في العاشرة من عمري لعبت "FIFA 2005"، للمرة الأولى في حياتي، وبفعل التأثر بوثائقي "أبوكاليبس"، الذي يتناول الحرب العالمية الثانية، وقد كنت أنهيت مشاهدته لتوّي، قررت أن ألعب بمنتخب إنجلترا.
كان الفيلم، الذي أنتجته "ناشيونال جيوغرافيك"، يحكي عن تفاصيل الحرب العالمية الثانية، وما دار بين الحلفاء والنازيين. وفيما بعد، أدركت أن الفيلم مصنف من روائع ما أنتجت السينما التسجيلية في القرن العشرين.
من أجل ذلك، فقد جال في خاطري أولًا، أن ألعب بفريقي المفضل إنجلترا، وقد كان مفضلًا لدي لأجل بيكهام، وقصات الشعر، ليس إلا. واخترت المنافس ألمانيا. ومن أجل "الهروب من أول هزيمة" نحو أول نصر، اختار لي أخي مستوى ابتدائيًا، فانتصرت بخماسية.
أظهرت اللعبة بعدها رسالة تقول:
"You have earned 1000 points for beating a rival”
(لقد جمعت لتوّك ألف نقطة بعد الانتصار على منافسك).
بدأت أولى خطواتي لاحتراف اللعبة بألف نقطة لمجرد أنني انتصرت على "الغريم الأزلي".
**
قال المايجور الألماني فون شتاينر "حسنا أنت جون كولبي، لاعب عظيم لا يشق له غبار مع وستهام يونايتد والمنتخب الإنجليزي، إنه لأمر حزين أن الحرب قد أنهت مسيرتك كأسير حرب".
كولبي: "لم تنهها.. فقط أعاقتها".
كانت تلك الجملة هي الأكثر مشاهدة من فيلم Escape to victory
**
تحت عنوان "مباراة العمالقة"، وبدعاية لأبرز نجوم كرة القدم، في القاهرة عام 1981، طُرح فيلم Escape To victory.
شارك لاعبو كرة قدم محترفين بطولة الفيلم، إلى جانب نجمي هوليود، سيلفستر ستالوني، ومايكل كين، أبرزهم البرازيلي بيليه، والإنجليزي بوبي مور، والأرجنتيني أوزفالدو أرديليس. بيد أن الممثل الذي اشتهر بشخصية "رامبو"، وبسلسلة أفلام "روكي"، في الثمانينات، أكد خلال اللقاء أن بيليه فقط من ترك له ذكرى "جميلة ومؤلمة، لن أنساها"، وأردف ضاحكًا "ما يزال لدي أصبع مكسور، بسبب محاولتي التصدي لكرة من قدمه. يالها من ركلة تلقيتها!"
وكشف ستالوني أن بيليه كان يرتدي حذاءً خاصًا بالجنود "والأسوأ أن الكرة كانت مثل قذائف المدفعية، وثقلها وسُمكها ضعف كرات اليوم"، مضيفًا "أخبرني بيليه أنه سيتقدم لتسديد ركلة جزاء. وقلت في نفسي: 'وما المهم في ذلك؟ إنها كرة قدم. الأمر سهل.' وقبل أن يسدد أخبرني أين سيضع الكرة بالتحديد، لذلك وقفت في المكان نفسه، ومع ذلك تجاوزتني الكرة حتى قبل أن أتحرك".
وقال عنه أردليس ضاحكًا "ذلك الفريق كان سيئًا للغاية"، مضيفاً "لديك ستالوني، الذي لم يكن باستطاعته التوقف، التمرير، أو ركل الكرة، ومايكل كين، لم يكن باستطاعته الركض حتى. بوبي مور وبيليه، كانا متقدمين في العمر، بعض الشيء، عام 1981. وأصيب بيليه، بعد دقيقتين فقط من بدء التصوير".
