كنت أمشي في الشارع في مساءٍ رمضاني سعيد. أستمع في طريقي لصوت الشيخ الذي يخطب خطبة ما، مشعلًا سيجارتي.
كان الرجل يقول إننا يتوجب علينا سؤال أطفالنا فيمَ ينوون إنفاق النقود التي نعطيها لهم، واختص بكلامه شراء "البمب" و"الصواريخ". وقال إننا لابد وأن نقول لهم كخِّ (نطقها بالضبط كيخن) عندما يأتون بفعل سيئ، مثلما كان النبي يفعل مع الحسن والحسين. "كيخن، كيخن". كدت أن أسخر من كخ هذه قبل أن أراجع نفسي؛ قد تكون وقاحة وجهل مني، ربما هي بالفعل عربية صحيحة.
وصلت لنهاية الشارع، كنت أنتظرُ أي تاكسي شاغر بينما مضى الإمام في توضيح مقصده من وراء ذكر "البمب" و"الصورايخ" بالذات، قال إنها يمكن أن تزعج الناس، خاصة ممن يعانون من تجارب سيئة. وجدت تاكسي أخيرًا، كدت أن أركب عندما قال الإمام: "يعني مثلا أنا كنت باتكلم في نفس الموضوع في جامع تاني، هتف بيا راجل وكان متأثر ومتوتر جدا، كان ظابط جيش..."
ساعتها غيرت رأيي، أشرت للتاكسي بأن يمضي، وقلت لنفسي إنني لابد أن أستمع لما سيقوله هذا الإمام. نظر إلي السائق نظرته لمجنون، ثم هز رأسه ومضى في طريقه.
استندت إلى عربة مركونة ومضيت في التدخين والاستماع؛ كان يحكي عن الضابط الذي كان توتره غير طبيعي، وهو يحكي له أنه قد شارك في حربي 73 و67، وأنه في يومٍ كان نائما في دُشمة هو وزملائه، وانفجر بجوار مرقدهم صاروخ إسرائيلي. لم يصابوا بشيء لكنّ الفزع الذي صاحب استيقاظهم من النوم استلزم نقلهم للمستشفى، وأنه حتى الآن يستيقظ هلعًا عندما يسمع صوت "البمب" و"الصواريخ"، بل وقد يشتبك مع العيال في الشارع، مطلًا عليهم من شرفته بكل مواهبه العسكرية.
قال الإمام إن الضابط "يعاتب" العيال، ولكن يمكنك أن تتخيل ماهية هذه "المعاتبة"، خاصة لضابط جيش، وخاصة عندما تتخيل صياغات قديمة في صفحات الحوادث: "عاتبه على عدم رد 20 جنيهًا فطعنه".
اجتهد الإمام في شرح الألم النفسي الذي وقع على الضابط جرّاء النقود التي نعطيها لأطفالنا فيبتاعون بها البمب فيزعجون الناس، خاصة رجال الجيش، ثم قال، ربما في محاولة ماكرة لاستدراك أثر السخرية التي ربما تتصاعد من طريقة حكيه لتوتر الضابط، هاتفا في حرارة:"رفقًا بالبواسل، رفقا بالبواسل، رفقا بالبواسل".
حاولت كتم ضحكتي التي كانت ستجلجل ساحبة ورائها صوت حلقي ونحن في شهر كريم. فالبواسل لم يرفقوا ابالقوارير في فحوص العذرية، ولم يرفقوا بالشعب الذي قال رئيسه إنه "لم يجد من يحنو عليه" بل وجوّد وزاد في جملته الشهيرة بتعقيب حديث جدًا، مشيرًا إلى أن الحنو و"الرفق لا يعني الطبطبة".
يقف البواسل لبيع الزيت والصابون في الشارع، معلنين بفخر أنه بتخفيض 20%. يهجم البواسل على كل صناعة في مصر، على كل تجارة، على كل شارع وعلى كل ركن.. سمعت مؤخرًا أنهم قد فرضوا مياههم المعدنية على فروع بنك شهير. وقبلها أحكموا قبضتهم على المستشفيات الجامعية.
البواسل الذين يعينون إمام جامع يعظ الناس بحكاية مثل هذه، مستخلصا أن البمب والصواريخ سيئة لأنها تزعج البواسل، ليسمعها كاتب فيقهقه طربًا، وهو يتذكر أن نفس البواسل انفقوا المليارات على مسلسلات رمضانية ليقصون منها مشاهد بعينها اتضح انها لا تروق لهم.
البواسل الذين يبيعون تيران وصنافير، ويجردون وطنهم من نقطة لقوته قد يستخدمها تجاه أي اعتداء، ثم ينتشرون في شوارعه بمجنزراتهم.
البواسل الذين ينتفضون في فزعٍ عند سماع صوت "بمبة"، تذكرهم بالقنبلة التي انفجرت في الميدان الكبير، قبل ستة أعوام.
رفقًا بالبواسل، بالتأكيد، رفقًا بالبواسل.