إن لاختيار الوزيرين مسوغات من الصعب معرفتها خارج نطاق القيادة السياسية وما يحيط بها من دائرة مستشارين، ما قد يجعل من اختيارهما مفاجئة للبعض. اللواء محمد زكي الألفي
أدت الحكومة المصرية الجديدة برئاسة مُصطفى مدبولي، ظُهر اليوم الخميس، اليمين الدستورية أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وشهد التشكيل الحكومي الجديد تغييرات محدودة، لكنها كانت في وزارات بارزة، أتى على رأسها الدفاع والداخلية، اﻷكثر حساسية بين مختلف الوزارات، نظرًا للأوضاع الجارية في البلاد منذ أعوام، والتي شهدت تصاعدًا في وتيرة الحرب الدائرة بين الجيش والشرطة وبين الجماعات المُسلحة، التي امتدت هجماتها من محافظة شمال سيناء إلى مناطق أخرى من الجمهورية.
وتولى منصب وزير الدفاع والإنتاج الحربي، الفريق محمد زكي، خلفًا للفريق صدقي صُبحي، بينما أسندت حقيبة الداخلية إلى اللواء محمود توفيق، خلفًا للواء مجدي عبد الغفّار.
"دماء جديدة"
قد يبدو اسما الوزيرين الجديدين غير معروفين- قبل الآن، إلاّ أن وزير الدفاع كان له دورٌ بارزٌ بعد ثورة 25 يناير، وصعد اسمه أكثر منذ خمس سنوات مضت، بينما جاء صعود نجم وزير الداخلية قبل ثمانية شهور فقط.
الفريق محمد أحمد زكي محمد، ووفقًا لما يذكره عنه الموقع الرسمي لوزارة الدفاع، يبلغ من العُمر 62 عامًا، خريّج الدفعة 69 حربية، سلاح المُشاة.
يرى الخبير العسكري والاستراتيجي، اللواء جمال مظلوم، في اختيار زكي "طبيعي حتى لو لم يكن هناك تمهيدًا له، ولكنه بمثابة ضخ دم جديد في القيادة العسكرية".
أما اللواء محمود توفيق، وزير الداخلية الجديد، فتخرّج من كلية الشرطة في الثمانينات، وعمل بعدد من قطاعات وزارة الداخلية حتى التحق بالعمل في قطاع أمن الدولة السابق، وتدرج في المناصب حتى شغل وكيل جهاز الأمن الوطني، قبل أن يترأسه.
يتفق مع اللواء مظلوم في حتمية التغيير وتجديد الدماء، الخبير الاستراتيجي، اللواء محمد زكي الألفي، الذي قال إن لاختيار الوزيرين مسوّغات وأسباب من الصعب معرفتها خارج نطاق القيادة السياسية وما يحيط بها من دائرة مستشارين، ما قد يجعل من اختيارهما "مفاجأة للبعض".
ما بعد الواحات
يُشير مظلوم إلى بعض أسباب الاختيار، بقوله إن للقيادة السياسية معايير مثل "الخبرة السابقة وفترة العمل والنشاط البارز والتأهيل السليم والجرأة".
في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، استهدف هجوم مُسلح قوة أمنية مصرية كانت على طريق الواحات لتنفيذ إحدى المهام، وأسفر عن مقتل عشرات من الجنود والضباط، تضاربت الأرقام حولهم بين بيانات وزارة الداخلية التي قدّرتهم بـ17 قتيل فقط، ووسائل إعلام دولية أكدت- استنادًا لمصادر رسمية لم تكشف هويتها، أن عدد القتلى أكثر من 50 مجندًا وضابطًا.
وبعد أسبوع واحد فقط من حادث الواحات، أصدر وزير الداخلية، آنذاك، مجدي عبد الغفار، قرارًا بترقية اللواء محمود توفيق، من منصب وكيل جهاز الأمن الوطني إلى رئاسته بعد إعفاء اللواء محمود شعراوي من مهمته.
في ذلك الوقت، لقّبت صُحفًا رسمية، اللواء توفيق بـ"صائد الإرهابيين"، وتحدثت عن أن اختياره جاء "بعد نجاحه في الإيقاع بأكبر عدد من العناصر الإرهابية المنضوية تحت عباءة جماعة الإخوان الإرهابية".
وبعد 8 شهور فقط من توليه رئاسة الأمن الوطني، اختير اللواء محمود توفيق وزيرًا للداخلية.
يقول اللواء جمال مظلوم، عن مساهمة إدارة توفيق لجهاز الأمن الوطني في اختياره وزيرًا "لا نستبعد ذلك، فاﻷمر كان خبرة ودرس كبير للأجهزة كافة حول الإدارة الجيدة والحسنة، وهي عامل يساعد في أن يحظى المرشح (للوزارة) بالقبول والثقة في قدرته على تحمل المسؤولية الكبيرة".
