تصميم سيف الدين أحمد، المنصة، 2025
زياد رحباني، الساخر المتشائل المتألم

إنسانية زياد الرحباني تسبق تمرده في مهرجان القاهرة للجاز

منشور الأربعاء 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2025

في القاعة الشرقية بمقر الجامعة الأمريكية بالتحرير، وسط حضور يمكن وصفه بالضئيل، احتفى مهرجان القاهرة للجاز بزياد الرحباني، الذي تحمل الدورةُ الحاليةُ اسمه.

في ندوة غلبت على وقائعها الذكرياتُ، تحدث أصدقاؤه عن الصدق في الفن، والوفاء في الحياة، لإنسان ظلّ يجمع بين الجاز والشرقي، مثلما جمع بين الألم والضحك.

حملت الندوة التي جاءت ضمن فعاليات مهرجان القاهرة للجاز عنوان "زياد الرحباني صوت التمرد"، غير أن كلمات المتحدثين اقتصرت على تذكر مواقف إنسانية جمعتهم بالموسيقار والسياسي والصحفي اللبناني الذي تُوفي في يوليو/تموز الماضي عن 69 عامًا بعد صراعٍ مع المرض.

شارك في الندوة كلٌّ من سعد حاجو رسام الكاريكاتير السوري، وحازم شاهين المغني وعازف العود، والمايسترو وجدي الفيوي، والمغني هاني عادل الذي جاء بعد بداية الندوة معتذرًا بزحام شوارع القاهرة. فيما بقيت مقاعد القاعة الشرقية شبه خالية بسبب قلة الحضور الذي ربما تأثر بإعلان إدارة المهرجان عبر صفحتها على فيسبوك عن غلق باب التسجيل في الندوة المجانية.

عاد الصحفي سيد محمود بالحديث إلى يوم تعرّف على زياد الرحباني عند مشاركة الأخير في مهرجان القاهرة للجاز عام 2013؛ "كنت بشتغل في برنامج توك شو مع منى الشاذلي وتواصلت معه عن طريق أصدقائه اللي بينظموا جدوله، ورفض لأنه كان ملتزم وقتها بالظهور في برنامج آخر، غير أنه بعد انتهاء الحلقة المتفق عليها على الهوا، فُوجئت باتصال منه، كان كلم الصديقة في لبنان اللي اديته نمرتي وكلمني الساعة واحدة بالليل، قالي أنا مستعد أطلع معاك بس أنا عارف إن مواقفنا السياسية مختلفة، قلتله مش هنتكلم في السياسة، إحنا هنتكلم عن المزيكا". 

استدعاء مدير الندوة لذكرياته دفع المشاركين للطريق ذاته، سبقهم عمرو صلاح مدير المهرجان في تذكر المرة الأولى التي تحدث فيها إلى زياد للاتفاق على المشاركة في دورة عام 2010، التي شهدت إحياء زياد أول حفل له في القاهرة؛ "تكونت رابطة عميقة في فترة قصيرة جدًا، تشعب الحديث من الموسيقى إلى الحياة والمشاكل العاطفية لأنه كان وقتها بيمر بفترة صعبة بعد الانفصال عن زوجته".

باب رزق

رسام الكاريكاتير سعد حاجو مع رسمة عائلة زياد، الجامعة الأمريكية، القاهرة، 3 نوفمبر 2025

ليبدأ بعدها رسام الكاريكاتير السوري سعد حاجو باستعادة ذكرياته مع زياد، راويًا تفاصيل أول لقاء جمعهما حين غادر سوريا للمرة الأولى متجهًا إلى لبنان خصيصًا للقائه.

وقف حاجو أمام منزل زياد، الذي كانت تشاركه فيه حبيبته كارمن لبس، وقرر أن تكون هي بوابته إلى عالمه. كان برفقة زوجته، وما إن رأى كارمن حتى قدم لها وردة حمراء وطلب منها أن تُعرفه إلى زياد، ابتسمت ورافقتْه إلى الاستوديو الخاص به، وهناك بدأت صداقتهما.

يتذكر سعد، مختنقًا بالدموع، لحظاته الأولى مع صديقه "حصل بعدين إنه زياد استدعاني باتصال تليفوني من سوريا، للمشاركة في عرض لولا فسحة الأمل كان مطلوب فيه شخص بيحكي سوري، وشاركت بالعرض". 

