مطلع شهر رجب بدأت لُبنى الدعوة لجمع تبرعات شُنط رمضان 2018. وعلى الرغم من أنها أطلقت دعوتها مُبكرًا عن كُل عام بشهر كامل، إلاّ أن مساعيها لتوزيع 2000 شنطة على اﻷسر الفقيرة لم تُكلل بالنجاح، وجمعت فقط نصف هذا العدد.
"السنة دي أول مرّة أعلن بدري قوي كده، ﻷني كنت عارفة إني هبذل مجهود أكتر علشان أقدر أجمّع المطلوب"، تقول المهندسة لبنى مُحرّم، مديرة جمعية يهمّني الإنسان، عن خطة لم تُحقق طموحها "لكن حتى البدء بدري ماكنش مفيد، ماقدرتش أجمع غير ألف شنطة بس للأسف الشديد، واعتذرت للبقية".
الظروف تحكم
حدّدت "يهمني الإنسان"، وهي جمعية معنيّة بعلاج غير القادرين وتنخرط في أنشطة خيرية موسمية، وزن الشنطة الرمضانية الواحدة، لهذا العام، بـ 18 كيلوجرام تفي باحتياجات أسرة لحوالي أسبوعين، وفقًا لمعلومات لُبنى "صعب علينا في ظل الظروف دي إننا ندّي اﻷسرة اللي يكفيها شهر".
ولم يكن انخفاض عدد الشُنط لعزوف المتبرعين، فهم أنفسهم مَن اعتادت التعامل معهم سنويًا، لكنه تَقَلُّص ما يتبرعون به مُقارنة بأعوام سابقة، وفقًا لما ذكرته لُبنى للمنصّة "اللي متعود يتبرع بقيمة 10 شنط مثلاً اتبرع بـ5 شُنط، واللي متعود يتبرع بـ100 شنطة بقى بيتبرع بـ50"، وهو ما بررته بـ"الحالة الاقتصادية اللي بقت صعبة على الكل دلوقتي".
مرّ الاقتصاد المصري بالعديد من المصاعب، منذ اتخاذ الحكومة قرار تعويم الجنيه، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، والذي اتبعته برفع أسعار الوقود؛ ما ترتب عليه ارتفاع مُعدلات التضخم لتبلغ في يوليو/ تمّوز 2017 نسبًا قياسية، قبل أن تنخفض مجددًا.
لكن التعويم ليس المُتهّم اﻷول في نظر لُبنى التي كشفت أن 2017 لم يكن عامًا سيئًا مقارنة بالحالي "كان لسه الناس فيها الروح، ومابذلتش مجهود زي السنة دي وقدرت أراضي الكل. لكن السنة دي الوضع سيء ومتردي، أصل المسألة مش بس تعويم، كمان مفيش شغل في البلد، ولا حركة بيع وشراء، والدخل نفسه قلت قيمته وفيه ناس كتير قعدت في بيوتها".
بلغت معدلات البطالة في مصر نسبة 11.3% بواقع 3.3 مليون مواطن، وفق البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، منتصف فبراير/ شباط الماضي.
اختلافات نسبية
على العكس من "يهمني الإنسان"، التي لا تقوم بحملات إعلانية تليفزيونية أثناء شهر رمضان، كان الوضع في جمعية رسالة، التي قالت إحدى عضواتها إن تدفق تبرعات رمضان "تَحسّن" في 2018 عن العام الماضي.
تقول رباب أحمد، الموظفة بنشاط "مشاوير الخير" في جمعية رسالة، ومن خلاله تتلقى تبرعات للشنط الرمضانية، "السنة اللي فاتت التبرعات ماكنتش كتيرة. السنة دي بالعكس، الخير كتير، يعني في اليوم الواحد بجمع من 250 لـ300 شنطة، مقابل 20 أو 30 شنطة يوميًا في اليوم الواحد السنة اللي فاتت".
تعترف رباب بارتفاع أسعار المواد الغذائية عن العام الماضي، لكنها تؤكد مع ذلك ارتفاع نسبة التبرعات "فيه كثافة بالنسبة للشنط، احنا جمعنا في مشاوير الخير فقط حوالي 600 شنطة تقريبًا، رغم إننا بدأنا من أيام قليلة فاتت ومكملين حتى منتصف رمضان، إذا لم نكمل طوال الشهر تقريبًا".
وتدفّقت التبرعات أيضًا "لحوم ودواجن من المطاعم" على "رسالة" من أجل نشاط رمضاني آخر هو الإطعام، والذي وفقًا لرباب "يُقَدّم من خلاله وجبات مطهية للمحتاجين في أماكن فقيرة مثل الحيتية ومنشية ناصر وقلعة الكبش، ومستعمرة الجذام".
يُغطي نشاط المؤسسة مناطق بمحافظات القاهرة والجيزة والشرقية، والبحيرة، والفيوم، ويضم بين متلقي التبرعات فئات مجتمعية مُهمّشة مثل الأرامل وجهات مثل المستشفيات الحكومية.
زيادة التبرعات التي شهدتها جمعية كـ "رسالة" لها ما يقابلها من عجز واجه جمعيات خيرية صغيرة في المحافظات. هذه المجموعات الصغيرة طلبت الدعم من جمعية "يهمني الإنسان". تقول لبنى محرم "دي أول مرّة السنة دي يجي لي طلبات من أماكن ماشتغلتش فيها. زاد علي طلبات من جمعيات أقاليم زي المنيا والصف ووادي الريان. كان بيجي لها شنط وأعتقد إن ده قل؛ فاضطروا يسعوا لجمعيات تانية".
