بعد إعفاء الأمير محمد بن نايف من ولاية العهد ومن تولي وزارة الداخلية، وترقية ولي ولي العهد محمد بن سلمان ليصبح وليًا للعهد مع الاحتفاظ بمناصبه الأخرى كوزير للدفاع، ورئيس لشركة أرامكو النفطية الوطنية، تترقب المملكة العربية السعودية تغييرًا شاملًا في خريطتها الاقتصادية، والسياسية أيضًا، في حالة تنازل الملك سلمان، الذي يعاني من أوضاع صحية سيئة، عن العرش لابنه.
وجاء القرار بعد أسابيع قليلة من تعيين شقيقه الأصغر خالد بن سلمان سفيرًا للمملكة في الولايات المتحدة الأمريكية، وهنا تظهر بعض المؤشرات التي توضح التقارب الشديد وغير المسبوق بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية.
ويحمل بن سلمان منذ أن عينه أبوه وليًا لولي العهد، عام 2015، رؤية اقتصادية للنهوض باقتصاد المملكة، وأخرى سياسية تهدف إلى حد إيران عن التوغل في البلاد العربية السنية، وكلاهما يعتبرا من أبرز الملفات التي تتعاون فيها المملكة والولايات المتحدة الأمريكية بجانب حل الصراع العربي الإسرائيلي.
على المستوى الاقتصادي، أعرب بن سلمان في عدة مقابلات تلفزيونية عن عزمه تنفيذ خطة الإصلاح الوطني أو خطة 2030، بحيث يقوم اقتصاد المملكة بحلول عام 2030 على الاستثمارات في الداخل والخارج أكثر من الاعتماد على الإيرادات النفطية التي تشكل نصف الاقتصاد السعودي، وتخصيص أقل من 5% من أسهم شركة أرامكو للخصخصة.
أما على المستوى السياسي، فقد شن بن سلمان كوزير للدفاع، عقب ثلاثة أشهر من توليه منصبه في أبريل/نيسان 2015، عاصفة الحزم، أو التحالف العربي بقيادة السعودية لضرب الحوثيين ومنع الزحف الشيعي المدعوم من إيران في اليمن من الوصول إلى السعودية. ولكن الانتقادات تتزايد للوزير الشاب الذي سيتم عامه الـ 32 في اغسطس/آب القادم، جراء تورطه في الحرب التي أنهكت الاقتصاد السعودي، وخلفت أكثر من 10 ألاف قتيل و40 ألف جريح وفقًا لما ذكره تقرير الأمم المتحدة.
ولم تكتف المملكة من حرب اليمن لكبح النفوذ الشيعي في الجنوب، بل امتد الأمر إلى حدودها الشمالية مع سوريا أيضًا، وسمحت لقواتها أن تشارك ضمن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وتكوين عداء رئيسي لنظام بشار الأسد، الذي يتلقى دعمًا من إيران.
ولكن مع الإخفاق الواضح للتدخل العسكري السعودي في اليمن لأكثر من عامين دون الإعلان عن موعد واضح لإنهاء هذه الحرب، يبدو أن بن سلمان يصر على استكمال خطة التنمية الاقتصادية، مع التمسك باعتبار حق الزعامة في إبعاد التدخل الإيراني في المنطقة حقًا مشروعًا للملكة.
ومن هنا يأتي التقارب السعودي الأمريكي- ومن ثم الإسرائيلي- فقد اجتمعوا على شيء واحد وهو العداء تجاه إيران.
في نفس السياق، تغير موقف الولايات المتحدة الأمريكية تجاه إيران عقب خروج الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما من السلطة، والذي اكتفى بإرساء السلام وتخفيف العقوبات الإقتصادية عن إيران مقابل الحد من النشاط النووي الإيراني. ومنذ أن تولى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه في يناير/كانون الثاني الماضي أعلن أن سياسته تجاه إيران ستكون مغايرة عن سابقه، مشيرًا في تصريحات عديدة عن أنه يكن كافة أنواع العداء إلى إيران.
على المستوى الخارجي، عمل بن سلمان، وإن لم يتسلم مقاليد الحكم بعد، على الدفع بزيادة الإستثمارات السعودية في الخارج وشراء أحدث المعدات التسليحية بدعوى تكوين جيش قوي يمكن أن يتصدى لمحاولات إيران للتدخل في شؤون الدول العربية السنية.
