يتباهى حكام الإمارات بكونها واحدة من الدول الأسرع نموًا، وتنظر إليها المؤسسات المالية العالمية باعتبارها الدولة التي ستقود التنمية الاقتصادية في المنطقة خلال السنوات القليلة المقبلة، بعد نجاحها في تخفيض اعتمادها على عائدات النفط لتبلغ ثلث مصادر دخلها فقط، وهو ما لم تنجح فيه باقي دول الخليج.
لكن وراء الوجه البراق لواحة الخليج، متاهات من الزنازين المظلمة، لمن يخرج من مواطني الدولة أو العاملين فيها عن الخط المرسوم للحياة، التي يمنحون فيها حريات لا محدودة في الاقتناء والاستهلاك، مقابل قيود واسعة على الحريات السياسية والشخصية. ويضاف إلى هذا طائفة من القوانين التي ترخص لانتهاك حقوق العمالة، لا سيما الواردة من الدول الأكثر فقرًا كدول جنوب وشرق آسيا، وحقوق النساء،كما رصدت العديد من المنظمات الحقوقية الدولية.
عقوبات بلا ضوابط
لم تدفع الرفاه التي تحياها دولة الإمارات سلطاتها للتخلي عن محيطها العربي وما يميزه من قوانين ذات مواد فضفاضة، توسع من قدرة الدولة على محاكمة مواطنيها والوافدين إليها. فالقانون الإماراتي للعقوبات يتضمن عدة مواد لفتت انتباه المراكز والمنظمات الحقوقية الدولية، منها المادة 8 من القانون التي تنص على عقوبة التجريد من الجنسية، دون ضوابط مُقيِّدة لنزع هذا الحق عن المواطنين. بالإضافة لمواد عدة تقيد من حرية التجمع السلمي والتظاهر، وتوسّع من نطاق تطبيق عقوبة الإعدام.
القانون نفسه يتيح للسلطات سجن "كل من أهان بطريقة علنية رئيس الدولة أو علمها أو شعارها الوطني"، وأضاف القانون في نسختيه الأخيرتين الصادرتين عام 2012 ثم 2016 عقوبات تتصل بمعاقبة "الإهانة والسخرية وإيقاع الضرر" عبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. هذه المواد فتحت الباب للحكم على عشرات الأشخاص، وبينهم مواطنين أجانب بالسجن بناءً على اتهامات صيغت بعبارات مبهمة تتعلق بأمن الدولة – وكانت الأدلة فيها تويتات أو منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي.
https://www.youtube.com/embed/XXAMTa0Jmlw
حرية التعبير.. ضد الدولة
أمعنت الدولة في التضييق على حرية المواطنين في التعبير والعمل الصحفي بحسب تقارير دولية عدة، ترى في التشريعات الإماراتية قيودًا واسعة على حق المواطنين في المعرفة، وعلى حرية التعبير والنشر.
ففي المادة 38 من قانون العقوبات قيودًا على "تقديم معلومات تخص الدولة ومؤسساتها تعتبر مضللة أو غير دقيقة إلى الصحافة"، ولا يضع القانون معاييرًا لانطباق هذه الأوصاف على المعلومات التي يقدمها "نافخو الصفارة" إلى الصحافة. ونافخو الصفارة هو تعبير غربي يًطلق على الموظفين الحكوميين أو المسؤولين الذين يطّلعون بحكم مواقعهم ووظائفهم، على معلومات تتصل بإضرار السلطات أو المسؤولين فيها بمصالح المواطنين. ما يجعل الموظفين العمومين الذين يسربون وقائع الفساد أو الانتهاكات للصحافة ، وفقًا لقوانين الإمارات، عُرضة للعقوبة وفقًا لاتهامات فضفاضة بالتضليل أو الإضرار بمصالح البلاد. وفي هذا لا تختلف الإمارات عن العديد من الدول العربية التي تعاقب من يكشفون عن الفساد، ومن بينها مصر.
وأصدرت الإمارات في 2014 قانونًا لمكافحة الإرهاب، ينص على تطبيق عقوبة الإعدام على الأشخاص الذين تؤدي أنشطتهم إلى "الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلم الاجتماعي"، دون تعريف كيفية الإضرار بهذا السلم في القانون.
