لكن هيئة الاستعلامات حرصت على أن تؤكد في بيانها أن المقاطعة التي دعت إليها على لسان رشوان، لا تعني امتناعها عن أداء مهامها في إصدار تصاريح العمل لمراسلي BBC.
للمرة الثانية في أقل من خمسة أشهر تفجرت أزمة بين الهيئة العامة للاستعلامات، وهيئة الإذاعة البريطانية BBC، على خلفية نشر الشبكة الإعلامية العالمية تقاريرًا، وجدت الهيئة العامة للاستعلامات أنها تحمل "أكاذيب". وأصدرت الهيئة العامة للاستعلامات خلال الأيام الفائتة ثلاث بيانات متتابعة لتكذيب تقرير نشرته BBC. ودعت هيئة الاستعلامات في بيانها الأحدث السياسيين المصريين إلى مقاطعة الشبكة البريطانية.
الصدام الأول بين الهيئة العامة للاستعلامات الموكول إليها منح تصاريح العمل للصحفيين والهيئات الإعلامية الأجنبية، والشبكة البريطانية الأشهر، جاء بسبب تغطية BBC لحادث الواحات في أكتوبر الماضي. وقتها أعلنت BBC عن أرقام ضحايا من جهاز الشرطة وصل إلى 48 قتيلاً، استنادًا لتصريحات من مصدرين رسميين لم تعلن BBC أسمائهما. وجاء تقرير هيئة الإذاعة البريطانية مخالفًا لما أعلنته وأصرت عليه البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية في مصر، التي حددت ضحايا الحادث بستة عشر قتيلاً.
الصدام الثاني هو الدائر حاليًا على خلفية إذاعة بي بي سي تقريرًا بعنوان "ظل يخيم على مصر"، يعرض لحالات معارضين ونشطاء تعرضوا للإخفاء القسري أو التعذيب على يد قوات الأمن المصرية. ويأتي موعد إذاعة التقرير في توقيت حرج بالنسبة للسلطات المصرية، التي تُعد للانتخابات الرئاسية المتوقع فوز الرئيس عبد الفتاح السيسي بها خلال مارس/آذار المقبل.
وتضمن تقرير هيئة الإذاعة البريطانية حالات عدة للإخفاء القسري، منها حالة فتاة تدعي "زُبيدة"، قالت والدتها خلال التقرير إنها تعرضت للاختفاء في أبريل/ نيسان 2016، ولا تزال عائلتها تبحث عنها.
أصدرت الهيئة العامة للاستعلامات بيانًا في 24 يناير/ كانون ثان بعنوان "تفنيد أكاذيب بي بي سي"، ردت فيه على نقاط وردت بتقرير الشبكة. ثم أذاع عمرو أديب خلال حلقة برنامجه "كل يوم" لقاءً مع "زبيدة" شكر فيه القيادات الأمنية على ترتيب لقاء بينه وبين الفتاة التي زعمت والدتها اختفاءها قسريًا.
بعد حلقة عمرو أديب بدقائق، صدر البيان الثاني للهيئة العامة للاستعلامات، الذي حمل عنوان "ظهور زبيدة". ثم اتبعت الهيئة حلقة عمرو أديب ببيان ثالث صدر اليوم (27 فبراير/ شباط) يحمل دعوة للمسؤولين لمقاطعة بي بي سي.
وطالبت هيئة الاستعلامات BBC بتقديم اعتذار رسمي عن "المعلومات المغلوطة" الواردة في تقرير "ظل يخيم على مصر"، الذي أعدته "أورلا جيورين" المراسلة السابقة لهيئة الإذاعة البريطانية بالقاهرة. واتهم البيان بي بي سي بنشر أكاذيب بشأن الأوضاع السياسية والاجتماعية في مصر.
لكن الهيئة حرصت على أن تؤكد في بيانها أن المقاطعة اتي دعت إليها في بيانها على لسان رئيسها ضياء رشوان، لا تعني امتناعها عن أداء مهامها في إصدار تصاريح العمل لمراسلي BBC في مصر. كما أنها لن تنتقص من حق BBC في الحصول على المعلومات والبيانات اللازمة لعملها، الواجب على الهيئة تسهيل الحصول عليها.