تدور أحداث الفيلم حول نجم نادي ويستهام والمنتخب الإنجليزي السابق، جون كولبي، الذي يقع أسيرًا في معسكر اعتقال نازي، أقامه الألمان في فرنسا، بعد احتلالها، خلال الحرب العالمية الثانية، يتولى إدارته المايجور الألماني، فون شتاينر، الذي سبق له وأن مثل منتخب ألمانيا، في كأس العالم لعام 1938، وتعرف وقتها على كولبي، وقدم له عرضا لإقامة مباراة بين المنتخب القومي الألماني، وفريق من الأسرى بالمعسكر، تحت مسمى فريق الحلفاء. من أجل دعاية ألمانية مزيفة، إيذانًا بإعلانها كقوة كروية عظمى أيضًا، تحت قيادة هتلر.
قوبلت المباراة بالرفض من قبل الجنرالات الإنجليز الأسرى في نفس المعسكر، بدعوى أنها اعتراف إنجليزي بتسيد ألمانيا، وقبول بهزيمة محتومة، ولكن تصميم كولبي على تجميع الفريق وتدريبه بالمعسكر، جعل الجنرالات يتفقون مع هاتش، الذي يؤدي دوره سلفستر ستالوني، من أجل تهريب فريق الحلفاء من الملعب الأولمبي بباريس، عبر بالوعات الصرف نحو نهر السين.
بيليه يراوغ ويسجل
مثل بيليه، في هذه المباراة، دور جندي تريندادي، وقع في الأسر أثناء الحرب، يحكي عن ذكرياته كطفل صغير "يهوي اللعب بالبرتقالة ويداعب بها كلتا قدميه"، أثناء استعراضه بالكرة أمام جون كولبي. وقدم مشهدًا طريفًا، حينما كان جون كولبي يشرح طريقة اللعب بالفريق من أجل "التمرير الكثير".
بيليه: "دع عنك هذا الطباشير، وكتابات السبورة، الكرة تعني لي هذا الخط"، ورسم خطًا متعرجًا بطول السبورة، أي تعني له مراوغة جميع لاعبي الفريق، ثم هدف!
مباراة النصر
أعد الألمان الملعب الأوليمبي بباريس، ليكون شاهدًا على هزيمة الحلفاء أيضًا في كرة القدرم، كما كان شاهدًا على انتكاستهم بالحرب، زُين الملعب التاريخي بفرنسا بأعلام وشعار النازية، كما فعل هتلر من قبل مع برج إيفل، من أجل أن يسافر سلفستر ستالوني، السجين شديد الخطورة، تم كسر يد حارس مرمى فريق الحلفاء، والاستعانة بسلفستر حارسًا للفريق، يقضي طول الطريق مع كولبي، من أجل سؤاله عن موقعه، في الوقوف بالمرمى أثناء الركلة الركنية.
احتشد الجمهور الفرنسي بالملعب لتشجيع الحلفاء، وكل المدرجات مشددة الحراسة بجنود ألمان، لمواجهة أي احتمالات للشغب. وأتى معلق كروي خصيصا للتعليق على الراديو، من أجل التدليس، وترويج نصر مزعوم للألمان، مزودًا كذلك بمذياع مسجل لفرحة الجماهير، من أجل نقل صوت مزيف للعالم، مع كل هدف يسجله الألمان.
وأما عن الحكم، بالرغم من أنه صنف كأفضل حكم في العالم، واختاره الألمان ليكون محايدًا، إلا أنه "لن يخطئ ولن يترك فرصة للحلفاء"، تم تجنيده ليسيّر المباراة لصالح الفريق القومي الألماني.
قبل نهاية الشوط الأول بتقدم الألمان برباعية نظيفة، سجل فريق الحلفاء هدفًا، ليعاود الجمهور زئيره وتتجدد آماله في مواجهة الفريق والحكم الذين يرمزون من مكانهم في الملعب الصغير، إلى الواقع المؤلم بانحدار ثقافتهم وبلدهم تحت أسر النازيين.
