خمسة عشر يومًا أخر، سيقضيهم عشرة شباب نوبيين في محبسهم بمُعسكر فِرَق الأمن المركزي بمنطقة الشلال بمحافظة أسوان، بموجب قرار أصدرته اليوم السبت النيابة العامة التي تُحقق معهم في اتهامهم بقضية تظاهر، منذ 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، حين أُلقي القبض عليهم كأحد توابع قضية "معتقلو مسيرة الدفوف" وصاروا يعرفون باسم "مُعتقلو كلابشة".
بدأت بوادر الأزمة في الرابع من نوفمبر 2017، بوفاة الناشط النوبي جمال سرور الذي ساءت حالته الصحية إثر إضرابه عن الطعام احتجاجًا على احتجازه و24 نوبيًا آخرين في سجن مُعسكر الشلال، في القضية المعروفة إعلاميًا بـ"مسيرة الدفوف".
تصاعدت الاحتجاجات على مدار الأيام الثلاثة التالية لوفاة سرور وتشييع جُثمانه، وكان منها ما خرج عبر فيسبوك وتويتر، وما حدث ميدانيًا في محافظة أسوان حيث قطع العشرات طريق "أسوان- القاهرة" الزراعي وخط السكة الحديد في مدينة كلابشة، وانتهى بتدخل من الشُرطة.
في رواية أخرى
تداولت بعض وسائل الإعلام الحدث باعتباره "تحرّك من أبناء النوبة"، وقالت إن الشرطة أنهته بالاشتباك مع المحتجين وتفريقهم مع إلقاء القبض عليهم.
ولكن في رواية أخرى للأحداث نفسها، اتهم أهالي كلابشة الشرطة بإلقاء القبض "عشوائيًا" على المتهمين من قُرى "قرشة والعلاقي وجرف حسين وماريا مرواو وكلابشة"، وهو ما أكدته صفحات على فيسبوك تحمل اسم النوبة.
وقال مواطن نوبي لـ"المنصّة"- طلب عدم الكشف عن هويته- "بعد اليوم الثالث للجنازة (الخاصة بجمال سرور)، نزل مجموعة شباب مانعرفش مين هما، وقفلوا طريق القاهرة أسوان- الزراعي؛ الأمن اتحرك واتعامل معاهم بالفض وفعلًا تم فض الطريق بس بدون القبض على أحد، وعلشان يتعمل محضر كان لازم يجيبوا حد فنزلوا القرى (النوبية) ولمّوا ناس منها مالهمش علاقة بالواقعة".
يتضامن المدير التنفيذي لمركز هشام مُبارك للقانون وعضو هيئة الدفاع عن "مُعتقلي كلابشة"، مصطفى الحسن، مع تلك الرواية بقوله لـ"المنصّة" إن القبض على المحتجزين حاليًا "تم عشوائيًا"، ودللّ على ذلك بـ"وجود اثنين من أبناء الصعيد وليس النوبة وسط المقبوض عليهم، واحد منهم سقطت قُنبلة غاز مُسيل للدموع أمام منزله؛ فأصابت طفله الرضيع باختناق، وحين خرج الأب ليشكو ﻷحد الضباط المتواجدين في المكان من الأمر ألقي القبض عليه".
ذكر عدد من النوبيين في تدوينات بحساباتهم على فيسبوك أنه تم إخلاء سبيل المتهمين "الصعايدة" بعد التأكد من هوياتهم.
وأشار "الحسن" إلى أن تسجيلات مصورة "تَحَفّظ الأمن عليها وأخفاها" كانت توثّق لتلك الوقائع، والتي لخصّها في "القبض العشوائي حتى على من ليس لهم علاقة بأحداث كلابشة، والتعامل العنيف من الأمن مع النوبيين وإطلاق قنابل غاز مُسيّلة للدموع بدون وعي لدرجة سقوطها داخل بعض المنازل، حسب روايات الشباب المقبوض عليهم وكذلك الأهالي".
الحديث عن "عشوائية القبض على المتهمين" أكده أيضًا لـ"المنصّة" عضو مجلس النواب عن دائرة نصر النوبة ياسين عبد الصبور، الذي قال إنه كان في القاهرة حين حاول رئيس مباحث المديرية الاستعانة به في تهدئة الشباب المُحتج "قلت له (رئيس المباحث) هبعت لك العُمد والمشايخ (يهَدّوا الشباب)، وكلمت مجموعة أشخاص، من ضمنهم واحد اسمه أستاذ بهاء، لسه يا دوب خارج من البيت جم (الشرطة) أخدوه".
