في نهاية شهر مايو/أيار الماضي ومع مطلع شهر رمضان أطلقت الحكومة المصرية عبر قنوات فضائية خاصة مجموعة إعلانات تحت عنوان "حق المواطن في المعرفة"، تهدف إلى توعية المواطن ليستقي معلوماته من مصادر موثّقة ومتوازنة، ولكن قبل يومين اثنين من انطلاق هذه الحملة الدعائية كانت الحكومة نفذت قرارًا غير معلن بحجب أكثر من عشرين موقعًا إلكترونيًا كان معظمها مرتبطًا بقطر، قبل أن يتجاوز عدد المواقع المحجوبة خلال شهر واحد المئة.
ورغم أن الحكومة لم تعلن صراحة قرار حجب أي مواقع إلكترونية إلا أن صحيفة "المصري اليوم" نشرت ما قالت إنها "تقرير من جهة سيادية"، يدافع عن قرار الحجب ويرصد تجارب دول سابقة في حجب المواقع الإلكترونية.
وبينما تدشن الحكومة حملتها حول حق المواطن في المعرفة وهي حملة إعلانية تتجاوز كلفتها مئات آلاف الجنيهات وخصصت من أجل الحديث عن إنجازات الدولة في القطاعات المختلفة كالصناعة والمجتمعات العمرانية ومحطات الطاقة مع دعوة للمصريين إلى الصبر والتحمل والثقة في القيادات، وتوسع في الوقت نفسه دائرة حجب المواقع دون أن تصرّح رسميًا بهذا القرار، يشكو صحفيون من عدم قدرتهم على الحصول على المعلومات لأسباب تتعلق بالتضييق الحكومي.
ورصدت نقابة الصحفيين في فبراير/شباط 2017 أكثر من 800 انتهاك حكومي خلال عام 2016 بحسب وكيل نقابة الصحفيين حينها خالد البلشي.
"أصبحنا نطرد من فعاليات لمؤسسات حكومية، ويرفض البعض وضع لوجو الموقع علي منصة الحضور"، حسب أحد صحفيي موقع مصر العربية -فضّل عدم ذكر اسمه- حديثه عن أزمة الحجب، مضيفًا أن "هناك مؤسسات حكومية أصبحت ترفض حضور محرري المواقع المحجوبة لفعالياتها ومؤتمراتها دون أسباب واضحة، ويتهرب بعض متحدثيها الرسميين من الاجابة على أسئلة محرري الموقع بحجة أنهم مشغولون".
وأوضح صحفي موقع مصر العربية، أنه وعدد من زملائه يتعرضون لمضايقات عديدة من الأجهزة الأمنية حال قيامهم بالتغطية الميدانية للأحداث، وسبق أن تحرر ضده محضرًا وصودرت معدات التصوير المملوكة للموقع خلال عمله بتغطية امتحانات الثانوية العامة.
صحفية أخرى تعمل في موقع "المصريون" تؤكد أن اتهامات دائمة بـ"الأخونة" تلاحقها عندما تفصح عن الجهة التي تعمل لديها.
واعتبرت الزميلة التي فضّلت بدورها عدم ذكر اسمها أن "قوات الأمن باتت تتربص بصحفيي المواقع المحجوبة، لتحرر ضدهم محاضر باتهامات عديدة، مشيرة إلى أن البعض يردد أن الموقع في طريقه للغلق وتسريح الصحفيين".
"المصادر بترفض تدينا تصريحات وبيقولوا مش عارفين الموقع اللي انتي شغالة فيه ده"، بهذه الجملة بدأت هويدا إحدى الصحفيات العاملات بموقع وصفته بأنه "غير شهير" حديثها للمنصة، لافتة إلى أن عددًا من زملائها يضطرون لإدعاء انهم يعملون بمواقع مشهورة للحصول علي تصريحات المصادر.
وكشفت أن أحد زملاءها تعرض للطرد خلال مشاركته بتغطية فعالية صحفية، بحجة عدم تخصيص دعوة حضور لموقعه الذي وصفه البعض بموقع "بئر السلم".
وحاولت "المنصة" التواصل مع الكاتب الصحفي إبراهيم عيسي، وهو أحد المشاركين في حملة "حق المواطن في المعرفة" لسؤاله حول ما يتعرض له الصحفيون من تضييق يحول دون حصولهم على المعلومة للمواطن، دون رد منه.
وشارك في حملة الحق في المعرفة شخصيات عامة هم الفنانة والإعلامية إسعاد يونس وحارس مرمى منتخب مصر عصام الحضري والممثل أحمد فهمي، الذي يتقمص شخصين دائمًا أحدهما هو "المطبلاتي" والآخر هو "المقللاتي"، يبالغ الأول في تمجيد القرارات الحكومية بصيغة ساخرة مبالغ فيها بينما يطرح الثاني تساؤلات يطرحها المعارضون المصريون، وتدعو الحملة المواطنين إلى الوقوف بينهما بعقلٍ راجح.
هذه الحملة وصفها عمرو بدر عضو مجلس نقابة الصحفيين، ورئيس تحرير موقع "بوابة يناير" المحجوب بـ"الحملة التعبوية" للترويج لانجازات وهمية للحكومة، مضيفًا الحكومة تتحدث عن حق المواطن في المعلومات التي تريد أن يعرفها فقط.
وأضاف بدر للمنصةأن "الحملة الاعلانية هدفها تعداد انجازات وهمية للحكومة"، مشددًا على أن "الحكومة لا تحترم الإعلام والصحافة، وإن كانت تحترمهما وتقدر دورهما لتركت الصحفيين يكتبون بحرية وتوقفت عن ملاحقتهم والقبض عليهم".
وأوضح بدر أنه لاتوجد نصوص قانونية تتيح للحكومة حجب المواقع الالكترونية، مؤكدًا أن هذا الاجراء "مخالف للدستور".
وفي أبريل 2016 اقتحمت قوات من الشرطة مقر نقابة الصحفيين المصريين لأول مرة في تاريخها وذلك، حسبما قالت وزارة الداخلية، لتنفيذ أمر النيابة العامة بضبط وإحضار صحفيين اثنين معتصمين بالنقابة أحدهما عمرو بدر، كانا متهمان بإذاعة أنباء كاذبة تتعلق بـ"تنازل" مصر عن جزيرتي تيران وصنافير.
وأثارت هذه الخطوة غضب المئات من الصحفيين الذين عقدوا اجتماعًا في مايو/أيار من العام نفسه للتنديد بها، وطالبوا رئاسة الجمهوية بالاعتذار وإقالة وزير الداخلية، واعتبروا أن اقتحام النقابة يأتي عقابًا بسبب احتماء عشرات المتظاهرين ضد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية والتي تضمنت نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة، من الشرطة بداخلها.
ولم تعلق الرئاسة على مطالب اجتماع الجمعية العمومية للنقابة والذي ترأسه نقيب الصحفيين حينها يحيى قلاش وشارك فيه أعضاء مجلس النقابة، ولكن لاحقًا أدين قلاش إلى جانب اثنين من أعضاء مجلس النقابة وهما خالد البلشي وجمال عبد الرحيم بتهمة إيواء مطلوبين للعدالة.