إذا كُنتُ من متابعي المسلسل الأشهر صراع العروش Game of thrones، فحتمًا توقفت للحظات لتسأل نفسك: لماذا تحولت إلى حُب شخصية "جايمي لانيستر"، التي قام بتأديتها الفنان الدنماركي نيكولاي كوستر والداو؟
7 مواسم هي ما عرضته لنا قناة HBO من مسلسل "صراع العروش" حتى الآن، 7 مواسم رأينا فيها العجائب، موتى سائرين، تنانين تطير وتنفخ النيران، حروب ودماء وقتلى بدون حساب، خسارات فادحة ومفاجئة ومفزعة لأبطال المسلسل، لكن أكبر هذه العجائب يأتي من دواخلنا كمشاهدين مصريين، شرقيي الطباع، متديني المظهر، إذ بتنا نُحِب، من كل قلوبنا، شخصيات رأينا آثامها بأم أعيننا على الشاشة، على رأس هذه الشخصيات جايمي لانستر.
في بداية الحلقة الأولى من الموسم الأول، نرى جايمي لانستر في هيئة الشخص الشرير الذي يتحدى ند ستارك، بطل المسلسل في نظرنا وقتها، لكننا مع نهاية الحلقة نصطدم بأكثر من ذلك؛ يقيم جايمي علاقة مُحَرِّمة مع أخته، تبع هذا الكشف "المقزز" ارتكابه جريمة بحق طفل صغير لأن رأى ما يحدث بينه وبين أخته، دَفَع بالطفل من علٍ ليسقط، ولم يستطع الطفل المشي مرة أخرى بسبب الحادث
حسنًا، حسبنا أنفسنا أمام الشخص الذي سيعاني منه الأبطال، وستجتمع فيه كل الخصال السيئة التي تُسَهِّل من مأموريتنا في كرهه.
يأخذنا المسلسل بعد ذلك للتعرف على تفاصيل أكثر عن تاريخ جايمي، نكتشف أنه معروف بين الناس بـ"قاتل الملك"،حانث العهد، رجل بلا شرف، ذلك لأنه قتل الملك الذي كان يخدمه ويقسم له بالولاء، بطعنة مباشرة في ظهره. يتقبل الرجل كل هذه الألقاب ويتعايش معها ولا يحاول تبريرها، لتزداد كراهيتنا له.
لكن مع توالي المواسم نجد أن شخصية جايمي هي الأبرز من حيث التطور والتحولات، تدريجيًا بدأت الشخصية في إخراج ما في جعبتها، تجرعت الذل والعناء على أيدي أعدائها، أُسِرَت وأُهينَت وقُطِعَت يدها، حتى ظهر ما فيها من نُبل وشرف غير مرئيين للعامة، تجلى هذا النُبل في اعترافه بما حدث مع الملك المجنون الذي قتله ووُصِمَ بعار خيانته، حكى لنا جايمي في مونولوج طويل وقائع الحادثة، مغطى بالوحل في بركة مياة يحاول فيها التخلص مما يُبطِن، ليرفض في نهاية المشهد لقب "قاتل الملك"، الآن يُفصِح عن كرهه لهذا اللقب،"جيمي.. اسمي جيمي".
لم يتم الاكتفاء بذلك لكن الشخصية أظهرت فروسية عالية، إذ أنقذ جايمي "بريان"، الفارسة التي تولت حراسته حتى لا يهرب، قفز بدون سلاح وبيد مقطوعة ليقف بينها وبين دُبً كاد يفتك بها، سمات البطولة تظهر رويدًا رويدًا بينما تتعظم في شخصيات أخرى يُصدرها المسلسل كأبطال كلاسيكيين للملحمة، بما لهم من مغامرات وحروب وقدرة على مواجهة النيران والثلوج والسائرين البيض.
تميل الكفة قليلًا لصالح شخصية جايمي في هذه الفترة من المسلسل، حتى تعود الأحداث مرة أخرى لتذكرنا أن هذه الشخصية -التي بدأنا نحبها – آثمة؛ رجلٌ يضاجع أخته، ليس هذا فحسب، بل يفعلها بجانب جثة ابنهما، الأمر مربك حقًا لنفهم شخصية جايمي ودوافعها وتصرفاتها، تنتكس كمُشاهِد عندما ترى جايمي برفقة أخته، وتتمنى لو يتركها حتى تصفح عنه وتعود لحبه بشكل كامل غير مشروط.
https://www.youtube.com/embed/UBqxyY59S60الآن الصورة واضحة لدينا عن شخصية جايمي، فارس رفض حرق الناس وقَبِل على نفسه لقب كان من الممكن أن يُصبِح شرفًا، ينخرط في علاقة مُحرَمة مع أخته، يرفض تصرفاتها المجنونة التي تريد بها الإطاحة بالجميع دون تدبر، يُحِب أخاه القزم وينقذه من موت محقق، يفقد ابنه وابنته وأباه، جميعهم قتلى، مقطوع اليد، فاقد قوته كفارس سابق، النار أكبر مخاوفه والحب الآثم خطيئته.
لكن مع انتهاء الموسم الأخير من مسلسل "صراع العروش"، بات جايمي لانستر، وبشكل واضح، محبوبًا لدى كثيرين من متابعي الملحمة التلفزيونية.
يأتي التحول الجديد لجايمي في الموسم الأخير من المسلسل مصاحبًا لوقوفه أمام سياسات أخته – التي تولت مقاليد الحكم – ومحاولاته الدائمة لإثناءها عن أفكارها المجنونة، رويدًا رويدًا يتحقق لدينا كمشاهدين ما نتمناه من جايمي، عاد مرة أخرى إلى شجاعته بحمله رمحًا تجاه ملكة جديدة تتخذ من التنانين والنار أسلحة لها، اتجه نحوها بكل قوة ليُنهي مسيرتها نحو تكرار ما فعله أبوها الملك المجنون.
لكننا رأينا شجاعته من قبل، فما الجديد؟
الجديد أن جايمي تخلص أخيرًا من علاقته بأخته، لا لكراهيته للعلاقة ولكن لكرهه لأخته كشخص يحاول تدمير الجميع حتى نفسها، ابتعد جايمي عن أخته وعن قيادة جيشها وخرج من قلعته الحصينة تجاه تحدٍ جديد، نتوقع أن يكون التحدي الأكبر والأكثر إبهارًا لنا كمشاهدين في الموسم الأخير.
قد يكون تركيز المسلسل على شخصيات بطولية مثل "جون سنو" و"دينيريس تارجيريان" مجرد تمويه عما قد يأتي به جايمي، وقد يكون "جون" هو مفتاح كل شيء كما أوضح لنا المسلسل وكما أغرقتنا مئات النظريات عبر المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، وسواء حدث هذا أو ذاك فإن شخصية جايمي لانستر ستحتفظ بكونها أحد أفضل الشخصيات التي رأيناها على الشاشة الصغيرة، كتابةً وتجسيدًا، ويبقى جايمي محبوبًا لدى العديد من متابعي المسلسل، رغم كونه آثمًا.