وتتعارض هذه القوانين مع الاتفاقات والعهود الدولية والعربية لحقوق الإنسان التي وقعت عليها دولة الإمارات، والتي تكفل حرية الرأي والتعبير لكل المواطنين -وتحظر تقييد هذه الحريات إلا في حالات الذم والتشهير والإضرار بالأمن القومي، وتخالف أيضا الدستور الإماراتي نفسه، الذي ينص في مادته الـ 30 على احترام حرية الرأي والتعبير.
من أجل الدول الصديقة
لا تقتصر انتهاكات حرية الأفراد في التعبير على ما يتصل بدولة الإمارات وحدها، بل يمتد أثر القوانين المقيدة لحريات مواطني وسكان الإمارات، إلى ما قد يغضب دولاً صديقة.
ففي أغسطس/ آب 2015، تم إخفاء الأكاديمي الإماراتي ناصر بن غيث قسريًا، وظل مكانه مجهولا حتى بدأت محاكمته أمام "المحكمة الاتحادية العليا" في أبريل/ نيسان 2016. بعد أن وجهت إليه اتهامات بانتهاك عدة مواد من قانوني العقوبات و"جرائم تقنية المعلومات" لعام 2012، وكذلك قانون مكافحة الإرهاب لعام 2014 . تتعلق بعض هذه التهم، وفقا لتقارير إعلامية محلية، بـ"6 تغريدات وصور تسخر من الرئيس المصري وحكومته".
وفي عام 2016، اعتقل الصحفي الأردني المقيم في الإمارات تيسير النجار، وكانت أسباب اعتقاله تتعلق بالانتقادات عبر الإنترنت للعمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة .
ونشرت مجموعة "سيتزن لاب" المعنية بالحقوق الرقمية تقريرًا يفيد بتعرض حسابات المعارضين الإماراتيين لهجمات إلكترونية ومراقبة مستمرة من قبل السلطات، ويعود تاريخ هذه الرقابة الى العام 2012 - ما يعد مخالفة لمواثيق حقوق الإنسان وانتهاك صريح للحرية الشخصية للأفراد.
وفي يونيو 2016، أصدرت دائرة أمن الدولة حكمًا بالسجن لمدة ثلاث سنوات على المواطن المصري مصعب أحمد عبد العزيز رمضان، لاتهامه بإدارة جماعة دولية في الإمارات مرتبطة بجماعة "الإخوان المسلمين" المصرية. وتعرض مصعب للاختفاء القسري على أيدي السلطات لعدة أشهر قبل محاكمته، وادعى لاحقًا أن ضباط الأمن أجبروه خلال هذه الفترة على "الاعتراف" تحت وطأة التعذيب - كما أشارت منظمة العفو الدولية.
وفي أغسطس/آب 2016، وافقت السلطات على نقل 15 من المعتقلين في المعتقل الأمريكي في خليج غوانتنامو إلى الإمارات.
وأصدر مركز الإمارات للدراسات والإعلام، إحصائية بيّنت أن أسر المعتقلين وأقاربهم يتعرضون بشكل منظم وممنهج لمضايقات مستمرة كحرمانهم من السفر، وطردهم من العمل، ومصادرة ممتلكاتهم الشخصية، ووصل الأمر أيضا إلى حرمان أبنائهم من إكمال تعليمهم، ورفض تجديد جوزات سفرهم أو تأميناتهم الصحية.
عبيد الرفاهية
قانون العمل في دولة الإمارات العربية المتحدة رقم 8 لعام 1980 - هو قانون اتحادي ينظم علاقات العمل في مختلف أنحاء البلاد. وتنطبق بنوده على مواطني الإمارات والعمال المهاجرين. ويحدد قواعد توظيف العمال من جانب أصحاب العمل في الإمارات، ويضع الحد الأقصى لساعات العمل ، ويقضي بمنح العامل إجازة سنوية وأجرًا عن ساعات العمل الإضافية. ويحظر القانون توظيف الأحداث دون سن 15 عامًا. كما يحظر تشغيل "الأحداث" ليلاً في المشروعات الصناعية وتشغيلهم "في الأعمال الخطرة أو المضرة بالصحة".