ومن أجل تلك الأغراض، قام بن سلمان بزيارة الولايات المتحدة الأمريكية مرتين، المرة الأولى كانت في عام 2016، إذ ركز بن سلمان بشكل مباشر على زيادة الاستثمارات السعودية بالخارج. وخلال هذه الزيارة، أكد مدير مركز سابراك، سلمان الأنصاري أن هناك رغبة حقيقية من الجانبين السعودي والأمريكي لتفعيل ما تم الاتفاق عليه خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لأمريكا في2015، وفتحه الأبواب الاقتصادية أمام المستثمر الأمريكي.
وبعد هذه الزيارة وضعت السعودية أولى خطوات شراكاتها الاستراتيجية بعيدة المدى مع اثنتين من كبرى الشركات الأمريكية، وهي شركة جنرال إلكتريك والتي تبلغ قيمة الصفقة معها نحو 11 مليار ريال للإسهام في تنفيذ الرؤية السعودية 2030، وشركة أوبر التي دخل صندوق الاستثمارات العامة السعودي فيها كأكبر استثمار دولي بقيمة 3.5 مليارات دولار.
اقرأ أيضًا: محمد بن سلمان.. أمير التكنولوجيا "غير الآمنة"
أما الزيارة الثانية التي قام بها بن سلمان إلى البيت الأبيض في مارس/آذار الماضي فأوضحت عدة نقاط هامة وهي أن العلاقات السياسية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة كانت في السابق هي الأمن مقابل النفط. ومع إنتاج الولايات المتحدة ما يكفيها من النفط أصبح هذا الشعار ماضيًا، وأن القاعدة الجديدة هي "التجارة والأمن للتجارة والأمن".
وعلق سلمان الأنصاري، رئيس لجنة العلاقات السعودية الأمريكية "سابراك" على هذه الزيارة قائلًا إن الأمير محمد بن سلمان يبحث عن تدفق الاستثمارات في كلا الاتجاهين لدعم استراتيجيته لتنويع الاقتصاد، مشيرا إن "رؤية السعودية 2030" تتطلب قدرًا كبيرًا من الاستثمارات الأجنبية للمساعدة في تحقيق أهدافها.
زيارة الولايات المتحدة
استفاد بن سلمان من زيارته للبيت الأبيض، فإلى جانب التعاون السياسي والاتفاق على مواجهة إيران، استطاع على الجانب الاقتصادي أن يجلب المزيد من الاستثمارات.
كما أن البيان الذي أصدره البيت الأبيض حينها ذكر أن المسؤولين السعوديين والأمريكين سيعملون على اتخاذ خطوات إضافية لتعزيز الروابط التجارية وتشجيع الاستثمار وتوسيع التعاون في مجال الطاقة، والرغبة في مواصلة المباحثات الثنائية من أجل تعزيز الاقتصاد العالمي.
وسيصب التعاون أيضًا في صالح الولايات المتحدة، إذ يذكر البيان أيضًا أن التعاون بين البلدين سيخلق مليون وظيفة مباشرة وملايين الوظائف غير المباشرة في أمريكا خلال الأربع سنوات المقبلة بالإضافة إلى خلق وظائف في المملكة العربية السعودية، وبذلك تتحقق المنفعة المتبادلة.
وتابع البيان أن الأمير محمد بن سلمان عرض برنامج "رؤية السعودية 2030" على الرئيس ترامب، "واتفقا على برامج ثنائية لمساعدة البلدين على الاستفادة من الفرص الجديدة التي سيخلقها تنفيذ الخطط الاقتصادية الجديدة للمملكة العربية السعودية".
وفي المقابل أكد ترامب التعاون بينه وبين سلمان في الزيارة التي قام بها إلى المملكة العربية السعودية كأول محطة خارجية له، مصطحبًا صهره ومستشاره الخاص لحل القضية الفلسطينية رجل الأعمال اليهودي، جاريد كوشنر، ذو الخبرة المتواضعة للغاية في العمل الدبلوماسي، وهي نقطة لا يمكن إغفالها.
وفي زيارة ترامب تم التوقيع على أكبر صفقة في التاريخ بين السعودية وأمريكا بقيمة 400 مليار دولار، حيث وقع الملك سلمان وترامب صفقة دفاعية تبلغ قيمتها 110 مليارات دولار، وتنوعت باقي القيمة بين مشاريع استثمارية للمملكة في داخل السعودية وخارجها، وتوفير فرص عمل للأمريكيين والسعوديين في أن واحد.
التقارب التاريخي بين السعودية وإسرائيل
خطة ولي العهد محمد بن سلمان الطموحة للنهوض بالاقتصاد السعودي وتأسيس جيش يستطيع مواجهة النفوذ الإيراني برزت بشكل واضح وتجلت مظاهرها في توطيد علاقته بأمريكا.
