من القبض عليهم عشوائيًا إلى اتهامهم بارتكاب جرائم جنائية، وبين الزج بهم إلى زنازين حبس احتياطي طويل الأمد يتعرضون فيه للإهمال الطبي، وإنكار الجهات الرسمية لهويتهم المهنية، يعيش عشرة صحفيين مصريين شهورًا من المعاناة ما زالت مُستمرة حتى هذا اليوم الذي ينتصف به يناير/ كانون الثاني 2018، وفق ما رصدته مؤسسة حرية الفكر والتعبير.
ونفت المؤسسة، عبر ملف خاص نشرته اليوم الإثنين عن الصحفيين المحبوسين على خلفية ممارستهم عملهم، ما قاله رئيس المجلس اﻷعلى لتنظيم الإعلام مكرم محمد أحمد، في وقت سابق، عن أنه "لا يوجد في مصر صحفي معتقل لسبب يتعلق بدينه أو آرائه وكتاباته"، مؤكدة أن قوله هذا يتعارض مع "التردي غير المسبوق الذي تُعانيه حرية الصحافة والإعلام في مصر، منذ منتصف العام 2013 في إطار سياق عام يشهد غلقًا تامًا للمجال العام".
في منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2017، كشف تقرير صادر عن اللجنة الدولية لحماية الصحفيين أن مصر حلّت في المركز الثالث عالميًا بين الدول التي تسجن صحفيين، بعد كل من تركيا والصين، بواقع 20 صحفيًا في العام الماضي وحده.
في الزنزانة
خصصت المؤسسة داخل الملف، جزءًا لـ"بروفايلات" شارحة للبيانات الشخصية وملابسات الحبس وما يعانيه الصحفيون العشرة منذ القبض عليهم، وذلك لكل واحد منهم على حدة، وهم الصحفي بقناة "الجزيرة" محمود حسين، والباحث والصحفي إسماعيل الاسكندراني، والصحفي بقناة" أمجاد" محمد مصطفى العادلي، والمصور بجريدة "النبأ" محمد حسن مصطفى، ومراسل شبكة "رصد" عبد الله الفخراني، والصحفي بموقع "البديل" صبري أنور عبد الحليم.
أما الصحفي السابع بين المحبوسين العشرة فهو المصور بوكالة "ديموتكس" محمود أبوزيد "شوكان"، وكان الثامن الذي ذكرته حُرية الفكر والتعبير هو المدير التنفيذي لشبكة" رصد" سامحي مصطفى، وتلاه الصحفي بجريدة "النبأ" حمدي الزعيم، وأخيرًا الصحفي بوكالة "بلدي" أسامة البشبيشي.
باستثناء الصحفي صبري عبد الحليم المحبوس في سجن جمصة بمحافظة الدقهلية، فإن طُرة هو السجن المحبوس فيه بقية العشرة، في زنازين موزّعة بين عنابر "الاستقبال، والتحقيق، والزراعة".
ليس العمل الصحفي أو الحبس في طرة ما يجمع بين هؤلاء الصحفيين فحسب، فالقواسم المشتركة بينهم تمتد إلى الملابسات التي أحاطت بحبسهم، بدءًا من إلقاء القبض عليهم، مرورًا باستمرار حبسهم حتى الآن على ذمة قضايا جنائية، حسبما قامت مؤسسة حُرية الفكر والتعبير بتوثيقه.
اقرأ أيضًا: هشام جعفر.. رهين محبسيّ "العقرب" والحرمان من العلاج
على سبيل المثال، يشترك الصحفيون محمد مصطفى وأسامة البشبيشي وحمدي الزعيم، في تاريخ القبض عليهم الذي يعود ليوم 26 سبتمبر/ أيلول 2016، وذلك أثناء تواجدهم في محيط نقابة الصحفيين، حيث كانوا يُجرون مقابلات مع المواطنين، وفقًا لـ"حُرية الفكر"، التي تقول إنهم تعرضّوا للاعتداء البدني، خلال تواجدهم في قسم شُرطة قصر النيل، كما مُنِعوا من التواصل مع محاميهم، ثم في اليوم التالي عُرضوا على نيابة وسط الكلية التي أمرت بحبسهم 15 يومًا على ذمة التحقيقات.
وجّهت السلطات للصحفيين الثلاثة اتهامات بـ"الانضمام لجماعة إرهابية، والترويج لأخبار كاذبة، والإضرار بالوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي، والدعوة للتظاهر بدون ترخيص"، وهي الاتهامات التي سيكتشف مُطالع ملف "حُرية الفكر" أن بعضها تكرر توجيهه إلى الصحفيين السبعة الآخرين.
