أزمات مختلفة سواء تلك التي تتعلق بالتمويل أو بمعايير العضوية أو بتنازع الاختصاصات، اجتمعت كلها لتحاصر نقابة الإعلاميين المنتظرة منذ عقود، حسبما تقول مؤسسة حُرّية الفكر والتعبير.
وأُنشئت نقابة الإعلاميين بعد أكثر من 30 عامًا من المطالبة بوجودها أو بضم العاملين في الحقل الإعلامي إلى نقابة الصحفيين، وهو ما لم يلق استجابة من السلطات المختلفة، حتى صدور القانون 93 لسنة 2016 في 3 يناير/ كانون الثاني 2017.
وتستعرض حرية الفكر والتعبير، في ورقة صادرة عنها اليوم الأحد بعنوان "تنظيم أم رقابة؟ نقابة الإعلاميين بين القانون والممارسة"، أهم ما يُحيط بها من أزمات، سواء ما كشفته تصريحات نقيب الإعلاميين المؤقت حمدي الكُنيسي وشهادات إعلاميين مُتضررين، أو ما استند فيهالمؤسسة الحقوقية إلى التشريعات المنظمة للنقابة والأخرى ذات الصلة، مثل قرار رئيس مجلس الوزراء 573 لسنة 2017 وقانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام ولائحته التنفيذيه.
أزمات التأسيس
خصصت حُرية الفكر والتعبير أولى أجزاء ورقتها لاستعراض أزمات أحاطت بتأسيس النقابة وأولها يتعلق بالتمويل الذي يُقتطع جزء منه من الموازنة العامة للدولة؛ الأمر الذي كان سببًا في تعطّل التأسيس لحين إقرار الموازنة العامة الجديدة 2017/ 2018، وهو ما تبعته بمشكلات تتعلق برفض النقيب المؤقت حمدي الكُنيسي للمبلغ الذي قدمته وزارة المالية للنقابة بواقع مليون جنيه، إذ شدد على أن الميزانية المبدئية لا تقل عن 6 مليون جنيه.
وفي تلك النقطة، علّقت حرية الفكر والتعبير بتأكيد أن واحدة من أهم التحديات التي ستواجهها النقابة هي "مدى قدرتها على تحقيق استقلال حقيقي عن قبضة الدولة وأجهزتها التنفيذية، عبر قُدرتها على تلقي حقها في الدعم من الدولة دون أن يكون ذلك ذريعة للتدخل في قرارت النقابة وتوجهاتها".
ومن الأزمات التأسيسية الأخرى التي ناقشتها الورقة كانت المتعلقة بالعضوية والقيد وشروطهما التي ستُحددها اللائحة الداخلية للنقابة، وبصورة مؤقتة لحين انعقاد أول جمعية عمومية للنقابة ووضع اللائحة ستُحددها اللجنة التأسيسية للنقابة، إذ وصفت حرية الفكر والتعبير هذه الشروط بـ"التعسفية".
وذكرت الورقة الحقوقية أن بعض شروط العضوية "غير عادل وفضفاض ويحمل التأويل وتدخل الهوى الشخصي والميل السياسي"، خصّت بالذكر منها شرط "حسن السير والسُمعة المحمودة"، متساءلة عمن يحق له الحكم بتوافرها من عدمه في المتقدم للنقابة، والمعايير التي سيستند لها في حُكمه.
ولفتت المؤسسة إلى توافر شروط العضوية في إعلاميين صدر بحقهم أحكام جنائية، على مدار السنوات الماضية، بعد إلقاء القبض عليهم أثناء تغطية مظاهرات.
وتطرقت الورقة إلى مشكلات أخرى تتعلق بالقيد في جداول النقابة، كاشتراط أن يكون المتقدم للعضوية أمضى عامين كاملين بتعاقد معتمد من إحدى المؤسسات الإعلامية، وهو ما رأت "حُرية الفكر" أن من شانه حرمان مئات العاملين في القطاع الخاص من العضوية، في ظل ما يعانونه مع المؤسسات الخاصة من ظروف واشتراطات تشغيل.
وذكرت الورقة تخوفات فئة أخرى هم العاملين بالقنوات المصرية والعربية "المغضوب عليها" من النظام المصري، من التقدم للنقابة في ظل اشتراطها للعضوية أن يكون المتقدم عاملاً بقناة "مُعتمدة تتوافق مع المعايير المهنية والوطنية والقومية"، بالتوازي مع تخوفّهم من وقوعهم تحت طائلة القانون إذا لم يحظوا بعضوية النقابة.
ودعت "حرية الفكر" اللجنة التأسيسية لمراجعة تلك الصياغة وتحديد معايير "أكثر وضوحا وعدالة"، إذ أنها تتعامل مع أفراد وليس كيانات ومؤسسات.
