منذ اختياره البقاء في صف جمهورية الثالث من يوليو على العكس من الحلفاء في التيارات الإسلامية الأخرى وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين، يعطي حزب النور للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي صكوك تأييد في مناسبات كثيرة متى احتاجها، ولكن على الجانب الآخر، فإن الدولة، حتى الآن، لم تظهر نفس الحماس في المقابل نحو الحزب.
منذ انطلاق الحديث عن انتخابات الرئاسة التي تجري حاليًا، أعلنت قيادات في الحزب تأييدها للسيسي في أكثر من مناسبة، بدءًا من تصريح رئيس الحزب، يونس مخيون، يناير/كانون الثاني الماضي، بأن أعضاء النور حرروا توكيلات لدعم السيسي ونفي نيتهم بترشيح منافس له في الانتخابات، ومن ثم إعلانهم الرسمي عن تأييدهم له في نفس الشهر.
خلال شهر فبراير/شباط الماضي، رفضت المحكمة الإدارية طعنًا يطلب حل حزب النور، وهو واحد من عدّة طعون قُدّمت ضد الحزب كونه قائمًا على أساس ديني، وهو ما يحظره الدستور المصري. وفي الشهر نفسه، بدأ الحزب تنظيم مؤتمرات داعمة للسيسي في المحافظات، منها مؤتمرات حضرها مخيون بنفسه، كمؤتمر الحزب بمرسى مطروح الذي أقر مخيون خلاله بوجوب دعم السيسي والجيش والشرطة، كونهم يمثلون "الشرعية".
نشاط الحزب لم يتوقّف على بضعة مؤتمرات داعمة للرئيس، نشاط أفراده خلال اليومين الأخيرين واضح ويمكن الاستدلال عليه من تغطية المواقع الإلكترونية للانتخابات أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي كفيسبوك، عشرات الأعضاء يظهرون مؤيدين للسيسي في محافظات كالأسكندرية وشمال سيناء وقنا، ومكبرات صوت تدعو لتأييده في الشرقية، و15 سيّارة لنقل الناخبين في أسوان.
تعتبر هذه المرة الثانية الذي يدفع الحزب ناحية انتخاب السيسي، المرة الأولى كانت في 2014 عندما نشر الحزب و"الدعوة السلفية"، 9 أسباب لدعم للسيسي رئيسًا للجمهورية، السبب السادس في قائمة النور هي أن فرص السيسي في الفوز أكبر من غيره، ما يجعل مصلحة الحزب في دعمه. فاز السيسي، لكن لا يبدو أن مصالح الحزب تحققت في عهده.
لم يبدِ السيسي، وقت كان مرشحًا أو بعدما صار رئيسًا، امتعاضَا واضحًا من حزب النور، بل على العكس، كان يرى وجوده عاملاً مهمًا في إثراء الحياة السياسية في مصر، لكن في الوقت نفسه، لم يحز حزب النور مكاسب سياسية واضحة خلال السنوات الأربع التي أمضاها السيسي في قصر الاتحادية.
فعلى الجانب السياسي، لم يحصل السلفيون إلا على مقعد واحد في لجنة الخمسين التي شكّلت لتعديل الدستور المصري، وخسر الحزب أغلب المقاعد التي تنافس أعضاؤه عليها في البرلمان الذي تم انتخابه في العام 2015. لتكون حصيلة مقاعده النهائية 12 مقعدًا فقط.
رئيس الحزب، وصف انتخابات البرلمان في 2015 بأنها الأسوء في تاريخ البرلمان المصري، ودعا اللجنة العليا إلى اجتماع لبحث الانسحاب من الانتخابات البرلمانية من عدمه، وشكى برهامي حملة التشويه المتعمّدة لصورة الحزب.
وعلى الجانب الديني، تحركات وزارة الأوقاف اتجاه المساجد، مراكز سيطرة الدعوة السلفية، تلمّح بسحب للبساط من أرجل السلفيين لصالح الأزهر وخريجيه، بداية من قرار الأوقاف بعدم السماح لغير خريجي الأزهر بالخطابة، وحتى صدور قائمة الفتوى التي حدد الأزهر من خلالها عدد من الشيوخ المسموح لهم بالفتوى خلال القنوات الفضائية، والتي تم استبعاد شيوخ ذوي صيت في الدعوة السلفية، منهم برهامي نفسه.
على الرغم من التجنّب الواضح للحزب، فإن أعضاؤه لاينفكون يبادرون بدعم الدولة ومواقفها السياسية، أبرز هذه المواقف كان إعلان الحزب دعمه لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والتي بموجبها تنتقل سيادة جزيرتا تيران وصنافير إلى المملكة، وهي الاتفاقية التي سببت جدلاً واسعًا على المستوى السياسي والقضائي في مصر.
في مقاله البحثي المنشور على موقع كارنيجي، يرى ستيفان لاكروا أستاذ مساعد في العلوم السياسية في معهد الدراسات السياسية في باريس ، أن الدولة لم تعط الحزب الأهمية التي توقعها بدعمه لتدخل الجيش لعزل الرئيس الأسبق محمد مرسي من الحكم، وهو ما يلوم أعضاء الحزب الليبراليين عليه، لكن حتى مع خفوت دور التيار الليبرالي في مصر ومحاولات الدولة إبعاده عن المشهد السياسي، بحسب لاكروا، فإن الدولة ظلّت حريصة على حفاظ الدعوة السلفية بشكل عام على السيطرة الاجتماعية التي تتمتّع بها، مع وجود ضغط شديد عليها من قبل أجهزة الدولة.
بعد 2013، قدّم الحزب تنازلات واضحة رصدها لاكروا في مقاله، منها ترشيح أسماء مسيحية على قوائمه في انتخابات 2015، رغم معارضة برهامي للأمر في 2011، كما دافع النور والدعوة السلفية عن السيسي في فض اعتصامي رابعة والنهضة، إضافة إلى موقفهم من 3 يوليو 2013، هذه التنازلات جعلت النور اختيارًا إسلاميًا محافظًا وحيدًا في الانتخابات، لكنه اختيار غير مرغوب فيه حتى من أعضاء في الحزب انشقّوا عنه وظهروا في مظاهرات لمعارضين إسلاميين للنظام.
مازال السلفيون يمارسون السياسة من خلال حزب النور، وأحزاب أخرى، وحتى من خلال الدعوة السلفية نفسه، حتى بعد مؤشرات التضييق عليهم ما يظهر بوضوح في نشاطهم الملاحظ في دعم السيسي، حتى بعد الهزيمة التي لحقت بهم في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، يرى لاكروا أن التفسير الأكثر ترجيحًا لقرارهم بالاستمرار في السياسة وعدم الاعتزال والاكتفاء بالعمل الدعوى كما قبل 2011، هو خوف قيادات الدعوة السلفية من اعتبار النظام والرأي العام قرار الانعزال السياسي رفض للنظام، في ظل الهجوم المستمر على الإسلاميين وملاحقتهم، بحسب لاكروا، فقد تطال هذه الملاحقة الدعوة السلفية أيضًا.