اقرأ أيضًا: تعامُل الخارجية المصرية مع انتقادات الصحف العالمية.. ردود مطولة واتهامات بالتشويه
مصادر سهلة
أثارت الحلقة التي أذاعتها قناة ON E للقاء عمرو أديب مع زبيدة ردود أفعال عدة، ودعمت موقف السلطات المصرية التي تنفي ممارسة أجهزتها الأمنية للإخفاء القسري في حق النشطاء والمعارضين.
ودفع تقرير عمرو أديب، الناشط نور خليل عضو حملة "أوقفوا الاختفاء القسري" للتعليق على ما نشرته هيئة الإذاعة البريطانية. وكتب على صفحته الشخصية بفيسبوك أن الحملة نصحت مراسلة بي بي سي السابقة في القاهرة ومعدة التقرير بأن تتجنب حالة زبيدة، لكونها غير مؤكدة. أو أن تبحث عن أدلة تثبت تعرض الفتاة للإخفاء القسري على يد قوات الأمن، كاشفًا عن أن أعضاء الحملة فوجئوا بتضمين حالة زبيدة في التقرير رغم نصائحهم للمراسلة بتجنبها.
وتساءل نور خليل لِم لَم تفنَّد مؤسسات الدولة - ومن بينها الهيئة العامة للاستعلامات- باقي الحالات التي تحدث عنها التقرير؟ ولماذا لم يظهر مختفون آخرون تتحدث عنهم تقارير حقوقية وإعلامية دولية مثل أشرف شحاتة ومصطفى ماصوني؟
ويري نور خليل ونشطاء آخرون في حملات ضغط مدنية لإيقاف التجاوزات الأمنية، أن ظهور حالة غير موثقة يسهل الطعن فيها مثل حالة زبيدة في التقارير الإعلامية والحقوقية، يضر بحقوق وحيوات من يتعرضون للإخفاء القسري بالفعل، والذين تقدر تقارير حقوقية دولية عددهم بحوالي ثلاثة إلى أربعة أشخاص يختفون يوميًا.
وهذا التقرير هو خاتمة لمرحلة تغطية أورلا جيورين لمصر، ضمن رحلتها المهنية الطويلة مع بي بي سي التي عملت خلالها على تغطيات ميدانية مميزة في اليمن والصومال وأفغانستان. وغادرت أورلا مصر عقب الانتهاء من تقريرها الذي تسبب في الأزمة.
عداوة قديمة
وسبق للهيئة العامة للاستعلامات انتقاد ما أسمته بمبدأ "التنصل الصحفي" الذي تمارسه بي بي سي ووكالة رويترز في نقل البيانات الصادرة عن وزارتي الداخلية والدفاع. وركزت الاستعلامات انتقاداتها على تغطية بي بي سي لحادث الواحات، عندما استخدمت مصطلح "العناصر التي وصفتها بالإرهابية" في نقل بيان وزارة الداخلية حول المجموعة المسلحة التي اغتالت عناصر الشرطة بالواحات. ورأت الهيئة العامة للاستعلامات في صياغة BBC ورويترز "تلاعبًا" بنص منقول. مدعية عدم موافقة بي بي سي على وصف العناصر الإجرامية بالإرهابية، حيث وصفتهم بـ "المقاتلين".
وانتهت الأزمة بين بي بي سي وضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المعين بقرار رئيس الجمهورية، بعدها بأيام، دون أن تقدم بي بي سي الاعتذار الذي طالب به رشوان.
وحاولت المنصة التواصل مع ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، للاستفسار عن الإجراءات التصعيدية التي ستتخذها الهيئة في حالة عدم اعتذار بي بي سي، وكذلك استيضاح ما هية "السياسيين" الذين دعاهم رشوان لمقاطعة BBC، ولكن لم يتسن لنا الحصول على ردوده لعدم رده على الهاتف.