وأشارت الورقة الحقوقية إلى شروط للعضوية النقابية، انطوت على بعد تمييزي، حين أعلنت اللجنة التأسيسية الفئات التي يحق لها العضوية وكانت "المُذيع ومقدم البرامج والمحرر والمخرج والمراسل والمعدّ والمندوب والمحرر المترجم"، دون ذكر المصور التليفزيوني والمونتير ومسؤولي الإضاءة، ما أثار غضب تلك الفئات ودفع بعضهم- المصورين- للحديث عن مُقاضاة النقابة.
مُشكلات القانون
وفي الجزء الثاني من الورقة الحقوقية، دار النقاش حول القانون المؤسس للنقابة وما انطوى عليه من شروط "مُجحفة" تتعلق بالترشح لعضوية مجلس الإدارة على منصب النقيب أو الوكيل ألا تقل مدة ممارسته للعمل الإعلامي عن 15 سنة، و5 سنوات للراغبين في الترشح لعضوية المجلس.
وعلّقت المؤسسة على هذا الشرط بالقول إنه كان يُمكن الاكتفاء بـ10 سنوات لمرشحي منصبي النقيب والوكيل، وإن الـ5 سنوات المشروطة للراغبين في مقعد بمجلس الإدارة "مجحف بعض الشئ، خاصة أنه لا يوجد تمييز للإعلاميين تحت السن، كما هو الحال في نقابة الصحفيين".
وانتقدت "حُرية الفكر" مادتين أخريين في القانون، إحداهما هي 37 التي تنص على معاقبة من يتخلف عن الإدلاء بصوته في انتخابات النقابة، بالحرمان من خدماتها لـ3 شهور على الأكثر عدا الخدمات الصحية، وهو ما علّقت عليه بالقول إنه لا يجوز معاقبة من يتخلف عن الانتخابات.
وكانت المادة الأخرى التي انتقدتها المؤسسة، هي 60 المتعلقة بحسم الخلافات مع صندوق المعاشات، بإحالة الفصل النهائي في الأمر لمجلس الإدارة، وهو ما اعتبرته "حُرية الفكر" غموضًا في صياغة هذه المادة، التي لم تنص بوضوح على لجوء الإعلامي للقضاء إذا ما اعترضت على قرارات مجلس إدارة نقابته، كحق أصيل له.
وطالت انتقادات الورقة الحقوقية المادة 72 من القانون والمتعلقة بتأديب أعضاء النقابة، في حالات من بينها مخالفتهم أحكام القانون ولائحته الداخلية أو "إخلالهم بآداب وتقاليد المهنة أو الإخلال بشرفها والحطّ من قدره"، وتلك الأخيرة هي ما رأت فيها الورقة جعلت من صياغة المادة "مٌنفلتة وتحتوي على الكثير من من المصطلحات الفضفاضة التي تحتمل التأويل وتدخل اﻷهواء الشخصية والسياسية".
صراع الرُقباء
تحت هذا العنوان جاء الفصل الثالث من الورقة الحقوقية، ليتحدث عن الصدام وتنازع الاختصاصات بين اللجنة التأسيسية لنقابة الإعلاميين وبين المجلس الأعلى للإعلام حول من يحق له ضبط وتنظيم المشهد الإعلامي، والذي بدا مثالاً عليه في قرار اللجنة التأسيسية للنقابة بوقف الإعلامي أحمد موسى في أعقاب حادث الواحات، بسبب تسريبات بثه في برنامجه وقالت النقابة إنها "مُفبركة"، ولم يتم تنفيذه.
وأشارت "حُرية الفكر"، في سبيل فض الاشتباك إلى عدة أمور، أبرزها أن المجلس الأعلى للإعلام يمتلك وحده سلطة تنظيم المشهد الإعلامي، من خلال وضع القواعد التي من شأنها ضبط الأداء ورصد التجاوزات واستقبال وفحص الشكاوى المتعلقة بالممارسات الإعلامية، على أن يُحيل الجدّي منها إلى النقابة والتي يُقرر مجلسها العقوبة بعد تحقيق وافٍ ويبلغ بها المجلس الأعلى، وهذا اﻷخير هو صاحب الحق في توقيعها من عدمه.
وتعرّضت الورقة الحقوقية إلى خلاف ثان بين الجهتين، يتعلق بصاحبة الحق بينهما في كتابة ميثاق الشرف الإعلامي، وهو ما قالت عنه "حُرية الفكر" إن للمجلس الأعلى للإعلام أن يضع الأطر العريضة للميثاق، بينما تبقى كتابته حق مكفول للنقابة وحدها بموجب القانون.
واختتمت "حُرية الفكر" ورقتها البحثية بطرح تساؤلات عن الحق في التنظيم النقابي وأيهما أفضل، تعدد الكيانات النقابية المتعلقة بالمهنة الواحدة أم اقتصارها على كيان واحد بموجب نص المادة 77 من الدستور؟ وهو ما لم تحسم له المؤسسة إجابة بعينها، في ظل تعقيدات المشهد الإعلامي والنقابي المصري، وعدم تحقق المبادرات التي كانت ﻹنشاء نقابات مستقلة للعاملين بالإعلام.