لم تمرّ إلا أيام قليلة من الاحتفاء به إعلاميًا وشعبيًا وتسميته "بطلًا" بفضل تصديّه لمُنفّذ الهجوم المُسلح على كنيسة مار مينا بحلوان، حتى وجد المواطن يونس مُصطفى الموجي الشهير بصلاح الموجي نفسه أمام هجوم ثانٍ، لكن هذه المرّة من مصدر أمني وصفه عبر صحيفة "الأخبار" بأنه "مُسجل خطر، وصاحب سوابق".
دافع المواطن عن نفسه وانبرى مواطنون آخرون في كيل الاتهامات لوزارة الداخلية والمصدر المنسوب له الخبر بـ"الكذب وتشويه البطل الشعبي"، في جدال استدعى للذاكرة حكاية شبيهة عُمرها خمسة أعوام، كانت عن مواطن آخر يُدعى "سامبو" اختلف عليه الناس والشرطة؛ فاقترن اسمه بلقبي "البطل" و"المُسَجَل".
حكاية صلاح
كانت معركة لثوانٍ بين الموجي والمُسلح تمكّن شهود عيان من تسجيلها بالفيديو؛ فحوّلت الرجل في نظر عشرات الآلاف من المصريين إلى "بطل"، صادف أن اتفق كثيرون من مستخدمي فيسبوك وتويتر على أنه الأجدر بالتكريم من أفراد الشرُطة الذين انتشرت أخبار تكريمهم بعد الحادث.
بعد أيام من تكريم أفراد الشرطة، كرّمت وزارة الداخلية الموجي واستضافته برامج تليفزيونية، كان منها "على مسؤوليتي" الذي يقدّمه الإعلامي المُقرّب من السُلطات أحمد موسى، والذي طالب الرجل من خلاله بترخيص سلاح له ليتمكن من الدفاع عن أسرته وبيته "إذا ما فكرت الجماعات الإرهابية في الانتقام منه".
https://www.facebook.com/plugins/video.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fidsc.gov.eg%2Fvideos%2F1640614052664034%2F&show_text=1&width=560لم يمر على حلقة البرنامج سوى يومين، حتى خرج مصدر أمني يقول لصحيفة "الأخبار" الحكومية إن طلب الموجي مرفوض، ﻷن "الصحيفة الجنائية له بها عدة قضايا، تم اتهامه والحكم عليه فيها، كما أنه مُسجّل خطر فرض سيطرة فئة (ب)"، وهي المتوسطة في خطورتها بين فئتي (أ) الأخطر على الإطلاق و(ج) اﻷقل خطورة.
ردّ الموجي على اتهام المصدر الأمني، عبر نشر صورة لصحيفة الحالة الجنائية الخاصة به في عدّة صحف، وكانت تحمل أسفل بياناته الشخصية عبارة التبرئة "لا توجد أحكام جنائية مُسجلة"؛ لتنتقل صورة الصحيفة إلى فيسبوك وتويتر، كدليل اتهام وجهه مستخدميها للمصدر اﻷمني بـ"الكذب" وفي أحسن الأحوال"عدم الدقة".
بجانب وصف الموجي بـ"المُسَجَّل"، عدّد المصدر الأمني لـ"الأخبار" أمثلة على قضايا قال إن الموجي اتُهم فيها وهي "65 لسنة 1992 جنايات حلوان- مخدرات، و1383 لسنة 1992 جنح حلوان- مشاجرة ضرب، و3628 لسنة 1999 جنح حلوان- مشاجرة ضرب، و7199 لسنة 2007 جنح حلوان- مخدرات" وإن بعضها صدر فيه أحكام ضده.
لكن صحيفة الحالة الجنائية تنفي صدور أحكام إدانة نهائية ضد الموجي، وإلاّ سُجلتها هذه الصحيفة المعروفة بين عموم الشعب باسم "صحيفة السوابق".
نفى الموجي عن نفسه فكرة "السوابق الجنائية" بتلك الوثيقة، لكن صحيفة "اليوم السابع" نقلت عنه إقراره بوجود محضرين مسجّلين ضده فى مشاجرات وقعت "منذ أكثر من 20 عاما مضت"، موضحًا أنها انتهت بالبراءة أو تنازل الطرف الآخر"، وهنا انفتح الباب أمام عبارة "مُسجل خطر" التي تختلف كُلية عن "سوابق"، حسبما أوضح لـ"المنصّة" المحامي بالنقض طاهر أبو النصر، بقوله إن التسجيل مُرتبط بالاتهام بينما السوابق مُرتبطة بصدور حُكم.
ويشرح أبو النصر الفارق بين اﻷمرين بقوله إن التسجيل الجنائي "إجراء بلا ضوابط يُتخَذ تجاه أي شخص يُتهم في أية قضية حسب نوعها، سرقة مثلًا أو أداب أو سلاح، وذلك بمجرد توجيه اتهام له"، مُشيرًا إلى أن الفرق بين الإجرائين يترتب عليه فرقًا في الوصف الخاص بالشخص بين "سبق اتهامه" وذلك في حالة أنه مُسجل، وبين "سوابق" التي تعني أنه سبق الحكم ضده في قضية.
