أعلنت الحكومة المصرية، اليوم، رفع أسعار المواد البترولية، للمرّة الثانية في غضون 8 شهور، منذ اتخاذ البنك المركزي قراره بتحرير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار الأمريكي "التعويم" في الثالث من نوفمبر/ تشرين ثان الماضي.
وكانت المرّة اﻷولى التي ارتفعت فيها أسعار البنزين، في 4 نوفمبر/ تشرين ثان 2016، اليوم التالي لصدور قرار التعويم، تماشيًا مع حزمة إجراءات اقتصادية يتخذها النظام المصري، للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، وهو ما حرص رئيس الوزراء على إعادة تأكيده اليوم.
وقررت الحكومة، اليوم، رفع سعر لتر بنزين 95 من 6.25 جنيهًا إلى 6.60 جنيهًا بنسبة 5%، ولتر بنزين 92 من 3.50 إلى 5 جنيهات بنسبة 43%، ولتر كل من السولار وبنزين 80 من 2.35 الى 3.65 جنيها بنسبة 55%، وارتفع سعر أنبوبة البوتاجاز من 15 جنيها إلى 30 جنيها للاسطوانة.
وأعلن رئيس الوزراء شريف إسماعيل، في مؤتمر صحفي عقب ارتفاع أسعار الوقود، قرارًا آخر بتطبيق الأسعار الجديدة للكهرباء بدءًا من فواتير أغسطس/ آب المقبل، بحيث تطبق الزيادات على استهلاك يوليو الجاري.
ومع ارتفاع في أسعار الوقود والكهرباء، تطل الآثار الجانبية السلبية برأسها، معلنة أنها ستشمل كافة تفاصيل الحياة اليومية للمواطن.
أسعار المواصلات
قال رئيس الوزراء، في المؤتمر نفسه، إنه "لا توجه فى الوقت الحالي (لدى الحكومة)، لزيادة أسعار وسائل النقل العام"، وهذا لا يعني أبدًا أن وسائل المواصلات اﻷخرى لن ترفع أسعار تعريفتها كنتيجة أولى تتلو ارتفاع أسعار المحروقات.
وأعلن رئيس الوزراء خلال المؤتمر ، أنه "لا يمكن تطبيق التسعيرة الجبرية فى وسائل النقل"؛ ما يعني أن زيادة "أجرة" المواصلات، قد تخضع لهوى أو تقدير كل فئة على حدة، دون تدخل فعّال من الحكومة.
كان قرار الحكومة مفاجئًا، لذا لم يصدر- حتى موعد نشر التقرير- أي بيان أو قرار عن أي جهة عاملة في مجال النقل، برفع أسعار خدماتها.
وردت شركة "كريم"، التي تُقدّم خدمة النقل عبر تطبيقات الهواتف الذكية، على سؤال محررة المنصة عبر تويتر، عن نسبة زيادة أسعار رحلاتها بعد رفع أسعار البنزين، بالقول إن الأمر "قيد المتابعة من القسم المختص"، وإن الشركة ستعلن عن أية زيادة في الأسعار حال إقرارها.
نوع آخر من خدمات النقل ينتشر بكثافة في مختلف أنحاء الجمهورية، هو "التاكسي اﻷبيض"، الذي يعمل ببنزين 92، وتسبب سعره الجديد في "صدمة" السائقين، حسبما صرح علاء محمد الأمين العام للنقابة المستقلة لسائقي التاكسي الأبيض.
يقول محمد إنه بعد زيادة أسعار الوقود اﻷولى في نوفمبر 2016، زاد سعر التعريفة الموحدة لبداية أي رحلة "كسرة العداد" من 3 إلى 4 جنيهات، وسعر الكيلو متر من 140 إلى 175 قرشًا. ويتوقع الأمين العام للنقابة المستقلة أن تزيد تعريفة بداية الرحلة بعد اﻷسعار الجديدة للبنزين، بحيث لا يقل "كسرة العداد"، عن 10 جنيهات، على أن يكون سعر الكيلومتر 3 جنيهات، ﻷن الزيادة اﻷولى "لم تكن مُنصفة"، من وجهة نظره.