ولكن يمكن القول أيضًا إن ترامب أصبح "حلقة وصل" بين السعودية وإسرائيل. فمع تعهد ترامب بأن يكون حل الدولتين على يديه وتعيينه مستشارًا ليس له جهود فعالة لحلها، يبدو أن ترامب يمهد لوجود علاقات تجارية بين البلدين والاتحاد في محاربة إيران. ويمكن التدليل على ذلك من خلال مغادرة ترامب من السعودية إلى تل أبيب لتكون محطته الثانية مباشرة لأول مرة في التاريخ.
على الجانب الأخر، ذكرت صحيفة هاآرتس أن تقارير نشرت على مواقع عربية تفيد قيام بن سلمان بمقابلة مسؤولين إسرائيليين كبار في إيلات في 2015 وأخرى على هامش القمة العربية، والتي أقيمت هذا العام في الأردن، بالإضافة إلى المقابلات المنتظمة بين الضباط السعوديين والإسرائيلين في غرفة الحرب المشتركة التي يتعاون فيها كل من الأردن والسعودية والولايات المتحدة الأمريكية.
وقالت صحيفة التايمز البريطانية إن السعودية وإسرائيل، أشد أعداء إيران، يجريان مفاوضات من أجل إقامة علاقات إقتصادية. ونقلت الصحيفة عن مصادر عربية وأمريكية أنه ربما تكون بداية التعاون محدودة، تتضمن السماح لرجال الأعمال الإسرائيليين بالعمل في الخليج، و السماح لشركة "العال" وهي أكبر شركة طيران وطنية إسرائيلية بالتحليق فوق المجال الجوي السعودي.
ولكن ذكرت الصحيفة عن مصادر أخرى مقربة من قيادات المملكة أن العلاقات السعودية- الإسرائيلية المتنامية ما هي إلا جزء من خطة السلام التي وعد أن ينفذها ترامب في الشرق الأوسط وهو حل الدولتين.
من جهة أخرى، تنامت العلاقات بين جاريد كوشنر وبن سلمان سعيًا لتنامي العلاقات بين إسرائيل والمملكة في ضوء التقارب من أجل حل الدولتين القضية الفلسطينية وسط اعتراض من قبل الفلسطينيين على فكرة التقارب، خشية اعتياد العلاقات بين السعودية وإسرائيل دون حل القضية، وهو ما يحدث على أرض الواقع. وبالتالي تتحول العلاقات السعودية الإسرائيلية إلى مضيعة للوقت بالنسبة للقضية الفلسطينية طالما ظل هناك تباطؤ تجاه حل القضية.
ويؤكد ذلك استبعاد وجود أي عملية للسلام على المدى القريب في ظل تحركات الحكومة الإسرائيلية وإصرارها على بناء المزيد من المستوطنات، وليس بالغريب، بحسب ما نشرته صحيفة هاآرتس أن عائلة كوشنر قامت بتمويل لمشاريع استيطانية من قبل.
ونشرت صحيفة وول ستريت جورنال أن دول الخليج أجمعت على تقديم عرض غير مسبوق في مايو/آيار الماضي أمام إسرائيل بإنشاء علاقات طبيعية معها في حالة قيام حكومة نتنياهو بتجميد بناء المستوطنات في الضفة الغربية وتسهيل التجارة ورفع الحصار عن قطاع غزة.
ولكن جاء رد وزير الدفاع الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان أن قطع العلاقات بين دول الخليج وقطر التي تدعم حماس فتح أبواب للتعاون بين إسرائيل ودول الخليج ولكن "يخطيء من يظن أنه من الممكن ربط التعاون بين دول الشرق الأوسط وإسرائيل والصراع الفلسطيني الإسرائيلي".
من جهة أخرى، قال أمين عام "حزب الله"، حسن نصر الله، خلال الاحتفالية التي أقيمت بمناسبة يوم القدس العالمي، أن إسرائيل تشارك في الغارات التي تُشَن في اليمن، ويقصد بها، غارات التحالف العربي، مشيرًا أن كل ما يحدث من تقارب هو بهدف تصفية القضية الفلسطينية وفرض حلول تصب في مصلحة إسرائيل.
جدير بالذكر أن المملكة العربية السعودية ودول الخليج بشكل عام ليس لديها أي علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وقد نصت مبادرة السلام التي طرحت في القمة العربية عام 1996 في القاهرة التي أطلقها الملك عبدالله بن عبد العزيز وهو عم ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على إرساء السلام بين الفلسطنيين والإسرائيليين وإقامة الدولة الفلسطينية معترف بها بناء على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية مقابل إنشاء علاقات طبيعية بين إسرائيل والدول العربية.