.. وحكاية "سامبو"
قبل خمسة أعوام من اليوم، كانت جدارية في مدخل شارع مُحمد محمود بصورة شخص يحمل بندقية، تُكرّم الشاب المدعو محمد جاد الرب الشهير بـ"سامبو". فعلى الرغم من وصفه في المحاضر الرسمية بـ"المُسجّل خطر"؛ سمّاه كثيرون من المنتمين لثورة 25 يناير بـ"البطل"، فالبندقية التي صاحبت صورته في الجدارية كان انتزعها في الواقع من يد مُجند كان يصوبها تجاه أهالي شُهداء حسبما روى شهود عيان.
كان موقف "سامبو" في ذلك الوقت مثل موقف صلاح الموجي الآن، "بطل شعبي" وعند وزارة الداخلية "مُسجل جنائي".
عقّب صلاح الموجي، في مكالمته تلك لـ"اليوم السابع" على المحضرين القديمين بقوله "هو موقف قد يتعرض له أى شخص، أن يتشاجر مع جار أو حتى زوجة، وينتهى الأمر بالمصالحة أو البراءة"، بالفعل المحاضر أمر مُعرض له أي شخص، وكذلك ما يترتب عليها من إجراءات أمنية أحدها هو "التسجيل الجنائي"، الذي قال مصدر أمني للتحرير عام 2015 أن عدد الموثقين في كشوفه من الشعب المصري يبلغ حوالي مليون وستمائة ألف مواطن.
لا توجد ضمانات أو إجراءات تؤكد أن "سامبو" أو الموجي أو أي من المسجلين على علم بأنهم "مسجلين"، كما أنهم قد لا يعلموا بإجراءات يُمكنها تخليصهم من وصم التسجيل، فبحسب أبو النصر فإن وضع اسم أحدهم في قوائم المُسجلين "لا يُلغى حتى لو تمت تبرئته في القضية التي سُجل بسببها"، ولحذفه يتعين على المُسجل اسمه إقامة دعوى أمام القضاء الإداري.
..وكلمة القضاء
وصف المحامي طاهر أبو النصر التسجيل الجنائي بأنه "مُتعسف وكارثي"، لا سيما وأنه إجراء يُتخذ بمجرد توجيه اتهام ولا تمحيه البراءة.
يتسق رأي أبو النصر مع الرأي القضائي حيال التسجيل الجنائي، الذي تجلّى رفض القضاء له عبر حكم صدر في فبراير/ شباط 2017، عن المحكمة الإدارية العليا، يُلزم وزارة الداخلية بعدم إدراج أسماء المواطنين في كارت المعلومات الجنائية (التسجيل الجنائي) إلا بالنسبة للخطرين على الأمن العام، وأن تراعى التحديث المستمر للبيانات التي أدرجتها ومتابعة ما يتم بشأنها لدى الجهات المعنية سواء النيابة العامة أو المحاكم الجنائية.
وأكدت المحكمة أن "الأصل في الإنسان البراءة، ولا يجوز نقضها إلا من خلال القانون وبحكم قضائي تُكفل فيه للمتهم جميع ضمانات الدفاع عن نفسه"، بل وأنه يتعين "فرض قيود" على الجهة الأمنية، فلا تقوم إلا بإدراج الخطرين على الأمن العام فيما يُسمى كارت المعلومات الجنائية، إذ "لا يجوز للوزارة التضحية بأصل البراءة الذي تكفله القواعد الدستورية".
تنصّ المادة 96 من الدستور المصري على أن "المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه…".
لكن وزارة الداخلية تتبع قواعد كشفها أحد قياداتها في تصريحات لـ"اليوم السابع"، تمثلت في إجراء تحريات وتقارير متابعة شهرية حوله لو بيّنت توقفه عن "نشاطه الإجرامي"؛ يتم حذف اسمه من كشوف المسجلين خطر بعد إاجتماع لجنة أمنية تُسمى "شؤون الخطرين" بمديرية الأمن وموافقتها على القرار.
وعززت "الإدراية العُليا" حكمها ذلك بحكم ثانٍ أصدرته في يوليو/ تموز 2017، أكدت فيه عدم جواز التسجيل الجنائي لشخص بريء لم يحكم القضاء بإدانته، وألاّ يكون مُجرد الاتهام أصلًا يستوجب التسجيل رغم أنه لم يُحرر ضد المواطن إلا مجرد محضر تم حفظه بعد ذلك أو تقرر عدم إقامة الدعوى الجنائية عنه أو أحيل للقضاء وانتهى إلى البراءة.
البحث في ملف التسجيل الجنائي يظهر أنه أمر قد يخضع له كثيرين من فئات مختلفة بين الفلاح والموظف أو حتى المحامي، وذلك لمجرد اتهامهم في بلاغات ومحاضر وليس إدانتهم بأحكام، اﻷمر الذي يدفع أبو النصر إلى تأكيد أن الأفضل والمتسق مع الدستور هو ربط التسجيل بصدور الأحكام.