we need to talk "نحن بحاجة لأن نتحدث".. عبارة تصدّرت حتى عصر اليوم الثلاثاء قائمة الوسوم hashtags الأكثر رواجًا بين مرتادي تويتر، كما كان حضورها ملحوظًا على فيسبوك بالتزامن مع انتشار كثيف لمواد دعائية مرئية ومسموعة ومقروءة تحمل العبارة نفسها في الشوارع، قبل أيام قليلة من انطلاق المنتدى الدولي للشباب بشرم الشيخ الذي يتخذ هذه العبارة شعارًا له.
ينعقد المؤتمر في الفترة من الرابع إلى العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، برعاية الرئيس المصري وبناءً على دعوة منه خلال المؤتمر الوطني للشباب بالإسماعيلية، أبريل/ نيسان 2017، إلى "شباب العالم" للمشاركة فيه، فيما يبدو وكأنه كمرحلة متقدمة من الرئاسة في طريق سلسلة مؤتمرات الشباب الدورية التي دشنتها من مدينة شرم الشيخ في أكتوبر/ كانون الأول 2016.
لنتحدث.. we need to talk
"ينقل للعالم رسالة سلام وتنمية ومحبة من أرض مصر"، يقول الموقع الذي يحمل اسم "منتدى شباب العالم" عن الهدف من جمع شباب العالم لسبعة أيام في شرم الشيخ، المنتجع السياحي الذي أعاده النظام الحالي للصورة بمؤتمرات اقتصادية وسياسية، بعد طول غياب بعد أن كان المقصد الأهم لنظام الرئيس الأسبق حُسني مبارك.
من خلال الموقع الرسمي للمؤتمر، يُمكن التعرف على الفريق الذي يصطف خلفه، ومستوى الأهمية الذي يوليه له النظام، لدرجة إسناد إدارته لمدير مكتب رئيس الجمهورية عباس كامل، وفريق يضم حكوميين من رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية وممثلي شركات في مجالات تنظيم المؤتمرات والسفر والدعاية.
يرعى المنتدى اقتصاديًا هيئة قناة السويس وستة بنوك، وفقًا لموقعه الرسمي، الذي خلا من أية معلومات عن المشاركين في المنتدى، كمًا وكيفًا، وإن تحدثت مديرته جيهان الحديدي في تصريحات صحفية عنه باعتباره "أكبر حدث تشهده مصر منذ عام 1994، الذي شهد استضافة القاهرة لمؤتمر الأمم المتحدة للسُكان"، متوقعة أن يشهد المنتدى تمثيلًا لحوالي 86 دولة بـ3 آلاف مدعو، بين رؤساء وملوك وأمراء دول وشخصيات قيادية شبابية دولية.
وعلى الرغم من الأرقام المتوقعة للمدعوين ووصف "الحديدي" له بـ"الحدث الأبرز الذي تشهده مصر خلال أكثر من عقدين"، والنشاط الدعائي المحموم للمنتدى في وسائل إعلام محلية حكومية وخاصة بطريقة تصوره كحدث دولي بارز، إلاّ أن ذكره غاب عن وسائل الإعلام العالمية حتى هذه اللحظة، وعندما تبحث عن المؤتمر بالإنجليزية لن تجد ذكرًا له سوى في موقع allafrica، الذي نقل خبر المنتدى عن وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الحكومية.
لكن عمَّ سنتحدث؟
بعبارات ثلاثة هي "من أجل السلام، من أجل التنمية، من أجل الإبداع"، يرسم موقع المنتدى في صفحته الرسمية صورة الخطاب الرسمي الذي يتبناه النظام في حديثه خلال تلك الفعالية، وتسجّل أجندته أن الموضوعات التي ستشهدها جلساته ستدور حول قضايا دولية من قبيل الهجرة غير المُنظمة واللاجئين والتنمية المُستدامة وإعادة بناء مؤسسات الدولة في مناطق الصراعات، دون ذكر منه لمديري أو ضيوف منصّة تلك الجلسات.
