اتهمت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية السلطات التنفيذية والقضائية والإعلام في مصر بارتكاب انتهاكات حقوقية خلال تعاملهم مع المثليين جنسيًا وأصحاب الميول والممارسات الجنسية التي لا تتمتع بقبول مجتمعي واسع لا سيما الحق في الخصوصية، وطالبت بالكف عن ارتكاب المزيد منها.
جاء ذلك في تقرير أصدرته المبادرة المصرية، اليوم الأربعاء، بعنوان "المصيدة: عقاب الاختلاف الجنسي في مصر"، يتناول بالتوثيق والتحليل وقائع "الاستهداف العمدي والمتزايد" من جانب الشرطة في السنوات الأربع الماضية، لكل من يُشتبه في اختلاف ميولهم الجنسية عن المعايير العلنية الغالبة، "وخاصة إذا كانوا مثليين أو رجالًا يمارسون الجنس مع رجال، أو من يُشتبه في أنهم كذلك، أو من العابرات والمتغيرات الجنس".
وتيرة متصاعدة
كشف التقرير الحقوقي عن ارتفاع المتوسط السنوي لعدد المقبوض عليهم والمحالين إلى المحاكمة باتهامات تتعلق بالنوع أو الميول الجنسية، منذ الربع الأخير لسنة 2013، إلى نحو خمسة أضعاف مقارنة بسنوات طويلة سابقة، إذ بلغ العدد على مدار 3 أعوام ونصف العام حتى مارس/آذار 2017، 232 شخصًا.
وذكر التقرير أن هناك توسعًا في الحملات الأمنية التي تستهدف المثليين والعابرين جنسيًا، وكذلك في استخدام نصوص القانون رقم 10 لسنة 1961، المعروف باسم قانون مكافحة الدعارة، في توجيه الاتهامات لهم.
وطالب التقرير الحقوقي بالتوقف الفوري عن الحملات الأمنية التي رآها تُشَكّل "تعديًا سافرًا على عدد من الحقوق المكفولة دستوريًّا، وعلى رأسها الحق في الخصوصية والحق في عدم المعاملة المُهينة واللا إنسانية والحق في المحاكمة العادلة"، كما أكد أن التوسع في استخدام قانون مكافحة الدعارة بتلك القضايا "انتهاك واضح للحق في الخصوصية، وفي اتخاذ قرارات تخص الحياة الجنسية بحرّية".
سلسلة "انتهاكات"
عبر 25 قضية وبشهادت من محامين وأشخاص تعرضوا للملاحقة الأمنية والمحاكمة، قدّم التقرير تحليلًا تفصيليًا لأدوار الفاعلين في منظومة العدالة الجنائية سواء الشرطة أو النيابة العامة والمحاكم ووسائل الإعلام، تبين من خلاله أن التعامل مع المُلاحقين انطوى على "مخالفات لمبادئ دستورية وقانونية مستقرة".
اقرأ أيضًا: مشروع قانون تجريم المثلية.. ثوب تشريعي للملاحقات الأمنية
ولفت التقرير إلى ممارسات تتبعها وزارة الداخلية في هذا الملف، وهي "الإيقاع بالأفراد من خلال حسابات وهمية على مواقع وتطبيقات المواعدة المخصصة للمثليين ومتغيري الجنس، وترحيل المثليين أو من يظن بهم المثلية من الأجانب حتى في حال عدم ثبوت اتهامات اعتياد ممارسة الفجور عليهم، وخلق فضائح جنسية كبرى تحظى بتغطية إعلامية استثنائية".
وأوضحت شهادات جمعتها المبادرة المصرية خطوات بناء قضايا "اعتياد ممارسة ضد الأفراد"، وأبرزها أنه بعد الإيقاع الإلكتروني بهم "يسعى الضباط في العادة إلى انتزاع اعترافات مفصلة عن التاريخ الجنسي للمقبوض عليهم، في محاولة لإثبات ركن الاعتياد في الجريمة، وذلك بالترهيب والترغيب"، بينما أفادت شهادات من محامين بأن الشرطة "تستخدم أسلوب كرة الجليد في تتبع المثليين، بتسجيل بيانات الذين يقومون بزيارة أصدقائهم المحبوسين على ذمة قضايا فجور وينشئون ما هو أشبه بقاعدة بيانات لهؤلاء الأفراد".
وفيما يتعلق بخلق فضائح جنسية أشار التقرير إلى أنه "لوحظ سعي شرطة مباحث الآداب إلى مسرحة الحدث وجعله يبدو حدثًا جللًا" وأن بعض وسائل الإعلام تلعب في تلك الحالة "دورًا تحريضيًا أو فضائحيّا بشكل مبالغ فيه"، وضربت مثالًا على ذلك بقضيتين تناولهما الإعلام تحت مُسمّى "زواج الشواذ" و"حمام باب البحر".