قبل حلول شهر رمضان بيوم واحد فقط أثار مدير جمعية الأورمان الخيرية، اللواء ممدوح شعبان جدلاً، حين قال للرئيس خلال إحدى جلسات مؤتمر الشباب إن مصر "ليس بها فقير واحد".
لكن، ووفقًا لبيانات جهاز التعبئة العامة والإحصاء ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، طال الفقر 27.8% من سكان مصر.
الاختلاف بين الجمعيتين "رسالة" و"يهمّني الإنسان" لا يقف عند رأيهم في تبرعات 2017 و2018، أو مدى النطاقات الجغرافية لعملهما، فهو ممتد حتى لقيمة التبرعات.
حددت جمعية رسالة، وفقًا لما أعلنته صفحتها الرسمية على فيسبوك، قيمة تبرعات أغذية رمضان بواقع 200 جنيه تكلفة المواد الغذائية اللازمة لشهر رمضان، و1050 جنيه تكلفة إفطار صائم طيلة شهر رمضان.
وتقول رباب، الموظفة بنشاط مشاوير الخير "لو حد اتصل بالجمعية وطلب دفع فلوس لشنط رمضان؛ بنقول له القيمة اللي بتكون من 100 جنيه ولحد كرتونة بـ 500 جنيه".
لكن رباب تقبل أيضًا، عبر مشاوير الخير، تبرعات عينية لا تحدد قيمتها "مفيش تكلفة مادية محددة للعيني، متروكة لكل متبرع على حسب مقدرته"، وهذه نقطة اختلاف أخرى بين جمعيتها و"يهمني الإنسان" التي حددت مبلغ 230 جنيه للشنطة، ولا تقبل التبرع العيني، ولهذا الرفض تفسير من مُديرة الجمعية لُبنى "لا نقبل تبرعات عينية، صعب ﻷني بعمل تفرقة كده حتى لو التبرع كان بشنطة أعلى، هيبقي مفيش عدالة".
بديل "أجدى"
انتشرت فكرة شُنط وكراتين رمضان منذ سنوات سواء على المستوى الخيري من الجمعيات اﻷهلية، أو التجاري من سلاسل المحلات التجارية، والتي ظهر لها في اﻷعوام الأخيرة منافس قوي هو القوات المسلحة، التي تبيع منافذها التجارية كراتين رمضان بأسعار مُخفّضة.
لكن الانتشار والاعتياد لم يمنع ظهور أصوات معارضة لشنطة رمضان، ترى في التبرع المادي بديلاً "أجدى"، على حد وصف واحد منهم هو محمد مصطفى، الذي يرى أن أول فوائده "عدم فرض خيار بعينه على المحتاج".
يقول مُحمد، الذي درس التجارة والدعوة ويتطوع الآن على القيام بشؤون أحد المساجد اﻷهلية بمنطقة بحري في الأسكندرية "عن خبرة سنين، تجربة توزيع الشُنط كانت فاشلة 100%، وعمري ما خيّرت المحتاج بينها وبين الفلوس إلا وكان يختار الفلوس، حتى لو كان المبلغ تلتين قيمة الشنطة".
يفسر محمد الاختيار بقوله "منهم اللي بيخاف من الفضيحة قُدّام الجيران، ومنهم اللي بيفضّل يكيّف احتياجاته حسب الفلوس، عكس العيني اللي جايز جدًا تكون اختياراته غير عادلة، فالشنط بوزن واحد غالبًا رغم إنها توزّع على أسر مختلفة الأعداد، وغالبًا ما يكون فيها هدر أو نقصان".
وتخالف محمد إحدى سيدات منطقة الوراق بالقاهرة، ممن تختار توزيع شُنط رمضان- طلبت عدم ذكر اسمها- وقالت "الشنطة أحسن، ﻷن المحتاجين لو أخدوا مكانها، حتى 100 جنيه، مش هتجيبلهم حاجة"، مُشيرة إلى جزء آخر يتعلق بنية المتُصدّق في "إطعام وإفطار صائم".
يردّ مُحمد على هذه الجزئية بقوله "فكرة إفطار صائم غير مضمونة طول الوقت ﻷنه، وعن احتكاك، قطاع كبير من الفقراء مابيصومش. وماذا لو كان الصائم منهم مريضًا بالسكر؟ لماذا أجبره على تناول أرز أو مكرونة تبرعت بهما، بينما الأولى بالنسبة له شراء علاج؟".
في الورّاق أيضًا، تعيش بائعة خضروات، سنسميها حمدية، التي تُفضّل تلقّي شُنط رمضان وتقول عنها "دي بتبقى تموين للشهر"، وإن كانت تُفضّل التبرع المادي قرب عيد الفطر "علشان لبس العيال".
ويقترح محمد أن تقتصر التبرعات المادية على حالات بعينها، وتتحول لفكرة "كوبونات" يتفق المتبرع مع التُجار على صرف مواد غذائية لحاملها، منعًا ﻷضرار أخرى مثل "جشع بعض التُجار ممن يضاربون في أسعار الشُنط أو يعرضون شرائها من المحتاجين، ومنعًا لهدر أموال على تكلفة تعبئة ونقل التبرع العيني".