قالت منظمة العفو الدولية إن السلطات المصرية تستخدم عقوبة الحبس الانفرادي "كأداة لإلحاق اﻷلم والمعاناة بالسُجناء"، وإنها وثَّقت 36 حالة لسجناء احتُجزوا رهن الحبس الانفرادي المطوَّل وإلى أجل غير مُسمَّى، وبينهم 6 عُزلوا بشكل غير مشروع عن العالم الخارجي منذ عام 2013.
وأكدت المُنظمة في تقرير، صادر عنها اليوم الاثنين، بعنوان "سحق الإنسانية: إساءة استخدام الحبس الانفرادي في السجون المصرية"، أن استمرار احتجاز السُجناء رهن الحبس الانفرادي عدة سنوات، يُعد "في حد ذاته، بمثابة نوع من التعذيب".
في المقابل، نفت السلطات المصرية ما ورد في تقرير المنظمة الحقوقية الدولية من "انتشار الحبس الانفرادي المطوَّل على نطاق واسع"، ووصفت حبس السُجناء المحكوم عليهم بالإعدام انفراديًا لمدة قد تصل إلى سنوات بأنه "عادي"، ما ردّت عليه العفو الدولية بالقول إنه "محظور بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان".
"سحق الإنسانية"
استهلت منظمة العفو الدولية تقريرها، باﻹشارة إلى "القبض على عشرات الآلاف من الأشخاص" في الفترة منذ 2013- تحديدًا تاريخ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي- وإلى 2017، بسبب "انتماءاتهم السياسية أو مشاركتهم في مظاهرات"، واتهمت السلطات باستخدام "تُهم مُلفقة" ضد المتظاهرين.
وتطرّق تقرير المنظمة إلى ما سمّاه "الاستخدام غير المشروع للحبس الانفرادي"، وكان أول ما تناوله هو "النطاق الفضفاض" لهذه العقوبة، إذ أوضح أن "اللائحة الداخلية للسجون" تقضي بمنح مسؤولي السجن سلطات تقديرية واسعة في إصدار أوامر بتطبيق الحبس الانفرادي، والذي يُنظّمه القانون رقم 396 لسنة 1956 ، المعروف باسم قانون تنظيم السجون، واللائحة الداخلية للسجون.
وبموجب تعديل أدخل على القانون عام 2015، تضاعف الحد الأقصى لفترة الحبس الانفرادي، وصار مُمكنا لمأموري السجون إصدار أوامر بالحبس الانفرادي لمدة 30 يومًا بدلاً من 15، بينما صار ممُكنا لمساعد وزير الداخلية لقطاع مصلحة السجون إصدار أمر بتطبيق الحبس الانفرادي لمدة أقصاها 6 شهور بحق أي سجين.
وكان "الاستخدام التعسّفي" لعقوبة الحبس الانفرادي واحد مما تناوله التقرير الحقوقي، وذكر أن "سُلطات السجون المصرية تقوم بصفة منتظمة بتصنيف المحتجزين والمسجونين لأسباب سياسية باعتبارهم خطرين، وتستخدم الأمن القومي كمبرر لوضعهم في الحبس الانفرادي".
ودللّت المنظمة على ذلك بأنها وثّقت 36 حالة حبس انفرادي لسُجناء في قضايا ذات طابع سياسي، وسردت وقائع تتعلق بما يتعرض له بعضهم من مُضايقات تحت سُلطة "الانفرادي، مثل هشام جعفر، والسياسيين المنتميين للإخوان المسلمين عصام وجهاد الحداد وكذلك الناشط السياسي عمرو علي، مُرجّحة أن يكون اللجوء للحبس الانفرادي يتم بهدف "الانتقام، والعقاب، والترهيب، وإجبار السجناء على الإدلاء باعترافات".
وكشف تقرير "العفو الدولية"، فيما يتعلق بالسلطة المختصة بإصدار أوامر الحبس الانفرادي أن "الأمن الوطني كثيرًا ما يكون صاحب القرار الرئيسي، على ما يبدو، فيما يتعلق بالسجناء المحبوسين لأسباب سياسية"، لافتًا إلى أن هذا الأمر يتم "دون أساس قانوني" لاشتراك هذا القطاع في اتخاذ مثل هذا القرار، وإلى أن أوامره "لا تكون مكتوبة ولا مُعلنة رسميًا؛ ما يجعل من المستحيل على السجناء الطعن عليها".