وأورد التقرير ما يقع للمتهمين في قبضة الشرطة من "انتهاكات بالجملة"، استنادًا لشهادات تحدثت عن "تعرض المقبوض عليهم لوصلات مطولة من الضرب والإهانة، والتلويح والتهديد باستخدام العنف الجنسي من قبل أفراد الشرطة تجاه المقبوض عليهم، و إلقاء المياه عليهم ومنعهم من الطعام أو شرب المياه، ومنع الزيارات أو التعنت الشديد فيها، والسماح لأفراد من الإعلام بتصويرهم دون رغبتهم".
ولفتت المبادرة المصرية إلى ما تفعله الشرطة تجاه الأحراز من قبيل "تجريم ما لا تعد حيازته جريمة مثل البواريك النسائية (الشعر المُستعار) والملابس الداخلية النسائية وأدوات التجميل والواقيات الذكرية والمبالغ المالية"، وذلك "لاستخدامها في بناء القضية الوهمية ضد المقبوض عليهم"، على حد تعبير المُحامي بالمبادرة علاء فاروق.
والتفت التقرير إلى ممارسات النيابة العامة في تلك القضايا، ونقل عن المحامين قولهم إن أعضاء النيابة العامة بمختلف درجاتهم الوظيفية "في كثير من الأحيان يكونون غير محايدين إزاء هذه القضايا"، وإن الأمر يمتد إلى النواحي الإجرائية سواء في "نوعية الاتهامات التي توجهها للمقبوض عليهم أكثرها شيوعًا هو اعتياد ممارسة الفجور، أو إحالتهم للطب الشرعي لإجراء كشوف الشرج الإجبارية، أو سرعة إحالة هذه القضايا إلى المحاكم بما يتضمنه ذلك من تهديدٍ لحقوقهم في المحاكمة العادلة".
اقرأ أيضًا: "قناعات" مصر الراسخة تعارض استحداث منصب أممي يحمي المثليين
وأوضح تقرير "المصيدة" أن فحوص الطب الشرعي للمتهمين تشهد "إجبار الأفراد على الكشف عن مؤخراتهم أمام أطباء شرعيين ينتهكون سلامة أجسادهم بدعوى أن هذه الفحوص الزائفة تكشف ممارسة الأفراد للجنس الشرجي"، موضحًا أنها فحوصات "ليس لها أي أساس علمي على الإطلاق، ومبنية على علم زائف مُضَلِل".
دعوة للحوار
ترى المبادرة المصرية ، في تقريرها، أنه "يجدر بالنيابة العامة الالتفات إلى عدم قانونية ممارسات الداخلية من اصطياد وتتبع للمثليين"، موضحة أن توجيه النيابة تهمتي اعتياد ممارسة الفجور والإعلان عن مواد تغري بالفجور بشكل ثابت في جميع القضايا "يؤكد الالتفاف على القانون الحالي لمعاقبة هؤلاء الأفراد والتنكيل بهم".
ولم يغفل التقرير دور بعض وسائل الإعلام في تلك القضايا، وما ينطوي عليه من مخالفات مهنية من قبيل "انتهاك الخصوصية، وتغطية حوادث القبض على الأفراد أو التحقيق معهم أو أحكام أول درجة دون تغطية موازية لأحكام البراءة أو تخفيف الحكم، وخلط العلاقات الجنسية الرضائية بجرائم العنف الجنسي، وتغطية الحوادث التي تقع ضد المثليين أو مغايري الجنس بصورة لا تصورها كجرائم في حقهم بل تُبرز مُبررات الجاني بصورة تتعاطف معه".
وقالت داليا عبد الحميد، مسؤولة برنامج النوع الاجتماعي في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن طريقة تغطية غالبية المواقع الإخبارية لحوادث القبض على المثليين وعابرات ومتغيرات الجنس "تخلق حالة من الفزع الأخلاقي في المجتمع يتم من خلالها شيطنة الأفراد المثليين ومتغيري الجنس، وذلك عن طريق تشويههم وتصويرهم على أنهم ليسوا بشرًا، وتصوّرهم بوصفهم يشكلون تهديدًا لقيم المجتمع".
واختتمت المبادرة تقريرها بتوصيات للجهات المنخرطة في التعامل مع هذا الملف، وأولها الشرطة التي طالبتها بـ"الكف عن استدراج الأفراد والإيقاع بهم، ومحاسبة أفراد الشرطة المزعوم تورطهم في ضرب وسَبِّ وإهانة المقبوض عليهم في هذه القضايا وتهديدهم بممارسة العنف الجنسي ضدهم، وعدم السماح لوسائل الإعلام بتصوير المقبوض عليهم وانتهاك خصوصيتهم ونشر معلومات وتفاصيل عن حياتهم".
وكان من بين مطالب المبادرة المصرية "التوقف عن تجريم حيازة أدوات التجميل والملابس النسائية والواقي الذكري وغيرها مما لا تعد حيازته جريمة، ومنع إجراء الكشوف الشرجية الإجبارية، وإتاحة وقت للمحامين للاطلاع على محاضر الضبط والتحريات"، وأن تضيف نقابة الأطباء مادة إلى لائحة آداب المهنة تحظر على الأطباء الاشتراك في كشوف الفحص الشرجي الإجبارية"، وأخيرًا تهيئة الظروف لحوار مجتمعي جاد حول دستورية تجريم العلاقات الجنسية الرضائية بين البالغين.