حلقات المعاناة
يُلخص الملف الحقوقي ما مر به الصحفيون العشرة من معاناة، كانت أولى حلقاتها هي القبض العشوائي سواء من المطار مثلما حدث مع إسماعيل الإسكندراني أو بعد توقيف بالمطار مثلما حدث مع محمود حسين، أو خلال تغطية أحداث مثلما حدث مع "شوكان"، فيما اعتبرته المؤسسة الحقوقية "واحدًا من الأنماط المتكررة من الانتهاكات الموثقّة في السنوات التي تلت 30 يونيو 2013".
ومن بين حلقات المعاناة، ذكر الملف "الاستهداف المباشِر"، الذي قالت إن الصحفيين يتعرضون له "عندما يتم منعهم من التغطية واستيقافهم والاستيلاء على معداتهم والقبض عليهم في أحيان كثيرة"، ودللّت على اﻷمر بوجود إعلاميين وصحفيين بين المحبوسين على ذمة قضايا "غُرفة عمليات رابعة"، و"مكملين 1"، و"مكملين 2".
اقرأ أيضًا: السويفي وعبد العزيز.. من سُلَّم "الصحفيين" إلى ليمان طُرة
ويعد الحبس الاحتياطي واحدًا من الحلقات الأبرز لمعاناة هؤلاء الصحفيين، وقالت المؤسسة الحقوقية إن جهات التحقيق "تستخدمه باعتباره عقوبة في حد ذاته وليس اجراءً احترازيًا"، مُشيرة إلى أن غالبية الصحفيين عند القبض عليهم يخضعون لفترات طويلة من الحبس الاحتياطي تتجاوز الحد الأقصى القانوني، قبل الإحالة لمحكمة الموضوع، وضربت مثالًا بالصحفي أحمد جمال زيادة "الذي قضى 500 يوم من الحبس الاحتياطي، قبل أن تثبُت براءته في قضية أحداث جامعة الأزهر".
ولم تُغفل "حُرية الفكر" ذكر الاتهامات الجنائية التي يواجهها الصحفيون، والتي تمثّل أغلبها في "الانضمام لجماعة محظورة، والتظاهر بدون تصريح، ونشر أخبار وبيانات وشائعات كاذبة تهدف لتقويض الأمن والاستقرار"، وقالت إن اللجوء إليها يتم "لكي تكون الإجراءات غير مخالفة للدستور، وللتنصُّل من اتهامات حبس الصحفيين ومعاداة حرية الصحافة".
نداء للمعنيين
اختتمت مؤسسة حُرية الفكر والتعبير حديثها عما يعانيه الصحفيون المحبوسون بذكر اﻹهمال الطبي، ودللّت عليه بحالة "شوكان" الذي قالت إنه يواجه "عنُتًا غير مبرر من قبل إدارة السجن، التي رفضت تحويله للمستشفى، ولا تتبع القواعد اللازمة لعلاجه"، وهو المُصاب بمرض مزمن "أنيميا البحر الأبيض المتوسط"، يتطلب عناية ورعاية طبية متواصلة.
بناءً على كل ما تضمنه الملف، وجّهت "حُرية الفكر" خطابات إلى عدد من الجهات التي رأت ضرورة تحركّها لتحسين أوضاع هؤلاء الصحفيين العشرة، وكان على رأسها نقابة الصحفيين، وطالبتها بعدد من الأمور كان أبرزها وضع ملف الصحفيين المحبوسين على أجندة عمل اجتماعاتها المقبلة، والتوصُّل لحلول بشأنها كأولوية لا تقبل التأخير، ومناقشة كافة حالات الصحفيين المحبوسين وليس أولئك فقط الذين أُلقي القبض عليهم بعد انتخاب المجلس الحالي.
ووجهت "حُرية الفكر" خطابًا آخر إلى نقابة الأطباء، طالبتها فيه بمتابعة الحالة الصحية لشوكان، وثالث إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام طالبت فيه رئيسه مكرم محمد أحمد، بمراجعة حالات الصحفيين المحبوسين المُرفقة، وإعادة النظر في موقف المجلس المُعلن بأنه لا وجود لأي صحفي محبوس على خلفية ممارسة عمله.
وكان رابع وآخر خطابات المؤسسة موجهًا إلى المجلس القومي لحقوق الإنسان، الذي طالبته بالتدخل بما له من دور في تلقي الشكاوى في مجال حماية حقوق الإنسان ودراستها، ومخاطبة جهات الاختصاص لكي يجري زيارة لهؤلاء الصحفيين في السجون، للتأكد من تمتعهم بحقوقهم وخاصة على مستوى الرعاية الطبية، والسعي لإخلاء سبيلهم فورًا.