الهروب نهائيًا.. أو نحو النصر
أتت فرصة الهروب من حوض ماء مكسور نحو الأنفاق، شد سلفستر أعضاء الفريق نحو النفق للهروب، إلا أن المخرج، جون هيوستن، أعطى حبكة درامية معتادة لفيلم تحت إنتاج أمريكي بريطاني مشترك.
لا فرصة للهزيمة، فيلم هوليودي سينتهي بانتصار تاريخي للحلفاء، لا مجال للهرب، سيعود بريمونتادا (مصطلح معاصر) ويحقق النصر، فأفاق هيوستن عن الواقعية، التي سردت لحظات دخول فريق الحلفاء للنفق، وأقنع بيليه بقية الفريق بالعودة للملعب، فإن ظلوا هاربين سيقعون لا محالة في الأسر، وربما يموتون، أما تلك على الجانب الأخر، فهي لحظة لإثبات النصر.
بيليه الذي خرج مصابا من الشوط الأول نتيجة خشونة الفريق الألماني الصلب المغرور برعاية الحكم، أقنع ستالوني بالعودة وأقنعه بأنه ليس حارسًا سيئًا. أوزفالدو أرديليس النجم الأرجنتيني قلب المباراة بهدف راوغ فيه كل الفريق، بمن فيهم الحارس كذلك، ثم وجه تمريرة حاسمة لبوبي مور الذي يضع الهدف الثالث، بينما المعلق لا يستطيع أن يرفع صوت المذياع المزيف الناقل لغضب الجمهور من اقتراب النتيجة، لأن صوت هتافات النصر والحرية علت من المدرجات، لتزعج القيادات الألمانية التي حضرت لمشاهدة النصر الزائف.
أحرز فريق الحلفاء هدف التعادل، ولكن ألغاه الحكم لسبب غير معلوم، لم تكن قاعدة التسلل قد أقرّت وقتها ليبرر تلك الفعلة.
الكرة أم هوليود
النصر النصر النصر النصر، هتاف لا خلاف عليه دوى بالملعب الأوليمبي، للوهلة مع تعافي بيليه المفاجئ (كالعادة) ونزوله المباراة، تخيلت أنه سيسرق الكاميرات من سلفستر، ويفوز هو بهدف التعادل قبل نهاية المباراة بدقيقتين، وقد فعلها بركلة مزدوجة انتزعت إعجاب المايجور الألماني فون شتاينر نفسه، ولكن إحراز هدف الفوز لا يعني بالضرورة الظفر بالأضواء.
في دقيقة واحدة قلب هيوستن الكادر نحو نجم هوليود الأوحد بطريقة لطيفة، فتاة جميلة فقدت زوجها خلال الحرب ولديها ابن لطيف أعطاه قبل المباراة إكليلًا من الزهور، كانت بانتظاره، جمهور زائف يغني أغنية النصر التي عزفها الحلفاء بعد أن حرروا باريس من النازيين، وكذلك شوهت صورة نجم المباراة الأوحد أوزفلدو أرديليس حين ارتكب خطأ داخل منطقة الجزاء استوجب ركلة جزاء للمنتخب الألماني.. وأساء للكادر باعتراض فريق الحلفاء على ركلة جزاء كانت في الواقع صحيحة.
نجم منتخب ألمانيا مجهول الاسم، لأنه في نظر المخرج (نكرة)، دخل طوال اللقاء تحديا مع سلفستر حارس المرمى، فاز به بركلة جزاء بالشوط الأول في مرماه، ونجح سلفستر في أكتر من مواجهة طيلة الشوط الثاني، وفي آخر ثانية تصدى لركلة الجزاء الحاسمة ليتعادل فريق الحلفاء، ويصفق الجنرالات الإنجليز الحاضرين بالملعب والرافضين لفكرة المباراة.
أما الجمهور، فيكسر كل الحواجز بالملعب ويدهس الجنود الألمان بكلابهم التي تحيط بالملعب فرحة بالنصر ويحتضن الفريق الذي منحهم لونًا من الحرية من أجل تهريبهم معهم، صوت المعلق المزيف يخفت ويهبط مع أصوات الجمهور.
النصر.. النصر فحسب