كان سُلم نقابة الصحفيين على موعد جديد مع الاحتجاجات السياسية، في السابع من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، حين لجأ إليه العشرات بين صحفيين ونشطاء سياسيين، لتنظيم وقفة تُندد بإعلان الولايات المتحدة الأمريكية نقل سفارتها في إسرائيل من تل أبيب إلى القُدس.
لم يمرّ ذلك اليوم دون أن تتعرض الجماعة الصحفية لأزمة جديدة، إذ ألقت قوات الشرطة، التي أحاطت بمقرّ النقابة، القبض على صحفيين اثنين من المشاركين في الوقفة وهما حسام السويفي وأحمد عبد العزيز، اللذين تنظرهما غدًا جلسة جديدة أمام النيابة العامة.
احتجاجات مرفوضة
أعلن الرئيس اﻷمريكي دونالد ترامب، في السادس من ديسمبر/ كانون اﻷول، نقل سفارة بلاده في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، باعتبارها "عاصمة إسرائيل".
قوبل قرار ترامب بالرفض من جهات عديدة أبرزها الاتحاد الأوروبي بجانب إعلان العديد من دوله بصورة منفردة رفضها القرار، بل كان هذا الرفض مصحوبًا بالشجب والتنديد من جهات أخرى مثل الدول ذات الأغلبية المُسلمة وكذلك جامعة الدول العربية.
في اليوم التالي لإعلان ترامب قراره، انطلقت المظاهرات في عواصم عديدة كان منها القاهرة حيث نُظمت وقفة نقابة الصحفيين، والتي انتهت إلى القبض على السويفي وعبد العزيز، بعد أن "هاجمت قوات الشرطة المشاركين فيها، عقب إنهائهم وقفتهم"، حسبما ذكرت جبهة الدفاع عن الصحفيين والحريات، في بيان عاجل في ذلك اليوم.
تأسست جبهة الدفاع عن الصحفيين، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، ككيان مُستقل مؤلّف من عدد من المنتمين للجماعة الصحفية المصرية، بهدف "تشكيل حائط دفاع مهني ضد الهجمات على حرية الصحافة، والتصدي للهجمة على الحريات العامة في مصر".
ودعت الجبهة، في إطار تضامنها مع الصحفيين السويفي وعبد العزيز، كل المعنيين بقضيتهما إلى المشاركة في حملة للتدوين عنهما، على مدار 3 ساعات ممتدة بين السابعة والعاشرة من مساء اليوم الاثنين، وذلك قبل موعد جلسة التجديد الخاصة بهما غدًا الثلاثاء أمام نيابة أمن الدولة العُليا طوارئ.
ويواجه الصحفيان امحبوسان في ليمان طُره اتهامات بـ"التظاهر دون الحصول على ترخيص، وترويج أفكار تحض على كراهية النظام، والانضمام لجماعة أسست خلافًا لأحكام القانون والدستور الغرض منها تعطيل مؤسسات الدولة، ومنعها من ممارسة عملها، وتكوين خلية إعلامية موالية لجماعة محظورة".
واحتجاجات مشروعة
في الوقت الذي يستعد فيه المتضامنون مع السويفي وعبد العزيز للتدوين عنهما باستخدام هشاتاجات، أبرزها "الحرية لمعتقلي القدس"، كانت الدول الأعضاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تستعد هي الأخرى اليوم، للتصويت على مشروع قرار يطالب الولايات المتحدة بسحب اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، كان المتقدم به للمجلس هو مصر.
ومصر واحدة من الدول الرافضة لقرار ترامب، حسبما هو مُعلن رسميًا بتحركات وتصريحات كان على رأسها تحذير الرئيس عبد الفتاح السيسي، في اتصال هاتفي مع نظيره الأمريكي قبل إعلان قراره بيوم واحد، من أنه "سيُعقّد عملية السلام"، فضلاً عن احتجاج رسمي أعلنته وزارة الخارجية المصرية عقب إعلان القرار.
بجانب تلك الإعلانات، شارك وزير الخارجية سامح شكري، نيابة عن الرئيس عبد الفتاح السيسي، في مؤتمر القمة الاستثنائي لمنظمة التعاون الإسلامي بشأن القُدس، والذي استضافته الأسبوع الماضي مدينة اسطنبول التركية، ومن هناك أعلن أن "كل الجهود تصب في إطار حماية القدس، والعمل على عدم تغيير هويتها أو وضعها القانوني".
وعدم يقين
على الرغم من وضوح الموقف الرسمي لمصر، إلا أن الأمر نفسه لا ينطبق على الوضع الحالي للصحفيين الاثنين، حتى لمحاميهم أو أسرتيهما، حسبما أكد شقيق أحدهما، وهو المحامي أحمد السويفي للمنصّة.
يقول أحمد السويفي، إنه علم بأن شقيقه صار واحدًا من المتهمين في قضية تحمل رقم 977 لسنة 2017 حصر أمن دولة عُليا، والتي بدأت منذ 3 شهور وتُعرف إعلاميًا باسم "977 مكملين" أو "مكملين 2"، وإن المعلومة الأكيدة أنه وعبد العزيز محبوسين في ليمان طره.
وبخلاف المؤكد حول مكان احتجاز الصحفيين، يكتنف الغموض القضية على مستويات عدّة، حتى فيما يتعلق بجلسة التجديد التي يقول أحمد إنه غير متأكد إذا كانت ستنعقد غدًا بالفعل أو بعد غد، مبينًا أن هذه هي السمة الغالبة على القضايا التي تحال لنيابة أمن الدولة العُليا "مابيقاش فيه معلومة واضحة يعني، ده حتى يعني التهم بالظبط، حتى نبقى مطلعين على المحضر أو أي حاجة من الكلام ده (الإجراءات الخاصة بالدفاع) مانعرفهاش طبعًا.. ممنوع الاطلاع على المحضر، وده من ضمن الحاجات الغريبة يعني. بس عرفنا رقم القضية".
لم يتمكن أحمد من رؤية شقيقه منذ يوم القبض عليه وحتى هذه اللحظة، بل إنه لم يعرف بمصيره إلا في ثاني يوم من اختفائه، حين عُرض زميله أحمد عبد العزيز على النيابة، بعد ساعات من تقديم أسرتيهما بلاغات للنائب العام باختفائهما قسريًا.
ترددت أنباء بين زملاء وأصدقاء حسام السويفي عن تعرضه لوعكة صحية، تناقل البعض أنها "جلطة بالمخ"، لكن أسرته لم تقف على حقيقتها حتى هذه اللحظة كما يقول أخيه "سمعنا كذا حد بيقول كذا حاجة، بس اللي اتأكدلنا من نقيب الصحفيين نفسه إن حسام كويس وكان مجرد تعب بسيط، وفسه ناس تانية بتقول ﻷ ده حسام تعب جامد. يعني كمعلومة مؤكدة 100%، مفيش".
وأمام هذا الغموض، لا يوجد أمام أسرة الصحفيين سوى الانتظار "اللي اعرفه إن نيابة أمن الدولة ماعندهاش استثناءات، خصوصا في الـ15 يوم الأولى، وإن الزيارات ممنوعة قبل مرور الفترة دي على حبسه"، ولحين اكتمال الأيام الخمسة عشر بنهاية الأسبوع الجاري، تتواصل المحاولات سواء من الأسرتين لالتقاط المعلومات غير الأكيدة حول ابنيهما، أو من المتضامنين بالحفاظ على قضيتهما من النسيان.