لكن تظل هناك دائمًا وجهة نظر أخرى، فبالتوازي مع العبارات الرسمية عن خطاب المنتدى وجلساته، استخدم عدد من النشطاء السياسيين والشخصيات العامة الهاشتاج نفسه We Need To Talk لإثارة قضايا أخرى لطالما انتقدوا تعامل النظام معها، وتتعلق بشباب لن يكون من بين حضور المنتدى مثل "الأكاديمي الإيطالي جوليو ريجيني، وسجناء على ذمة قضايا سياسية مثل علاء عبد الفتاح، والمحبوسين احتياطيًا لفترات طويلة مثل المصور محمود أبو زيد (شوكان)، وضحايا عنف قوات الشرطة مثل شيماء الصبّاغ".
وعبر الهاشتاج تحدث البعض عن عدد "سُجناء النظام" مقدرًا إياهم بالآلاف، وعن الاشتباكات بين الشرطة ومشجعي الأندية الرياضية التي سقطوا قتلى، وعن "استخدام تلاميذ المدارس للترويج لحملة إعادة انتخاب الرئيس"، بل وعن وعد الرئيس الحالي- وقت كان عسكريًا- بعدم الترشح للرئاسة.
"جيل المستقبل" برتوش
بتغطيات إعلامية واسعة وأغنيات احتفالية، وفي الفترة من أكتوبر/ تشرين الأول 2016 وحتى يوليو/ تموز 2017، انعقدت في محافظات مختلفة دورات ربع سنوية للمؤتمر الوطني للشباب، النسخة المحلية تقريبًا من المنتدى المنتظر إقامته في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 لشباب العالم.
وانعقدت خلال تلك المؤتمرات جلسات حضر الرئيس بعضها، وظهر فيها النظام مُحتضنًا أبنائه الكادحين كفتاة الأسكندرية منى السيد أو متحدي الإعاقة كالشاب ياسين الزغبي، وخرجت من كواليسه وأروقته لقطات للرئيس يُقبّل رأس محارب ويُبعد حارسه عن فتاة تريد مصافحته، وكذلك يجيب عن أسئلة بعض الشباب ومنها ما يتعلق بالترشح لفترة رئاسية ثانية، بل ويُمازحهم أيضًا، لتُختتم تلك المؤتمرات بتوصيات كان منها تشكيل لجنة للعفو الرئاسي عن بعض السُجناء وتشكيل مركز وطني لتأهيل وتدريب الشباب على القيادة.
غير معلوم ما إذا كانت أجواء المنتدى العالمي للشباب ستختلف عن نسخته المصرية "المؤتمر الوطني للشباب" الذي بدأ من شرم الشيخ، المنتجع السياحي نفسه الذي اعتاد النظام الأسبق أن يعقد أغلب مؤتمراته فيه، خاصة الدولية منها.
في العقد الأول من الألفية الحالية، تكررت مؤتمرات الشباب التي كان يشرف عليها الحزب الوطني، وساعتها كثرت الأقاويل عن الشاب الذي يتأهب لتسلُّم مفاتيح مصر من والده. كان الرئيس يحاور الشباب ويصافحهم، بينما الابن يعقد لقاءات "أخوية" مع الشباب، بعد أن صار رئيسًا لمجلس إدارة جمعية "جيل المستقبل".
وتلك الجمعية التي أسسها رجال أعمال سياسيين في الحزب الوطني، بهدف تأهيل الشباب تعليميًا وسياسيًا وفقًا لما أعلنوه، اختفت من على الساحة بعد بعد ثورة 25 يناير، ولم يبق منها ومن مؤتمرات شباب جمال مبارك إلا أغنية ترويجية وخطابات إعلامية، صارت مادة لمقارنة يعقدها البعض- تحديدًا في الفصائل المعارضة- مع المؤتمرات الحالية بأغنياتها وحتى بما تسفر عنه من كيانات معنية بالشباب يشيد بها إعلام الدولة.