على مدار الشهور الثمانية الماضية، تصدر الأمن الوطني عناوين الأخبار المنشورة في الصحف، عمّا حققه الجهاز من "ضربات استباقية للإرهاب"، كان منها على سبيل المثال، في ديسمبر/ كانون الأول 2017 "الأمن الوطنى يحبط مخطط حركة حسم لتنفيذ عمليات إرهابية خلال أعياد الميلاد"، وخبر آخر في يناير/ كانون الثاني الماضي بعنوان "الأمن الوطنى يحبط أضخم مخطط إرهابى لاستهداف رجال الشرطة بسيناء فى عيدهم الـ66"، وآخر في مايو/ أيار 2018 بعنوان "الأمن الوطني يحبط مخططا إرهابيًا في صحراء الواحات".
.. وما تلا 2011
عن اختيار قائد الحرس الجمهوري وزيرًا جديدًا للدفاع، يُشير اللواء الألفي إلى "مسوّغات جدارة" يحملها الرجل كان منها "بصماته في وزارة الدفاع منذ أحداث 25 يناير، ودعمه للقوات المُسلحة، بجانب قربه من موقع متخذي القرار والقيادة السياسية".
أثناء ثورة 25 يناير، كان زكي قائدًا لوحدات المظلات منذ أواخر العام 2008، وتلك هي الواحدات التي أسندت إليها- مع قطاعات أخرى من الجيش، خلال الثورة وما تلاها من أحداث واستحقاقات، مهمة تأمين المنشآت العامة والحيوية مثل اللجان الانتخابية، وكذلك تأمين مجلسي الشعب والوزراء، اللذين شهد محيطهما اشتباكات عنيفة، وفق ما رواه سياسيون وشهود عيان.
في عام 2012، أصدر الرئيس، آنذاك، محمد مرسي، قرارًا بتعيين زكي رئيسًا للحرس الجمهوري، خلفًا للواء نجيب عبد السلام رشوان، آخر قائد للحرس الجمهوري في عهد الرئيس الأسبق حُسني مبارك.
ويُشير الخبير الاستراتيجي، الألفي، أيضًا لما كان لزكي "من دور في 30 يونيو، ومساهمة في الحفاظ على الوطن من الإرهاب".
استمر الفريق زكي في منصبه كقائد للحرس الجمهوري، منذ 2012، وكان له دورٌ خلال أحداث الاتحادية ثم 30 يونيو وما بعدها، وفقًا لما نقلته الصحف عن كواليس عزل الرئيس الإخواني، وعن جلسات محاكمته فيما بعد، والتي كان زكي واحدًا من الشهود فيها.
3 شهور
في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، عقب الهجوم على مسجد الروضة بشمال سيناء، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي أمرًا للجيش بالقضاء على الإرهاب في مهلة لا تتعدى 3 شهور. وفي 9 فبراير/ شباط 2018، أعلن الجيش بدء العملية العسكرية الشاملة سيناء 2018، بالتعاون مع عناصر من الشُرطة، وما تزال مستمرة حتى هذه اللحظة.
وفي تاريخ بين هذين التاريخين السابقين، تحديدًا 19 ديسمبر/ كانون الأول 2017، شهد مطار العريش استهداف مسلحين لوزيري الدفاع والداخلية، آنذاك، بقذيفة، في محاولة اغتيال فاشلة.
وفي تاريخ تال لهذين التاريخين، تحديدًا 25 فبراير 2018، طلب رئيس الأركان محمد فريد حجازي من الرئيس عبد الفتاح السيسي مد مهلة القضاء على الإرهاب في سيناء.
على الرغم من كل تلك الوقائع، استبعد الخبيران العسكريان أن يكون للأوضاع الدائرة في سيناء وغيرها من مناطق المواجهات مع العناصر المُسلحة، يدًا في إقصاء الوزيرين السابقين صبحي وعبد الغفار.
يقول مظلوم "مفيش تقصير ولا يُلام الوزيرين السابقين. بالفعل المهلة كانت 3 شهور للقضاء على الإرهاب، لكن تبيّن أن الأمر يحتاج جهدًا أكبر، ما دعا رئيس الأركان لعرض اﻷمر أمام الرئيس الذي لم يعترض"، مُضيفًا "واعتقد أن النتيجة مُرضية في الوقت الحاضر".
صدر أحدث بيان عسكري عن العملية سيناء 2018، نهاية مايو الماضي، وحمل الرقم 23.
يتفق مع مظلوم في رأيه، الألفي بقوله "أدت القيادات التي كانت موجودة في المرحلة الماضية دورها بأمانة وإخلاص، والتغيير الوزاري ليس دليلاً على عدم الكفاءة"، متساءلاً "بقالنا كام شهر مفيش عمليات إرهابية؟ إذن العملية (سيناء 2018) ممتدة، ﻷننا نواجه عمليات عدائية ومدعومة من جهات خارجية، ونحن نسير في الاتجاه الصحيح".