معرفة سعد بالموسيقار الكبير هي التي فتحت أمامه الباب لتعاون لاحق مع كارمن، التي ساعدته في الوصول إلى الصحافة، "الحقيقة كانت هي السبب في توصيل أول رسمة للنهار، وبعدين بدأت في النشر في السفير في الوقت اللي كان زياد بينشر في الجريدة نفسها وكنت كتير بتولى توصيل مقالاته للجريدة". 

يعتقد حاجو أن أعمال زياد تميل إلى النزعة الكاريكاتيرية، ربما لذلك وجد قاسمًا مشتركًا معه، وأحب أن يُخلد ذكراه عبر رسمة أهداها للندوة في شكل ملصقات ودبابيس. 

على النغمة ذاتها، واصل المشاركون في الندوة، إذ بدأ حازم شاهين العازف والمطرب، الذي يشارك في دورة هذا العام من المهرجان، في تذكر المرة الأولى التي التقى فيها زياد، وكانت خلال مشاركته الأولى في مهرجان القاهرة للجاز 2010.

لم تكن تلك محاولة شاهين الأولى ليلتقي موسيقاره المفضل؛ "قبل المرة دي نزلت بيروت وكنت بلف كل يوم في الأماكن اللي بيتردد عليها زياد، وأنا بتمنى الصدفة تجمعني بيه وما حصلش". 

"لما جه مصر كلمت كل الناس اللي اعرفهم عشان أقدر أحضر البروفات بتاعت حفلاته وما حصلش وحضرت الحفلة اللي غنى فيها هاني عادل، وماعرفتش أقابله برضه، فاشتريت تذاكر لكل الحفلات على أمل إني أقابله في أي حفلة، وده حصل فعلًا، في حفلة ما لقيته واقف بره الحفلة اللي كانت في الساقية، بيدخن رحت قدمت نفسي وفضلنا نتكلم، واديته CD فيه أغاني ليا، وسألني وقتها هي فين النمرة اللي هكلمك عليها فاديته نمرتي"، يستكمل شاهين.

تلك كانت إشارة بدء تعاون مديد بينهما، إذ ظلَّ شاهين القاسم المشترك في حفلات زياد بعد 2010 كصوت اعتبره المشاركون في الندوة بديلًا عن رفيقه جوزيف صقر.

لم يأتِ إعجاب شاهين بموسيقى زياد من فراغ أو من لحظة عابرة إنما من اكتشافٍ غيّر نظرته للموسيقى كليًا، "اكتشفت زياد في ألبوم أنا مش كافر، فضلت أسمعه وأنا مبهور هو إزاي قادر يعمل كده، فضلت سنة كاملة بسمعه كل يوم طول اليوم"، خاصة وأن خلفية حازم الموسيقية كانت متأثرة أساسًا بزكريا أحمد والشيخ إمام، وهي موسيقى تختلف تمامًا عما يقدمه زياد من مزج مبتكر بين الموسيقى الشرقية والجاز بأسلوب ممتع ورائد.

https://www.youtube.com/watch?v=Nz4qZznFK0Y

رفيق الصبا

في بداية كلمته أبدى هاني عادل المغني والموسيقي في فرقة وسط البلد سعادته بـ"حاجتين حلوين بيحصلوا إني بتكلم عن زياد ومع حازم شاهين"، مفسرًا ذلك "حاسس إننا بنكمل الشخصيتين بتوع زياد الجزء الطربي بيعمله حازم وأنا المزيكا الغربي، وزياد كان باين عليه قد إيه هو مبسوط بحازم في الحفلة اللي كنا فيها سوا". 

بالطريقة والدورة ذاتها كان لقاء هاني بزياد، إذ طلب زياد أصواتًا تشاركه الغناء "وقتها كان عندنا حفلة في المهرجان، وطلب إني أشاركه الغنا ورحت البروفة كانوا لسه بيعملوا بروفات مع الموسيقيين وكانوا لسه ما ظبطوش وأنا قاعد مبهور ومستمتع، ساعة ونص ولقيته جالي وأنا قاعد بيعتذر إنه مأخرني الوقت ده بس مش عايزني أطلع أقف على المسرح والموسيقيين لسه بيتدربوا، قلتله أقف عادي". 