لكن تقريرًا لمنظمة هيومان رايتس ووتش صدر عام 2014، أثبت أن هذا القانون غير فاعل، وأثبتت الشهادات الواردة فيه تعرض العمالة المنزلية على وجه التحديد لكثير من الانتهاكات.
واستجوبت المنظمة 99 خادمة، ووكلاء استخدام في الإمارات العربية المتحدة. وقالت 22 من النساء اللواتي استجوبن إنهن تعرضن للضرب بالعصا والصفع والرفس. وتضمنت الانتهاكات مصادرة جواز السفر وعدم دفع الأجور، والإكراه على ساعات عمل طويلة والحبس وحجب الطعام.
وتعمل 146 ألف امرأة ضمن العمالة المنزلية في الإمارات العربية المتحدة، ويأتي معظمهن من الفلبين وإندونيسيا والهند وبنجلاديش وسريلانكا. وصرحت وزيرة العمل الفلبينية إن الوزارة توقفت عن إصدار رخص للعمالة المنزلية التي تنوي السفر إلى الإمارات العربية المتحدة .
وفي تقرير آخر نشرته هيومن رايتس ووتش في 2016 – تبيًّن أن وزارة العمل الإماراتية تتغاضى عن الشكاوى التي ترصد استبدال عقود العمالة الوافدة ذات الأجور الزهيدة، حيث يتلقى العمال أجورا أقل من تلك التي وافقوا عليها في بداية التعاقد، وهي ممارسة يمكن أن تؤدي إلى تهيئة ظروف العمل الجبري الذي يحظره القانون الدولي.
في عام 2015 - رصد الائتلاف العالمي للحريات والحقوق انتهاكًا جديدًا تجاه العمالة السورية في الإمارات، حيث قامت عدة شركات إماراتية بتسريح جميع الموظفين السوريين لديها لـ"أسباب أمنية".
وليست هذه المرة الأولى التي تسرح فيها الإمارات عمالتها من جالية واحدة لدواع أمنية، فقد أصدرت الإمارات قرارات شبيهة في السابق ضد عاملين من الجاليات الفلسطينية واللبنانية واليمنية في السنوات القليلة الماضية، وكذلك ضد الجالية المصرية في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي.
وفي تقرير نشرته أوبزرفر البريطانية حول العمالة في جزيرة السعديات – كشفت الصحيفة عن قصور في أداء "شركة السياحة والاستثمار الإماراتية" التي تدير مشروع السعديات "عن الوفاء بسياسات احترام العمل"، واتهمت الصحيفة الشركة الإماراتية بترك العمال "في حالة من العوز الشديد"، والحرمان من التحرك خارج مساكنهم المخصصة لهم، والتعرض للترحيل لأي سبب بسيط، كالاحتجاج على ظروف العمل على سبيل المثال. ووجد التحقيق أن العمالة المهاجرة التي تقوم ببناء فرع لجامعة نيويورك في نفس الجزيرة يعاني أفرادها من أوضاع أشد بؤسًا.
وتوصل التقرير إلى أن الشركات تقوم بحجز جوازات سفر العمال الأجانب حيث تتحكم بحياتهم. ويعيش آلاف العمال في ظروف أقل من العادية وأحوال قذرة؛ في انتهاك واضح لتعهد الشركة لإسكان العمال في مساكن القرية النموذجية في الجزيرة. فيما تم ترحيل عشرات العمال هذا العام بسبب تظاهرات قاموا بها احتجاجا على ضعف أجورهم .
ويتضمن قانون العمل الإماراتي مواد خاصة بالأمن الصناعي والرعاية الصحية للعمال . ويلزم القانون أصحاب الأعمال بحماية العمال من خطر الإصابات والأمراض المهنية من خلال توفير "وسائل الوقاية المناسبة لحماية العمال" ويحدد القانون شروط تعويض العامل في حال تعرضه لحادث متصل بالعمل. بينما كل هذا لا وجود له على أرض الواقع بحسب التحقيق المشار إليه.