وأردف عضو مجلس النواب: "وفيه شخص تاني (اتقبض عليه) اسمه محمد إسماعيل، كان رايح البلد لظروف عزاء ولا ليه في المشاكل ولا يعرف حد"، مُعقبًا: "الواقعتين دول يأكدوا إن القبض كان عشوائي".
الخروج من "الشلال"
كما حدث مع متهمي قضية "مسيرة الدفوف"، احتُجز "مُعتقلو كلابشة" في معسكر قوات الأمن المركزي بالشلال، الذي يصفه المُحامي مصطفى الحسن، بأنه "سجن مُلحق بمعسكر قوات الأمن المركزي، يودع فيه أحيانًا المعتقلين أو المقبوض عليهم في قضايا تتعلق بالشأن العام"، موضحًا أنه: "منذ وقت قضية معتقلي الدفوف، واﻷمن مقرر نقل المساجين الذين لهم علاقة بالقضية له".
يقول النائب ياسين عبد الصبور فيما يتعلق بالاحتجاز في معسكر الشلال أن "الظروف كويسة ومهيئة ومفيش مشكلة" وإن المحتجزين "مرتاحين في المكان".
لكنّ أحد المقبوض عليهم في قضية "مسيرة الدفوف"- طلب عدم ذكر اسمه- قال إن السجن "مش مدني"، وبناءً على ذلك "مفيش تعيين (طعام) للمدنيين.... وفقط قطعة معجنات وقطعتي جبن وقطعتي حلاوة طحينية وثمرة واحدة من الطماطم والخيار"، وذلك وفقًا لقوله "أكل اليوم بطولُه".
ولفت النوبي الذي أخلي سبيله وزملائه في القضية الأسبوع الماضي، إلى أن لاحقيهم من "معتقلي كلابشة" أقل حظًا فيما يتعلق بالزيارات والاهتمام بالقضية بقوله "فيه تزّنيق عليهم".
لإنهاء المعاناة داخل "الشلال"، لم يوجد أمام هيئة الدفاع إلا إقناع النيابة بإخلاء سبيل النوبيين العشرة، المتهمين بـ"التظاهر وقطع الطريق وائتلاف منشآت وممتلكات عامة والتعدي على قوات الأمن"، وفقًا لقول المحامي مُصطفى الحسن الذي قال إن سند الدفاع في هذا المطلب هو "انتفاء مُبررات الحبس الاحتياطي، ووجود محل إقامة معلوم (للمتهمين)، فضلًا عن أنه لا يخشى هربهم لا سيما وأن بعضهم موظفين عموميين".
وفي وقت حذّر النائب ياسين عبد الصبور من "تزايد الفجوة بين القيادات التنفيذية وبين شباب النوبة"، وتأكيده لوجود مساعِ من جانبه لحل الأزمة وإن كانت "غير قابلة للإعلان عنها" احترامًا للمسار القانوني، كان نوبيون ونشطاء سياسيون وشخصيات عامة يستبقون جلسة السبت بخطوات علنية لحملة تضامنية أطلقوها على فيسبوك.
واختلفت صور التضامن في تلك الحملة بين تدوينات يكتبها البعض عن القضية وبين نشر صور ومعلومات عن المحتجزين، وأخيرًا بيان مفتوح لتوقيعات المتعاطفين مع القضية النوبية من أحزاب ونقابات وشخصيات سياسية، أطلق "ضد الاعتقالات العشوائية ﻷهالي النوبة".
وأدان البيان "التكتيك الجديد الذي تستخدمه قوات الأمن باعتقالها عدد من النوبيين لم يكونوا متواجدين في الاحتجاجات الأخيرة، في رسالة إرهاب للنوبيين أن العصا ستطال الجميع إذا استمرت احتجاجاتهم ومطالبتهم بحقوقهم"، داعيًا إلى الإفراج الفوري عنهم عقد حوار مع "ممثلي أهالي النوبة الطبيعيين" لإنهاء "المعاناة التي استمرت عشرات السنين"، في إشارة لقضية تهجيرهم من قُراهم الأصلية قبل عقود.