في حين لم يحالف الحظ وجدي فيوي، مايسترو حفل إحياء ذكرى زياد في ختام المهرجان، لقاء الراحل شخصيًا، لكن نوتة موسيقية كتبها فعلت. "في حفلة المنارة 2018، كان مطلوب نكتب النوتات بتاعت حفلة زياد وكنت أنا وزميل تاني، ولأني دارس زياد كويس قوي وفاهم طريقة كتابته للنوتة وإنه بيكتبها بالعرض مش الطول، فكتبتها زيه، وهو لما شاف النوتة قال إن فيه فرق بين اللي كتبته واللي كتبه زميله، ووقتها طلب إن كل النوتات تتكتب بنفس الطريقة لكن ده طبعًا ما كنش متاح". 

يرى فيوي أن عبقرية زياد في قدرته على تخيل الجمل الموسيقية كاملة، "النوتة تكتب بتوزيع الآلات من الغليظة إلى الرقيقة، لكن زياد يكتب الجملة كاملة لكل آلة من الآلات". كباقي المشاركين تعرف فيوي -الذي ينحدر من أسرة فنية فوالده مجدي فيوي مصمم سينوغرافيا- على زياد صغيرًا وانبهر، وزاد انبهاره بعد دراسته للموسيقى. 

المشاركون في ندوة "زياد الرحباني صوت التمرد" ضمن فعاليات مهرجان القاهرة لموسيقى الجاز، الجامعة الأمريكية، القاهرة، 3 نوفمبر 2025

إنسانية ومهنية

غاب حضور تمرد زياد الذي كان عنوان الندوة عن مداخلات المشاركين لحساب إنسانيته، ودعْمُه رسام الكاريكاتير وقت وجوده في بيروت وفَتْح الاستديو الخاص به ليعيش فيه وفق ما ذكر سيد محمود، كما دفع تكاليف إنتاج ألبوم ذكر لحازم شاهين كاملة.

يحكي شاهين "عرض عليا الفلوس بشكل شخصي وأنا رفضت وقلتله مش هآخد فلوس عشان أطلع ألبوم، لو فيه شركة نتنجه ماشي غير كده مش عايز أطلعه، بعدها بـ6 شهور استدعاني لبيروت وقعدت في اجتماع مع أشخاص قالوا إنهم شركة إنتاج واتفقنا وأخدت الفلوس سنة 2019، وجات الكورونا عطلتنا كتير لحد ما أخيرًا أطلقت الألبوم في أبريل/نيسان اللي فات، وبعدها رجعت كلمتهم عشان الحسابات، قالولي إننا أصدقاء زياد ومافيش شركة ولا حاجة، هو بس حب يقنعك إنك تقبل الفلوس"، واستدرك متنهدًا "كويس إنه لحق يشوف إطلاق الألبوم". 

ما يفعله زياد في الموسيقى من دمج الشرقي مع الجاز يحاول الفنانون في لبنان وغيرها تقليده

فيما يتذكر سيد محمود أن زياد أخطأ في الحلقة التليفزيونية في نسبة أغنية آخد حبيبي يانا ياما للفلكلور المصري، وعندما صحح له المعلومة، أصر على الاعتذار بنفسه لمحمد سلطان ملحن الأغنية، "كلمته واعتذرله عن الأداء العلني لأغنيته". 

يرى شاهين أن زياد كان "شَبَه نفسه" في حين يرى هاني عادل أنه استطاع التعبير عن "إحساس الناس ومشاكلهم والسر في صدقه، ومن كتر صدقه لمس أجيالًا جديدة ومختلفة سواء في مشاعر الحب أو الإحساس بالوطن".

فيما يرى سيد محمود، الذي كتب دراسة عن فيروز الجزء الثاني منها عن مزيكا زياد، أنه "نقل فيروز من القصيدة العمودية إلى قصيدة النثر، لتظهر تفاصيل الحياة اليومية والحساسية الجديدة". 

اتفق هاني عادل مع فيوي في أن ما يفعله زياد في الموسيقى من دمج الشرقي مع الجاز، يحاول الفنانون في لبنان وغيره تقليده، ولكن حسب وصف فيوي "مهما سمعت بتحس إنك مش مرتاح، هو عمل refine للمزيكا الشرقي اللي اتربى عليها والمزيكا الغربي اللي شربها وفهمها". 

اختتم عمرو صلاح اللقاء بقراءة إيميل قديم من زياد كان يعتذر فيه عن التأخر في الرد بسبب مشاكل صحية، ويعده باتفاق قريب من أجل المشاركة في دورة عام 2012 من المهرجان.