وعددّ التقرير الحقوقي ما تنطوي عليه ظروف الحبس الانفرادي من "انتهاكات"، استنادًا لشهادات من سُجناء سابقين وذوي سُجناء حاليين، وكان على رأسها "عدم السماح بقضاء أي وقت خارج الزنزانة لفترات بلغت أحيانًا 3 أسابيع، والحرمان من أي اتصال ذي معنى مع السجناء الآخرين خلال الوقت القليل الذي يقضونه خارج زنازين الانفرادي، والحرمان من الزيارات العائلية لفترة طويلة، وفي حالة الموافقة على الزيارة فإنهم يحرمون من الخصوصية خلالها".
وأشارت "العفو الدولية" كذلك إلى "الظروف غير الإنسانية في الزنازين" استنادًا لشهادات سُجناء سابقين تعرضوا للحبس الانفرادي، أشاروا إلى "ضيق الزنزانة وسوء إضاءتها وتهويتها وافتقارها للأسرّة والأغطية، وعدم وجود مراحيض أو وجود مراحيض مكسورة تجلب حشرات. والحرمان من الطعام الكافي وفي نفس الوقت رفض قبول طعام اﻷسرة المُقدّم للسجين، والحرمان من الفحص الطبي".
ولفت التقرير الحقوقي إلى أن كل ما سبق من وقائع ترتبط بالحبس الانفرادي هي بالضرورة "مُخالفة للقواعد النموذجية الدُنيا لمعاملة السجناء"، منتقدًا "عدم ممارسة النيابة العامة للصلاحيات التي يمنحها لها قانون الإجراءات الجنائية للإشراف على السجون على نحو فعّال".
توصيات متعددة
أوصت "العفو الدولية"، في ختام تقريرها، السلطات المصرية بإنهاء جميع حالات الحبس الانفرادي ما لم يكن مُطبقًا على نحو يتماشي بشكل كامل مع "قواعد نيسلون مانديلا" (القواعد النموذجية الدُنيا لمعاملة السُجناء والتي أقرّتها الأمم المتحدة عام 2015)، وإنهاء "جميع الأشكال الأخرى للتعذيب" بحق المسجونين انفراديًا وتقديم مُرتكبيها للعدالة، وإنشاء آلية مُستقلّة وفعالة يكون مُصرّحًا لها بزيارة جميع أماكن الاحتجاز.
وخصّت المنظمة عدد من الجهات المسؤولة في مصر ببعض التوصيات، وكان على رأسها وزارة الداخلية، التي طالبتها "العفو الدولية" بأمور كان أبرزها "عدم تدخل قظاع اﻷمن الوطني في إدارة السجون، وضمان التحقيق مع مسؤولي السجون الذين يطبقون الحبس الانفرادي لفترات طويلة"، كما طالبت المنظمة مجلس النواب بإجراء تعديلات تشريعية للحد من اللجوء للحبس الانفرادي ولتوفير ضمانات للسُجناء الذين يخضعون ﻹجراءات تأديبية.
وأوصت المنظمة النيابة العام بإجراء زيارات تفتيش دورية للسجون، والتحقيق في الشكاوى والبلاغات المتعلّقة بالتعذيب أو أي من ضروب المعاملة القاسية "والانتهاكات" التي ينطوي عليها تطبيق الحبس الانفرادي، كما طالبت رئاسة الجمهورية بالتصديق على "البروتوكول الاختياري المُلحق باتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة".
.. ومصر تنفي
مقابل ما عدّده تقرير "العفو الدولية" عن الحبس الانفرادي وما ينطوي عليه من "انتهاكات"، جاء رد السلطات المصرية على المنظمة نافيًا بصورة قاطعة لكل ما ورد في التقرير، بل أنها وصفته بأنه "يُعدّ من قبيل الأقوال المرسلة المضخمة، ويكشف خلط في الفهم بين الحبس الانفرادي كعقوبة تأديبية وبين الإيداع في غرفة فردية يتمتع فيها السجين بكافة حقوقه".
وردّت المنظمة على تفريق السلطات بين الحبس الانفرادي والزنزانة الانفرادية بالقول "إن ما يجعل الحبس الانفرادي عملاً غير مشروع هو حبس السجناء لأكثر من 22 ساعة في زنزانة انفرادية لمدة تزيد على 15 يومًا، وليس نوع الزنزانة".
وخاطبت السلطات المصرية في معرض ردها، المنظمة قائلة: "وننأي يمنظمة العفو الدولية أن يتم استخدامها كوسيلة لترويج المزاعم واﻷكاذيب"، وأكدت أن "الباب مفتوح لاستقبال شكاوى المتضررين".
وأشارت السلطات المصرية، فيما يتعلق بحبس السجناء المحكوم عليهم بالإعدام انفراديًا لمدة قد تصل إلى سنوات، بأنها أمر "عادي"، لكن المنظمة الحقوقية أكدت أنه "محظور بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان".