تفجّرت مطلع الأسبوع الجاري، قضية "ابتزاز جنسي"، اُتهم فيها أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة ياسين لاشين؛ فأثارت جدلًا لم تحدّه أسوار الجامعة، وانتشر خارج حرمها بآراء ازدحم بها موقعا فيسبوك وتويتر، تنادي بالعقاب المُغلّظ له حدّ وقفه عن العمل.
بموجب قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 وتعديلاته عام 2015، يُعزَل عضو هيئة التدريس إذا ما أثبتت التحقيقات ارتكابه أي فعل "يزرى بشرف عضو هيئة التدريس أو من شانه أن يمس نزاهته وكرامته وكرامة الوظيفة".
وكانت شرارة القضية اندلعت، بتسجيلات منسوبة للأستاذ، انتشرت على فيسبوك وتويتر؛ أعلنت على أثرها عميدة كلية الإعلام أنه "لا يمثل الكلية"، فيما اتخذ رئيس الجامعة الدكتور محمد الخُشت، موقفًا أكثر صرامة، بإعلان إحالة الواقعة إلى النيابة العامة.
جدل قانوني
لم تقض إحالة "لاشين" للنيابة، على الجدل الدائر حول الواقعة، إذ يقول المحامي بحرية الفكر والتعبير مُهاب سعيد لـ"المنصّة"، إن الجامعة ليست ذات صفة أمام القضاء والنيابة كي تحيل الأستاذ الجامعي للتحقيق، وإن كان أمام رئيسها بموجب قانون تنظيم الجامعات، صلاحيات كثيرة من بينها "الإحالة للتحقيق الداخلي، والإحالة لمجلس التأديب، والوقف عن العمل".
لكن أشد ما أثار الجدل، كان إعلان محامي "لاشين" في تصريحات صحفية، أن التسجيلات المنشرة والمنسوبة له "غير قانونية، وسيعاقب من سرّبها"، مُستندًا في ذلك إلى مواد قانونية، قد تُحَوِّل "لاشين" إلى ضحية حتى لو كانت التسجيلات التي "تدينه" صحيحة.
ويقول مدير مؤسسة الحقانية للحقوق والحريات، المحامي محمد عبد العزيز، إن التسجيل بدون إذن نيابة "غير قانوني، ويعتبر تصنت"، مُشيرًا إلى أن هذا الدليل يُستخدم كدليل للبراءة لو كان في صالح المُتهم وليس الإدانة "التي يجب أن يكون دليلها مشروعًا".
ويوضح "عبد العزيز" لـ"المنصّة" فلسفة القانون في هذه الجزئية، بقوله إنه لو اُخذ بالأدلة المُسجلة بصورة غير شرعية كدليل إدانة "فهذا يعطي مساحة ﻷي شخص للتسجيل ضد أي شخص آخر، سواء مكالمة تليفونية أو لقاء".
لكن المحامي بالشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، نور فهمي، يشير إلى أن الأمر عمليًا يمكن أن تتدخل فيه "سلطة النيابة ومرافعة المحامي حول هذا التسجيل، وكذلك سلطة المحكمة في اتخاذ قرار بالحكم بموجب التسجيل أو استبعاده".
وأكد "عبد العزيز" أن الأمر الحاسم في تحقيقات النيابة لن يكون التسجيل المُسَرّب، بل شهادة الشهود والضحايا أنفسهم، والتي لا بد عن وجودها ﻷنه "لا جريمة بدون شهادات ضحايا".
أين الضحية؟
أعلنت رئيسة وحدة مُكافحة التحرش والعنف ضد المرأة بجامعة القاهرة، في تصريحات أمس، أن الوحدة "لم تتلق أي شكاوى ضد الأستاذ المُتهم، ولم تُقدم بلاغات ضده، كما أن التسجيلات التي تتهمه بارتكاب هذه الأفعال اختفت".
يفسر المحامي مُهاب سعيد سبب إحجام الطلاب عن تقديم شكاوى ضد الأساتذة بأمرين هما "عدم إلمام الطلبة بالقانون، وخوفهم على مستقبلهم"، موضحًا أن الطالب الذي يتهم أستاذه بالتحرش يمكنه اللجوء للمسار الإداري أمام وحدة مكافحة التحرش بالجامعة أو القانوني باللجوء للنيابة العامة.
لا يُعقد غياب شهود وضحايا للواقعة من الوضع القانوني للقضية فحسب، بل ويضع مَن نشر التسجيل في موقف سيء، في ظل ما تنصّ عليه المادتين 309 مكرر، و309 مكرر (أ) من قانون العقوبات، على الترتيب من أن:
"يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن ، وذلك بأن أرتكب أحد الأفعال الآتية فى غير الأحوال المصرح بها قانونًا أو بغير رضاء المجنى عليه: (أ) استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أيا كان نوعه محادثات جرت فى مكان خاص أو عن طريق التليفون. (ب) التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أيا كان نوعه صورة شخص فى مكان خاص".
و"يعاقب بالحبس كل من أذاع أو سهل إذاعة أو استعمل ولو فى غير علانية تسجيلًا أو مستندًا متحصلًا عليه بإحدى الطرق المبينة بالمادة السابقة أو كان ذلك بغير رضاء صاحب الشأن".
ويقول المحامي نور فهمي، إن ما حدث في نظر القانون بصورة عامة "إجراء ينتهك حرمة الحياة الخاصة" وضرب مثالًا عليه بما وقع مع مُقدم برنامج "الصندوق الأسود" عبد الرحيم علي، حين أذاع مكالمات خاصة تم تسريبها لشخصيات عامة وسياسية، ولم تدينهم على ما بها أيًا كان، بل ساقته هو إلى المحكمة بتهمة "انتهاك حُرمة الحياة الخاصة".
ويشير المحامي بـ"حرية الفكر والتعبير" مُهاب سعيد" إلى أن التسجيلات الحالية وما تنطوي عليه من "انتهاك للخصوصية"، تُحتم على ناشرها إثبات صحتها طالما أنه نشرها، وإلا سيصبح متهمًا بـ"نشر أخبار كاذبة"، طالما لم تظهر ضحية أو شهود.
مسارات مُحتملة
هناك وقائع كثيرة تتضمن تسجيلات بدون إذن من النيابة العامة، وفقًا لما يذكره المحامي بحرية الفكر والتعبير، مُهاب سعيد، الذي يشير إلى أن النيابة أو محكمة الموضوع في هذه الحالة، وقبل البتّ في القضية "ستحيل التسجيل للإذاعة والتليفزيون، لتحديد ما إذا كانت بصمة الصوت تخص المتهم أم لا".
ويرسم "سعيد" مسارات مختلفة للتحقيقات والقضية، منها حالة عدم ظهور ضحية الواقعة، وهنا بحسب قوله يمكن للمتهم بالتحرش الرجوع على ناشر الفيديو بتهمة نشر وترويج أخبار كاذبة بحقه، لكن الأخير يمكنه الدفاع بفكرة بصمة الصوت.
أما لو ظهرت الضحية وتوجهت للنيابة- والحديث لمحامي حرية الفكر والتعبير- ففي هذه الحالة، يلجأ "المتهم للدفع ببطلان التسجيل ﻷنه بدون إذن نيابة، ووقتها ستكون السلطة تقديرية للقاضي الذي سيحكم بعقيدته".
وضرب المحامي الحقوقي مثالًا على ذلك بقوله "الموضوع لو تحوّل لقضية رأي عام، وثبت أن بصمة الصوت للمتهم فعلًا، هنا يمكن أن يحكم القاضي باﻹدانة ويلتفت عن الإجراءات الشكلية (الخاصة بإذن النيابة أو التسريب)".