حيث لا يلزم قانون العمل الإماراتي صاحب العمل بحد أدنى للأجور، كما يمنع تكوين النقابات العمالية والتفاوض الجماعي، وهو ما يخالف مواثيق العمل الدولية ومواثيق حقوق الإنسان التي تنص على حرية التنظيم، حيث يحق للعمال تكوين نقابات والتوصل إلى حلول مع أصحاب العمل عبر التفاوض.
اللافت أن هذا يخالف كذلك الدستور الإماراتي في مادته 33 التي تتيح حرية التجمع وتكوين الجمعيات. وتقول الصحيفة إن المجلس الأوروبي عقد في 4 ديسمبر/ كانون الأول لقاءً لمناقشة القلق المتزايد من طريقة معاملة العمال المهاجرين في الإمارات.
النساء أحلى في لوحات الإعلانات
مع اختيار وزيرات في الحكومات أﻷإماراتية الأخيرة، يظل وضع المرأة في الإمارات غير بعيد عن أوضاع نساء المشرق العربي.
يؤكد ذلك تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش، استعرضت فيه قانون الأحوال الشخصية رقم 28 لسنة 2005 الذي ينظم مسائل الأحوال الشخصية في الإمارات، وتمييز بعض أحكامه ضد المرأة. ففي القانون لا يتاح للمرأة أن تبرم عقد زواجها بنفسها، وعلى ولي أمرها أن يبرم العقد. وللرجال الحق في تطليق زوجاتهم من جانب واحد، في حين أن على المرأة التي ترغب في الطلاق من زوجها أن تقدم طلبا للطلاق بحكم محكمة. وقد تفقد المرأة حقها في النفقة إذا، على سبيل المثال، رفضت أن تقيم علاقات جنسية مع زوجها دون عذر شرعي، ومطلوب من النساء "طاعة" أزواجهن . يمكن اعتبار امرأة ناشزا، مع استثناءات قليلة، إذا قررت أن تعمل دون موافقة زوجها .
وأشار التقرير إلى حكم أصدرته المحكمة الاتحادية العليا عام 2010، يسمح للزوج بضرب زوجته وإلحاق أشكالٍ أخرى من العقاب بها أو إكراهها على شيء ما، شريطة ألا يترك آثارا بدنية. وتسمح المادة 53 من قانون العقوبات بـ "تأديب الزوج لزوجته... والأولاد القصر"، طالما أن الاعتداء في حدود ما هو مقرر شرعا أو قانونا، وهو ما تعده القوانين الغربية ممارسة للعنف الأسري الذي يعاقب عليه القانون.
وينص قانون الأحداث الجانحين والمشردين على إمكانية إنزال عقوبة الجلد بالأطفال الذين تزيد أعمارهم على 16 عامًا في جرائم القتل والاعتداء والضرب، والجرائم المتعلقة بالكحول، والسرقة، أو العلاقة الجنسية خارج الزواج.
كما أن المادة 356 من قانون العقوبات تجرم (دون أن تُعرِّف) "هتك العرض"، ويُعاقب عليه بما لا يقل عن السجن سنة. وتستخدم محاكم الإمارات هذه المادة لإدانة الأشخاص والحكم عليهم بجرائم الزنا، في حال ممارستهم علاقات جنسية رضائية خارج إطار الزواج، كما تستخدمها للمحاسبة على "الجرائم الأخلاقية" ومنها المثلية الجنسية المجرًّمة بموجب القانون.
وناشد المركز الدولي للعدالة وحقوق الانسان دولة الإمارات بمراعاة المواثيق الدولية والعمل على عدم التفرقة بين المواطنين وخصوصًا النساء، على أساس الولاء السياسي والانتماء القبلي.
ورغم كل ما هو مسجل من إنتهاكات تخفيها الأبراج المبهرة، التي جعلت المدن الإماراتية تبدو كعواصم الحريات الغربية؛ تستمر الإمارات في تطبيق قوانينها التي تنتقص من حقوق النساء والوافدين، والانتقاص من حريات مواطنيها الأساسية في التنظيم والتعبير والتجمع السلمي. ولا يبدو أنها تعتزم تغيير تلك السياسات قريبًا.