومات من سماسرة البيانات الذين يجمعون أو يستخرجون قدرًا هائلًا من البيانات عن مليارات الأشخاص، والتي تتضمن معلومات تتعلق بحالاتنا الصحية والمالية؟.
هل سيتوقف عن إنشاء حسابات ظل أو حسابات موازية فيجمع بيانات أشخاص لا يستخدمون فيسبوك؟ والسؤال الأهم على الإطلاق؛ هل سيغير نموذج العمل الأساسي الخاص به والذي يعتمد على ما يدفعه المعلنون مقابل الاستفادة من نظام المراقبة الشاسع هذا بغية الاستهداف الدقيق للمستهلكين؟
إلى أن يقدم السيد زوكربيرج إجابات وافية عن هذه الأسئلة، فإن كل محاولات جعل فيسبوك مكانًا يحفظ الخصوصية ستكون مخيبة للآمال.
لقد خصص السيد زوكربيرج أغلب تدويناته للاعتراف بحقائق معروفة مسبقًا عن وسائل التواصل الاجتماعي وعرض حلولًا مستهلَكة. ذكر أن مستخدمو فيسبوك لا يرغبون أن يُدفعوا إلى الشهرة المطلقة، بل هم على الأغلب يرغبون في التواصل مع المقربين منهم، ويستخدمون التطبيقات الأخرى التي تقدمها الشركة؛ إنستجرام، واتساب، ومسنجر.
ذكر أيضًا أن حاجة المستخدمين لخواص اتصال أقصر أمدًا تزيد، تلك التي صممتها شركات أخرى، لذلك سيواصل فيسبوك محاكاة رسائل سناب شات Snapchat سريعة الزوال.
إحقاقًا للحق كان ثمة جديد في ما أعلنه، فعلى سبيل المثال قال السيد زوكربيرج إن الشركة بصدد توسيع خاصية الرسائل المشفرة، وهو ما سيمنع فيسبوك وأي شخص غير مشارك في المحادثة من الاطلاع على محتوى الرسائل.
أنا أؤيد بقوة حماية خصوصية الرسائل، إنها حجر زاوية الجهود المبذولة في دفع سحابة المراقبة التي غيّمت على العالم.
لكن ما نحتاجة حقًا، ولست أدري بما يجول في خاطر فيسبوك، هو حماية الخصوصية في تطبيقات الرسائل التي يتبادلها أشخاص حقيقيون وليس في تطبيقات الرسائل التي تؤمّن الرسائل الجماعية.
حاليًا يحق للنقاد –وقد فعلوا- أن يحمّلوا فيسبوك المسؤولية عن فشله في عمل التعديلات الكافية للمحتوى الذي يساهم نشره في زيادة خطاب الكراهية والتضليل والأخبار الكاذبة وما إلى ذلك.
يساعد التشفير فيسبوك على التبرؤ من المحتوى، وهكذا نواجه المشاكل المعتادة بشأن المحتوى المنتشر عبر الانترنت لكن مع رؤية أقل وضوحًا وفي غياب من تقع عليه المسؤولية.
جدير بالذكر أن تشفير الرسائل لا يحل فيسبوك من الالتزام بمحتوى وسطي وحسب، بل إنه لا يتعارض مع المراقبة التي يمارسها فيسبوك لصالح المعلنين.
في لقاء أُجرى معه بعد إعلان خطته أقر زوكربيرج، بأن "فيسبوك لم يعد يستخدم تمامًا مضمون الرسائل لاستهداف الإعلانات "، أو بعبارة أخرى، فيسبوك على استعداد لدعم الخصوصية إذا كان ذلك سيخفف من مسؤولياته، لكن ليس إذا نتج عنه انخفاض في إيرادات الإعلانات.
ثمة نقطة أخرى شدد عليها السيد زوكربيرج وهي نيته إخضاع منصات الرسائل التابعة لفيسبوك، مسنجر وواتساب وانستجرام لنظام التشغيل التشاركي Interoperability (اشتراك أكثر من خاصية في جمع بيانات محددة) ووصف هذا القرار بأنه جزء من خطته لحماية الخصوصية، إلا أنه ليس واضحًا كيف يصب ذلك في مصلحة الخصوصية إذا كان سيتطلب مشاركة بيانات المستخدم.
إن دمج هذه التطبقات ربما سيكون في صالح فيسبوك الذي سيتجنب بذلك الحلول الرافضة للاحتكار. وكما أدرك المراقبون أنهم ربما أخطأوا حين سمحوا لفيسبوك بابتلاع كل منافسيه (بما في ذلك واتساب وانستجرام)، قرر أيضًا السيد زوكربورج خلط أوراقه حتى يعرقل انفصالهم لكيانات مستقلة. يا لها من صدفة.
باختصار، تبدو الخطوات القليلة الجديدة حقًا التي أعلنها زوكربيرج يوم الأربعاء ملائمة لاحتياجات فيسبوك، سواء تلك المتعلقة بالرقابة القانونية أو ترويج الفضائح أو زيادة الأرباح، يشبه هذا التحول المزعوم نحو "نسخة تصون الخصوصية" تمركُز ماكر في سوق المنافسة لكنه يتخفّى وراء خطاب الخصوصية.
تقول شيريل ساندبرج، رئيس العمليات التنفيذي في فيسبوك، إن مشكلة الشركة تكمن في مثاليتها الشديدة. أعتقد أن المشكلة تكمن في وسائلها التوسعية لتحقيق الربح، وغياب الرقابة الجادة. وحتى يتغير ذلك، لا أرى جدوى في محاولات الشركة للاتجاه نحو دعم الخصوصية.
* زينب توفيقي كاتبة تركية وهي أستاذ مساعد بمدرسة علوم المعلومات والمكتبات بجامعة نورث كارولينا.