وأضاف "محمد" تعليقًا على أسعار الوقود الحالية "دلوقتي الزيادة (في سعر الوقود) 50%. فمين هيشتغل بعداد؟ وهنا إحنا مش بنتكلم إننا هنتأثر بزيادة الوقود بس، ﻷ ده كمان قطع الغيار والسلع، ﻷني أنا كمان إنسان وعايز أعيش".
السلع الغذائية
يترتب على ارتفاع أسعار الوقود، ارتفاعًا آخر في أسعار السلع على اختلاف أنواعها "ملابس ومنسوجات، وأجهزة كهربية ومنزلية، ومواد غذائية".
ويتوقع نائب رئيس شعبة المواد الغذائية بالغرفة التجارية، جلال عُمران، "أمر سيء" في هذه الزيادات المُنتظرة بقوله "أي زيادة في أسعار الوقود؛ تنعكس سلبًا على أسعار كل السلع والخدمات، وبارتفاع كبير يتجاوز نسبة زيادة الوقود نفسه، بسبب غياب الضوابط".
ويوضح "عُمران" أن أي سلعة سواء زراعية أو مُصنعة، تمرّ بمراحل نقل من الموانئ لو مستوردة، أو الحقول والمصانع لو محلية، ومنها إلى الوكيل أو تاجر الجملة، ثم إلى تجار التجزئة في المحافظات، بتكلفة نقل تُحمّل كاملة على سعر السلعة نفسها، وبنسبة حرّة لا يمكن التكهّن بها.
وعلى الرغم من رفع التُجار ﻷسعار السلع، إلا أن الأمر يُكبّدهم خسائر، يضرب "عُمران" مثالاً عليها بما كان بعد زيادة أسعار الوقود أواخر 2016، بقوله "بعد ارتفاع نوفمبر، جالنا شكاوى من التجار، وكان فيه تكلفة شديدة عليهم؛ خلقت كساد بسبب ارتفاع أسعار السلع بشكل جنوني".
التضخم مستمر
تقول الباحثة في العدالة الاجتماعية والاقتصادية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية سلمى حسين، لـ"المنصّة"، إن تبعات رفع أسعار الوقود، تتمثل في زيادة التضخم وارتفاع أسعار كل شيء، موضحة أنه "في ظل الاحتكارات واختلال الوضع التنافسي، تكون نسبة ارتفاع أسعار السلع والخدمات أكبر من المتوقعة".
سيكون ارتفاع أسعار السلع والخدمات المُترتب على ارتفاع سعر الوقود، فوريًا فيما يعرف باسم "الموجة التضخمية" والتي لا تنحسر مع الوقت، وفقًا للباحثة الاقتصادية، التي تضرب مثالاً عليها بما كان بعد التعويم ورفع الأسعار في نوفمبر الماضي، قائلة "نحن نعاني إلى الآن من معدلات تضخم أكبر من 30%، وفي الطعام نسبته أكبر من 40%، أي نصف ميزانية الأسرة المصرية تقريبًا".
وتعيب "حسين" على القرار الحكومي، قائلة "الحكومة تختار رفع أسعار الوقود على مواطنين دون آخرين؛ فالأفراد والعائلات هم من يدفون الثمن، لكن المنتجين المحتكرين الكبار الذين يستخدمون 80% من الطاقة الموجهة لقطاع الصناعة، وجزء كبير منهم أيضًا في قطاع السياحة، هم المدعومين الحقيقيين".
تشير الباحثة الاقتصادية إلى أن زيادة الوقود على المواطنين، بينما ما تحصل عليه أماكن مثل "اليخوت والفنادق والمصانع وشركات النقل السياحي"، من كهرباء أو الوقود سيبقى كما هو بسعر مُدعم.